ما الدوائر التي يعيش فيها الفنان الآن؟ عندما تتسع النجومية يكثر عدد
المتسلقين والمستفيدين من وهج النجوم إنهم يصبحون مثل الأعشاب والطفيليات
الضارة.. أغلب نجوم الطرب صارت دوائرهم لا تتجاوز تلك الأعشاب ولهذا لا
يسفر الإبداع إلا عن الهزال الذي نراه يشغل الحيز الأكبر من الصورة!!
لا يعيش الفنان بمعزل عن الحياة ولا عن البشر فهو بقدر ما يأخذ منهم
يمنحهم.. كما كان يقول أحمد شوقي إنه يمتص رحيق الزهور ليعطي عسلاً شهياً،
والزهور في حياة الفنان هي الأصدقاء المقربون الذين يتحولون إلي أشرعة يطل
من خلالها علي الدنيا.. كان الشيخ الملحن «أبو العلا محمد» ثم الشاعر «أحمد
رامي» هما شباك الثقافة الذي أطلت منه أم كلثوم علي ثقافات الدنيا وكان
أحمد شوقي هو دليل عبدالوهاب في بداياته مع مطلع العشرينيات من القرن
الماضي في التذوق الفني وفي تذوق الحياة وبعد ذلك تعددت المنابع الثقافية
لأم كلثوم وعبدالوهاب ومن الواضح أن عبدالحليم حافظ قد استفاد من تجربتي أم
كلثوم وعبدالوهاب ولهذا اتسعت دائرته في الثقافة في بداياته مع مطلع
الخمسينيات لتشمل العمالقة كامل الشناوي ومصطفي أمين وإحسان عبدالقدوس
ويوسف السباعي..
هذه الكوكبة من المفكرين لم يسع إليها عبدالحليم لأنه يريد أن يجمل صورته
أمام المجتمع ولكن من خلالهم أدرك أن عليه تذوق الكلمات والألحان وأيضاً
الأقوال.. لو أنك مثلاً تابعت العديد من إجابات «عبدالوهاب» المسموعة أو
المرئية أو المقروءة سوف تعتقد أنك بصدد أديب كبير لأنه كان دائماً حاضر
البديهة متوقد الذهن وهو في حضرة الكبار ولهذا كان يلتقط منهم بعض
التعبيرات ليعيد استخدامها منسوبة إليه.. «عبدالحليم» لم تكن لديه تلك
الملكة الأدبية في اقتناص مفردات كبار الصحفيين الأدباء الذين احتفوا به
لكنه كان يجيد اختيار كلماته مستنداً إلي مفردات خاصة به ويحميه في هذه
الحالة ذكاؤه مدركاً مدلول الكلمة!!
هناك دائماً بين الفنان وجمهوره جسر وهو وسيلة الإعلام التي تقدم عنه صورة
ذهنية حتي إن أغلب المطربين لكي يضمنوا تعاطف الجمهور كانوا يقدمون في
أفلامهم قصة كفاح لمطرب يبدأ من السفح حتي يصل للقمة ويضحي ولا يتنازل.. كل
ذلك حتي يتم تثبيت هذه الصورة ليس فقط من خلال أحاديثهم ولكن عبر الأفلام
بعدها يحدث توحداً في العادة بين الفنان في الواقع وتلك الصورة التي قدمت
في العمل الفني وإذا كان الزمن قد منح الجمهور قدرة علي ألا يترك نفسه
نهباً للصورة الدرامية التي تقدمها الأفلام فإنه علي الجانب الآخر ترك
المجال لكي نرصد الفنانين من خلال إبداعهم وأيضاً طريقة تسويقهم لهذا
الإبداع والإعلان عنه والأسلوب والتوقيت، بعد تعدد الفضائيات صار الناس
يتعرفون علي الفنان من خلال اللقاءات التليفزيونية وكثيراً ما يسيء مطربو
هذا الجيل استخدام هذه الوسيلة واسعة الانتشار!
من البدهي علي سبيل المثال أن يأتي الفنان لكي يقدم رؤية مغايرة لما سبق
ولا توجد قدسية لأي عمل فني ولا لفنان هناك فقط حق احترام التجربة
السابقة.. أنا لا أوافق علي أن نظل في حالة تقديس لكل ما هو ماض.. إنه ماض
نحترمه نعم لكننا أبداً لا نقدسه.. الاحترام يتيح لنا إمكانية الاختلاف لكن
القدسية لا تعرف إلا الخضوع والإذعان ولهذا فأنا عندما أقرأ أن أحد نجوم
الغناء الآن انتقد أغنية أو مطرباً ممن تعودنا أن نطلق عليهم فناني الزمن
الجميل لا أنزعج وأعتبرهم خارجين عن «الملة» الغنائية مثلما حدث قبل 12
عاماً عندما صرح «عمرو دياب» بكلمات تقلل من قيمة مشروع «عبدالحليم» لم
يسلم من الانتقاد والخطأ الذي ارتكبه «عمرو» ليس لانتقاده التجربة «عبدالحليم»
ولكن لأنه لم يملك أدوات التعبير عن أفكاره ولهذا اضطر وقتها «محسن جابر»
صاحب شركة «عالم الفن» التي كانت تحتكر أغانيه أن يجمع حول «عمرو» بعض رموز
من عصر «عبدالحليم» مثل الملحن «حلمي بكر» والإذاعي «وجدي الحكيم» ليدافعا
عنه ويتراجع هو بعدها عما قاله عن «عبدالحليم»!!
وسوف أضرب مثلاً بعبدالحليم الذي لم يرفض فقط القديم لكنه سخر أيضاً منه..
امتنع «عبدالحليم» في البداية أن يعيد تقديم أغنيات عبدالوهاب القديمة وأصر
علي أن يردد أغنياته هو مثل «صافيني مرة» و«يا تبر سايل بين شطين يا حلو
ياسمر» تلحين الموجي وتأليف سمير محبوب وعندما قدم فيلمه «أيام وليالي» غني
«يا سيدي أمرك أمرك يا سيدي» التي كتبها فتحي قورة ولحنها محمود الشريف،
وهي أقرب إلي روح المونولوج تسخر من عدد كبير من الأغنيات والقصائد
والأدوار القديمة التي ارتبطت بمطلع القرن العشرين والتي لحنها وغناها أم
كلثوم والشيخ أبو العلا محمد ومحمد عثمان وعبده الحامولي وسيد درويش وصالح
عبدالحي!!
لأنه مثلاً في البداية يقول «بحقك أنت المني والطلب والله يجازي اللي كان
السبب» والمقطع الأول «بحقك أنت المني والطلب» هو بداية قصيدة شهيرة لأم
كلثوم وتلحين أبو العلا محمد لا تزال الإذاعة المصرية تحتفظ بتسجيل لها
تقدمه بين الحين والآخر.
وموشح «بالذي أسكر من عرف اللمي» وبالمناسبة فإن «عرف اللمي» هو الريح الذي
يأتي من شفة المرأة التي تميل للاحمرار، الموشح تلحين محمد عثمان وغناه
الحامولي.. ويضيف فتحي قورة بأسلوب ساخر علي نفس الوزن والقافية في نفس
الأغنية «كان في حالة جاتله داهية من السما» يواصل عبدالحليم «خايف أقول
علي قد الشوق لتطلع روحي» يقصد بالطبع أغنية «علي قد الشوق» تلحين «كمال
الطويل» وتأليف «محمد علي أحمد» التي رددها عبدالحليم حافظ وكانت تمثل في
ذلك الحين نقلة موسيقية حققت لعبدالحليم شهرة عريضة واتهم بعدها أنه يقدم
أغنية غربية.. لم يكتف «عبدالحليم» بأن يقول في حديث صحفي إنه يرفض الإذعان
المطلق للقديم ولكنه امتلك القدرة علي أن يعلن ذلك في أغنية شهيرة وذلك في
عام 1955 ربما لعبت روح المونولوج الساخر وأيضاً لأنها كانت تعبر عن موقف
درامي في الفيلم دوراً إيجابياً في أن يتغاضي المتزمتون والمناصرون للقديم
إعلان الغضب العارم ضد هذه الأغنية!!
تقبل الناس «يا سيدي أمرك» لأن عبدالحليم استند موسيقياً إلي اتجاه مغاير
فهو لم يقل مثل المطرب القديم «صالح عبدالحي» «أنا قلبي عليك عليك قلبي»
وهو ما يعرف - بالهنك - حيث يستمر المطرب والكورس في تقديم تبادل لنفس
الجملة يقول المطرب «أنا قلبي عليك» يرد الكورس «عليك قلبي» وحتي صباح
اليوم التالي ولكنه اعتبر ذلك مادة ثرية للسخرية الغنائية لأن لديه
مشروعاًَ فنياً مغايراً.
كان عبدالحليم حافظ شديد الاعتناء بالكلمات واختيارها حتي لو اختلفنا مع
عدد من أغنياته إلا أنه علي سبيل المثال يقول بكلمات مرسي جميل عزيز في
أغنية «في يوم في شهر في سنة» «وعمر جرحي أنا أطول من الأيام».. أو هو يقدم
تلك الصورة الشاعرية الرائعة لحسين السيد.. «كان فيه زمان قلبين الحب
تالتهم».. أو مع مأمون الشناوي وهو يقول في أغنية «في يوم من الأيام» «أنا
كل طريق لعيوني علمته بذكري معاك»!!
وأتذكر لمحمد حمزة في أغنية «سواح» تعبير «الليل يقرب والنهار رواح» ومع
الأبنودي في «أحضان الحبايب» «رميت نفسك في حضن سقاك الحضن حزن»!!
الكلمة عند عبدالحليم كانت تشكل بالنسبة له رهاناً علي الأجود والدليل أن
الأغنيات الأولي لعبدالحليم كتبها سمير محبوب وبعد ذلك اكتشف أن لدي مأمون
الشناوي ومرسي جميل عزيز وحسين السيد وصلاح جاهين شاعرية أكبر فاتجه
إليهم.. ولهذا لم يكمل المشوار مع «سمير محبوب» الذي عاش بعد عبدالحليم
حافظ خمسة عشر عاماً وهو يتساءل: لماذا لم يكمل مع عبدالحليم حافظ الرحلة
التي بدأها في أغنيات «صافيني مرة» و«تبر سايل» و«ظالم وكمان رايح تشتكي»..
وبعدها أخذ «محبوب» يشكو لطوب الأرض من ظلم عبدالحليم وتنكره لرفيق المشوار
ولكن عبدالحليم ضحي بالصداقة من أجل الإبداع الأصدق والأجمل والأكثر عصرية
سواء أكانت كلمة أو لحناً، وكانت لدي عبدالحليم بوصلة قادرة علي أن تلتقط
الجديد ويجمل به حديقته الغنائية ولهذا بعد الموجي والطويل ومنير مراد ينضم
إليهم بليغ حمدي ومن الجيل الأكبر سنجد أن «عبدالوهاب» هو الوحيد الذي
استمر في التلحين لعبدالحليم بينما «رياض السنباطي» لم يلحن له سوي أغنية
ودويتو مع «شادية» و«محمود الشريف» أغنيتين ودويتو مع «عصمت عبدالعليم» ولو
امتد العمر بعبدالحليم حافظ فلاشك أنه كان سوف يتعاون مع عمر خيرت وصلاح
الشرنوبي والراحل رياض الهمشري ومحمد ضياء الدين وصولاً إلي وليد سعد.. ومع
الشعراء من أمثال بهاء الدين محمد وفاطمة جعفر وعماد حسن وبهاء جاهين وجمال
بخيت وأحمد بخيت ونادر عبدالله وكوثر مصطفي والمبدع الذي رحل مبكراً عصام
عبدالله وأيضاً أيمن بهجت قمر صاحب المفردات الشاعرية والعصرية المشاغبة.
في صفحات حياة «عبدالحليم» بالتأكيد مواقف سلبية بعد أن امتلك النجومية
الطاغية تمرد علي رفقاء الطريق مثل «الطويل» و«الموجي» شعر كل منهما أن
«عبدالحليم» صار زعيماً.. قال لي «الطويل» إنه في أغنية «بالأحضان» لاحظ أن
«عبدالحليم» يوجه الفرقة الموسيقية في حضوره وغضب وكانت بداية القطيعة..
توقف «الطويل» عن تلحين الأغاني العاطفية لعبدالحليم وصار «بليغ» هو الوحيد
الذي يتربع علي عرش صوت «عبدالحليم» ولهذا أطلق عليه لقب أمل الموسيقي
المصرية ورغم ذلك فلقد أدرك «عبدالحليم» الخطأ الذي وقع فيه وعاد للموجي
عام 75 في ثلاثة ألحان مرة واحدة وهي «رسالة من تحت الماء» و«قارئة
الفنجان» وموشح «يا مالكاً قلبي» وكان يعد لحناً عاطفياً جديداً للطويل
كتبه «عبدالرحمن الأبنودي»!!
كان عبدالحليم لديه قدرة علي أن يشعر بالكلمة واللحن الأكثر عصرية وصدقاً
ويذهب إليها ويتجاوز عن خصوماته أو صداقاته من أجل إبداعه.. لكني أري الآن
أن أغلب ما يغني مرتبط بقاموس انتهت فترة صلاحيته ولم يستطع أن يتجاوز
مفردات ليس فقط أغنيات عبدالحليم ولكن مفردات أغنيات صالح عبدالحي وبعض ما
نستمع إليه يخاصم ليس فقط الإبداع والإحساس ولكن المنطق ويقدمون مجرد كلمات
خالية من إحساس ومعاني الكلمات بعضها تقترب من وصلات الردح وفرش الملاية!!
رغم أنه لم ينجح مشروع الرحبانية وفيروز فقط بالجملة الموسيقية ولكن
بالكلمة التي تقتحم عوالم أخري وسماوات لم يصل إليها من قبل من سبقهم من
الشعراء مثل أغنية «أنا وشادي» أو «ضي القناديل» التي كتبها ووزعها الأخوان
رحباني لعبدالحليم ووضع اللحن محمد عبدالوهاب فإن ما قدمه عبدالحليم حتي
علي مستوي الكلمة لا ينبغي أن نعتبره في كل أغانيه هو الأفضل دائماً لا شك
أن هناك بين الحين والآخر هنات.. أنا لا أتفق مع حلمي بكر، علي سبيل المثال
الذي يري أنه إذا انتقد أحد عبدالحليم فسوف ترتد إليه الانتقادات من عشاق
عبدالحليم.. المشكلة ليست في أن ننتقد عبدالحليم ولكن أن نعرف كيف ننتقده
وتوقيت الإعلان عنه فأنا مثلاً لا أستحسن أغنية «قوللي حاجة أي حاجة» رغم
أنها من كلمات شاعر كبير هو حسين السيد وتلحين الموسيقار أستاذ الأجيال
محمد عبدالوهاب، إلا إنني أعلم أنها أغنية موقف في فيلم «الخطايا» عندما
حاول عبدالحليم أن يصالح نادية لطفي فقال لها «قوللي حاجة أي حاجة».. ولهذا
لا أنتقد الأغنية بمعزل عن خطها الدرامي ولكني فقط لا أعتبرها من أغنيات
عبدالحليم المفضلة!!
الفنان هو ابن شرعي لكل ما هو معاصر علي مستوي الآلة وليس فقط المشاعر
ولهذا يلتصق أكثر مطربي هذا الجيل بأغنيات الفيديو كليب، تشعر وكأنها تحولت
إلي موضة صنعت من أجلهم، الفيديو كليب في عمقه هو الإبهار الذي يعتمد علي
اللقطة السريعة والوهج الذي يبرق ثم ينطفئ لكنه لا يمكث طويلاً في الوجدان،
ولهذا لا يتوقف مصنع إنتاج الفيديو كليب ولا عيب في تلك الوسيلة سريعة
الانتشار ولكن الأهم هو كيف نوظفها لصالح العمل الفني!!
دائماً ما تخلق الآلة نجومها ولهذا فإنه لولا السينما ما كان من الممكن أن
يصبح لدينا مطربة مثل «ليلي مراد»، ولولا الميكروفون الحساس ما كان من
الممكن أن ينجح عبدالحليم ونجاة، ولولا الفيديو كليب ما أصبح لدينا عمرو
دياب، عاصي الحلاني، راغب علامة، مصطفي قمر، هشام عباس، تامر حسني، نانسي
عجرم، إليسا، هيفاء لكن هاني شاكر وعلي الحجار أو الحلو وصابر الرباعي
وكاظم الساهر ومحمد منير وحتي من جاء بعدهم مثل مدحت صالح وإيمان البحر
درويش وخالد عجاج وجودهم تجاوز الفيديو كليب، وبقاؤهم أبقي بكثير من تلك
المعادلة التي فرضتها أغنيات الفيديو كليب.
لعبت السينما دوراً محورياً في حياة «عبدالحليم حافظ» لأنها منحت لخيال
الشعراء والملحنين مساحات أخري في الإبداع ومن هنا اكتشفنا أن 15 فيلماً
قدمها «حليم» تشكل 70% من إنتاجه الغنائي العاطفي ولكن يبقي شيء مهم خارج
عن إرادة الجميع وهو النجومية التي تولد مع الفنان أو الكاتب وهي كاريزما
خاصة لا تخضع لأي مقياس علمي.. النجومية تجدها في كل المجالات وليس فقط
الفن والأدب.. مثلاً الشيخ عبدالباسط عبدالصمد كان نجماً بين قراء القرآن
بينما معاصره الشيخ محمود خليل الحصري شيخ المقرئين في العالم أجمع كان
شيخاً كبيراً وجليلاً لكنه ليس نجماً.. الفيديو كليب يلعب دوراً لصالح
النجوم إنه قالب عصري لاحتواء الأغنية وهو لا يزال يبحث عن قوانين للتطوير
والإبداع ومع الزمن سوف تكتب الأغنية وفي ذهن الكاتب أن هناك رؤية إخراجية
سوف تتجسد من خلال تتابع لقطات الفيديو كليب!!
الفنان ينبغي أن يتجه إلي مفردات العصر وعناصره الإبداعية مثل الفيديو
كليب.. الأهم من ذلك أن تظل مداركه مفتوحة علي ما يجري في الحياة..
النجومية يجب أن يحميها إطار مصنوع من القراءة والاطلاع علي الثقافة العامة
وعلي كل متغيرات الحياة ويظل دور الكبار مؤثراً في حياة هؤلاء النجوم عندما
انطلق «هاني شاكر» عام 1972 شعر «عبدالحليم» ببعض الخوف من هذا الشاب
الصغير الذي لم يتجاوز العشرين من عمره وجاءت النصيحة من الكاتب الكبير
«إحسان عبدالقدوس» قال له «الولد يحارب بولد مثله» وهكذا أطلق عبدالحليم
«عماد» بعد أن منحه اسمه لكي يصبح الصراع بين «عماد» و«هاني» وليس «هاني»
و«حليم».. ومن خلال متابعتي للأحاديث القليلة التي تحتفظ بها الإذاعة
والتليفزيون لعبدالحليم وتبثها في ذكراه أشعر أن عبدالحليم كان أكثر ثقافة
ووعياً وإدراكاً حتي ولو كانت ثقافته مجرد ثقافة سمعية وهو ما يطلقون عليه
«حرامي ثقافة» أي أنه لا يقرأ كثيراً لكنه يستطيع أن يجمع الكثير من خلال
اقترابه من العمالقة كامل الشناوي ومصطفي أمين وإحسان عبدالقدوس ولكن
عبدالحليم كان يمتلك موهبة الكلام حتي ولو كان كما وصفه كامل الشناوي يصدق
إذا غني ويكذب إذا تكلم فهو قادر علي الإقناع وعلي توجيه النقد بخفة ظل
ودهاء وضع الكلمة ولو في إطار من الكذب الجميل.. مثلاً عندما عاتبه فريد
الأطرش لأنه قال عنه إنه في عمر أبيه قال له ضاحكاً «ما تزعلش انت زي
جدي..» وعندما أراد أن يقول رأياً سلبياً في هاني شاكر اكتفي بقوله «ليس
لديه طموح».
علي الجانب الآخر عندما تقرأ أحاديث لعدد من مطربي هذا الجيل لا تتجاوز
مفرداتهم كلمات «عليّ الحرام وعليّ النعمة ورحمة أبويا وما تخليناش نقل
أدبنا» وفي العادة يقلوا أدبهم بعد ذلك هذه هي الكلمات التي يستخدمونها في
أحاديثهم وذلك لأننا بصدد فنانين غالباً معزولين عن شبابيك الثقافة
الحقيقية لا تجد في دائرتهم الكتاب والمفكرين ولا تشعر بأن أياً منهم قد
قرأ حتي ديوان شعر لنزار قباني أو السياب أو أدونيس أو فاروق جويدة أو قرأ
رواية لنجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو جمال الغيطاني أو يوسف القعيد أو
إبراهيم أصلان أو حنا مينا!!
كان عبدالحليم حافظ قادراً علي تسويق فنه بينما لا يترك الآخرون فرصة إلا
ويعملون علي - تسويء - أنفسهم!!
الدستور المصرية في
30/03/2010
تحقيقات
طارق الشناوي يكتب :
«أم كلثوم» و«عبدالوهاب» حب له مذاق الكراهية!!
في ذكري «أم كلثوم» تطل دائماً علاقتها مع «محمد عبدالوهاب» لتشكل علامة
استفهام كبيرة.. صراع حاد يجعل كل منهما يضع عينه وفكره علي ما يقدمه
الآخر.. معادلة «أم كلثوم» الفنية تري فيها «عبدالوهاب» ومعادلة «عبدالوهاب»
لا تخلو من «أم كلثوم».. دائماً تسأل «أم كلثوم» كم تقاضي «عبدالوهاب» وهو
سؤال من المؤكد ردده «عبدالوهاب» قبلها ولهذا تصر «أم كلثوم» علي أن تتقاضي
أجراً أكبر بينما «عبدالوهاب» يسعي لكي يصل إلي نفس الرقم.. إنهما إبنا نفس
المرحلة، الفارق الزمني بينهما يصل إلي ثلاثة أعوام.. كل منهما لديه جواز
سفر لا يوثق حقيقة العمر، «عبدالوهاب» مواليد 1910 في آخر جواز سفر له
بينما «أم كلثوم» 1908.. «أم كلثوم» اختصرت عشر سنوات فهي مواليد 1898 و«عبدالوهاب»
اختصر فقط تسع سنوات فهو مواليد 1901.. الاثنان إبناء مشايخ كل منهما تربي
فنياً علي قراءة وحفظ القرآن الكريم والتواشيح الدينية.. «عبدالوهاب» ابن
حي سيدي «الشعراني» بينما «أم كلثوم» ابنة قرية طماي الزهايرة.. كل منهما
لم تكن الحياة بالنسبة له رحلة سهلة ولكن عاني كل منهما.. ذاق الأمرين حتي
وصل للقمة.. وكان ينبغي للقطبين أن يلتقيا، كان «عبدالوهاب» من الذكاء بحيث
إنه وافق علي مشروع الفيلم المشترك والذي اشترطت فيه «أم كلثوم» أن تسبقه
علي التترات.. كانت فكرة «طلعت حرب» في الثلاثينيات من خلال استديو مصر أن
يجمعهما معاً في حكاية «ألمظ وعبده الحامولي».. وهي نفس القصة التي قدمتها
«وردة» و«عادل مأمون» في الفيلم الذي أخرجه «حلمي رفلة» في مطلع الستينيات
ولكن اشترط «عبدالوهاب» أن ينفرد بتلحين كل أغنيات الفيلم.. «عبدالوهاب» هو
الموسيقار وأيضاً المطرب ولهذا ضحي بأن يأتي اسمه تالياً لأم كلثوم لكنه
رفض أن يشاركه في التلحين الثلاثة الكبار الذين لا تستغني عنهم «أم كلثوم»
وهم «زكريا أحمد» و«محمد القصبجي» و«رياض السنباطي».. كان الاتفاق المبدئي
أن يلحن «عبدالوهاب» دويتو ليشارك «أم كلثوم» الغناء ولم تعترض «أم كلثوم»
وكان هذا هو الحدث التاريخي الذي حرمنا منه «الدويتو» بين قمتي الغناء
وكانت «أم كلثوم» موقنة أن الثلاثة الكبار سوف يقدموا لها أفضل ما عندهم
للتفوق في الأغاني الفردية علي «عبدالوهاب» بينما «عبدالوهاب» علي الجانب
الآخر اعتبرها إهانة له كموسيقار أن يشاركه أحد في التلحين رغم أنه فعلها
بعد ذلك أكثر من مرة ومنها ويا للعجب في فيلم «ألمظ وعبده الحامولي» حيث
لحن «عبدالوهاب» لوردة «اسأل دموع عنيه» بينما في الفيلم أغنيات أخري تلحين
كل من «فريد الأطرش» و«بليغ حمدي» و«كمال الطويل» و«محمد الموجي».. «عبدالوهاب»
كان يخشي أن تهزمه «أم كلثوم» في هذه المعركة بفضل عباقرة الموسيقي الشرقية
الثلاثة.. علي الجانب الآخر كانت «أم كلثوم» لديها قناعة بأن «عبدالوهاب»
لن يعطيها أفضل ما عنده من ألحان سوف يمنحها اللحن الجميل بينما سيحتفظ
لصوته باللحن الأجمل.. الجملة الموسيقية الأكثر ألقاً ستصبح من نصيبه.. «عبدالوهاب»
آثر بعد توقف مشروعه مع «أم كلثوم» أن يغني مع منافسة «أم كلثوم» الأولي
«أسمهان» دويتو «مجنون ليلي» إنها بالطبع ضربة «وهابية» موجهة إلي «أم
كلثوم» لأن الصوت الذي كان يشكل خطورة علي «أم كلثوم» هو فقط صوت «أسمهان»
التي رحلت عام 1944 بعد عامين فقط من تسجيلها «مجنون ليلي» وربما لو امتد
بها العمر لقدم معها فيلما سينمائيا غنائيا كاملا نكاية في «أم كلثوم»!!
في لقاء «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» عام 1964 مع «انت عمري» جاء بعد اعتزال
«عبدالوهاب» الغناء في الحفلات.. «عبدالوهاب» لم يعتزل وقتها الغناء في
الاستديو وكان لديه دائماً أغنية جديدة وخاصة في الاحتفال بعيد الثورة ولكن
لم يعد منافساً لأم كلثوم علي خشبة المسرح.. كان «عبدالوهاب» بالمناسبة
يستعد لتسجيل أغنية «انت عمري» التي كتبها «أحمد شفيق كامل» بصوته ولكنه
أمام اضطراره لتقديم أغنية لأم كلثوم تنفيذاً لمطلب الرئيس «جمال
عبدالناصر» لم يجد سوي «انت عمري» وكان لديه أمل أن يسجلها أيضاً بصوته
لتبدأ المقارنة بين الصوتين وعلي الفور أجهضت «أم كلثوم» المشروع ورفضت أن
يسجل «انت عمري» بل هددته إذا أقدم علي ذلك فإنها سوف تمتنع تماماً عن غناء
«انت عمري» في حفلات أو طبعها علي اسطوانة وكان هذا يعني بالنسبة
لعبدالوهاب أن يخسر 12% هي قيمة الإيرادات التي يحصل عليها من كل اسطوانة
يتم بيعها وكانت «انت عمري» قد حققت بعد ذلك أعلي إيراد لعبدالوهاب عن أي
لحن حتي تلك التي غناها بصوته.. قال لي الموسيقار «كمال الطويل» أنه أثناء
الشد والجذب بين «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» اتصلت به لتلحين «انت عمري»
وانفعل بالكلمات وبدأ التلحين وبرغم اشتهار «كمال الطويل» بالكسل والتردد
فإنه وجد نفسه وقد أنجز مقاطع كثيرة جداً من اللحن إلا أنه تراجع في
اللحظات الأخيرة.. سألته لماذا قال لي الناس كانت تنتظر أن تري اللقاء بين
«عبدالوهاب» و«أم كلثوم».. يتطلعون أن يشاهدوا القمتين معاً ثم آتي أنا لكي
أفسد فرحة الناس.. ما لم يقله «الطويل» هو أن «أم كلثوم» كانت تعلم أن
العلاقات بين «الطويل» و«عبدالوهاب» يشوبها الكثير من التوجس ولهذا فإن
مجرد إعلانها أن الأغنية سوف يلحنها «كمال الطويل» فإن هذا كفيل بإثارة
«عبدالوهاب» لكي يسارع باستكمال اللحن.. كان «عبدالوهاب» يعلم تماما أن «أم
كلثوم» لا ترضي إلا بالأجمل وطوال التاريخ لم يتوقف بينهما الصراع وكل
منهما يسعي ليحصل علي الأحسن.. مثلاً أغنية «سهران لوحدي» رائعة الشاعر
«أحمد رامي» كانت في حوزة «عبدالوهاب» ليغنيها بصوته وعندما استمعت «أم
كلثوم» لكلماتها من «رامي» تمسكت بها اعتبرتها أغنيتها ولم يستطع «رامي»
سوي أن يسحبها من «عبدالوهاب» ضارباً عرض الحائط بصداقتهما القديمة ليمنحها
لأم كلثوم بتلحين «رياض السنباطي».. ولم ينته الصراع بين «أم كلثوم»
و«عبدالوهاب» حتي بعد رحيل «أم كلثوم» عام 75 فلقد عاش بعدها «عبدالوهاب»
16 عاماً.. خلال تلك الأعوام قدم للإذاعة تسجيلات أغنياته التي لحنها بصوته
لأم كلثوم مثل «انت عمري» وتعددت اللقاءات بينهما في قصائد عاطفية ووطنية..
مرة واحدة سمحت «أم كلثوم» لعبدالوهاب بأن يسجل القصيدة بصوته وعلي فرقة
موسيقية وهي «أصبح عندي الآن بندقية» لنزار قباني التي قدمها بعد النكسة
حيث كانت أقرب إلي نداء للمقاومة وللثأر من العدو الإسرائيلي.. وكان رهان
«أم كلثوم» علي «عبدالوهاب» هو الرهان الصحيح حيث وصل الرقم إلي 10 ألحان..
قالت لنا الأرقام إن «انت عمري»، «فكروني»، «أمل حياتي» ثلاثة ألحان من بين
أفضل عشر أغان تحصد أعلي إيرادات بين أغنيات «أم كلثوم» أي أنها لا تزال
تباع
C.D
وكاسيت وتقدم عبر موجات الإذاعة والتليفزيون إلا أن الأرقام تقول أيضاً إن
«بليغ حمدي» له خمسة ألحان من بين أفضل عشرة بل إنه يحتل بأغنية «سيرة
الحب» المركز الأول بينما احتلت هذه المكانة فيما مضي «انت عمري» وذلك حتي
قبل 12 عاماً وتراجعت للمركز الثاني أما الألحان الأربعة الأخري التي تحتل
مكانة متقدمة بين العشرة الأوائل لبليغ فهي «بعيد عنك»، «فات الميعاد»،
«ألف ليلة وليلة»، «الحب كله» بينما تبقي «الأطلال» لرياض السنباطي في مركز
متقدم بين السادس والسابع، الأغنية العاشرة في قمة أرقام الأداء العلني
أحياناً تأتي «حب إيه» لبليغ وأحياناً «دارت الأيام» لعبدالوهاب أو «الحب
كده» للسنباطي.. «عبدالوهاب» و«أم كلثوم» كان يجمعهما الحب الذي له أحياناً
مذاق الكراهية!!
>>
انت قلبت سياسة.. هكذا تلقيت العديد من المكالمات والرسائل.. نشرت مقالتين
متتاليتين علي مدي الأسبوعين الماضيين في باب «كلمة و » الأولي «دقت ساعة
العمل التوريثي» والثانية «الرئيس الطيب والوزير الشرير».. وإجابتي هي أنني
اكتشفت أن نجوم الفن هم الذين قلبوها سياسة عندما تحولوا إلي كورس يردد
ويدعو بصوت عال للتوريث ونجوم الرياضة شاركوهم بعد أن خصخصوا الفرحة
المصرية بكأس أفريقيا لتصبح فرحة للرئيس وبيت الرئيس.. وكان آخر تلك الفصول
ما رأيناه قبل أيام في الاستاد.. «عمرو دياب» يغني زي ما قال الريس
والأستاذ «علاء» والأستاذ «جمال» منتخب مصر كويس.. كل شيء في مصر قلب سياسة
ولم يسأل أحد.. جت عليّ أنا؟!
الدستور المصرية في
09/02/2010
بورتريه
طارق الشناوي يكتب:
«سناء جميل» سيدة الهمس البليغ!!
في الأدب شعر ونثر، وفي الأداء الدرامي أيضاً شعر ونثر.. عدد محدود جداً من
الممثلين هم الذين ينطبق عليهم تعبير شعراء التمثيل.. علي رأس هذه المدرسة
والتي تشغل مقعد الناظرة فيها وتقف شامخة أنها سناء جميل أحد كوكبة قليلة
جداً يملكون لحظات تجل خاصة يلعب فيها اللاشعور دوراً أكبر من الشعور..
إنهم يلتصقون بالشخصية التي يلعبونها تتحول إلي نبضات في عروقهم ودقات في
قلوبهم.. كانت «سناء» زعيمة في التحليق الفني وهي تبرع في أدوارها القليلة
بمقياس العدد العميقة بمقياس الإحساس والتأثير.. حاصرت «سناء جميل» السينما
المصرية بقواعدها التي توارثناها، وهي الأغراء والجمال الصارخ، وحاصر
المسرح «سناء جميل» بقواعده التي تعلي من شأن أيضاً الأداء الصارخ
الجهوري.. الانفعال الزائد الذي ينتقل إلي جمهور الصالة من أجل أن يبكي مثل
الأبطال أو يصفق أو يضحك بنفس درجة الصخب الزائد الذي يراه علي خشبة
المسرح.. أما في التليفزيون فإن «سناء جميل» وجدت فيه كل القواعد والتراث
التقليدي للسينما والمسرح الذي لا يترك مجالاً للهامسين باللفتة والنظرة
والإيماءة والتنهيدة وكان من المنطقي أن تستسلم «سناء جميل» وترفع الراية،
فلا يمكن لفنان أن يطبق قانونه الخاص علي قانون سائد كان من الممكن أن
تتحول من فنانة تعبيرية إلي فنانة خطابية من الهمس إلي الصراخ وما أسهل أن
تكون صارخاً لكنها كانت ستصبح شيئاً آخر غير «سناء جميل» التي عشقناها..
كانت ستتحقق بمقياس العدد عشرات من الأدوار تنهال عليها ورصيداً ضخماً في
البنك لكنها عاندت وسبحت ضد التيار، ولهذا رأها «د. طه حسين» عميد الأدب
العربي بإحساسه وتواصل معها وعندما شاهدها علي المسرح قال كلمته الشهيرة
«ليس لأحد علي تمثيلها سبيل».. انتهت كلمة «طه حسين» التي تلخص بدقة مدرسة
«سناء جميل» فهي صحيح ابنة المسرح بكل طقوسه وأساتذته وأساليبه الكلاسيكية،
ورغم ذلك عندما اعتلت خشبة المسرح كان لها أسلوبها المغاير لكل من سبقوها
ولقنوها كما قال «طه حسين» بكل بلاغة وعمق ليس لأحد علي تمثيلها سبيل..
هكذا تواصل معها «طه حسين» منذ أكثر من نصف قرن، رغم أنه يدين بإحساسه
الدرامي إلي تراث أسبق بمنهج مختلف قدمه «جورج أبيض»، و«يوسف وهبي»، و«عزيز
عيد»، و«فاطمة رشدي» وغيرهم لكنه لمحها وأمسك بهذه القدرة علي التعبير.. لو
حسبتها بالأرقام فلن تجد في رصيدها الفني الكثير، إنها الأقل عددًا بين كل
الفنانين من جيلها سواء في المسرح أو السينما أو التليفزيون.. لكن الفن لا
يعترف أبدًا بالمقياس الرقمي ومع سناء يصبح عمق الإبداع هو الفيصل وليس
شيئًا آخر.
وعندما تتأمل أفلامها لا شك أن «بداية ونهاية» سوف يبرق أمامك، وعلي الفور
يحتل مقدمة الكادر دور «نفيسةً الذي صار عنوانًا لها في السينما رغم أن لها
العديد من العناوين الجذابة ولكننا تعودنا علي سبيل الاستسهال أن نختصر
الفنان في دور!!
حكي لي «صلاح أبو سيف» أنه رشح «فاتن حمامة» لأداء دور «نفيسة» في «بداية
ونهاية» تحمست «فاتن» ثم عادت وتراجعت فهي لا تريد أن تؤدي دور فتاة تبيع
نفسها، رغم أنها لعبت هذا الدور من قبل في «طريق الأمل» لعز الدين ذوالفقار
وقدمته بعد ذلك في «الخيط الرفيع» لهنري بركات.. أتصور أيضاً أن ملامح
«نفيسة» ليست هي المرأة الجميلة ولكنها ذات حظ محدود جداً من الجمال أو
بالأحري تخاصم الجمال.. كانت «سناء» كما قال لي «أبو سيف» في خياله وهو
يعيد تسكين الشخصيات، لكنه أراد أن يبدأ بفاتن وعندما لم تتحمس علي الفور
كانت «سناء» هي «نفيسة»، كانت أكبر تحية تلقاها «صلاح أبو سيف» من «فاتن»
عندما شاهدت الفيلم في أول عرض خاص، حرص «أبو سيف» علي دعوتها وكانت تجلس
بجواره وبعد العرض مباشرة قالت له كان عندك حق يا «صلاح»..
وشارك هذا الفيلم في مهرجان «موسكو» وتذكر «أبو سيف» ملمحاً آخر لسناء جميل
هي و«فاتن حمامة» التي شاركته أيضاً بالمهرجان، حيث عرض لها «نهر الحب»
اكتشف الأمن في الطائرة أن «صلاح» ليس لديه تأشيرة دخول للاتحاد السوفيتي،
وقرر ضابط الأمن ترحيل «صلاح أبو سيف» ولكن «سناء جميل» ومعها «فاتن حمامة»
قالتا نعود إلي مصر مع «صلاح» وأمام هذا الموقف تم دخول «صلاح» في سابقة
كان الكل يعلم أنها مستحيلة التكرار في أي ظرف آخر.. وعلاقة «أبو سيف»
بسناء جميل امتدت بعد ذلك مرتين في فيلم «الزوجة الثانية» عام 68 والثانية
في آخر أفلامه «السيد كاف» عام 93.
في فيلم «بداية ونهاية» نتابع تلك العلاقة التي نسجها ببراعة «صلاح أبو
سيف» وكتب لها السيناريو والحوار «صلاح عز الدين» و«أحمد شاكر» و«كامل عبد
السلام».. كانت «سناء جميل» بملامحها هي عنوان تلك الطبقة الفقيرة
المطحونة.. كيف تغيرت العلاقة مع البقال «صلاح منصور» من الندية والتحدي
إلي الاستجداء بأن يتستر عليها بعد أن سلب منها شرفها، براعة ممثلة تنتقل
بأستاذية من موقف إلي آخر.. نظرة عينيها وهي تترجي شقيقها «عمر الشريف» بعد
ضبطها في قضية الآداب، استطاعت في لمحة واحدة أن تجمع بين الضعف والإحساس
بالذنب وهي لا تجد أمامها سوي الانتحار.. ويتكرر الأمر مرة أخري مع «صلاح
أبو سيف» في «الزوجة الثانية»، كيف عبرت عن غيرة الزوجة، فهي الزوجة الأولي
العاقر وهي التي تختار المرأة الولود لكنها لا تطيق أن تري زوجها وهو يلهث
وراء امرأة أخري، الغيرة القاتلة المغلفة أيضاً برغبة لامتلاك طفل ليس لها.
قبل ذلك أعود بكم إلي سهرة تليفزيونية مع بدايات التليفزيون عام 60
مونودراما باسم «رنين» تلعب بطولتها «سناء جميل» من إخراج «حسين كمال».. هي
فقط التي نراها في الكادر ثم كانت هي في أول فيلم روائي وقع اختيار «حسين
كمال» عليها في أول أفلامه «المستحيل».. مع «أشرف فهمي» أكثر من لقاء أهمها
«المجهول» المأخوذ عن مسرحية ألبير كامي «سوء تفاهم».. اعتمد أشرف علي
الاقتصاد الشديد في التعبير، فكانت «سناء جميل» علي القمة مع «عادل أدهم»
و«نجلاء فتحي».. ثم مع المخرج عاطف الطيب «البدروم» إنها البوابة «أم
الخير» انتقلت من واقعية «صلاح أبو سيف» إلي الواقعية السحرية التي يقدمها
تلميذه النجيب «عاطف الطيب».. أتذكر في فيلمها «سواق الهانم» للمخرج «حسن
إبراهيم» عام 1994، أنها الهانم التي تقرر أن تستعين بالسائق الشهم «أحمد
زكي» ولكنها تعامله بقدر كبير من الصلف والغروب، أبدعت «سناء جميل» في أداء
الدور إلي درجة أن المركز الكاثوليكي المصري رشحها للتكريم عن مجمل أفلامها
هي و«عادل أدهم» الذي لعب دور زوجها المقهور في الفيلم.. في اللحظات
الأخيرة تراجع رئيس المركز الأب «يوسف مظلوم» عن تكريمها.. كنت عضواً في
لجنة تحكيم المهرجان وعندما علمت بقرار المركز الكاثوليكي تناقشت مع الأب
«يوسف مظلوم» قال لي لقد كانت قاسية جداً علي زوجها وعلي السائق وعلي
ابنتها ونحن في المركز نكرم دائماً القيم النبيلة التي يدعو إليها
الفنانين.. فأجبته قائلاً ولكن الفيلم نفسه يشجب هذا السلوك ولو لم تبرع
«سناء جميل» في أداء دورها ما كان من الممكن أن نكره الغرور والصلف، واقتنع
الأب «مظلوم» فعادت مرة أخري «سناء جميل» لقائمة المكرمين بعد أن كانت
مستبعدة بسبب صدق أدائها. مع «شريف عرفة» و«وحيد حامد» جاء اللقاء في «اضحك
الصورة تطلع حلوة».. تقدم «سناء جميل» دوراً أقرب لرمانة الميزان، يحمل
الفيلم الواقعي كل أحلام التصالح مع الحياة. وفي التليفزيون أنت أمام قامة
كبيرة فهي من الرعيل الأول وتظل «فضة المعداوي» في «الراية البيضاء» هو
الدور الأثير لقد منحته «سناء» من مشاعرها الكثير وأضفت عليه ألقاً خاصاً
وكانت هي السيدة التي تسيطر بنفوذها ومالها علي الجميع، لم تسقط في فخ
المبالغة أو الجري وراء إيفيه الناس رددت وراءها حوارها، صارت «فضة
المعداوي» هي أفضل شخصية درامية نسجها «أسامة أنور عكاشة» صاحب النصيب
الأكبر في كل الدراما العربية وأتذكر أنني سألت «أسامة» الذي قدم عشرات من
الشخصيات الدرامية التي أطلت علينا من الدراما وكأنها آتية من عالم الكاتب
لتعيش بيننا وتستقر في وجداننا سألته عن «فضة المعداوي»، أجابني هي الأكثر
اقتراباً وأن ما منحته «سناء جميل» للشخصية من حياة وروح فاق كل تصوراته
علي الورق!!
في المسرح لا أنسي لها «الحصان» مونودراما كتبها «كرم النجار» وأخرجها
«أحمد زكي» وهو بالطبع غير «أحمد زكي» النجم السينمائي.. فهو واحد من أهم
مخرجي المسرح وكان أستاذاً لأحمد زكي في معهد التمثيل.. أيضاً «زهرة
الصبار» مع «عبد الرحمن أبو زهرة».. كان بين «سناء جميل» و«سميحة أيوب» نوع
من المقارنة فرضتها الأحداث، الاثنتان من نفس الجيل وأستاذهما الأول هو
«زكي طليمات» وكل منهما كانت تستحق لقب «سيدة المسرح».. سنوات الشباب حملت
قدراً من التنافس والصراع ولكن السنوات الأخيرة كانت الحب هو الذي يسود
والصداقة هي التي تعلن عن نفسها.. تستطيع أن تقول وأنت مطمئن إن سميحة أيوب
«سيدة المسرح» وسناء جميل «سيدة الإحساس» في السينما والمسرح والتليفزيون
فلقد كانت تقدم الهمس الفني البليغ الذي يقول الكثير دون أن تسمع لها
صوتًا!!
عاشت «سناء جميل» بوجه واحد فقط بينما الحياة الفنية تحتاج إلي أكثر من
وجه، أغلب الفنانين يقولون شيئاً ويمارسون شيئاً آخر.. عملهم بالتمثيل
يجعلهم ينتقلون من الاستديو إلي بيوتهم بشخصيات أخري ليست بالطبع من فرط
معايشة الشخصية الدرامية التي يؤدونها، ولكن لأن الوسط الفني يفضل النفاق
والكذب والإطراء الزائد فهم يمثلون 24 ساعة يومياً داخل وخارج الاستوديو..
غير مسموح بكلمة صادقة لا تضع اعتبارات المصلحة فوق أي اعتبار، لم تكن
«سناء جميل» تخجل من أن تذكر هذه الواقعة، فلقد بدأت المشوار في القاهرة
قادمة من الصعيد بلا أي سند سوي موهبتها، ولكن كيف تستطيع أن تواجه الحياة
بلا أموال ولو قليلة؟ وفي البداية لم تجد سوي أن تبيع لأحد المحال مفارش
كانت تبرع في حياكتها وكان لديها اعتزاز خاص بما تنسجه، فهي تعتبرها جزءًا
عزيزًا منها ولهذا قبل أن تبيعه تكتب عليه أول حرفين من اسمها
S.G وكانت يوماً هي وزوجها الأستاذ «لويس جريس» في زيارة لبيت الأستاذ
«إحسان عبد القدوس» وأثناء تناول العشاء لاحظت «سناء جميل» أن مفرش المائدة
يحمل توقيعها وروت الحكاية لإحسان عبد القدوس وللسيدة زوجته، فما كان منهما
سوي أن أصرا في نهاية الزيارة علي أن تصطحب معها هذا المفرش!!
كانت «سناء» تعشق الصدق في الإبداع وفي الحياة فهي لا يمكن أن تقف أمام
الكاميرا أو علي المسرح لتعبر عن إحساسها ثم يتخلي عنها الصدق خارج حدود
الاستوديو أو خشبة المسرح، وللمرة الثانية اصطدمت بقانون الوسط الفني الذي
يضع خارج الخط أي فنان لا يجيد قواعد اللعب والتزويق والتجميل أغضبت آراؤها
الكثيرين وجرحهم صدقها الذي يتجاوز المسموح والمباح لكنها أرادت أن تظل
«سناء جميل».. عندما تنظر للمرأة تحترم تاريخها لا تشعر لحظة أنها تنازلت،
صادرت كلمة الحق من أن تنطق بها وكأنها تردد مقولة جبران خليل جبران «للحق
صوتان صوت يسمعه وصوت ينطق به».. لم تقيدها المصالح التي تتحول إلي معادلات
دائمة في الوسط الفني.. من المؤكد أنها دفعت الثمن مرتين لأنها أرادت الصدق
الفني والصدق الإنساني.. نعم كان يحاول صناع عدد من الأعمال الفنية إقصاء
«سناء جميل» وكان بعض النجوم والنجمات يفكرون ألف مرة قبل أن تشاركهم
«سناء» البطولة لأنها سوف تسرق دون أن تقصد إحساس الناس بمجرد أن تظهر
«سناء» فإن العين تتابعها، ومن الصعب جداً أن تري غيرها أما القلب فلا يسمح
بالدخول لأحد سواها.. كانت بصدقها ستفضح زيفهم وبريقهم الكاذب وكثيراً ما
كان يتردد اسمها في أعمال فنية ثم في اللحظات الأخيرة يرنو الصمت وكأن
شيئاً لم يكن، ورغم ذلك كانت «سناء» قادرة علي أن تبرق، تدخل من هذا النفق
الضيق الذي يشبه ثقب الإبرة وكان عليها أن تقتنص القليل المتاح أمامها لتشع
من خلاله نوراً لا يخبو وميضه، كنا نري شعاع شمس يتم تكثيفه ليخرج من ثقب
إبرة.. «سناء» شاعرة في أدائها تكتب أبياتاً وتؤدي أدواراً تسمو بالدور
الدرامي فنجد أنفسنا وقد حلقنا معها.. لم تمارس الأمومة بالمعني المباشر
ولكنها كانت هي الأم في عطائها أتذكر أننا في عيد الأم كنت أقدم حفلاً
للعمال في «روز اليوسف» وتوزع شهادات محو الأمية ووجدنا أن الأم هي «سناء
جميل» وجاءت للعمال.. واكتملت القصيدة «قصيدة الحب».. كتبت البيت الأخير
عندما ودعناها في الكنيسة المرقصية يوم 22 ديسمبر 2002، عشرات من فناني مصر
ومئات من أفراد الشعب ظهروا في ساحة الكنيسة وعندما ضاق بهم المكان وقفوا
جميعاً في الشارع الرئيسي يودعونها.. كانت «سناء» لا تريد لا من الدولة أو
الأفراد أن يتكبدوا مشقة العلاج ومصاريفه، ولهذا كما قال لي أستاذي الكاتب
الكبير «لويس جريس» إن «سناء» حرصت في آخر 20 عاماً من عمرها علي أن تستقطع
جزءاً من أجرها لتودعه في البنك تحت بند العلاج ولهذا عندما اشتد بها المرض
لم تطلب شيئاً من أحد ولا من الدولة وكان حساب الوديعة هو بالضبط حساب
المستشفي الخاص الذي عولجت فيه «سناء» علي نفقة «سناء»!!
عندما زرت «سناء جميل» في المستشفي قبل أسبوع واحد من رحيلها وبعد أن
قبلتها في جبينها وعلي يدها قالت لي «خللي أمك تدعيلي في كل صلاة».. وفي كل
صلاة أستمع إلي صوت والدتي وهي تدعو إلي «سناء جميل» بالرحمة والمغفرة وأن
يسكنها الله فسيح جناته!!
كانت وصيتها قبل وفاتها أن يكتب في نعيها في «الأهرام» قريبة ونسيبة كل
المصريين.. وهكذا كتبت الأهرام في صفحة الوفيات «سناء جميل» قريبة ونسيبة
كل المصريين، ولم يتضمن النعي كلمة «وحبيبة كل المصريين» لأنها كانت تعيش
في حياتها ولا تحمل لهم إلا كل هذا الحب!!
الدستور المصرية في
21/01/2010
بورتريه
«بركات» كروان السينما المصرية!!
طارق الشناوي
الكروان، الاسموكنج، فاتن حمامة.. ثلاث زوايا رؤية تستطيع من خلالها أن
تقرأ إبداع هذا المخرج الكبير «هنري بركات».. «الكروان» بصوته الذي يحيلنا
إلي النقاء والشفافية وطزاجة النهار وهذه سمة لا يمكن إلا أن تستوقفك في
أفلام بركات ولا أعني تحديداً فيلمه «دعاء الكروان» لأن كل أفلام «بركات»
بها هذا السحر التي تتجسد فيه روح براءة «الكروان».. «الاسموكنج» الذي
يمنحنا الإحساس بالأناقة الألق في التعبير وهي سمة من السهل أن تعثر عليها
في أغلب أفلام «بركات» حتي المغرقة في واقعيتها مثل «الحرام» الذي تري فيه
كل هذا الفقر والعوز الذي تعيشه القرية من خلال تقديمه حال عمال التراحيل
ورغم ذلك فإن الحالة الإبداعية التي يتكئ عليها «بركات» تظل تحمل ألقًا
واكتمالاً إبداعيًا في كل تفاصيلها بإحساس شديد التألق وكأنه بالفعل يرتدي
«الاسموكنج».. ثم نأتي إلي أهم نجمة تعامل معها في مشواره «فاتن حمامة»
إنها الجسر الذي حمل مشاعره إلي الناس وكانت «فاتن» هي الملهمة التي قدم من
خلالها أهم أفلامه السينمائية وكان هو بالنسبة لها أيضاً النهر الذي كثيراً
ما ارتوت من إبداعه فكونا ثنائياً سينمائياً لا تدري علي وجه الدقة متي
يبدأ المنبع إلي أين ينتهي المصب!!
التقي «بركات» مع أغلب النجوم والنجمات ولكن ظل اسم «فاتن حمامة» له طابعًا
مميزًا في مشواره الفني.. التقت «فاتن حمامة» مع أغلب المخرجين منذ أن
اكتشفها «محمد كريم» في فيلم «يوم سعيد» ولكن ظل ما بينها وبين «بركات»
إشعاعاً إبداعياً لا تجده إلا في السينما التي تجمعهما معاً!!
إن لحظة التوهج الكيميائي بين مخرج ونجمة لا تعني أن كلا منهما لا يبدع إلا
مع الآخر ولكنها تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن كلاً منهما يملك وجهاً
إبداعياً خاصاً لا يعلن عن نفسه إلا في حضور الآخر.. إنها معادلة فنية تشبه
لقاء «أم كلثوم» بالموسيقار «رياض السنباطي».. اكتشف «أم كلثوم» الشيخ «أبو
العلا محمد» وغنت لكل العمالقة مثل «زكريا أحمد»، «القصبجي»، «عبد الوهاب»،
«بليغ»، «الموجي»، «الطويل» ولكن ما بينها وبين «السنباطي» شيء آخر إنه
توافق لا تجده إلا في أغانيهما معاً.. ولهذا فإن اللقاء بين «بركات»
و«فاتن» كان به همس الحب الفني.. تكفي النظرة بين الطرفين ليدرك كل منهما
ما يريده الآخر.. ولهذا امتد اللقاء بينهما في 21 فيلماً وهو ما يقترب من
حوالي 25% من كل ما قدمه «بركات» و«فاتن» للسينما!!
لقد سألت يوماً «بركات» عن سر «فاتن حمامة» قال لي إنها حصان أصيل تفضل أن
تظل في المقدمة ولا ترضي أن يسبقها أحد.. وسألته هل اختلفت معها في الرؤية
الفنية.. قال نعم في فيلم «الخيط الرفيع» لإحسان عبدالقدوس حيث أصرت «فاتن»
علي أن تذكر جملة في الحوار كتبها «إحسان» حيث تقول لمحمود ياسين الذي
شاركها البطولة «أنا مش نبي علشان أسامح» اصطدمت هذه الكلمة مع أفكاري
الشخصية والفنية لمحت بها جرأة تصل إلي حدود التهور في استخدام هذا التعبير
«نبي» ولهذا لم أستسغ كل العبارة وأصرت «فاتن» علي ضرورة أن تنطق بها في
الحوار ولم أشأ أن أتشبث برأيي وعند عرض الفيلم ردد الجمهور هذه الكلمة
كثيرا.... اكتشفت أن «فاتن» عندها حق.. إن اللقاء بدأ بينهما عام 1946
بفيلم «الهانم» عندما كانت «فاتن حمامة» لا تزال في مرحلة المراهقة وأسفر
عن العديد من الأفلام المهمة مثل «دعاء الكروان»، «الحرام»، «الباب
المفتوح»، «الخيط الرفيع»، «دايماً معاك»، «أفواه وأرانب» وكان اللقاء
الأخير في فيلم «ليلة القبض علي فاطمة» عام 1984.
وإن كان هذا لم يمنع من أن تلجأ «فاتن» لبركات للاستنارة برأيه في عدد كبير
من الأعمال الفنية الأخري التي ارتبطت بها وكان «بركات» يملك القدرة علي أن
ينظر بعين محايدة إلي الأعمال الفنية التي تقدمها لمخرجين آخرين يتحرر من
قيد إحساسه ومشاعره الشخصية وينظر إليها من خلال قانون الفنان الآخر علي
عكس مدير التصوير «وحيد فريد» الذي صور 70% من أفلام «فاتن» فهو علي حد
قوله - أقصد بالطبع «وحيد فريد» - لا يستطيع أن يشاهد فيلماً من تصوير مدير
تصوير غيره لفاتن حمامة لأنه إذا أنجز صورة جيدة أحسن من التي قدمها لفاتن
سوف يحزن من نفسه لأنه كان يتمني أن يقدم هو لفاتن هذه الصورة وإذا لم
تعجبه الصورة سوف يحزن علي «فاتن»، كانت هذه هي إجابة «وحيد فريد» عندما
سألوه عن رأيه بعد أن استعان المخرج «خيري بشارة» بمدير التصوير «طارق
التلمساني» بدلاً منه في فيلم «يوم حلو يوم مر» ولهذا لم يستطع «وحيد» أن
يشاهد الفيلم ويري «فاتن حمامة» من خلال عين مدير تصوير آخر.. ولكن «بركات»
يملك القدرة علي أن يشاهد «فاتن» مع مخرج غيره أعجبه من هذه الأفلام علي
سبيل المثال «أريد حلاً» سعيد مرزوق «إمبراطورية ميم» حسين كمال.. ومن
أفلام جيله من المخرجين الكبار كان معجباً بأفلامها مع «صلاح أبو سيف»
و«كمال الشيخ» و«حسن الإمام» و«يوسف شاهين» ولكنه يري في أفلام «عز الدين
ذو الفقار» معها مثل «نهر الحب» سحرًا خاصًا وبالطبع كانت له آراء أخري في
بعض الأفلام كان يخبر «فاتن» بآرائه ولكن لم يعلن هذه الآراء علي الملأ
وعندما سألته لماذا أجابني ليس من حقي أن أعقب علناً علي اختيارات «فاتن»
الأخري فقط إذا أعجبني فيلمًا أعلن رأيي!!
وسألت يوماً «بركات» ألم تتخاصم مع «فاتن» علي مدي نصف قرن؟ قال لي يجوز
مرة.. احتمال ده حصل.. لا أتذكر اسم الفيلم.. لم نتخانق ولكن - شدينا - كل
واحد غضب شويه لمدة شهر أو شهرين والتقينا وقلت لها إنت لسه زعلانة مني
وقالت وإنت لسة زعلان مني.. وخلصت الحدوتة.. وبالطبع خلصت حدوتة الخصام
ولكن حدوتة «بركات» و«فاتن» في السينما العربية هي حدوتة لا تنتهي!!
بدأ «بركات» المشوار منذ عام 42 بفيلم «الشريد» ولهذا وصل رصيده إلي 93
فيلماً روائياً وهو بهذا الرقم يتجاوز ضعف ما قدم «صلاح أبو سيف» طوال
مشواره ويصل إلي أكثر من ضعف ما قدمه «يوسف شاهين» أو «كمال الشيخ» وفي
تاريخ السينما المصرية لم يتجاوز رقم 90 فيلماً سوي ثلاثة فقط «بركات»
و«نيازي مصطفي» و«حسن الصيفي».. وكان لبركات كلمة رددها معي أنه لا يستطيع
أن يظل في منزله ينظر إلي السماء ويعد النجوم في انتظار أن يأتي إليه
سيناريو جيد لكنه علي الفور يذهب إلي الاستديو إذا لم يجد هذا السيناريو
يوافق علي سيناريو آخر غير مكتمل العناصر مستعيناً بنصيحة للكاتب المبدع
الراحل «بديع خيري» قال له «بديع» أنا رجل صاحب حرفة وأملك قلماً وورقة
وأستيكة أحياناً أرتدي «عفريتة» زرقاء وهنا يظهر الجانب الحرفي وأكتب
فيلماً سينمائياً لا أرضي عن كل تفاصيله وأحياناً ألبس «بدلة سموكنج» وأكتب
فيلماً سينمائياً به كل المواصفات التي أحلم بها ولكنني أعلم أنني لن أرتدي
في كل مرة «الاسموكنج».. ويقول «بركات» استرحت لكلمات «بديع خيري» فأنا
مثله تماماً ليس لي حرفة أخري أنا لا أملك عمارات ولا مالاً في بنوك.. ما
عنديش غير مهنة الإخراج لازم أعيش منها.. ولهذا اعترف إنه ارتدي العفريتة
الزرقاء وقدم أفلاماً مثل «العسكري شبراوي»، «نوارة والوحش»، «أرملة رجل
حي» وعلي حد قوله فيلم يفوت ولا حد يموت!!
وكان «بركات» يملك قدرة كبيرة علي أن يتواءم مع الظروف السينمائية التي
نعيشها مهما أدي ذلك إلي شيء من التنازل حتي أنه صور فيلم «العسكري شبراوي»
في 18 يوماً فقط، لكن كان يتم ذلك بعلمه وبإرداته ولهذا غضب «بركات» بعد
آخر أفلامه «تحقيق مع مواطنة» وسر الغضب أنه لم ينته من تصوير الفيلم ولكنه
فوجئ بأن المنتج ينهي - دون علمه - المونتاج ويطرح الفيلم في الأسواق
وبعدها قرر «بركات» أن يخلع نهائياً «العفريتة» الزرقاء!!
إن التاريخ سوف يتجاوز تماماً عن سينما «العفريتة» الزرقاء ولن نتذكر
لبركات إلا أفلام «الاسموكنج»!!
بين أفلام «بركات» التي تجاوزت التسعين تستطيع أن تعثر علي كل الأطياف
الإبداعية الغنائي، الرومانسي، التاريخي، السياسي ولا شك أن السينما
الغنائية مدينة لهذا الرائد الكبير فلقد رفع راية الفيلم الغنائي بعد اثنين
سبقاه زمنياً هما «محمد كريم» الذي تخصص في أفلام «محمد عبدالوهاب» و«أحمد
بدرخان» الذي قدم أغلب أفلام «أم كلثوم».. لم يلحق «بركات» بأم كلثوم و«عبد
الوهاب» فلقد اعتزلا السينما وكان هو في بدايات رحلته مع الإخراج لكنه قدم
«فريد الأطرش» في أفلام مثل «حبيب العمر»، «لحن الخلود»، «عفريتة هانم»..
و«ليلي مراد» في «شاطئ الغرام» وفوزي «ورد الغرام» و«دايماً معاك»
وعبدالحليم حافظ «موعد غرام»، «أيام وليالي»، «بنات اليوم».. ومحرم فؤاد
«حسن ونعيمة».. نصيب «بركات» من الأفلام الغنائية يضعه علي قمة مخرجي هذا
النوع في تاريخنا وكانت لديه قدرة علي أن يقتنص من المطرب علي أفضل ما عنده
من فنون الأداء.. أتذكر مثلاً «عبد الحليم حافظ» في «موعد غرام» أمام «فاتن
حمامة» كيف كان خفيف الظل أمام الكاميرا لم يلجأ «بركات» إلي الحل التقليدي
في مثل هذه الأمور وهو أن يضع بجوار «عبدالحليم» كوميديان مثل «عبد السلام
النابلسي» ليحمل مسئولية أن يقدم هو حالة المرح والضحك.. كان «بركات» يسند
إلي «عبد الحليم» دور الشاب المستهتر الذي لا هم له سوي مصاحبة الفتيات علي
عكس الأفلام التي تقدم الشكل التقليدي للمطرب الشاب الذي يبدأ من الصفر حتي
يصعد للقمة.. كانت لمحة ذكية من «بركات» في قيادته للممثلين.
استطاع «بركات» أن يضع النقاد في حيرة وهو يعيد تقديم فيلمه القديم «أمير
الانتقام» بالأبيض والأسود بعد 14 عاماً باسم «أمير الدهاء» الفيلم الأخير
بالألوان لعب بطولة الفيلم الأول «أنور وجدي» بينما الثاني البطولة آلت إلي
«فريد شوقي» الذي كان يؤدي دور بطل مساعد في النسخة الأولي.. كل من
الفيلمين له سحره الخاص تفوق ولا شك «بركات» في نسج الأجواء التاريخية
للفيلم الذي يستند إلي رواية «الكونت دي مونت كريستو» لألكسندر ديماس والتي
دأبت السينما المصرية والعالمية علي تقديمها عشرات المرات.
الفيلم السياسي محطة مهمة جداً في مشواره الفني «في بيتنا رجل» أحد هذه
العلامات قصة «إحسان عبدالقدوس».. يقدم «بركات» الأجواء الرمضانية بأستاذية
مبهرة داخل هذا الجو الأسري تجري الأحداث أسرة مسالمة جداً في شهر رمضان
ومناضل يأتي إليها هارباً من مطاردة البوليس السياسي فلا يجد بيت آمن إلا
بيت زميله «حسن يوسف» فهو ليس له أي نشاط سياسي في الجامعة.. تبرع لمحات
«بركات» وهو يقدم لنا أجواء الأسرة داخل المنزل الذي كان هو المكان الرئيسي
للأحداث ورغم ذلك فإن المخرج العبقري يقدم لنا رؤياه بفيض من الإبداع
تستطيع أن تلمح براعته في قيد تصوير اللقطات داخل هذا الديكور الضيق لمنزل
الأسرة وقدرته علي أن يلتقط ومضة الخوف الذي تنطق به العيون.. ملامح علي
مائدة الإفطار وفي غرفة النوم.. الخوف من أي طارق علي باب الشقة.. الكاميرا
مثلاً وهي تلتقط ملامح «رشدي أباظة» وهو يقنعهم بالتصديق لما يجري أمامه
ورغم ذلك يتنازعه الشك إننا هنا نتحدث عن براعة ممثل وأيضاً قدرة مخرج علي
التوجيه وعلي اقتناص لحظة التصوير.. فيلم «الباب المفتوح» يمزج السياسة
بالثورة الاجتماعية وتحرير المرأة هذا الفيلم قدم عام 63 عن قصة «د. لطفية
الزيات» السيناريو اشترك فيه مع «يوسف عيسي» وتستطيع أن تعتبره هو توأمه
الفني فهو صاحب سيناريو وحوار 50% من أفلام «هنري بركات».. أحداث الفيلم
تبدأ قبل الثورة حتي تصل إلي العدوان في 56 ويطرح من خلالها حرية المرأة في
الاختيار علي المستوي العاطفي والفكري والثقافي و«الباب المفتوح» يناصر
ضرورة أن تنفتح أبواب الحرية ويقف ضد الباب الموارب الذي كان موارباً في
تلك السنوات أراد «بركات» أن يفتحه علي مصراعيه البطلة هي الأثيرة لديه
«فاتن حمامة» وشهد هذا الفيلم آخر ظهور فني لصالح سليم!!
لم يعش «بركات» في الريف وليست له جذور ريفية ولكنه بفيلميه «دعاء الكروان»
و«الحرام» قدم أجمل وأهم الأفلام السينمائية عن القرية في تاريخ السينما
المصرية.. وإذا أضفنا فقط من خارج إنتاج «بركات» فيلمي «الأرض» ليوسف شاهين
و«الزوجة الثانية» لصلاح أبو سيف تصبح هذه هي اللآلئ الأربع للريف المصري
في السينما.. ويبقي سحر فيلم «الحرام» في هذه الأجواء الخانقة وهو يقدم
معاناة «فاتن حمامة» وخوفها من افتضاح أمرها بقدر ما كان الفيلم قاتماً في
أحداثه وبنائه بقدر ما كان ساحراً في تعبيره!!
مع الأسف في حياة «بركات» لم يحصل علي التكريم الذي يستحقه فهو مثلاً لم
يأخذ جائزة الدولة التقديرية التي حملها أغلب المخرجين الذي بدأوا المشوار
السينمائي بعده ورغم ذلك لم يشكو أحدًا ولم يطلب تقديراً من أحد.. إنجازه
علي الشاشة هو أكبر وسام حصل عليه.
قال «بركات» أنا أعشق الريف.. للأرض رائحة ونكهة خاصة ولهذا عندما أصبح
متاحاً لي أن أبني منزلاً اخترت طريق كرداسة حيث أشاهد الفلاحين يومياً
وعندي حديقة صغيرة ونفسي أربي حماراً ويكفي أنني يومياً أستمع إلي أجمل
الأصوات صوت الكروان!!
ومثل الكروان في عذوبته ونقائه وشفافيته كانت رحلة «هنري بركات» مع السينما
المصرية حتي النفس الأخير ثم يلبي «نداء الكروان» المُلك لك لك لك!!
الدستور المصرية في
06/01/2010
مقالات
سينما 2009..
إخفاق «عادل» .. ذكاء «حلمي» .. طموح «مكي»
طارق الشناوي
> أخطأ «محمد رياض» ليس عندما قرر أن ينتج لنفسه ولكن عندما تصور أن هذه هي
السينما وأن «حفلة زفاف» سوف يصبح هو حفل عرسه علي السينما > «تامر» يغني
لأن له جمهوراً من الشباب وهو لا يمتلك موهبة في الأداء الدرامي ولكن لديه
حضور وخفة ظل.. «عمر وسلمي» توليفة «سبكية» نجحت في اقتناص الشباك
عشنا في عام 2009 قليل من الإبداع وكثير من الإخفاقات.. رهان النجوم الكبار
صار غير مضمون العواقب أدي إلي تراجع مؤشر الإنتاج بمقدار 20% عن العام
الماضي ما عرض هذا العام 39 فيلماً فقط.. كان 49 فيلماً في 2008 كان
المأمول هو أن نرنو إلي رقم 60 هو المعدل السابق للسينما المصرية الذي كان
منذ الخمسينيات وحتي نهاية النصف الأول من التسعينيات ولكن تراجع مؤشر
الإنتاج بعد ذلك كان وراءه إحجام القنوات الفضائية عن المساهمة في تمويل
الأفلام.. كانت هذه القنوات هي الدافع الحقيقي وراء الزيادة الملحوظة في
عدد الأفلام بالمقارنة بالأعوام السابقة ثم بعد ذلك بسبب الأزمة المالية
العالمية تراجعت المحطات فتقلص الإنتاج وهو معرض في 2010 للتراجع أكثر
وأكثر.
بدأ العام بأفلام مثل «أعز صحاب» أحمد سمير فرج.. «بدون رقابة» هاني جرجس
فوزي.. «خلطة فوزية» مجدي أحمد علي.. «مقلب حرامية» سميح النقاش.. «ميكانو»
محمود كامل..
المخرج «أحمد سمير فرج» حصل علي العديد من الفرص كمخرج وأجاد في إهدارها
كلها.. «بدون رقابة» هاني جرجس فوزي يسرف في مشاهد الجنس والشذوذ معتقداً
أن تلك هي الجرأة المطلوبة.. إننا كثيراً ما يصدمنا تعبير «السينما
النظيفة» إلا أن هذا لا يعني أن المخرج الذي يقدم الجنس والعري المجاني هو
المطلوب وهو الذي يستحق أن نعتبره هو المخرج المبدع.. بالطبع هذا التناقض
بين النظافة والقبح غير صحيح هناك فيلم «قبيح» وفيلم «أبيح».. أنا أري
«بدون رقابة» قبيحاً أكثر مما أراه أبيحاً.. القبح هو الصفة التي من الممكن
أن تطلقها علي العمل الفني فهو قبيح فنياً ويسند الأدوار إلي ممثليه لمجرد
أنهم يوافقون علي العري وغير صحيح أن هذا الأمر متعلق بممثلات لبنانيات
والدليل أن «علا غانم» وهي مصرية أباً عن جد مثلاً سمحت بالعري أكثر من
اللبنانية «دوللي شاهين» ومن الوجه الجديد اللبنانية «ماريا» التي أدت دور
البنت الخجولة حتي الجزائرية «سارة بسام» كانت هي عنوان للخجل.. أدت «علا»
دورها وكأنها رجل يشعر بنهم جنسي تجاه المرأة التي تعثر عليها وفي نفس
الوقت نراها مع الرجال امرأة من الطراز الأول كفاءتها في هذا الشأن طاغية
في الحالتين!!
أما «مقلب حرامية» للمخرج الجديد «سميح النقاش فإنه فيلم لا يخدع أحداً فهو
مجرد «مقلب حرامية» ندخل ونضحك مع أبطاله قليلاً أو كثيراً ثم ننساه بعد
ذلك وهذا هو ربما كان «المقلب» الذي شربناه!!
«خلطة فوزية» التكوين والإيقاع يبدو فيه المخرج «مجدي أحمد علي» وهو غير
قادر علي أن يعيش نبض السينما الآن إننا بصدد تفاصيل فيلم ينتمي إلي زمن
قديم.. نعم بين الكثير من الأفلام التي تغيب عنها السينما وتغيب فيها إرادة
المخرج فإننا هذه المرة بصدد محاولة لصناعة فيلم سينمائي وأيضاً لدينا مخرج
قرر أن يصنع فيلماً ينتمي إليه.. صحيح أنه يصنعه لحساب المنتجة والبطلة
«إلهام شاهين» إلي أنه في النهاية فيلم تستطيع أن تراه وتتفق أو تختلف
معه.. «خلطة فوزية» فيلم محدود القيمة الإبداعية والجمالية يخلو من الوهج
ولكنه في النهاية فيلم!!
«ميكانو» أول أفلام المخرج «محمود كامل» قدم هذا العام ثلاثة أفلام وهي
سابقة لم تحدث أن يخرج في عام واحد مخرج جديد ثلاثة أفلام أفضلها هو أولها
«ميكانو».. في هذا الفيلم ملامح إيجابية أستطيع إيجازها في نقطتين.. أولاً
الكاتب «وائل حمدي» أول محاولة له في الكتابة الدرامية وهو بالفعل لديه
بكارة وجرأة وقدرة علي التقاط نبض العصر في مفردات الحوار.. ثانيا المخرج
«محمود كامل» أيضاً أول تجربة له في مجال الفيلم الروائي بالتأكيد مخرج
يعرف أين يضع الكاميرا وكيف يحرك أبطاله ويملك - وهذا هو المهم - القدرة
علي خلق الجو العام!!
«حفلة زفاف» للمخرج «أحمد يسري» بطولة «محمد رياض».. لماذا ينتج «محمد
رياض» للسينما؟ لأنه لديه شركة إنتاج هذه هي إجابته ولكن هل هذا يكفي..
المنتج ينتج لكي يحقق أرباحاً وعندما نصبح بصدد منتج وفنان فإنه من المؤكد
تصبح لديه رسالة يريد توصيلها للجمهور.. فهل كان «رياض» يحمل هذه الرسالة
بالتأكيد لم يلحظ أحد في فيلم «حفل زفاف» رسالة؟!
نعم أخطأ «محمد رياض» ليس عندما قرر أن ينتج لنفسه ولكن عندما تصور أن هذه
هي السينما وأن «حفل زفاف» سوف يصبح هو حفل عرسه علي السينما!!
«إبراهيم الأبيض» لمروان حامد.. الفائز هو «محمود عبدالعزيز» سنوات
الابتعاد عن السينما أصبحت لديه مثل طبقات الأرض التي كلما ازدادت سمكاً
وصلابة أخفت في أعماقها بئراً عميق من البترول.. هكذا كان «محمود
عبدالعزيز» في دوره «عبدالملك زرزور».. نعم كان له في 2008 «البيبي دول»
لكنه من المؤكد كان أول من يعلم أن الدور ليس دوره.. هذه المرة اقتحم
«محمود عبدالعزيز» بأستاذية تخوم الشخصية كان يعرف جيداً أنه إما أن يكون
ساحراً ومشعاً أو لا يصبح هناك دور.. هذه الشخصية المكتوبة علي الورق إذا
لم يمنحها الممثل شيئاً من داخله تبدو سطحية الحوار الذي تنطق به واللمحات
التي تؤديها تتجاوز خط الواقع فهو أقرب إلي السرمدية والخلود.. شخص تتجسد
بداخله روح الأبدية والحكمة المطلقة ولكن يحمل أيضاً ضعف بشري كامن إننا
هنا مع «محمود عبدالعزيز» عملاق فن الأداء.. الفنان الذي غاب كثيراً وعاد
عملاقاً.. الأستاذ كان هذه المرة هو الأستاذ وعاد متألقاً علي جناح
«إبراهيم الأبيض»!!
أما المخرج «مروان حامد» فأنا أري أن الطموح الفني المرتبط به بعد فيلمه
الأول «عمارة يعقوبيان» أكبر بكثير من القيد الذي وضع فيه نفسه عندما وقع
اختياره علي هذا السيناريو!!
«عمر وسلمي» لأحمد البدري.. هل في الفيلم رؤية مخرج؟ أستطيع أن ألمحها في
الثلث الأول فقط ولكن بعد ذلك فإنه فيلم «تامر حسني».. نكرر السؤال هل هذه
هي الكوميديا؟ والحقيقة هي لا.. لا يزال الأمر يحتاج إلي جهد أكبر.. لا
نكره الضحك ولكنه عندما نتحدث عن الكوميديا فالمؤكد أنها ليست ما شاهدناه
في «عمر وسلمي»!!
الذي نراه في هذا الفيلم ويستحق أن نحلل أسباب نجاحه التجاري فهو ولا شك
الأكثر تحقيقاً للإيرادات إنه بالتأكيد «تامر حسني» ليس فقط بين كل
المطربين ولكن مكانة «تامر» تضعه في الدائرة الضيقة جداً لكبار نجوم
الإيرادات التي نري فيها «أحمد حلمي»، «أحمد السقا»، «أحمد مكي»، «عادل
إمام» هؤلاء هم الأعلي صوتاً في شباك التذاكر و«تامر» يقف معهم ربما يأتي
في المركز الثاني أو الثالث أو الرابع وعلي هذا فإنه صاحب المشروع
السينمائي «تامر» يغني لأن له جمهوراً من الشباب وهو لا يمتلك موهبة في
الأداء الدرامي ولكن لديه حضور وخفة ظل.. «عمر وسلمي» توليفة «سبكية» نجحت
في اقتناص الشباك وإقناع الجمهور بتمضية قرابة ساعتين من المرح الآمن ولكن
تظل السينما الكوميدية التي نرنو إليها بعيدة تماماً عما شاهدناه علي هذا
الشريط السينمائي!!
«الفرح» سامح عبدالعزيز.. وصل الفيلم إلي ذروة درامية يستطيع من خلالها أن
يجيب علي هذا السؤال.. ما الذي حدث للمصريين؟!
كنت مبهوراً وأنا أشهد فيلم «الفرح» بهذا الألق في السيناريو الذي نسجه
«أحمد عبدالله» والقدرة علي التعبير السينمائي للمخرج «سامح عبدالعزيز»
والذروة التي تبدو بها ملامح ميلودرامية بنفس القدر الذي تنضح فيها برائحة
الواقع.. موت في عز الفرح.. موت الأم قبل نهاية اللعبة أو الصفقة التي شارك
فيها الجميع بمن فيهم الأم التي سددت لابنها جزءاً من تكاليف الفرح لكي
تكمل اللعبة وهي في نهاية الأمر تدخل في إطار الكذب التحايل، لكنها جرائم
صارت تتمتع بقدر ملحوظ من المشروعية.. هناك حدود اجتماعية لا ترتبط
بالضرورة بالدين ولا بالقانون الوضعي، لكنها تدخل تحت طائلة علم الاجتماع..
تعارف الناس عليها باعتبارها وسائل مشروعة لكسب العيش.. «الفهلوة» بها قدر
لا ينكر من النصب، لكن من يمارسها لا يعد نصاباً في نظر المجتمع.. الفيلم
يضعنا جميعاً أمام مرآة.. نحن المرآة ونحن أيضاً من ينظر إلي المرآة.. الكل
متواطئ.. ولكن في تلك اللحظة المصيرية في بناء الفيلم يقرر «أحمد عبدالله»
عقاب كل المشاركين من خلال حكم أخلاقي مباشر رغم أننا لو استندنا إلي
الأخلاق في معناها الأشمل والحقيقي لاكتشفنا أنهم من البداية مخطئون.. إننا
بصدد فيلم سينمائي نختلف معه في انتصاره لفكرة العقاب الأخلاقي، لكنه يظل
فيلماً جديراً بالمشاهدة وأيضاً بالحياة، فهو خطوة أبعد بكثير من «كباريه»
ولهذا أنتظر الثنائي «أحمد عبدالله» و«سامح عبدالعزيز» في فيلمهما الثالث
«الليلة الكبيرة» 2010!!
«بوبوس» وائل إحسان.. القضايا الساخنة لا تفضي بالضرورة إلي أفلام كبيرة
وهكذا تبدو الدعاية المصاحبة لفكرة تعثر رجال الأعمال المصريين والأزمة
الاقتصادية العالمية أكبر بكثير مما أسفر عنه في النهاية الشريط
السينمائي!!
أشعر وكأن صانعي هذا الفيلم وأعني بهم الكاتب «يوسف معاطي» والمخرج «وائل
إحسان» عندما دخلا إلي ورشة «عادل إمام» لصناعة الأفلام طبقاً للمواصفات
القياسية التي يريدها «عادل إمام» خضعا بالضبط لمطالب الزعيم بل أسرفا في
تقديمها فأصبحنا بصدد فيلم عري وجنس وفياجرا مغموس بقليل من الأزمة
الاقتصادية.
ما الذي يتبقي في الذاكرة في نهاية الأمر لا شيء له علاقة بالقضية التي
يتناولها الفيلم.. هذا إذا كان بالفعل لهذا الفيلم قضية.. لا شك أن المجتمع
المصري خلال السنوات العشر الأخيرة وهو يعيش مأساة زواج السلطة برأس
المال.. هذه هي القضية الشائكة وهي تحديداً التي قرر «عادل إمام» أن يمر
عليها مرور الكرام من بعيد لبعيد وكأنه يخشي أن تحسب عليه سياسياً.. أخفق
«عادل إمام» ولم يدافع عن إخفاقه في حين أن «يسرا» هي التي ظلت تدافع عن
«بوبوس» وحتي كتابة هذه السطور!!
«السفاح» سعد هنداوي.. لا أزال أري «سعد هنداوي» واحداً من المخرجين
الموهوبين لكنه في نفس الوقت لم يستطع عزف النغمة السينمائية التي يريد أن
يرددها، فهو فقط وحتي الآن لا يعزف سوي ما يريده الآخرون وعليه أن يمتلك
الجرأة لأن يصبح نفسه وإلا فإنه لن يصبح أبداً!!
«احكي يا شهرزاد» يسري نصر الله.. لماذا كانت تحكي «شهرزاد» في حكايات «ألف
ليلة وليلة»؟! كان هدفها هو الحياة تريد أن تبعد سيف «مسرور» عن رقبتها
الذي يصبح رهن إشارة من مولاه «شهريار» ووجدت أن «شهريار» تستهويه الحكاية
وظلالها ولا يمل منها حتي يداهمهما النوم ولهذا ينتظر ويبقيها علي الحياة
لليوم التالي.. هذا عن «شهرزاد» الأسطورة فما هي حكاية «هبة يونس» أقصد
«شهرزاد» 2009 التي لعبت دورها «مني زكي» في فيلم «احكي يا شهرزاد» للكاتب
«وحيد حامد».. لم تكن «شهرزاد» هذا الزمن تسعي للتسلية ولم يكن أيضاً هدفها
هو الحفاظ علي حياتها.. رغم أننا نكتشف في نهاية أحداث الفيلم أنها كانت
مستهدفة من «شهريار» العصر زوجها الذي أدي دوره الوجه الجديد «حسن الرداد»
وأنها كان ينبغي أن تحكي وتكشف وتفضح الفساد حتي تستطيع مواصلة الحياة..
إنه فيلم مختلف علي خريطة كل من الكاتب «وحيد حامد» والمخرج «يسري نصر
الله» وعادت في الفيلم للمرأة البطولة المفقودة فكانت «مني زكي» متألقة
ومبدعة!!
«دكان شحاته» خالد يوسف.. يقدم الفيلم رؤيته التي يسعي إليها وهو يضع أمامه
بناء فنياً يترك دائماً حكاية مسلية يتابعها المشاهد بشغف في نفس الوقت
لديه ما يريد أن يقوله للجمهور رؤية سياسية تشغل بال الوطن.. إنها في ضمير
كل مصري ماذا بعد غياب الرئيس «حسني مبارك» عن مسرح الأحداث!!
لو قلت إن «دكان شحاته» فيلم تجاري يحاول أن يقدم كل المفردات التي يريدها
الجمهور فأنت لم تبتعد عن الحقيقة التي يعلنها الشريط السينمائي ولو قلت
إنه يحمل بعداً فكرياً وسياسياً ويدخل إلي الممنوع فأنت أيضاً تتحدث عن
الحقيقة التي شاهدناها علي الشريط السينمائي.. الفيلم فكرياً يبدو أنه
يستسلم للتوريث ويقول له نعم، لأنه أفضل الحلول المطروحة طالما أن البديل
هو الفوضي!!
«ألف مبروك» أحمد جلال.. «أحمد حلمي» في هذا الفيلم نري وجه الممثل وليس
المضحكاتي.. إنها القدرة علي المغامرة.. أغلب النجوم لدينا وتحديداً نجوم
الكوميديا يتحولون إلي أصحاب مشروع اقتصادي قدرتهم علي الضحك هي رأسمالهم
وهم غير مستعدين للمجازفة، وهكذا يحدث تنميط لنجم الكوميديا.. شركات
الإنتاج تساهم بقسط ونجم الكوميديا يساهم بقسط أكبر.. «نجيب الريحاني»،
«إسماعيل يس»، «فؤاد المهندس»، «عادل إمام» تم تنميطهم إلا في القليل
النادر، لكنهم في الأغلب قدموا نفس الشخصية في أعمالهم لم يراهنوا علي
الممثل بداخلهم الذي ظل في حالة خمول دائم، لأن النجم إذا غامر فهو صاحب
القرار وعندما تفتح له شركات الإنتاج الميزانية فهي تعلم أنه سوف يحقق لها
مكاسب وعلي هذا فإن النجم يتحمل عقبات المخاطرة قبل شركة الإنتاج وأدرك
«أحمد حلمي» ذلك في وقت مبكر.. مع «1000 مبروك» رأيت «حلمي» يواصل مغامراته
كممثل يؤدي شخصية درامية تتغير وتتباين مواقفها وأدواته التعبيرية في
الأداء نراها من الخضوع إلي الحياد إلي التمرد إلي التهور ثم تنتقل إلي
مرحلة الفعل الإيجابي ورغم ذلك لم يتوقف الممثل عن التحليق في فن الأداء،
وفي الوقت نفسه كان قادراً علي تقديم الابتسامة والضحكة.. أما «أحمد مكي»
في «طير إنت» لأحمد الجندي فإنه لا يكف عن الطموح لديه بالفعل جمهور ينتظره
ومفردات خاصة به كنجم كوميدي له مساحته ولا شك في قلوب الناس!!
«مجنون أميرة» إيناس الدغيدي.. دائماً ما تحرص «إيناس» علي أن تثير في
أفلامها قضايا ساخنة وحيوية مثل الحرية في فيلم «الباحثات عن الحرية»، أو
زواج البنات في سن مبكر لأثرياء عرب مقابل الحصول علي أموال في فيلم «لحم
رخيص».. دائماً ما تتصدي «إيناس» لقضايا مهمة ومحورية في حياتنا، لكنها لا
تخلص أبداً في معالجتها درامياً أو فكرياً.. وهذه المرة وقع اختيارها
بالفيلم علي علاقة الإسلام بالآخر وأن الإسلام في عمقه لا يرفع سلاحاً ولا
يجبر أحداً علي اعتناقه، لكنها كالعادة أضاعتها؛ لأنها أخذت فقط السطح ولم
تتعمق أكثر من ذلك؟!
«بدل فاقد» أحمد علاء.. عقد «بدل فاقد» صلحاً مع وزارة الداخلية ليؤكد
لحبيب العادلي ورفاقه أن السينمائيين خاضعون تماماً لسيطرته وأن وزارة
الداخلية «فل الفل» وأعادتنا الأحداث للخلف دُر عندما كنا نري في الأفلام
القديمة في زمن الأبيض والأسود يأتي رجال الشرطة في اللحظة الأخيرة بزيهم
الأبيض الناصع صيفاً والأسود الفاقع في الشتاء لمناصرة الحق وإلقاء القبض
علي المجرم!!
نعم الفيلم يواصل من خلاله «أحمد عز» تأكيد أحقيته بالوجود داخل دائرة نجوم
الإيرادات في السينما المصرية، لكني أري أن هناك لحظة تمرد ينبغي أن يشعر
بها الفنان يقتحم بعدها دائرة أخري وأتصور أن الوقت قد حان يا «أحمد»!!
«ولاد العم» شريف عرفة.. الدراما المصرية عندما تقتحم إسرائيل ومن خلال
ضابط مخابرات مصري وليس عميلاً مزدوجاً تصل إلي ذروة الجماهيرية، فهي تعزف
نغمة كثيراً ما نتوق إلي سماعها.. وهكذا جاء فيلم «ولاد العم» المقصود بهم
بالطبع اليهود.. شاهدنا من قبل «نادية الجندي» في فيلميها «مهمة في تل
أبيب» و«24 ساعة في إسرائيل» تدخل إلي تلك المنطقة اختراق جهاز «الموساد»
الإسرائيلي.. يجب أن نعترف بقوة الخصم لتزداد قوتنا نحن ويصبح لانتصارنا
قيمة!!
«مني زكي» و«شريف منير» علي المستوي الدرامي هما المحملان درامياً بكل
الأبعاد والتناقضات وهكذا أجاد البطلان.. من العناصر المتفوقة في الفيلم
ديكور «فوزي العوامري» وتصوير «أيمن أبوالمكارم» وموسيقي «عمر خيرت»
ومونتاج «داليا ناصر» وأري أن «عمرو سمير عاطف» في أول أفلامه يمنحنا
إحساساً ووعداً بأن ننتظره في أفلام قادمة وتبدو بصمة المخرج «شريف عرفة»
واضحة في خلق مصداقية للأجواء داخل إسرائيل وأيضاً في قيادته لنجومه وحصوله
علي كل هذا الزخم الإبداعي!!
«أمير البحار» وائل إحسان.. أخذ «محمد هنيدي» معه نفس فريق «بوبوس» الكاتب
«يوسف معاطي» والمخرج «وائل إحسان» لكنه حقق إيرادات تفوقت علي «عادل
إمام».. أفلام القراصنة تحقق في العالم رواجاً تجارياً ولم يسبق أن أقدمت
السينما المصرية علي شيء من هذا القبيل.. القراصنة دائماً بعيدون عن خيالنا
السينمائي.. الفيلم تم تركيبه علي «محمد هنيدي» مع عدم مراعاة فروق
التوقيت.. يؤدي «هنيدي» دور طالب في الأكاديمية البحرية يحب جارته «شرين
عادل».. البحر والقراصنة مكان خصب جديد علي الأقل بالنسبة للسينما المصرية
التي نادراً ما ترنو للتغيير ولكن جاء «هنيدي» للبحر وهو محمل بكل الأفكار
التقليدية التي كانت معه قبل ذلك في البر!!
«بالألوان الطبيعية» أسامة فوزي والذي يبدو وكأنه الجزء الثاني من «بحب
السيما».. في «بحب السيما» شاهدنا الطفل وهو يتسلل من أبيه ليخفي سر عشقه
لفن السينما بينما الأب مارس عليه كل صنوف الكبت.. هذه المرة نجد أن الولد
قد كبر ومن حقه أن يختار دراسته في كلية الفنون الجميلة هذه المحطة التالية
له.. النقاء الذي نولد به أطفالاً من الممكن للمجتمع أن يحيله إلي عوائق
ومحرمات وجبال يصعب تحطيمها.. لا شك أن هذه هي البداية الساخنة ماذا يفعل
الشاب بين عائلة ومجتمع بل وأساتذة عدد غير قليل منهم ينظرون للفن بقدر من
الريبة والشك والتكفير.. الفيلم يستند إلي حقائق حتي داخل كلية الفنون
الجميلة وهي أن عدداً من الأساتذة يحرمون الفن، بل وصل الأمر إلي منع
الموديل من السماح لهم بالوجود في الكلية.. الضربة التي يواجهها المجتمع
قاسية جداً ضد كل ما هو إبداعي وفي كل المجالات حتي صار التحريم هو الأساس
رغم أن كل الأديان تقوم علي قيمة أساسية وهي الإباحة أولاً والمنع هو
الاستثناء!!
«بالألوان الطبيعية» فيلم أؤيده بالتأكيد فكرياً في ظل مجتمع يرفع شعار
القيود ويمارسها علي أفراده باسم الدين والأخلاق فيظلم الدين والأخلاق
ويحيل حياة الناس إلي جحيم، ولكني أري أن سحر السينما قد تضاءل كثيراً عن
جزئه الأول «بحب السيما»!!
ويبقي الفيلم الأهم إنه «واحد صفر» لكاملة أبوذكري.. فهو الأفضل هذا
الموسم.. لجأت المخرجة «كاملة أبوذكري» في فيلمها الروائي الرابع إلي أسلوب
- الدوجما - في تنفيذ لقطات الفيلم، حيث إن الكاميرا المحمولة تصبح بطلاً
لا تلجأ إلي القطع بين اللقطات وهذا يوفر قدراً من الحميمية في التلقي
وأيضاً الواقعية في التعامل مع الإضاءة والديكور.. «الدوجما» في عمقها تسعي
لإلغاء الإحساس بأننا نتعامل مع حالة سينمائية تحاول أن تحيل السينما إلي
واقع واستطاعت «كاملة» أن تحقق ذلك وأن تشعرنا بأننا لا نتعامل مع ممثلين،
بل نري النجوم في أفضل حالاتهم الإبداعية يتعايشون أكثر مما يمثلون، بل هم
في حقيقة الأمر نسوا أنهم ممثلون.. الأهم ليس فقط هؤلاء النجوم ولكن
الممثلين الثانويين الذين كثيراً ما يجرحون الأفلام بعد أن تفلت منهم
أحاسيس التعبير لكن «كاملة» أخضعت الجميع تحت سيطرة مخرجة تدرك أن تفاصيل
الصورة ينبغي أن تحمل وهجاً خاصاً!!
لجأت «كاملة أبوذكري» إلي حصار شخصياتها داخل لقطات قريبة مع المحافظة علي
التدفق الشعوري وامتلاكها القدرة علي قيادة كل هؤلاء الممثلين وأيضاً
الأدوار الثانية وتحافظ علي عفوية التعبير.. إبداع خاص يحمل نبضاً ومذاقاً
وقدرة علي الإمساك بالجو العام للفيلم!!
نعم كان العام به القليل من الإبداع والكثير من الإخفاقات!!
الدستور المصرية في
31/12/2009 |