عبور الحواجز , والمعاناة التى
يلقاها الفلسطينى للانتقال من مكان الى مكان فى اى مدينة
فلسطينية محتلة ,اوفى اى
مخيم محتل داخل الارض المحتله , اصبح هو الموضوع الاثير, والتيمة المتكررة
فى اغلب
نتاجات السينما الفلسطينة خلال العقدين الماضيين . ونذكر هنا افلام ( زواج
رنا )
لهانى ابو اسعد , و( يد الهية ) لاليا
سليمان و( ملح هذا البحر ) لان مارى جاسر و(
تذكرة الى القدس ) لرشيد المشهراوى . ويمكن القول ان هذة المجموعة من
المخرجين
ومعهم ميشيل خليفى ونجوى النجار ومحمد العطار , ينتمون الى مايسمى الموجة
الجديدة
فى السينما الفلسطينة . تلك الموجة التى دشنت وجودها على يد
ميشيل خليفى الذى قدم (
الذاكرة الخصبة ) عام 1981 .
فى فيلم ( تذكرة الى القدس ) الذى عرض فى
الفترة الاخيرة ضمن فعاليات مهرجان القرين الثقافى , سنتعرف
على جابر ( غسان عباس )
وهو مواطن فلسطينى يبدو من ملامحه انه فى منتصف العمر وربما على وعى بما
حدث فى
االنكبة الثانية عندما ضاعت القدس الشرقيه عام 67 . وهو يعرف تماما ن القدس
الغربية
كانت قد ضاعت مع النكبة الاولى عام 48 . يسكن جابر فى مخيم (
قلنديا ) وهو يعمل
كعارض افلام لللاطفال فى مدارس المخيمات . وهو يحب ويصر على هذا العمل
باعتبار ان
الافلام الحقيقية التى تحكى عن الشعب الفلسطينى وماساته موجودة ليل نهار
وتبث من
خلال المحطات الفضائية , وهى افلام فى العادة ملطخة بالدم
,ويرى جابر ان الاطفال من
حقهم قضاء لحظات فرحة حقيقية مثل بقية الاطفال على وجه الارض , ويمكن
استحضار بعض
لحظات السعادة لهؤولاء الاطفال المساكين من خلال عرض فيلم كارتونى يقدم
حكاية بسيطة
ليست بالضرورة حكاية خطابية وزاعقة تحرض على الثورة وتدعو
لتحرير الوطن .
يرى جابر و كما سنسمع فى حوارات الفيلم ان الوطن اذا كان قد تم احتلاله
فيجب
الاعتراف بذلك اولا كحقيقة واقعة . واذا كانت الحكومات والمقاومات والسلطات
المختلفه قد عجزت عن تحرير هذا الوطن , فان ابسط اشكال
المقاومة هو البقاءوالتواجد
فى المكان والزمان على ارض الوطن , رغم كل المعاناة . يحلم جابر بتخطى
الحواجز
والذهاب للقدس لعرض افلامه فى احد احياء المدينة المحتلة بعد ان يتسلم دعوة
من احدى
المدرسات هناك . وحتى يصل الى القدس ثم الى مكان العرض سنكون كمشاهدين على
تماس
بالواقع اليومى المحبط والمحزن الذى يواجهه اى فلسطينى يعيش فى
المخيمات و يرغب فى
التنقل من مكان الى مكان , خاصة اذا كان هذا التنقل مصحوبا بماكينة للعرض
السينمائى .
يصطحب جابر معه زوجته سناء ( عرين عمارى ) التى تعمل ممرضة فى الهلال
الاحمر
الفلسطينى , والتى تركت اهلها فى مخيم عين الحلوة لتعيش مع زوجها فى مخيم
قلنديا .
بعد معاناة حقيقية لتصليح ماكينة العرض يتم
تخطى الحواجز, و ينجح جابر وزوجته فى
الوصول الى مكان العرض فى ساحة بيت ام ابراهيم . رغم حصار
المكان بالعديد من
المستوطنين المحتلين لبيت ام ابراهيم , ورغم نظرات العداء لاصحاب البيت
ولضيوفه يتم
العرض . ويحقق جابر حلمه الصغير باسعاد مجموعة من
اطفال القدس المنسيين .
فى
الفيلم الحكاية والسيناريو سنجد الكثير من الرموز والدلالات. فماكينة العرض
السينمائى دلالة مبطنه على المقاومة بالصور باعتبار ان السينما هى ذاكرة
الوطن
,
واسم ام ابراهيم صاحبة البيت المحتل فى القدس الشرقية دلالة على
الاتكاء على
الموروث الدينى , ربما انعشاسم ( ابراهيم ) الذاكرة لتعود بنا الى الزمن
القديم ,
لتؤكد لنا ان سكان القدس لهم جذور ممتدة فى
التاريخ . و وجود صديق جابر ميكانيكى
السيارات الذى يقوم بتصليح ماكينة العرض يثرى الحوار عن مفهوم
السينما واهميتهاوهو
معادل موضوعى ايضا للعديد من النماذج الموجودة فى الارض المحتلة التى
استسلمت
للواقع وترغب فى العيش بسلام بعيدا عن ( وجع الراس ) . وظهور الاب بموقفه
السلبى
كان مهما لتاكيد رسالة جابر كعارض لللافلام , فى ( تذكرة فى
القدس ) وبعدها فى (
عيد ميلاد ليلى ) للمخرج المشهراوى ايضا وفى اغلب افلام الموجة الجديدة
الفلسطينة ,
تتم اعادة تشكيل ملامح الانسان الفلسطينى,
الذى اكتفى فى الكثير من الافلام السابقة
بالظهور كضحية مسكينة ومظلومة تستجدى العالم من خلال استجداء
الاسرائيلى لكى يفجر
فى وجوهنا اكبر كمية دم ممكنة من دماء هذا الفلسطينى المسكين . فى ( تذكرة
الى
القدس ) وفى غيره من الافلام التى تنتمى الى هذة الموجه نحن بصدد صورة
مختلفة تقدم
الفلسطينى فى شكل متحضر وانسانى له مشاكله مثل كل البشر , وهو قادر على
التغلب على
هذة المشاكل . ورغم الاحتلال والحصار والمعاناة . هو قادر ايضا
على ممارسة الفرح
,
ومواجهة المحتل بسلاح السينما ( لاحظ حجم بكرات جهاز العرض الذى يصحبه جابر
الى
القدس وكانه مدفع كبير ) .
فى الفيلم ( الفن ) يمكن الحديث عن اداء تمثيلى
راقى لعرين عمارى التى اجادت تجسيد شخصية الزوجة سناء ,
واستطاعت بملامحها القاسية
والطيبة فى الوقت ذاته نقل مشاعر الزوجة الرافضة لطريقة زوجها فى الحياة
,
والمتفهمةايضا لمعاناته واحلامه . وقدم غسان عباس شخصية جابر فى حدود
الممكن , كذلك
فعل الممثلون الذين جسدوا شخصية الاب والمدرسة وام ابراهيم . الى حد كبير
كانت هذة
الشخصيات هامشية وقدمت بسرعه من الظاهر دون الخوض فى اعماقها بشكل صحيح .
ولم تستطع
الكاميرا اقناعنا كثيرا بحركتها البطيئة فقد كان بقدرتها ان
تقتنص لنا زوايا معبرة
بشكل اكثر وظهرت فى اغلب المشاهد ساكنه وكانها ترغب فى فى تسجيل اللحظة
بطريقة
تلفزيونية . لكن رغم ذلك يمكن التوقف عند بعض محطات التميز مثل الموسيقى
الوترية
المعبرة التى صاحبت اغلب المشاهد والاضاءة التى رسمت بالظل
والنور تنويعات تشكيلية
ساهمت فى بناء لقطة متوترة وحزينة ومتفائلة فى الوقت ذاته ( مشهد النهاية ) .
وعلى رغم النجاح الذى حققه ( تذكرة الى القدس ) بغض النظر عن تواضعه
الفنى .
وعلى رغم النجاح الذى يحققه هذا النوع من السينما , يظل انتشار هذة الافلام
مقتصرا على المهرجانات الدولية او العروض الخاصة . لكن لابد من الاشارة الى
ان
افلام الموجة الجديدة الاخيرة للسينما ( هكذا تبرر وجودها )
انما جاءت لتصور القضية
من داخلها بعيدا عن كاميرا سياحية متحمسة , ترى القشرة وتغفل الجوهر كما
انها
تتواجد وتتوالد خارج حسابات المؤسسات الرسمية بعيدا عن الخطاب الرسمى الذى
افرز
الانقسام بعد سنوات طويلة من الصبر , اكثر مما افرز خطابا
واضحا للتحرر . ولعل اخطر
ماتواجهه هذة الافلام اعتمادها على التمويل الخارجى مع مايحملة من شروط
مسيسة فى
اغلب الاحيان .
مدونة "سينما اليوم" في
06/04/2010 |