بقي البريطاني بول غرينغراس وفياً لقناعاته السياسيّة، فخذلته المعايير
الإنتاجيّة. يدخلنا شريطه إلى الحديقة الخلفيّة للفقاعة الأمنيّة التي
بناها الأميركيون لأنفسهم في بغداد، فوق تلّة من الأدلّة المزوّرة. لكن،
ربّما كان علينا أن ننتظر بعض الشيء قبل أن «تكتشف» هوليوود فعليّاً...
احتلال العراق!
«صدق أو لا تصدّق، العالم ليس متلهفاً لسماع الرواية الأميركيّة عن حرب
العراق». وجد بول غرينغراس صاحب «المنطقة الخضراء» نفسه أمام هذه الخلاصة
المريرة. صحيفة «نيويورك تايمز» قالت إنّ شريط السينمائي البريطاني «يتحدّث
عن ضحايا حرب العراق، وأول تلك الضحايا هي الحقيقة التي قتلها بوش ومحافظوه
الجدد». اعترافٌ مماثل لم ينقذ شركة «يونيفرسال» من خسارة حقيقيّة بعد
إطلاق الفيلم الذي بلغت كلفته مئة مليون دولار. إذ فضّل المواطن الأميركي
مشاهدة شريط تيم بورتون «أليس في بلاد العجائب» (راجع المقال أدناه) وارتمى
في أحضان الفانتازيا هرباً من كابوس الحرب.
طريقة هوليووديّة للتعبير عن رفض الشارع الأميركي لمواصلة الحرب
لكنّ الأرباح المتدنيّة حالة عامّة للأفلام التي تروي حرب العراق. مثلاً،
شريط كاثرين بيغلو
Hurt Locker، لم يحصد أرباحاً تذكر رغم فوزه بالـ«أوسكار». مزاج الجمهور الأميركي
لم يعد مع حرب العراق، بعدما اكتشف أكاذيب إدارته السابقة، ثمّ أتت الأزمة
الاقتصاديّة لتدقّ المسمار الأخير في نعش الأفلام التي لا تقوم على
الترفيه. مع ذلك، يبقى الموقف النقدي من غزو العراق الذي تتخذه أفلام كـ«المنطقة
الخضراء»، طريقة هوليووديّة للتعبير عن رفض الشارع الأميركي لمواصلة الحرب.
Green Zone، مقتبس عن كتاب راجيف شاندراساكاران، «الحياة الإمبراطورية في
المدينة الزمردية» (2006). سرد المدير السابق لمكتب صحيفة «واشنطن بوست» في
بغداد، الحديقة الخلفيّة لـ«المنطقة الخضراء» أو الحي الأميركي في العاصمة
العراقيّة. بين الفيلات والمطاعم الفاخرة، نتابع تفاصيل ولاية بول بريمر في
فقاعته الأمنيّة. الحاكم العسكري حينها وممثل الإمبراطورية الأميركية في
العراق، عاث فساداً في بلاد الرافدين قبل أن يخرج سراً منها عام 2004.
شريط غرينغراس عبارة عن أفلام عدة في واحد. من كتاب راجيف شاندراساكاران،
نجده يستلهم نمط الحياة في «المنطقة الخضراء»، قبل أن يبني حقيقةً موازيةً
تقارب الأحداث الفعليّة بأسماء مستعارة. ملامح شخصيّة بريمر نجدها في صنوه
السينمائي كلارك باوندستون (غريغ كينير)، الذي يمثّل كل من زوّر الأدلة من
أجل غزو العراق. وتزوير الأدلّة هو موضوع الشريط الحقيقي الذي يتحوّل من
فيلم حربي إلى فيلم بوليسي، يدور الصراع فيه بين أجنحة السلطة والجيش
والاستخبارات الأميركية المختلفة.
يؤدّي مات دايمون هنا دور روي ميلر، الضابط في الجيش الأميركي الذي كلّف
مهمة إيجاد أسلحة الدمار الشامل. في إحدى مهمّات البحث، يجد نفسه في مصنع
مراحيض مهجور، وتبدأ رحلة شكّه بالمعلومات الاستخبارية. ينتقل الشريط من
قصّة إلى أخرى، إذ ينخرط ميلر في رحلة البحث عن الجنرال الراوي (ييغال ناؤر)
الذي يملك أسرار مواقع أسلحة الدمار الشامل المفترضة. يتعاون ميلر مع فريد
(خالد عبد الله) وهو عراقي حانق على النظام البعثي الذي أرسله ليحارب في
إيران. يذهب الشريط أبعد من ميدان المعركة، مع شخصيّة لوري داين (آمي ريان)
الصحافية في «وول ستريت جورنال». داين إحالة سينمائيّة إلى قصّة الصحافية
جوديث ميلر التي روجت لحرب العراق على صفحات «نيويورك تايمز» قبل أن تكتشف
أنّ معلوماتها خاطئة. هنا، تظهر كيفية تلاعب إدارة بوش بالصحافة التي نشرت
معلومات من دون التدقيق في صحتها، استناداً إلى «مصدر رفيع في واشنطن».
يدخل «المنطقة الخضراء» تدريجاً في كليشيه الفيلم الأميركي التقليدي، حين
يكتشف ميلر أنّ الأسلحة غير موجودة. هكذا، يكتب تقريراً يرسله إلى الصحف
عبر البريد الإلكتروني، ثمّ يسلّمه باليد لكلارك باوندستون، و... يلكمه على
وجهه. يفعل هنا ما يتمنى كل مواطن أميركي فعله في وجه بوش وتشيني ورامسفيلد.
لكنّ الشريط لا يقدّم إجابات مريحة، لا عن بداية الحرب ولا نهايتها
المحتملة. سيحتاج الأمر إلى سنوات طويلة قبل أن تعيد الدولة الغازية النظر
بتجربتها... وعندها فقط، قد نرى أفلاماً من طينة
Full Metal Jacket
(١٩٨٧) لستانلي كوبريك الذي قام بمراجعة قاسية لحرب فييتنام.
قال بول غرينغراس كلمته ومضى، فيما طردت «يونيفيرسال» كل الذين تبنّوا
انتاج
Green Zone. هؤلاء كانوا قد سمحوا بإنتاجه أساساً في محاولة لاسترضاء غرينغراس،
وإقناعه بإخراج جزء رابع من سلسلة
Bourne الجاسوسيّة الشهيرة مع مات دايمون في دور جايسون بورن. رفض المخرج
الصفقة، إذ فضّل هو ودايمون إنجاز فيلم يعكس اقتناعاتهما السياسيّة. كانت
النتيجة شريطاً هجيناً، يجمع بين جايمس بوند وجايسون بورن وتوني داماتو
(شخصية آل باتشينو في
Any given
Sunday)، إضافةً إلى الصحافي بوب وودورد في شريط «كل رجال الرئيس». وعمّا
إذا كان الفيلم يحتاج إلى كل هذه الخلطة ليكون ناجحاً، فإن «المنطقة
الخضراء» يثبت العكس. لم تكن الخلطة بديلاً ناجحاً لقصة تركّز على حيوات
شخصياتها في عالم لا تتحكّم بمجرياته إلا قليلاً.
Green Zone ــ «سينما سيتي» (01/899993)، «أمبير غالاكسي» (01/544051)، «غراند
لاس ساليناس» (06/540970)، «أمبير سوديكو» (01/616707)، «غراند سينما
ABC» (01/209109)، «غراند كونكورد»
(01/343143)
الأخبار اللبنانية في
29/03/2010
تيم بورتون في بلاد الفانتازيا
نوال العلي
وفق المخرج تيم بورتون حين اختار شخصيّة «أليس في بلاد العجائب» للمؤلف
البريطاني لويس كارول، لينفذ فيلماً نسوياً يستند إلى مخيلة أليس. في
الفيلم الثلاثي الأبعاد الذي صُوّر بتقنيّة تمزج بين اللقطات الطبيعيّة وفن
التحريك، غدت أليس امرأة على وشك الزواج. أمّا مغامراتها التي عرفناها في
عالمها العجيب، فقد باتت من ذكريات الطفولة الغائمة. وليس من المبالغة
قولنا إنّ الفيلم يستند أيضاً إلى كتاب آخر هو «الركض مع الذئاب» للمحللة
النفسية كلاريسا بنكولا. الكتاب يسرد صعوبة التجوال في العوالم الذهنية
للمرأة من خلال تحليل القصص الخرافية التي وضعتها في مأزق الوعي الجمعي.
وهو الدور نفسه الذي يقوم به بورتون في فيلم من صناعة «ديزني». الطفولة
التي كانت تبرر لأليس تجاهلها لوعي الجماعة، واستسلامها لخيال تتواصل معه
كلما سقطت في جحر الأرنب، تستعاد لدى أليس المرأة (ميا واسيكوفسكا) لحظة
يفرض عليها المجتمع أن ترتبط باللورد الغبي هاميش (ليو بيل) بعد وفاة
والدها.
توضع أليس في مأزق قبول الخطبة أمام المجتمع الارستقراطي. لكنّها تهرب
وتسقط في جحر الأرنب مرة أخرى لتجد نفسها في عالم العجائب. هنا، الجميع
ينتظرون الطفلة التي غادرتهم ولا تتذكر أحداً منهم. ينتظرونها، لأنها مخلّص
لهم من ملكة القلوب الشريرة ووحش الجابروكي الذي تضطهد به الشعب. تغوص أليس
في عوالمها الذهنية لتتعلم التخلص من أثر التدريبات التي تتلقاها المرأة
منذ الطفولة. وحين تطلب منها الملكة البيضاء قتل الوحش، تستنكر أليس أن
تكون قاتلة. فتقول لها الملكة «قرري بنفسك، فلا يمكنك أن تعيشي حياتك
بأكملها لإرضاء الآخرين».
تغيب عن الفيلم الحوارات الشاعرية التي قامت عليها القصة
في بلاد العجائب، تلتقي أليس بصانع القبعات (جوني ديب). وقد قدّم ديب هنا
أحد أمتع أدواره، من خلال شخصية مجنونة لا يمكن توقع ردود أفعالها. لكنّ
النقاد أخذوا على بورتون اختياره للبطلة ميا التي بدت باردة ومتعثرة في
شخصية أليس ولم تتمكن من تجسيد تحوّلات الشخصية. لم يأخذ بورتون من القصة
الأصلية سوى الشخصيات: الأرنب الأبيض، والسنجاب... كذلك فإن كاتبة
السيناريو ليندا وولفرتون (كاتبة «الجميلة والوحش» و«الملك الأسد») لم
تحافظ على شاعرية الحوارات التي قامت عليها القصة، ولا الروح المحيطة
بعوالمها. لكنها أبقت على طابع الشخصيات واحتفظت بها كما وصفها المؤلف سنة
1865 في قصة ألهمت أكثر من 125 فيلماً وعشرات المسرحيّات وأغاني العديد من
المشاهير أمثال طوم ويتس.
Alice in Wonderland: «سينما سيتي»، «أمبير دون» (01/792123)، «أمبير سوديكو»، «بلانيت
أبراج» (01/292192)، «بلانيت طرابلس» (06/442471)، «بلانيت زوق»
(09/221363)، «بلانيت سانت إيلي» (04/406706)، «ستارغيت» (08/813901)
الأخبار اللبنانية في
29/03/2010
غيليرمو أرياغا مستحضراً «أشباح» إبسن
في «السهل المحترق» تَعانق الشمال والجنوب
في تجربته الإخراجية الأولى، يتابع السيناريست المكسيكي التنقّل في
الزمان والمكان، ضمن قصة أشبه بأحجية يضيع المشاهد في متاهاتها
يمثّل «السهل المحترق» المحاولة الإخراجية الأولى لكاتب السيناريو المكسيكي
غيليرمو أرياغا بعد انفصاله عن شريكه أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، مخرج
«بابل» و«21 غرام» و«الحب كلب» (كلها من كتابة أرياغا). الفرق أنّ موهبة
أرياغا الإخراجية لا توازي قدراته على الكتابة.
Burning Plain جاء أقرب إلى أحجية زمانية مكانية، تتطلب من
المشاهد جهداً للمتابعة، فيفقد بالتالي لذة مشاهدة الفيلم والتواصل معه
عاطفياً في خضم تركيب أجزاء الأحجية.
لا جديد تحت شمس هذا الفيلم الحارقة، الذي يدور في بلدة صغيرة في ولاية نيو
مكسيكو تقع على الحدود الأميركية المكسيكية، ما يعني أنّ التفاعل بين
البلدين متواصل ومتداخل ومتشابك إلى درجة يحترق العشيق المكسيكي مع عشيقته
الأميركية في المشهد الأول من الفيلم. حتى إنّ جثتيهما تكونان في حالة
التحام يجعل فصلهما قبل الدفن يتطلّب منشاراً. هكذا تدور الأحداث على طريقة
التشابك لولا أن المخرج يُبكر في كشف العقد، فتتضح الأمور سريعاً ويصير
الشريط عادياً ومألوفاً.
حوى «السهل المحترق» مجموعة من أكبر أسماء هوليوود، وخصوصاً في الدورين
النسائيين الرئيسيين: هنا، تؤدي شارليز ثيرون دور سيلفيا مديرة مطعم راق
تعيش صراعاً داخلياً تحاول التغلب عليه عبر العلاقات الجنسية العابرة. وفي
أوقات فراغها، تفكر بالانتحار أو تشطيب جسمها. أما الدور النسائي الثاني،
فهو لكيم بايسينجر التي تؤدي دور أم لأربعة أطفال تُدعى جينا، تعاني
علاقتُها الزوجية مع روبرت (بريت كولين) مشاكل عدّة، أولاها عدم الانسجام
الجنسي. هكذا تجد الحب في ذراعي رجل مكسيكي يُدعى نك (خواكيم دي ألميدا).
ومع أنّ نيك متزوج ولديه أولاد، لكنّه يجد الحب مع جينا في تلك اللحظات
التي يقضيانها في كارافان مهجور وسط سهل معزول.
هناك، يلتقي العاشقان ويبدأ الفيلم من مشهد انفجار الكارافان بسبب قارورة
غاز، فيحترقان داخله. بعدها، ينتقل الشريط مباشرة إلى مدينة پورتلاند في
ولاية أوريغون حيث نرى سيلفيا تقف عارية في غرفة بائسة وتطرد رجلاً آخر من
سريرها. لاحقاً، تكتشف ماريانا (جنيفر لورانس) ابنة جينا وسانتياغو
(المكسيكي داني پينو) ابن نيك العلاقة بين أمها وأبيه، وسرعان ما تنشأ
بينهما علاقة مماثلة، بالانصهار نفسه. وبعد أن يهربا معاً الى المكسيك،
تترك ماريانا سانتياغو وابنتها بعد ولادتها وتختفي بعدما اتخذت اسماً
مستعاراً هو سيلفيا. هذا الهرب من الماضي هو هرب من الشعور بالذنب، إذ
نكتشف تباعاً أنّ ماريانا أو سيلفيا كانت مسؤولة عن قتل والدتها وعشيقها في
الكارافان.
هكذان يبقى سانتياغو وابنته في المكسيك حيث يعملان في رش المبيدات الزراعية
من طائرتهما الصغيرة. وفي أحد الأيام، تهوي طائرة سانتياغو ويكاد يفقد
حياته في الحادث. ثم يرسل صديقه ومعه ابنته التي صارت في سن الثانية عشرة
إلى الولايات المتحدة في محاولة لايجاد أمّها.
يحتوي الشريط على رسائل عدّة، بينها فكرة الماضي الذي يلاحق الإنسان مهما
حاول الهرب منه وأخطاء الآباء التي يدفع ثمنها دوماً الأبناء. ولو استعمل
أرياغا السرد الزمني المتسلسل، لربما كان الفيلم أقوى بدلاً من هذا التخفي
في صناعة شريط يعود بقصته بشكل أو بآخر إلى مسرحية هنريك إبسن «أشباح» التي
تعالج أخطاء الآباء، مع فارق أنّ الكاتب المسرحي النروجي الشهير (١٨٢٨ـــ
١٩٠٦) كان قد عالج القضية علاجاً أكثر تأثيراً، وذلك في عام 1881.
مع ذلك، فـ«السهل المحترق» يستحق المشاهدة. فيلم صغير وجميل وذو إيقاع هادئ
وحزين. يتعب المشاهد لأنّه يدفعه إلى التفكير. لكنّه بذلك أفضل من معظم
الأفلام التي تضخها الآلة الهوليوودية كالأعمال الملأى بالرعب والعنف
والدم. هكذا، يظلّ «السهل المحترق» استراحة ــــ ولو متعبة ــــ تستحق
المشاهدة.
عماد...
Burning Plain: «غراند سينما
ABC»، «غراند كونكورد»، «بلانيت أبراج»، «بلانيت الزوق».
الأخبار اللبنانية في
29/03/2010
«اسمي خان»: لكنّني لست إرهابيّاً
غسان عبد الله
دمج كاران جوهار المدرستين الهوليوودية والبوليوودية في فيلم واحد
في بريطانيا، ينتشر اسم عائلة «خان» بطريقة أصبحت معها الكنية القومية
لمعظم المسلمين المتحدرين من أصل باكستاني أو هندي. من هنا، يجب الانطلاق
لفهم عنوان شريط كاران جوهار «اسمي خان». الفيلم تصدّى لإشكاليات عديدة
ازدادت حضوراً بعد اعتداءات 11 سبتمبر، لعلّ أبرزها مسألة الهوية والانتماء
عند الجاليات المسلمة في الغرب.
يحكي الشريط، الذي حظي بحفاوة في «مهرجان برلين»، قصة رضوان (تناري شيدا)
المصاب بالتوحّد، الذي كبر في إحدى ضواحي مومباي. يقع في غرام مانديرا (كاجول)
فيتزوجها ويرحل معها إلى سان فرانسيسكو. لكنّ وصوله يتزامن مع اعتدءات 11
أيلول، فيصبح أحد المشتبه فيهم الدائمين بسبب مرضه. بعد اعتقاله، يحاول
لقاء رئيس الولايات المتحدة لتسليمه رسالة. أظهر الشريط بطريقة حاذقة أن
التمييز العنصري لا يرتبط بخلفية دينية أو إثنية. إذ إنّ رضوان نُبذ في
مجتمعه الأصلي بسبب مرضه كما يُعامل المسلم في المجتمعات الغربية. وقد
اعتمد الشريط مبدأ الذهاب والإياب في الحكاية بين اللحظة الحالية والزمن
الماضي. اختار المخرج لحظة محورية بدأ بها الشريط. إذ انطلق مع رحلة رضوان
لإيصال رسالة إلى الرئيس الأميركي مفادها «اسمي خان لكنّني لست إرهابياً»
ثم يعود بنا لنعرف تفاصيل الحكاية. هذه الرحلة شملت أماكن مختلفة من أميركا
في محاولة لإبراز تنوع المجتمع. اللافت في الشريط أنّه لم يمارئ أو يتزلّف
أياً من طرفي الخلاف، المجتمع الغربي أو الإسلامي، ولم يكن من نوع
البروباغندا ذات الأجندة السياسية الموجّهة سلفاً، بل عالج الكثير من
المشكلات المتعلقة بطرفي المعادلة بجرأة ووضوح. كما أظهر بمكوّناته
الدرامية والفنية والإبداعية والتقنية إمكان الدمج بين مدرستين في السينما
هما الهوليوودية والبوليوودية في فيلم واحد. وقد تجلّى ذلك على صعيد
التصوير والإضاءة. أما على الصعيد الدرامي، فقد داعب بذكاء وكبرياء عقل
المشاهد الغربي والهندي معاً. هذا، رغم وجود بعض المبالغات المشهدية
والدرامية التي تجلّت في حمل رضوان السبحة والاستشهاد بآيات من القرآن طوال
الفيلم. وعلى غير عادة السينما الأميركية، أسند المخرج المهمة الأساسية
للقيام بحملة التضامن مع رضوان لدى اعتقاله، إلى شبان هنود وموظف من «بي بي
سي» من أصل هندي لا إلى أميركيّين!
My name is Khan: «سينما سيتي»، «أمبير دون»، «أمبير سانت إيلي»، «بلانيت طرابلس».
الأخبار اللبنانية في
29/03/2010
كليوبترا «المظلومة» تستنجد بالدراما السورية!
وسام كنعان
بعد «القعقاع»، و«رايات الحقّ»، ها هو مسلسل تاريخي آخر يروي سيرة الملكة
المصرية الشهيرة، يدخل في سباق رمضان. وسط هذا، ارتفعت بعض الأصوات
المحتجّة على اختيار نجمة سورية لأداء دور البطولة
أمام الواقع العربي المأزوم والهزائم والانكسارات، وجدت الدراما طريقها
لتقديم صورة مختلفة، ملأى بالانتصارات: إنّه التاريخ البعيد... البعيد
جداً. وقد انطوت أغلب الأعمال التاريخية على كثير من العاطفة، المبالغ
فيها، في محاولة لإعادة إحياء أمجاد عربية غابرة. ورغم أن بعض المسلسلات
حاولت الخروج من دفّتَي كتاب التاريخ الناصع البياض، إلا أنها ظلت منحازة
لمراجع تاريخية تخدم سياقها الدرامي.
بعد هدوء موجة الدراما التاريخية السورية، لمصلحة الأعمال الاجتماعية
المعاصرة، ها هي تعود بثلاثة مسلسلات (حتى الآن) تنتج هذا العام. بعد
«القعقاع»، و«رايات الحق»، انطلق تصوير مسلسل «كليوبترا» الأربعاء الماضي،
في قلعة الحصن في مدينة حمص، في ظلّ إجماع فريق العمل على أن المسلسل
محاولة لإنصاف الملكة العربية التي ظلمها التاريخ، فانتفضت الدراما لتصحِّح
الخطأ!
كتب سيناريو العمل، السوري قمر الزمان علوش ويخرجه الممثل والمخرج وائل
رمضان، ليكون من بطولة زوجته النجمة سلاف فواخرجي في دور كليوبترا، والنجم
المصري محمد صبحي في دور يوليوس قيصر، ومعهما مجموعة من النجوم السوريين
والعرب منهم: طلحت حمدي، ونضال سيجري، وفرح بسيسو، وأيمن رضا، وعبير شمس
الدين، إضافة للمخرجَين علاء الدين كوكش، ومظهر الحكيم.
«كل الكتابات التي تناولت شخصية كليوبترا كانت ذات طابع خيالي بحت وفيها
الكثير من التناقضات،. لذا لم تستطع إنصافها، فكان لا بد من رد الاعتبار
إلى هذه الشخصية» يقول قمر الزمن علوش مضيفاً: «كتب التاريخ من دون استثناء
غيّبت العنصر الوطني المصري في مرحلة كليوبترا والمراحل التي تلتها. لذا
كان هدفي أيضاً رد الاعتبار إلى الشعب المصري الذي وقع تحت ظلم المؤرخين،
الذين لم يوضحوا الجوانب الوطنية لتلك الحقبة». إذاً، ستصلح الدراما ما
أفسدته كتب التاريخ، وستأخذ الدراما السورية على عاتقها إيضاح دور القادة
المصريين الذي غُيِّب في المراجع التاريخية!
يلعب النجم المصري محمد صبحي دور يوليوس قيصر في المسلسل
من جهته، يقول المخرج وائل رمضان: «نجسّد في «كليوبترا» شخصية تاريخية
معروفة، لكننا نتناولها بأسلوب مختلف لم يطرح سابقاً. وهذا العمل هو مشروع
شخصي بالنسبة إليّ». ويضيف: «أتناول في المسلسل الجانب الشعبي من حياة
الملكة، وحالة التأثر والتأثير بينها وبين الشعب الذي أحبها وأحبته، ما
جعلها تأخذ قراراً بالانتحار قبل أن ترى شعبها يُذلّ». أما بطلة العمل سلاف
فواخرجي فأكّدت أن دراسة شخصية الملكة المصرية، استغرقت حوالى عامين. ووصفت
شركة «عرب سكرين» المنتجة للمسلسل بالمغامِرة بسبب صعوبة هذا العمل وخطورته
على أكثر من مستوى. وتقول: «تكمن أهمية العمل في محاولته الاقتراب من
المشاهد العادي». وتدخل النجمة السورية في تفاصيل المسلسل مضيفةً: «سيعيش
المشاهد تفاصيل إنسان وتفاصيل المحيطين به لتتكوّن من خلال ذلك معرفة مجتمع
بكامله». مشيرةً إلى أنها في الفترة الأخيرة بدأت تحب أداء هذا النوع من
الشخصيات التي تحمل الكثير من الحالات الإنسانية. ولعلّ ما يميّز العمل في
نظر فواخرجي هو الروح الجماعية للفريق الذي كان همه الأول نجاح المسلسل من
دون التركيز على مساحات الأدوار. هكذا، سبقت انطلاق التصوير مجموعة من
الجلسات الحوارية والنقاشات. وهو ما عاد بالفائدة على معظم المشاركين في
العمل.
لكن اختيار النجمة السورية لتأدية الدور، لم يمرّ من دون موجة من
الانتقادات. إذ برزت أصوات مصرية عدّة في الفترة الأخيرة، تستنكر اختيار
ممثلة سورية لأداء شخصية أساسية من التاريخ المصري. وهو ما استغربته
فواخرجي في أكثر من مقابلة إعلامية، مؤكدة أن عدداً كبيراً من النجوم
العالميين أدوا دور الملكة المصرية، فلماذا الاعتراض عليها، وهي أولاً
وأخيراً ممثلة عربية.
من جانبه، كشف النجم المصري محمد صبحي أنه كان يحلم في تقديم شخصية يوليوس
قيصر بعدما قدم عدداً من شخصيات الأدب اليوناني وشخصيات هامة في مسرحيات
شكسبير. وقال: «كثيراً ما أحكم على الأعمال من خلال النوايا المسبقة، وهذه
النوايا تنبثق من النص أولاً، وثانياً من خلال الحوار بين الماضي والحاضر
وطريقة معالجة النص». وأضاف: «نوايا العمل مهمة جداً، وهذا ما جعلني أتقبله
بعدما قرأت النص. ثم إن هذا العمل لن يكون غريباً عن الناس لأنهم سيجدون
فيه ما يحدث على أرض الواقع حالياً على رغم أنّ العمل يتناول الماضي».
ويُتوقّع أن يعرض العمل في رمضان المقبل على أكثر من محطة عربية، ليكون
رهان الدراما هذه المرة على تصويب أخطاء المؤرخين وهو الرهان الذي يبدو
فضفاضاً... أكثر من اللازم.
دراما تاريخية أم تمجيدية؟
رغم الأعمال التاريخية الكثيرة التي أنجزتها الدراما السورية، ورواجها على
الفضائيات العربية، إلا أن هناك مَن يرى أن لا جدوى من العودة إلى التاريخ
من خلال الدراما. ويقول الكاتب السوري نجيب نصير (الصورة) إن النظرة إلى
التاريخ من خلال الدراما هي نظرة ساذجة، لأنها قاصرة وغير نقدية، «ولو
أردنا التعلّم من التاريخ، فعلينا العودة إلى أخطائه تحديداً... ثم إن
مفهوم النقد لدى الناس هو الشتائم، فيما يجب أن يكون لدينا خصومة إبداعية».
أما عن «كليوبترا»، فيقول «هي أكثر من أنصفها التاريخ». ويرى الكاتب السوري
من جهة أخرى، أن النظرة التمجيدية إلى التاريخ لا تعني أن العرب كانوا
أبطالاً بالفعل.
الأخبار اللبنانية في
29/03/2010
أحمد زكي: قبل خمس سنوات حمل وحدته ومضى
هناء جلاد
في 27 آذار (مارس) 2005، رحل «إمبراطور السينما المصرية» تاركاً إرثاً
فنياً غنياً، لعب فيه أدواراً متنوّعة. «النجم الأسمر» الذي لم تُنقذه
الأضواء وحبّ الناس، أدمن العزوبية وفشل في حياته العاطفية
منذ خمس سنوات، توقّف قلب أحمد زكي عن الخفقان (27 مارس 2005). حمل
«إمبراطور السينما العربية» سنواته الـ56، ورحل من دون إنجاز فيلم «حليم»
حتى النهاية.
لكن نهايته وشهرته اللتين جعلتاه النجم المصري الأول، لم تشبها أبداً
طفولته. الممثّل الأسمر، ولد عام 1949، وتوفّي والده ولما يتخطَّ عامه
الثاني. مثّلت هذه الحادثة محوراً مفصلياً في حياته، فأُبعد عن والدته ولم
يرها إلا عندما بلغ السابعة: «كانت امرأة حزينة، قبّلتني من دون أن تتكلم
ورحلت... تصاحبني نظرتها حتى اليوم» هكذا قال في إحدى مقابلاته الصحافية.
حاول أحمد زكي عبد الرحمن الهروب من اليتم مراراً، وقرّر كسب رهان الحياة.
هكذا، التحق بمعهد الفنون المسرحية. في القاهرة، تراكمت الأحاسيس المتناقضة
داخله، «كان التمثيل منفذي (...) أصبح المسرح بيتي، ورأيت الناس يهتمون بي
ويحيطونني بالحب، فعرفت مجالي الطبيعي».
تيتّم مرّتين مع وفاة والده ثم رحيل الشاعر صلاح جاهين
لكن مجدداً، عاد ليشعر باليتم مع وفاة والده الروحي الشاعر صلاح جاهين الذي
كان من أكثر المؤمنين بموهبته. الشاعر المصري رأى أن زكي لن يحتمل الحياة
بقساوتها، وخصوصاً بعدما ذاق طعم الشهرة. هكذا بدأت الشائعات تطارد الممثل
الشاب، فاتُّهم بالغرور، إلى أن ترددت أخبار عن إدمانه المخدرات. ولعلّ
نجاحه الكبير في فيلم «المدمن» (1983)، زاد من حدّة اتهامه بالإدمان. وفي
وقت كانت تزداد الشائعات، كان يثبت أنّه من أبرز نجوم السينما المصرية.
دشّن زكي ظاهرة جديدة في السينما حين رفض أن يُستعان بممثّل بديل، لتأدية
الأدوار الخطيرة، فتعلّم السباحة، وألقى بنفسه من سيارة مسرعة في فيلم
«طائر على الطريق» (1981)، ونام في ثلاجة للموتى خمس دقائق في «موعد على
العشاء» (1981). كما برع في شخصية إسماعيل في «عيون لا تنام» (1981) لما
فيها من أحاسيس متناقضة من العدوانية والجشع والبحث عن البراءة.
لكن نجاحه الحقيقي كان قبل هذه الأفلام. لمع نجمه في فيلم «شفيقة ومتولي»
(1978) الذي جمعه بالـ«ساندريلا» سعاد حسني. ثم استعان به يوسف شاهين،
لتأدية دور الشاب المصري المثقف الذي يقاوم العنصرية ويعشق فتاة يهودية في
«إسكندرية ليه» (1978).
مع بداية الثمانينيات، بدأت أدوار البطولة المطلقة تنهال عليه، فكرّت سبحة
أعماله التي رسخت قناعة الجمهور بقدرة شاب غير وسيم (وفق المفهوم التقليدي
للوسامة) على التفرد بالنجومية. هكذا، قدّم أدواراً متنوّعة، من دور عازف
الطبلة في «الراقصة والطبال» (1984)، ثمّ ابن الأثرياء في «الليلة
الموعودة» (1984)، فالملاكم الذي يحقق النجاح في الغربة في «النمر الأسود»
في العام نفسه. كما استطاع مفاجأة الجميع بشخصية الفلاح في «البيه البواب»
(1987). وعاد في عام 1988، بثلاثة من أهم أفلامه وهي «زوجة رجل مهم»،
و«أحلام هند وكاميليا»، و«الدرجة الثالثة».
ومع بداية التسعينيات، قدّم نماذج جديدة من الأفلام، بدور الصحافي الوصولي
في «امرأة واحدة لا تكفي» (1990) مع إيناس الدغيدي، والدجال المثقف في
«البيضة والحجر» (1990)... وصولاً إلى «الراعي والنساء « آخر أفلام سعاد
حسني (1991). كل ذلك من دون أن يغيب عن الأدوار الكوميدية، فأطلّ في فيلم
«سوق الهانم» (1994).
وحين سرقته نشوة العظماء، قدّم فيلمه الكبير «ناصر 56» (1996)، ثمّ «أيام
السادات» (2001)، و«معالي الوزير» (2002)، وأخيراً «حليم» الذي رحل قبل أن
يُكمل تصوير كل مشاهده، فأكمل ابنه هيثم دوره في العمل.
وبموازاة النجاح المهني، واجه زكي فشلاً في حياته العاطفية. ولم يكتب لأي
من علاقاته النجاح، ربما بسبب إدمانه الوحدة التي رافقته منذ الطفولة،
فتزوّج من الممثلة الراحلة هالة فؤاد عام 1985، وانفصلا بعد عام واحد على
ولادة ابنهما الوحيد هيثم.
الأخبار اللبنانية في
29/03/2010 |