انطلقت فعاليات الدورة السادسة لمهرجان الجزيرة
الدولي للفيلم الوثائقي وسط حضور جماهيري وإعلامي مكثف. وقد أعلن مدير شبكة
الجزيرة
ورئيس المهرجان السيد
وضاح خنفر
إشارة الانطلاق مشيدا بجهود
العاملين على إنجاح هذه التظاهرة ومعتبرا أن اتخاذ "الحرية" شعارا لهذه
الدورة يزيد
في عمق الرسالة التي تسعى الشبكة إلى إرسالها من خلال هذا المهرجان.
كما تولى السيد
عباس الأرنؤوط
مدير المهرجان الترحيب بالضيوف العرب والأجانب. ولعل من أهمهم
أليدا شي
غيفارا
ابنة البطل الأممي الأسطورة
أرنستو شي غيفارا
إضافة إلى الفنان السوري
دريد لحام
والممثل المسرحي المصري
محمد صبحي
كما تحضر
السينما الوثائقية الروسية
كضيفة شرف في المهرجان هذا إلى جانب
فرقة صينية وأخرى تركية.
تولى أرنؤوط التركيز على خصوصيات هذه الدورة
التي ستهدف إلى التعريف بالذين ضحوا من أجل إيصال الصورة إلى الناس ومن
خلفها كانوا
باحثين حقيقيين عن الحقيقة. وقد اختارت إدارة المهرجان تكريم المصور
الفلسطيني
أسامة السلوادي
الذي أقعده رصاص الاحتلال الإسرائيلي على كرسي
متحرك أثناء قيامه بواجبه الصحفي والإعلامي ورغم ذلك ظل يبحث
وراء الصورة الصادقة
أينما وجدت. فانضاف أسامة كضحية أخرى إلى طوابير الإعلاميين والمصورين
الذين بذلوا
حياتهم من أجلنا من أجل إيصال الحقيقة وبالتالي من أجل الحرية .. حرية
التعبير
بالصورة.
بعد هذا التكريم شاهد الجمهور فيلما وثائقيا قصيرا
قادما من كوبا يحمل عنوان "أصابع
حية"
ويتناول سيرة ذاتية فنية
للمايسترو الكوبي وعازف البيانو
فرانك فرنانداز.
حيث احتلت لغة
الموسيقى والشعر والتأمل مساحات الفيلم وأطراف الصورة. فتطابقت للغة
البصرية مع
موضوع الفيلم. فكانت الصورة مصحوبة بالموسيقى وبحركة الأصابع
وهي تداعب البيانو
رقيقة تارة وعنيفة في كثير من المرات لتحاكي ذات المبدع وهو يعبر عن ذاته
بلغة
الكلام قائلا : "ماذا
سأترك بعد الرحيل ... ألحاني التي عزفت... وأمثالا
..
ضربت .. بالجهد نرتقي.. عالمنا يمكن أن يكون أجمل"..
عبّر الفيلم عن معنى عميق لمفهوم الحرية المتحقق في
الإبداع والعزف والطيران بعيدا في عالم النغم بدون قيد أو عبودية.. لقد
أصبحت حركة
الأصابع على البيانو قادرة على الفعل في العالم والوجدان.
فيلم الافتتاح
الطويل كان من إنتاج
الجزيرة للأطفال
ويحمل عنوان "عايشين".
وقد ترك السيد
محمود بوناب
مدير
الجزيرة للأطفال المجال للطفل الفلسطيني
أحمد
ذي التسع سنوات
ليقدم الفيلم فهو أحد الشاهدين العيان فيه. وقد تولى الطفل أحمد بتقديم
الفيلم بشكل
خطابي معبرا عن وضع غزة ومعاناة أطفالها.
مخرج الفيلم هو
الروسي نيكولا
فاديموف
وقد منعته الفوضى التي أحدثها بركان أيسلندا من الحضور إلى
الدوحة. وقد حصل الفيلم على الجائزة الأولى في مهرجان برلين الأخير.
يتحدث
الفيلم عما بقي من غزة بعد الحرب عليها في يناير 2009 فانتقلت العدسة بين
الخراب
والناس وبقايا الأمل في الأجساد التي أنهكها التعب والفسفور
الأبيض. يمثل الفيلم
رحلة في عمق المأساة الفلسطينية من خلال الطفل الفلسطيني في المدرسة
والشارع وعلى
البحر وفوق الجدران المتهدمة. لقد كانت معناة شاملة قضي فيها على البشر
والحجر
والحيوان والجماد والأفق وعلى الجو البحر والذكريات.
ولكن لحن الحياة في الفيلم لم ينطفئ من خلال
التعبيرات المختلفة الموسيقية والفنية والخطابية. فترى الطفل منهم يطمح أن
يصير
طبيبا وإن عجز فسيصير استشهاديا.. وتلك ضريبة أخرى ورؤية مختلفة للحرية
والبقاء..
تتألم الطفلة من فقد والدتها بشظية ولكنها تظهر لنا من فوق سطح البيت
تتأمل بكل أمل في بيوت غزة المترامية التي مازالت تختزن الحياة
رغم الدمار...
وينتهي الفيلم بتشغيل محرك للعبة في مدينة العاب غزة ويركب أحد الأطفال
ومعه
الكاميرا وتبدأ اللعبة بالدوران ببطء ثم بنسق متسارع والكاميرا
معها تدور والدنيا
تدور والحياة في غزة تدور والدمار يدور والبقاء يدور... لأن الكرة الأرضية
تدور..
غاليليو وهو ذاهب إلى المشنقة من اجل تهمة دوران الأرض .. قال "ورغم ذلك
فهي تدور"... أما الطفل أحمد الذي فقد ما فقد فلسان حاله يقول:
رغم ذلك نحن "عايشين"...
الجزيرة الوثائقية في
20/04/2010
رُمُوز: المُخْرجة المصْرِيَّة سميحة الغنيمي
الهادي خليل
تَارِيخ السّينمَا المِصْرِيَّة الوَثَائِقِيَّة تَارِيخٌ حَافِلٌ
بِالإِنْجَازَات الكُبْرَى، رَأَت النُّور فِي بِدَايَات
القَرْن المَاضِي
وَتَحْدِيدًا سَنَة 1923، قَبْلَ أَنْ تَنْطَلِقَ السِّينِمَا المِصْرِيَّة
الرِّوَائِيّة سَنَة 1927، وَهوَ تَارِيخ عَرْض فِيلم "لَيْلَى"، أَوَّل
فِيلم
مِصْرِي. الْتَحَمَتْ مَسِيرَةُ السِّينِمَا الوَثَائِقِيَّة المِصْرِيَّة
بِقَضَايَا الوَطَن وَمَعْرَكَة التَّحْرِير ضِدَّ المُحْتَلّ
البرِيطَانِي
وَالوِحْدَة العَرَبِيَّة بَعْدَ قِيَام ثَوْرَة يُوليُو عَام 1952
وَبِنَاء
المُجْتَمَع وَتَشْيِيدِهِ. كَانَ صَلاح التُّهَامِي أَهَمّ رَمْزٍ لِعَصْر
السِّينِمَا المِصْرِيَّة الوَثَائِقِيَّة الذَّهَبِي، فِي مَرْحَلَة
التَّأْسِيس
هَذِهِ، صُحْبَةَ سَعْد نَدِيم وَجِيلٌ مِعْطَاء مِنَ السِّينمَائِيِّين
الوَثَائِقِيِّين الذِين تَخَرَّجُوا مِنْ مَعهد السِّينمَا
التَّابع
لأَكَادِيمِيَّة الفُنُون التِي أَنْشَأَتْهَا الثَّوْرَة.
سَمِيحَة الغنيمِي
هِيَ دُونَ شَكّ أَهَمّ مُخْرِجَة وَثَائِقِيَّة حَالِيًّا فِي بِلاَد
النِّيل، هيَ
حَلَقَة مُضِيئَة يَتَرَابَطُ مِنْ خِلاَلِهَا جِيلُ السَّابِقِين
وَالمُؤَسِّسِين
مَعَ جِيل المُخَضْرَمِين أَيْ جِيل الثَّمَانِينَات
وَالتِّسْعِينَات الذِي مَشَى
بِثَبَات وَدِرَايَة عَلَى خُطَى أَسْلاَفِهِ الأَمْجَاد. هِيَ غَزِيرَةُ
الإِنْتَاج، مَنَحَتْ حَيَاتهَا كُلّهَا وَمَا زَالَتْ لِجِنْسٍ
سِينِمَائِيٍّ
تَعْتَبِرُهُ الذَّاكِرة الوَقَّادَة لِتَارِيخ الشُّعُوب
وَالحَضَارَات،
فَاهْتِمَامَاتُهَا مُتَعَدِّدَة وَمُتَنَوِّعَة، تَمْزِجُ بَيْنَ
الثَّقَافِي
وَالفَنِّي وَبَيْنَ المِعْمَارِي وَالتَّاريخِي، وَلَقَدْ
خَصَّتْهَا، سَنَة 2003،
النَّاقِدَة السّينمَائِيَّة المِصْرِيَّة المَعْرُوفَة مَاجدَة مُورِيس
بِكِتَابٍ
رَائِقٍ وَمُهِمٍّ بِعُنْوَان "سَمِيحَة الغنيمِي شَاعِرَة، السِّينِمَا
التَّسْجِيلِيَّة" (إِصْدَارَات صُنْدُوق التَّنْمِيَة
الثَّقَافِيَّة التَّابع
لوزَارَة الثَّقَافة المصْرِيَّة)، اسْتَعْرَضَتْ فِيهِ أَهَمَّ
المَحَطَّات
الفِيلمِيَّة لِهَذِهِ المُخْرِجَة المُتَأَلِّقَة.
كَانَتْ مُعْجَبَة كَثِيرًا
بِالرِّوَائِي المِصْرِي نَجِيب مَحْفُوظ، الأَدِيب وَالإِنْسَان،
وَكَانَتْ
تَعْتَبِرُهُ هَرَمًا مِنْ أَهْرَام الأَدَب العَالَمِي وَالكَوْنِي.
قَبْلَ
إِنْجَازِهَا سَنَة 1989 لِفِيلم "حَارَة نَجِيب مَحْفُوظ"،
كَانَتْ تَنْتَهِزُ
كُلّ الفُرَص، سَوَاء فِي الإِذَاعَة أَوْ فِي بَعْض اللِّقَاءَات
التَّلْفَزِيَّة
أَوْ فِي المَنَابِر الثَّقَافِيَّة، لِتَتَحَدَّثَ عَنْ نَجِيب مَحْفُوظ،
عَنْ
رِوَايَاتِهِ التِي كَانَتْ تَحْفَظُهَا عَنْ ظَهْر قَلْب
وَعَنْ حَيَاتِهِ
البَسِيطَة فِي المَقَاهِي بَيْنَ النَّاس. أَنْجَزَتْ هَذَا الفِيلم
بِكَثِيرٍ
مِنَ الشَّاعِرِيَّة، نَتَبَيَّنُ مِنْ خِلاَلِهِ لَيْسَ فَقَطْ تَمَاهِي
المُخْرِجَة مَعَ عَالَمٍ رِوَائِيٍّ يَرُوقُ لَهَا، بَلْ
أَيْضًا قِرَاءَتهَا
الشَّخْصِيَّة لِمَنَاخَات نَجِيب مَحْفُوظ السَّرْدِيَّة وَخَاصَّةً
فِيمَا
يَتَعَلَّقُ بِرَسْمِ الشَّخْصِيَّات وَالأَمْكِنَة.\
أَمَّا القُطْب الثَّانِي الذِي كَانَتْ تَحُومُ حَوْلَهُ مُنْذُ زَمَان،
فهوَ المُوسِيقَار النَّابِغَة محمّد عَبْد الوَهَّاب.
يَتَنَاوَلُ فِيلم "عَاشِق
الرُّوح" الذِي أَنْجَزَتْهُ سَنَة 1992 رَحِيلَ المُوسِيقَار مُحمّد عبد
الوهَّاب
الذِي بَصَمَ الذَّاكِرَة المُوسِيقِيَّة، بِوَصْفِهِ مُغَنِّيًا
وَمُلَحِّنًا، فِي
القَرْن المَاضِي. المُعْطَى البَارِز فِي هذَا الفِيلم هُوَ مَسْحَة
الرُّومَانْسِيَّة الحَزِينَة التِي تَسِمُ كُلَّ أَجْزَائِهِ،
وَكَأَنَّهُ عَمَلُ
حِدَاد عَلَى رَمْزٍ مِنْ رُمُوز الإِبْدَاع العَالَمِي. هُوَ فِيلم
أُنْمُوذَجِي
بِكُلّ المَقَايِيس لأَنَّهُ يُبْرِزُ العَلاَقَة المَتِينَة بَيْنَ
السِّينِمَا
وَالمُوسِيقَى، بَيْنَ شَاعِرِيَّة المُخْرِجة وَشَاعِرِيَّة
المُلَحِّن،
وَكَأَنَّهُمَا يَتَنَاغَمَان وَيَلْتَحِمَان الْتِحَامًا حَمِيمًا.
تَتَوَقَّفُ
سَمِيحَة الغنيمي عَلَى بَعْض المُفْرَدَات الكَامِنَة فِي بَعْض
الأَلْحَان،
تُحَاوِلُ اسْتِجْلاَء مَوَاطن الإِبْدَاع فِيهَا مِنْ خِلاَلِ
بِنَاءٍ درَامِيّ
سَلِسٍ، يَتَمَيَّزُ بِالتَّجْوِيد الفَنِّي، نَتَبَيَّنُ مِنْ خِلاَلِهِ
الوَشَائِج الوَطِيدَة التِي تَرْبِطُهَا المُخْرِجَة مَعَ هَذَا المُبْدع
الكَبِير. "عَاشِق الرُّوح" هُوَ شَرِيطٌ يُذَكِّرُنَا
بِأَشْرِطَة مُهِمَّة
أُنْجِزَتْ عَنْ مَخْبَر الفَنَّان، أَكَانَ رَسَّامًا أَوْ نَحَّاتًا أَوْ
مُوسِيقَارًا، وَهوَ يُبْدِعُ وَيُطَارِدُ نَسَمَات الإِلْهَام.
كَمَا اهْتَمَّتْ المُخْرِجَة سَمِيحَة الغنيمِي بِالقُصُور
التَّارِيخِيَّة المِصْرِيَّة، إِذْ صَوَّرَتْ سَنَة 1999
فِيلمًا بِعُنْوَان "مَتَاحف
الأُسْرَة العَلَوِيَّة" أَعْقَبَتْهُ سَنَة 2001 بِفِيلمين هُمَا "قَصْر
القُبَّة" وَ"قَصْر الطَّاهِرَة". وَلَقْدْ تَمَكَّنَتْ بِفَضْلِ حِسِّهَا
المُرْهَف وَحُبِّهَا لِعَمَلِهَا أَنْ تَحْتَفِظَ فِي هَذِهِ الأَفْلاَم
بِمَلاَمِحِهَا كَفَنَّانَة "قَادِرَة عَلَى إِثَارَة
الاهْتِمَام بِالمَكَان
بِأُسْلُوبٍ يَجْمَعُ بَيْن الحَسَاسِيَّة فِي اخْتِيَارِ اللَّقْطَة
وَالقُدْرَة
عَلَى إِقَامَة جَدَل بَيْنَ أَجْزَاءِ العَمَل وَإِقَامَة عَلاَقَة بَيْنَ
التَّارِيخ وَالجغْرَافيَا"، كَمَا تَقُول مَاجدَة مُورِيس.
وَنَرَى بِكُلِّ وُضُوح
فِي هَذِهِ السِّلْسِلَة مِنَ الأَفْلاَم انْبِهَارَ المُخْرِجَة
بِرَوَائِع
الطَّرْز المِعْمَارِيَّة وَالتُّحَف وَالمُقْتَنَيَات، مُسَلِّطَةً
عَلَيْهَا
بَعْض الأَضْوَاء التَّارِيخِيَّة التِي تَعُودُ بِنَا إِلَى كُلّ
الأَحْدَاث، مِن
اتِّفَاقِيَّات وَوَقَائِع وَمُؤَامَرَات التِي تَخُصّ هَذِهِ القُصُور
وَهَذِهِ
المَعَالِم الأَثَرِيَّة، وَالتِي أَثَّرَت عَلَى الحَيَاة فِي مصر
لِوَقْتٍ
طَوِيل.
إِنَّ مَسِيرَة سَمِيحَة الغنيمِي كَمُخْرَجَة وَثَائِقِيَّة هِيَ
عِبَارَة عَنْ مَرَاحِل مُتَفَرِّدَة وَثَرِيَّة، كُلّ
مَرْحَلَة تَمَيَّزَتْ
بِنُقْلَة نَوْعِيَّة وَبِإِصْرَارٍ دَؤُوب عَلَى التَّحَكُّمِ فِي
البِنَاء
الدّرَامِي وَهوَ فِي نَظَرِ المُخْرِجَة رَكِيزَة الرَّكَائِز فِي
السِّينِمَا
الوَثَائِقِيَّة. فَفِي السَّبْعِينَات، كَانَتْ تَتَلَمَّسُ،
مِنْ خِلاَلِ
إِنْجَازِهَا لِفِيلم "الخُيُول العَرَبِيَّة"، خُطوَاتِهَا الأُولَى عَلَى
خَرِيطَة السِّينِمَا الوَثَائِقِيَّة. وَفِي الثَّمَانِينَات بَرْهَنْتْ،
مِنْ
خِلاَلِ تَصْوِيرِهَا لِـ"حَارَة نَجِيب مَحْفُوظ" وَ"عَاشِق
الرُّوح"، أَنَّهَا
فَنَّانَة مَوْهُوبَة. أَمَّا فِي التِّسْعِينَات، فَإِنَّهَا
بَيَّنَتْ أَنَّ
تَصْوِير الآثَار وَالمَتَاحِف هُوَ عَملٌ فَنِّي بِالأَسَاس يَجِبُ أَنْ
يَكُونَ
بَعِيدًا عَنْ كُلّ نَزْعَة سِيَاحِيَّة وَفُولْكلُورِيَّة.
الجزيرة الوثائقية في
20/04/2010 |