كنت علي الطريق أستمع إلي إحدي قنوات إف إم التي تعتبر نفسها شبابية
خفيفة، هذه الخفة التي تصبح في بعض الأحيان استخفافا وصلت إلي درجة السخافة
في ذلك اليوم الحار في شوارع القاهرة المكتظة بالسيارات التي لا تتحرك.
كان المذيع والمذيعة يمثلان دوري زوج شاب وزوجته ويتحدثان عن برامج
الأطفال وأفلام التحريك التي تتمتلئ في رأيهما بالعنف الذي يؤثر في الأطفال
سلبيا، واقترح أحدهما فكرة نصح بها جمهور المستمعين، وهي تسجيل المواد التي
تبثها قنوات الأطفال، ثم غربلتها وإزالة المواد العنيفة منها والإبقاء علي
اللطيفة فقط.
نظرت إلي وجه سائق التاكسي المكفهر بجواري وسيل من الشتائم يتوقف عند
حلقه في انتظار فرصة، وهو انتهز الفرصة لأن العنوان الذي وصفته له لم يكن
دقيقا، فقد ذكرت له أول الشارع لكنه اكتشف أن العنوان في آخر الشارع، وأنا
كنت أعتقد أنه هذا هو أول الشارع فعلا، وبدأ يعاملني كأنني تعمدت خداعه،
وانفعل فانفعلت، ورفع صوته فرفعت صوتي، وأعلنت أنني لن أكمل الطريق معه
وغادرت السيارة.. وهذه المشاجرة ضيعت علي سماع بقية البرنامج عن عنف أفلام
الكارتون.
بعد ذلك المشهد بساعة كنت لا أزال متوترا أجلس في مكتبي أحاول التماس
الهدوء في قراءة الجرائد، ولمحت بالصدفة صفحة الحوادث التي أتحاشي النظر
إليها عادة، فوجدت ثلاثة أخبار في مربع واحد الأول عن أب قتل ابنته التي لا
يتجاوز عمرها ثلاثة أعوام والثاني شرع في قتل ابنته الرضيعة بمستشفي
الولادة والثالث تم القبض عليه بسبب تعذيبه لابنته وضربها بشكل منتظم.
لم أستطع للأسف أن أغمض عيني حتي انتهيت من قراءة الأخبار الثلاثة،
وكانت النتيجة سقوطي في حالة اكتئاب اضطررت معها إلي مغادرة مكتبي والعودة
إلي منزلي دون أن أقضي أي مشوار أو عمل نافع.. وكنت أفكر هل هو الزحام
والحر والعنف الذي يملأ الشوارع ومنظر العمال المعتصمين أمام مجلس الشعب
منذ أسابيع دون أن يسأل فيهم أحد، أم هو سائق التاكسي الفظ؟، أم أخبار
الحوادث المؤلمة في الجريدة؟، ولكني اكتشفت أن سبب اكتئابي الحقيقي هو
برنامج الإف إم.. هذا التجاهل الجاهل البليد لحقائق ما يدور في شوارعنا
وبيوتنا، والتصور المصطنع لعالم جميل لا علاقة له بحياة الذين يتحدثون عنهم
أو الذين يتحدثون إليهم.. وهو ما يعني أننا لن نستطيع أبدا حل أي مشكلة من
مشاكلنا.
هل صحيح أن العنف الذي يقدم في قنوات وأفلام الأطفال-أو الكبار-هو
السبب في انتشار العنف؟
سألت نفسي: كم طفل في مصر لا يتاح لهم مشاهدة الأفلام وقنوات الأطفال
أصلا؟ هؤلاء مشردون في الشوارع بلا مأوي أو يعملون في أصعب المهن تحت ظروف
بالغة السوء معرضين لكل أنواع العنف من أصحاب العمل، وكم طفل وطفلة يسرحون
بالمناديل الورقية في الشوارع والمقاهي، وكم طفل يتعرض للضرب والعنف الجسدي
واللفظي من أبويه ومدرسيه والكبار بشكل عام؟ وبعد ذلك لا نزال نردد أن
الأفلام هي سبب انتشار العنف، فهل نحن مغفلون إلي هذه الحد؟!
الدستور المصرية في
04/04/2010
عصام زكريا يكتب:
pop corn
نقاد السينما في كل مكان مكروهون
عصام زكريا
ليس في مصر فقط، ولكن نقاد السينما في كل مكان مكروهون من السينمائيين
والمشاهدين.
في صحيفة «الجارديان» البريطانية قرأت مقالاً لناقد سينمائي يروي فيه
كيف أن رئيس تحرير إحدي الصحف الكبري رفض تشغيل ناقد شاب لأنه «يعرف أكثر
مما ينبغي عن الأفلام».. وهو ما يتعارض مع الطبيعة الخفيفة للنقد الصحفي
الذي يوجه لجمهور الأفلام التجارية.
وعلي أحد مواقع الإنترنت المخصصة لنقد الأفلام قام مؤسساه بتخصيص صفحة
لما أطلقا عليه «رسائل الكراهية» التي يبعث بها قراء الموقع.. وهذه الرسائل
لا تختلف كثيرا عما يكتبه القراء المصريون تعليقا علي مقالاتنا عن الأفلام
من نوعية: «كيف تجرؤ علي مهاجمة النجم الذي نعشقه» و«لماذا لا ترينا مهارتك
وتصنع فيلما مثله؟» و«لماذا لا تستمتع بالأفلام مثل باقي خلق الله بدلاً من
هذا النقد البارد؟» أو العكس «لماذا تبحث عن المتعة في هذا الفيلم الفكري
العميق؟».
وفي الكتاب الرائع الذي يضم حوارات الناقد والمخرج الفرنسي فرانسوا
تروفو مع المخرج الكبير ألفريد هيتشكوك يقوم تروفو، الذي كان قد ترك النقد
وأصبح مخرجًا، بمهاجمة النقاد ويتهمهم بأنهم محدودو النظر بينما يدافع عنهم
هيتشكوك الذي طالما ظلم النقاد أفلامه وأساءوا تقدير موهبته، وبطريقته
المعهودة يسأل هيتشكوك تروفو «ألم تكن أنت نفسك ناقدًا؟» قبل أن يستطرد
أمام تلعثم تروفو: «لقد كنت ناقدا جيدا»...وبالطبع كان نقد تروفو هو الذي
لفت انتباه العالم إلي أهمية سينما ألفريد هيتشكوك...والنقاد بعد ذلك هم
الذين كشفوا للعالم عن مواطن الجمال والبراعة في أعمال تروفو وزملائه من
مخرجي «الموجة الجديدة» في فرنسا.
السينمائيون «المثقفون» هم للأسف أعدي أعداء النقد وهذه العلاقة
الشائكة بينهم وبين النقاد أراها في ردود أفعال عدد من المخرجين المصريين
الذين يشعرون بأنهم أفضل من النقاد لأنهم قرأوا كتابين أو ثلاثة وشاهدوا
فيلمين أو ثلاثة ينقلون منها أعمالهم الضعيفة أو المتوسطة، وقد قال أحدهم
مرة، في معرض رده علي ما كتبته عن أحد أفلامه أن المخرج كالطبيب والناقد
كالمريض ولا يصح أن ينصح المريض طبيبه بالكيفية التي يعالجه بها!
ومن حيل هؤلاء جمل جاهزة يردون بها علي أي نقد لا يعجبهم لا تختلف
كثيرًا عن تعليقات الجمهور المكتوبة أعلاه، وهم للأسف يجدون ما يشجعهم علي
ذلك لأن النقد في مصر «مريض»، رغم أنه ليس أكثر مرضًا من السينما التي
يصنعونها.
أما أسباب مرض النقد فمنها عدم التمييز بين الناقد الصحفي الذي يكتب
المراجعات النقدية السريعة والناقد الأكاديمي الذي يحلل فنيات العمل
ومضمونه وسياقه الاجتماعي والفكري وفقًا لرؤية متكاملة للعالم وتاريخ
السينما والفن، بل وعدم التمييز بين الناقد والصحفي الفني أو أي صحفي.. وقد
تعجبت أيما تعجب في الأسبوع الماضي عندما علمت أن نقابة الصحفيين أهدت درع
النقابة لصناع فيلم «أمير البحار»، ليس لإنجازهم الفني بالطبع ولكن لأنهم
تكرموا بعرض الفيلم مجانًا للصحفيين وأسرهم.. ولا تعليق!
الدستور المصرية في
21/02/2010
عصام زكريا يكتب:
pop corn
عصام زكريا
أحيانًا ينبع الخير من الشر، ويكمن الجمال في القبح بطرق لا يمكن
لعقولنا القاصرة أن تستوعبها ولا يراها إلا الواصلون من رهبان التبت أو
الفنانون الذين يرون في الحياة ما لا تستطيع عيوننا قصيرة النظر أن تراه..
ولا أعلم لماذا أقول ذلك غير أنني وسط كل الدمار و الفساد الذي غرقنا
فيه لركبنا، بل لرقبتنا، لا أزال أري أن هناك من يملكون الرغبة والحماس
لتحقيق شيء، ومن يعملون بدأب لا يتسرب إليه اليأس.. وأسأل نفسي: ألا يدركون
حقيقة الوضع الذي نعيش فيه، أم أنهم يرون لمسافة أبعد منه بكثير؟!.. وأقول
إنهم بالتأكيد يملكون تليسكوبات عملاقة جدًا!
وأقول ذلك لأنني التقيت خلال الأيام الماضية بعض هؤلاء في مجالات
مختلفة.. منهم شباب أقوم بالتدريس لهم.. يعشقون السينما والقراءة ويحلمون
بتحقيق أشياء كبيرة جدًا.. ومنهم شباب صنعوا أفلامًا قصيرة جيدة حول حقوق
الإنسان والديمقراطية من خلال مشروع اسمه «شبكة رسل الحرية» تنظمه
«المجموعة المتحدة» التي يرأسها القانوني اللامع الأستاذ نجاد البرعي،
المتخصص في حقوق النشر والتعبير.
التقيت أيضا شابًا يعشق السينما، خاصة الكلاسيكيات الأمريكية القديمة،
اسمه سامح فهمي.. كنت أراه بين فترة وأخري، في الندوات ومهرجانات الأفلام،
أو أقرأ اسمه علي بعض الموضوعات الصحفية.. هاتفني وقال إنه قام بإصدار كتاب
علي نفقته الخاصة يضم عددًا من أفيشات السينما المصرية وقام بزيارتي حاملا
علي كتفه بعض النسخ.. الكتاب طباعته فاخرة وأنيقة ولا يقل عن الكتب
الأجنبية المماثلة.
الأفيشات الأصلية كانت موجودة بمدينة السينما التي بيعت، والذين
اشتروا المدينة، وغيرها، باعوا الأفيشات والصور الفوتوغرافية للأفلام
وغيرها لباعة الكتب بالأزبكية بالكيلو (بدون مبالغة.. بالكيلو)، وهؤلاء
باعوها لأجانب وعرب ومصريين، كثير منهم أدرك قيمتها وقرر استخدامها في شيء
نافع رغم أن الذين باعوها كانوا يتصورون أنها قمامة لا تصلح سوي للف
الساندويتشات، ومن هذه «القمامة» أصدر الباحث محمود قاسم كتابه الأول عن
الأفيش ويستعد لإصدار كتاب آخر أضخم، ومنها خرج كتاب رائع عن الجامعة
الأمريكية بالقاهرة يحتوي صورًا من الأفلام القديمة، ومنها خرجت آلاف
الأوراق إلي أمريكا وإنجلترا وفرنسا وبلاد أخري، تتربع الآن كوثائق ومصادر
وآثار فنية أعتقد أننا بعد مائة عام سنفكر في محاولة استعادتها أسوة بما
يفعله الآن زاهي حواس مع الآثار الفرعونية!
وعندما أسمع صراخ الباكين علي الآثار أو تراث السينما المصرية المباع
أقول لنفسي هذا أفضل شيء حدث لها بدلا من التعفن في المخازن ومحال الفول..
ولولا أن القنوات السعودية قامت بشراء نيجاتيفات الأفلام المصرية.. لما
استطعنا أن نشاهدها الآن علي كل الفضائيات العربية في نسخ مرممة لم يحلم
التليفزيون المصري في تاريخه بعرض نسخ مثلها.. وعندما أري أن الدولة لا
تزال تتعثر في مشروع متحف السينما المصرية، ثم أسمع أن مجلس الشعب يناقش
فكرة بيع الآثار أضحك وأقول: موافق.. بشرط أن يبيعوها للأجانب فقط!
الدستور المصرية في
07/02/2010
عصام زكريا يكتب:
pop corn
عصام زكريا
فرحت مع الملايين ونزلت إلي الشوارع لأشارك الناس فرحتهم، لكنني لم
أجر كالمجنون أو أهتف لمصر وأشتم الجزائر كما فعل البعض... ليس لأن صحتي لم
تعد تتحمل الجري أو لأنني لا أحب الهتاف لمصر... ولكنني أفضل أن أحتفظ بهذا
الهتاف ليوم آخر أشعر فيه بأن مصر أصبحت بلدا أفضل فعلا.
هذا الفرح الغامر الذي شعرنا به عقب الفوز التاريخي علي الجزائر لا
يجب أن ينسينا مجموعة من البديهيات، هي نفسها ذكرتها عندما خسرنا المباراة
الفاصلة في السودان.
مباراة كرة قدم ستظل مباراة كرة قدم، لا هي تعني أننا أصبحنا دولة
ضعيفة، ولا دولة عظيمة، بين ليلة وضحاها. الرياضة بأنواعها والفن والأدب
والعلم والتعليم ونظام المرور وسلوك البشر كلها علامات للتحضر، ولا يجب
اختزالها في مجرد لعبة أو مباراة.
ومباراة كرة قدم لا يجب أن تلهينا عن محاربة الظلم والفساد والجهل
والتعصب والمرض والحكومات المجرمة التي لا هدف لها سوي النهب والسلطة
وتغييب وعي الملايين بمعركة كروية أو دينية.
ومباراة كرة قدم لا تعني أن الله يتدخل في إحراز الأهداف أو صدها
لصالح فريق أو ضده... هذا التفكير الساذج ناتج عن اختزالنا الدين في
المظاهر الشكلية والمنافع المادية، بينما حكمة الله ومقاصده تتجاوز هذه
المعارك الوهمية والمكاسب الزائلة إلي معانا روحية وسلوكية أرقي بكثير...
ولكن إذا جاز لي أن أختار تأويلا دينيا لنتيجتي مباراتي مصر والجزائر سأقول
إن الله حرمنا من الفوز في المباراة الأولي ليمنع العصابة الحاكمة من تنفيذ
أهدافها في استغلال الفوز سياسيا، وجعلنا نفوز في الثانية حتي يدرك الشعب
الجزائري أنه أصبح كرة قدم في أيدي وأقدام العصابة التي تحكمه... وليس معني
ذلك أن الله سيغير لنا مصر أو الجزائر إذا لم يكن لدينا الرغبة والهمة
والشجاعة لتغيير أوضاعنا بأنفسنا.
مباراة كرة قدم قد تكون مثلا إيجابيا للقدرة علي الكفاح والتحمل
والتخطيط الجيد، ولكنها مجرد ركلة كرة في مباراة لا تتوقف في كل المجالات.
ومباراة كرة قدم يجب ألا تكون أبدا وسيلة لسب الآخرين أو للوطنية
الزائفة التي يقتنع بها البعض... وأنا أفضل أن أسمع الانتقادات التي توجه
لبلدي من المصريين أو العرب عن سماع هذه الحلقة من برنامج لاعب الكرة الذي
أصبح مذيعا مصطفي عبده، الذي كان يجب فصله من مهنة الإعلام بعد وصفه
للجزائر بأنه بلد المليون لقيط... ولكن مصطفي عبده ( مثل كثيرين غيره ) لا
يزال مذيعا وسعيدا، وابتسامته اتسعت علي البحري وهو يستقبل مكالمة معدة
سلفا من شابة أو امرأة أردنية قالت إنها تحب مصر جدا وفرحت لفوزها جدا،
وأنها فنانة ولديها أغنية عن مصر( قامت بغناء مقطع منها بصوت ردئ جدا)
وطبعا نفسها تأتي لمصر لتصبح نجمة علي حساب البلهاء والانتهازيين من عشاق
الوطن!
وهذا هو مفهوم عبده، وغيره، عن حب مصر.
الدستور المصرية في
31/01/2010
عصام زكريا يكتب:
pop corn
عصام زكريا
قنوات كثيرة، والعدد في الليمون، انضمت إلي الفضائيات العربية في
الأسابيع الأخيرة، معظمها مخصص للمسلسلات والأفلام، ولن تجد من بينها قناة
علمية أو ثقافية واحدة، بل لن تجد من بينها قناة سينمائية فعلا. السينما
بالنسبة لهذه القنوات لا تختلف كثيرًا عن وجهة نظر تهامي ووديع ورشا أبطال
وصناع قناة ميلودي، فهم لم يختشوا أو يخجلوا من طبيعة قناتهم، ووضعوا
بأنفسهم الصورة التي يريدون للناس أن تنظر بها إليهم، وهو نفس ما يفعله
صناع القنوات الأخري الذين لا يعرفون أن هناك أفلامًا في العالم كله غير أم
الأفلام المصرية والهوليوودية التي يبثونها علينا نهارا وليلا.
مع ذلك توجد استثناءات متناثرة، مثل قناة «فيوتشر» اللبنانية وقناة
«أو.تي. في» المصرية، فكلاهما اختار نوعيات مختلفة من الأفلام الأوروبية
الكلاسيكية أوالأفلام الأجنبية (غير الأمريكية) المتميزة لعرضها في وقت
الذروة الذي تخصصه القنوات الأخري لعوكل وهرقل ومستر إكس والرجال إكس.
ومنذ يومين شاهدت فيلم «لادولشي فيتا» رائعة الإيطالي فيدريكو فلليني
علي «الفيوتشر»، وعلي مدار العام الماضي شاهدت عددا من الأفلام المهمة علي
«أو.تي.في» مثل الفيلم المكسيكي «زقاق المدق» المأخوذ عن رواية نجيب محفوظ،
وهو الفيلم الذي انطلقت منه سلمي حايك إلي هوليوود لتصبح نجمة عالمية،
وفيلم «دوجفيل» لصانع الأفلام الدنماركي لارس فون ترير، الذي يعد واحدًا من
أكبر المجددين في السينما حاليا، وفيلم «مدينة الله» للمخرج المكسيكي
فيرناندو ميريلس، وفيلم «الغزوات البربرية» للمخرج الكندي دوني أركان
وغيرها من روائع السينما العالمية الحديثة...غير أنني شعرت بالقلق مؤخرا
عندما أعلنت القناة أنها ستعرض فيلما مصريا كل يوم، علي حساب هذه الأفلام
العالمية طبعا، رغم أن الأفلام المصرية «مرطرطة» علي كل القنوات، وقناة
«أو.تي.في» تتنازل عن شخصيتها وتميزها إذا فكرت أن تصبح مثل القنوات الأخري.
صحيح أن معظم الأفلام التي ذكرتها، بما فيها «لادولشي فيتا» الذي يقرب
عمره من نصف قرن، لا تزال صعبة علي الجمهور المصري والعربي الذي اكتوي عقله
بكل أنواع التفاهات السياسية والسينمائية والمسلسلاتية، وصحيح أن هذا
الجمهور يعرب عن استيائه واعتراضه بل عدوانيته إذا فكرت أن تعرض عليه
مقطوعة موسيقية راقية أو فيلما يحتاج إلي قدر قليل من التذوق... ولكن هذا
لا يبرر أن نلوم الجمهور أو أن نخضع لمتطلباته قبل أن نقوم بدورنا
كإعلاميين ومثقفين، وفي الحقيقة أقابل يوميا من أفراد الجمهور العادي من
يرقي ذوقهم وثقافتهم عن معظم الإخوة زملاء المهنة...وليس هذا موضوعنا حتي
لا نخبط في لغم هنا أو هناك.
ما كنت أريد قوله إنه علي هذه القنوات الجادة ألا تكتفي بالعدد القليل
من محبي السينما العالمية، ولكن عليها أن تسعي إلي تقريب الهوة بين هذه
الأفلام وقطاعات أخري من الجمهور، كما كان يفعل برنامج نادي السينما فيما
مضي.
الدستور المصرية في
18/01/2010
عصام زكريا يكتب:
pop corn
عصام زكريا
بالرغم من صدور حكم قضائي بحق المخرج خالد يوسف في صنع فيلم «الرئيس
والمشير» بدون الرجوع إلي أي جهة أو شخص سوي الرقابة علي المصنفات الفنية،
فإن الأجهزة التي تتربص بالفيلم لم تقتنع، وعمرو ابن المشير عبد الحكيم
عامر لا يزال غاضبا ومتوعدا وينوي اللجوء إلي رئيس الجمهورية لمنع تصوير
الفيلم.
وبالرغم من أن مسلسل «الجماعة» الذي يروي حياة حسن البنا قد بدأ
تصويره بالفعل، إلا أن نجل ووريث المرشد الأول لا يسعي مع الجماعة (في
المجلس) لمنعه، أو علي الأقل لتخويف صناعه حتي لا يعبروا عن رأيهم كما يروق
لهم.
من الطبيعي أن ورثة المشاهير يستفيدون ماديا ومعنويا من انتمائهم إلي
شخصية معروفة، ولذلك لن يعترفوا أبدا بأي شيء في حياة قريبهم يمكن أن يشينه
ويؤثر في المكانة التي يستمدونها من اسمه، ولكن أغلبهم تكون لديه مشكلة
نفسية بسبب اضطراره إلي العيش الدائم في ظل شخص آخر، لا يستطيع تجاوزه أو
تحقيق شخصية مستقلة عنه. وهو بقدر ما يتمني الخلاص من هذا الارتباط المعقد
بقدر ما يشعر بالذنب الشديد من رغبته هذه. حالة معروفة في علم النفس يمكن
أن تجدها لدي أخت سعاد حسني أو ابن عبدالحكيم عامر أو ابنة جمال عبد الناصر
وغيرهم ...وسوف تلاحظ أن كثيرا منهم لديه نظرية مؤامرة يسقط من خلالها
رغباته علي آخرين يتهمهم بقتل الأخت الكبري أو الأب المنتحر أو الميت موتة
ربنا...ولو كنت ملما بمسرحية «هاملت» وما كتبه فرويد عنها فسوف تجد حالة
نموذجية لما أتحدث عنه.
وبما أن الحالة منتشرة بما يتجاوز الورثة وأبناء المشاهير إلي مجتمع
بأسره يخجل من حاضره ولا يملك سوي التفاخر بالماضي ورموزه لذلك ستجد في كل
مكان من يقاومون مراجعة الماضي أو التشكيك في مثاليته، ولذلك قامت أسرة
محمد عبد الوهاب بحذف ما كتبه هو شخصيا عن نفسه في مذكراته، ولذلك أيضا
قامت وزارة التربية والتعليم كما قام صناع مسلسل «الأيام» منذ ثلاثة عقود
بحذف ما كتبه طه حسين بنفسه عن عائلته في سيرته الذاتية، وعندما يمتد الخط
إلي آخره ستجد أنهم أعلنوا عن حذف الرواية كلها من مناهج التعليم منذ عدة
أيام.
ومن عجائب هذه النزعة المثالية المفرطة أن المصابين بها لديهم قدرة
مذهلة علي عدم رؤية الواقع مهما حاولت أن تشرح لهم أن القمر كتلة صماء من
الأرض الخراب وليس وجه المحبوبة!
ومن العجائب أيضا أن مئات الكتب ومواقع الإنترنت والفضائيات تتحدث عن
كواليس ثورة يوليو ونكسة 67 وأخطاء الجيش والمخابرات وانتحار المشير
واغتيال السادات، ولكن أجهزة السيادة والريادة وورثة الضباط والسياسيين
تركوا كل هذا وأعلنوا الحرب علي مجرد فيلم غلبان في الأول وفي الآخر هو محض
خيال بينما التاريخ والواقع من حولهم يصرخ بالمصائب.
الدستور المصرية في
10/01/2010 |