«سيكودراما» تسمية أطلقت على صنف من أشكال المعالجة النفسية من خلال
التقنيات المسرحية وتعني حرفياً «الدراما النفسية»..
وعلى الرغم من أن أول من استخدم هذه التسمية هو الطبيب النفسي الروماني
مورينو حُْمَُ، فإن الفنان المصري محيي إسماعيل يعتبر رائد السيكودراما في
السينما العربية.. لأنه استطاع بموهبة فنية أن يقدم أدواراً عجز غيره عن
تقديمها تتماهى في تعقيدات النفس البشرية، كان من أبرزها دوره في فيلم
«الإخوة الأعداء» الذي نال عنه العديد من الجوائز العالمية.. وكرمه عنه
أيضاً الرئيس المصري الراحل أنور السادات.. وعلى الرغم من قلة تواجد
إسماعيل في المشهد السينمائي خلال مسيرته الفنية، إلا أن أعماله تركت صدى
بارزاً، ورسمت ملامح شخصيات ونماذج متباينة سياسياً، شعبياً، ارستقراطياً،
وسلوكياً.. وكانت عودته الأخيرة في فيلم «حد سامع حاجة» إضافة جديدة إلى
سجله الحافل.. «الحواس الخمس» التقاه وكان هذا الحوار.
·
سنوات طويلة غبت فيها عن
جمهورك.. فهل ابتعدت عن الفن أم ابتعد الفن عنك؟
لقد ظللت 12 عاماً بعيداً عن الفن باختياري، لم يبتعد عني الفن مطلقاً، بل
اعتذرت عن العديد من الأعمال التي عرضت عليّ لأنني لم أجد فيها ما يناسبني،
غالبيتها أعمال بلا معنى، الفيلم الحقيقي برأيي هو الذي يعيش بعد موت
أبطاله.
التلفزيون والمسرح
·
ألم تجد ما يشدك إلى الدراما
التلفزيونية أو المسرحية؟
في الحقيقة أنا أكره التلفزيون والمسرح، لعدم تقديرهما قيمة الفنان، خاصة
أنني كنت من أوائل المشاركين في تأسيس المسرح التجريبي في مصر مع صلاح
جاهين.
بعد ذلك عرفتني خشبة المسرح أكثر من 35 عاماً كانت أعمالي كلها ذات قيمة
تجد صدى في النفوس، وتتلامس مع واقع الجمهور وهمومه وآماله، كمسرحيات
«بياعين الهوى»، «المغناطيس»، «الليلة العظيمة»، «القاهرة في ألف عام»..
أما بالنسبة للدراما التلفزيونية فلي العديد من المسلسلات ذات التاريخ
الناصع في التلفزيون المصري، لكن للأسف القنوات الأرضية لا تعرض هذه
الأعمال وتفسح قنواتها لأعمال تافهة.. لذلك أعلنت كراهيتي للتلفزيون.
وقد ألحت علي مدينة الإنتاج الإعلامي لأقوم ببطولة مسلسل تلفزيوني فوافقت
وقمت ببطولة مسلسل «المخبر الخاص» مع 40 ممثلاً وممثلة، لكن تم عرض المسلسل
على القنوات الفضائية ولم يعرض حتى الآن على القنوات الأرضية.. ليس هذا فقط
بل يرفض التلفزيون عرض أي فيلم من أفلامي ال25.
·
نعود إلى السينما.. تردد خلال
السنوات الأخيرة قيامك بتجسيد شخصية الزعيم الليبي، لكن طال الانتظار؟
كنت أقوم بالتحضير لكتابة فيلمي عن الزعيم معمر القذافي وقراءة عدد كبير
جداً من الوثائق عن تاريخ الثورة الليبية وتطوراتها حتى استطيع الإلمام
التام بجميع جوانب حياة هذا الزعيم العربي الذي يصعب على أحد التنبؤ بأسلوب
تفكيره.. وهذا أحد أسرار عبقريته.
·
هل هذا سبب قوي لابتعادك الفترة
الماضية؟
بالطبع لأن العمل الجيد هو الذي يجبرني على قبوله والتفرغ له لأنني اختار
أدواري بعناية شديدة، ومسيرة أعمالي تتميز بخط واحد وهو الخط النفسي، لأنني
من رواد هذه الأدوار في السينما المصرية التي قدمت أكثر من 4500 فيلم، ليس
بينها إلا أفلام محيي إسماعيل التي رصدت تعقيدات النفس البشرية، وهذا ما
يسمى بالسيكودراما، وقد كرمت في الولايات المتحدة الأميركية لهذا السبب.
مع الشباب
·
لكن هذا التميز والتخصص في نوعية
محددة من الأدوار، ألا ترى أنه قلل من انتشارك؟
الأهم عندي هو القيمة والمحصلة النهائية للأعمال الفنية، لأن الأعمال
الموجودة حالياً غالبيتها ليست ذات قيمة، ولا تضيف إلى أصحابها شيئاً.. أما
مسألة التواجد فإن ترك بصمة تعيش مع الناس حتى لو كانت في مشهد واحد أفضل
مئات المرات من أن أترك عشرات الأفلام التي تسلب من رصيدي ولا تضيف إليه.
·
لكنك خالفت مبادئك وفاجأت الجميع
بقبولك العمل مع جيل الشباب؟
أنا لم أرفض العمل مع جيل الشباب، بل رفضت الدخول في أعمال لا تضيف إلى
رصيدي ولا تتفق مع منهجيتي في اختيار الأعمال، وبصراحة وجدت أن فيلم «حد
سامع حاجة» جميل لدرجة لا تقاوم،.
وعندما عرض عليّ احتجت إلى أربع جلسات عمل مع المخرج سامح عبدالعزيز
والمؤلف أحمد عبدالله، ووضعت في مخيلتي أنني أتعامل مع جيل أنا أبعد ما
أكون عنه.
وعندما وافقوا على جلسات العمل شعرت أن الأمور ستكون على ما يرام، فوقعت
العقد .
وكان أمامي سؤال محدد وهو كيف سيراني جيل الشباب؟ كنت مثل الشباب خائف
ومرعوب من هذه التجربة. إلا أنني فاجأتهم بشخصيتي البسيطة وحاولت التكيف
معهم، وأن أتعامل وأفكر بعقولهم.. لأنني لا أتوقع من الآخرين أن يصعدوا إلى
مستوى تفكيري.
·
ما الذي جذبك في هذا الفيلم
بالذات؟
الدور لكاتب وفيلسوف ساخر يبحث عن الخير، ويقف ضد الشر، يحاول خلق نموذج
إنساني فيتعايش مع متناقضات العصر، وأعتقد أني استطعت أن أصل بهذا المعني
للجمهور!
·
وهل عرض عليك أعمال أخرى بعد هذا
الفيلم؟
تلقيت عدداً من العروض لكنني أجلتها حتى انتهي من سيناريو فيلم «القذافي»
لأنني سأعود وبقوة وبشكل جديد وروح جديدة، وسأقدم أي عمل بشرط أن يحمل معنى
وقيمة.
في انتظار القذافي
·
لماذا الرئيس القذافي بالذات
الذي آثرت أن تكتب عنه؟
لقد قمت ببطولة أدوار متعددة، وشخصيات تاريخية وشعبية وارستقراطية.. أما
لماذا القذافي فأوحى إلي بهذه الفكرة صديقي الراحل سعد الدين وهبه والذي
قال لي أني أشبه الزعيم معمر القذافي وأعطاني بعض شرائط الفيديو للقذافي
فاكتشف أنه بقليل من المكياج والملابس سأشبهه تماماً.
ومن هنا تحمست للفكرة وصممت على كتابة هذا العمل بنفسي، وقد استغرق هذا
العمل من الجهد ما يقارب ثلاث سنوات وأوشكت على الانتهاء منه.
·
كيف كانت مقابلتك مع الرئيس
القذافي؟
سافرت إلى ليبيا عن طريق البر 24 ساعة ونزلت في فندق في طرابلس، كانت ليبيا
لا تزال تحت الحصار وفي منتصف الليل استقللت مع الراحل سعد الدين وهبه
طائرة أخذتنا إلى الصحراء حيث خيمة القذافي، تم تفتيشنا تفتيشاً ذاتياً .
وكان معنا صحافيون وإعلاميون ودبلوماسيون، واجتمعنا مع الرئيس القذافي ونظر
إليّ أكثر من مرة ثم نادى عليّ، فعرفته بنفسي وقلت له أريد أن أختم مشواري
الفني بهذه الشخصية الجميلة، فقال لي «باهي باهي على بركة الله».
وعندما عدت إلى غرفتي وجدت مجموعة رائعة من الوثائق والكتب التي ساعدتني
جداً في كتاباتي عن القذافي، لكن المشكلة عندي كانت من أي زاوية أبدأ في
كتابة مسيرة القذافي.
·
وهل تحددت ميزانية لهذا العمل؟
عرضت عليّ شركة أميركية إنتاج هذا العمل بميزانية ضخمة، لكنني رفضت، وأنا
حالياً في انتظار مقابلة الرئيس القذافي مجدداً، ليبدي رأيه في السيناريو،
لأنني متخوف من الإنتاج الأميركي حتى لا يؤثر في الفيلم وفي تناول شخصية
الرئيس القذافي، وأتوقع أن يتطوع الرئيس بإنتاج الفيلم.
·
من الذي سترشحه ليشاركك البطولة؟
سيشاركني نجمان عالميان كبيران جداً بالإضافة إلى شخصيات ليبية ومصرية، لكن
الرؤية في النهاية لمخرج العمل في اختيار فريق العمل.
مع الشيطان
·
بعيداً عن فيلم القذافي.. ما
الفرق بين الأفلام الموجودة حالياً وأفلام المقاولات؟
أفلام المقاولات ميزانيتها ضعيفة، أما الأفلام الموجودة حالياً فلها
ميزانيات عالية، لكن القاسم المشترك أن السينما أصبحت تضم أبطالاً يتكلمون
مثل الآلة الكاتبة ويبحثون عن الربح فقط باستثناء قلة من الممثلين
والمخرجين.
·
هل وجدت أن الزمن تغير وكذلك
التقنيات الإنتاجية؟
لا أهتم بالزمن فأنا من أطوعه لمصلحتي. ويكفي أنني أقضي وقت فراغي في دراسة
اليوجا والفلسفة التي تمكنني من التعامل مع أي شخص ولو كان الشيطان نفسه.
وبالنسبة للتقنيات بالفعل تغيرت الكاميرات والعدسات وحتى المونتاج أصبح
اليوم رقمياً.
·
ما أكثر شائعة أزعجتك أخيراً؟
قالوا إن محيي إسماعيل تقدم ببلاغ يقول فيه إن صوت الآذان يزعجه، وهذا غير
صحيح مطلقاً، لأنني أعشق صوت الآذان وانتظره من وقت الصلاة إلى الوقت الذي
يليه.
·
ولماذا أطلقت على روايتك المخبول
بالذات، وما فلسفتك في الحياة؟
أنا شخصية يوجيه، واليوجا هي رياضة عقلية ونفسية وجسمانية، وهي تحقق
التوازن للإنسان، أيضاً أؤمن بأن على الإنسان ألا يضع أنفه في كل شيء،
ويعيش الحياة كما هي، وهي نابعة من الإيمان، فمثلاً رفاعة الطهطاوي لما عاد
من أوروبا قال: «رأيت هناك إسلاماً بلا مسلمين وفي بلادنا مسلمين بلا
إسلام».
البيان الإماراتية في
19/04/2010 |