يجلس بيان وعزت مع صديق ثالث لهما بعفوية، في أحد مقاهي بلدة من مجدل
شمس،
ملامحهما الشابة تدل على مرح وصخب غير منقطعين، ثيابهما العصرية لا تكف عن
ملاحقة
هواجس المخرجتين الهولنديتين الجالستين على الطاولة المجاورة
كما يبدو.
لثلاثة أسابيع بحثت سابين لوبه باكر وإستر غولد، في قرية لا يتجاوز
عدد سكانها
التسعة آلاف، عن شخصيات مناسبة لتصوير فيلم تسجيلي عن طلاب جامعيين من
الجولان
يستعدون للانتقال للمرة الأولى إلى دمشق للدراسة.
بعد عام تقريباً كان العرض الأول للفيلم الهولندي أصرخ (shout)
في دمشق، حيث
حققت المخرجتان نجاحاً كبيراً، في مقاربة الحياة الإنسانية لشابين يقف حاجز
إسرائيلي حاجباً رؤيتهما الواضحة عن بقية الوطن.
«الفيلم موجه للجمهور الأوروبي» تقول باكر لـ «الحياة»، فعرضه الثاني
قرر في 28
آذار (مارس) الجاري في هولندا. استطاعت باكر بكاميرا (16 ملم) تسجيل
مقابلات الفيلم
كاملة مع إجادتها اللغة العربية، بينما ساعدتها غولد على كتابة سيناريو
وإخراج 16
ونصف الساعة من التصوير، ما بين مجدل شمس ودمشق، مع تعذر ومنع
التصوير عند الحواجز
الإسرائيلية الفاصلة بين المكانين، إضافة إلى التحقيق الإسرائيلي حول ما
يدور في
الفيلم، أما ما مكن المخرجتين من تجاوز الحدود بأقل العوائق فهو «الصراحة،
وجوازا
سفر هولنديان يمنح أحدهما في هولندا لدخول مناطق الصراع».
تعلق باكر على اعتماد الفيلم كوميديا المفارقة، واقترابه من النقد
الساخر: «الأجيال
دائماً تتعارض، وهذا لا يعني التقليل من شأن الجيل الماضي، لكن ملامح وجه
عزت كانت طوال الوقت محرضة على الضحك».
صور الفيلم وأخرج خطوة خطوة تحت إشراف المخرجتين، وحل نقاش لساعات
طويلة «مأزق
اختلاف وجهات النظر»، تقول باكر: «كل منا لديها مهاراتها الخاصة، لذا
فالنتيجة
النهائية للمشاهد ظهرت أغنى، وعلى رغم وجود وجهتي نظر لكلينا خلال المونتاج
إلا
أننا استطعنا في ما بعد التوصل الى رد فعل متشابه».
أربع مراحل من التصوير بحثاً عن تطور قصة الفيلم أجبرت المخرجتين كما
أعلمتنا
غولد على «فرض نوع من الاصطناع أو إقحام شكل معين على الواقع»، فانفصال عزت
وبيان
للسكن كل على حدة بعد وفاة جد عزت، جعل التصوير صعباً جداً، لتطلب
المخرجتان أخيراً
من الشابين أن يقطنا في الشقة المستأجرة نفسها للدراسة في دمشق، وتضيف
غولد: «تطور
أحداث الفيلم دفع الى هذا».
صعوبات أخرى واجهتها المخرجتان الهولنديتاين، من خلال أسئلة طرحها عزت
وبيان على
طريقتهما الخاصة «ما الواجب علينا فعله وقوله؟ هل ننطق باسم المحتل؟»، هذه
الممنوعات في ذهن الشابين «أوقفت ظهور المشاعر الحقيقية في بعض الأحيان
أمام
الكاميرا» كما ترى غولد. الأسئلة من الشابين لم تتوقف بعد
نهاية الفيلم فعزت تابع
دراسته المسرح بينما توقف بيان عن دراسة الطب لذلك كان السؤال الملح عليهما
«كيف
سيلتقيان مجدداً لو قرر عزت البقاء في دمشق؟»، وأعلنت ظروف إخراج الفيلم في
جلسة
حوارية خلال مهرجان أيام سينما الواقع.
«التمويل الهولندي فرض التوجه الى الجمهور الهولندي» كما تشرح باكر،
وهذا لم
يمنع توضيح الفيلم للقصة من جانبها الإنساني، من دون اهتمام «بوجود مشكلة
أو لا في
مكان تصويره»، ما فرض لغة بسيطة وسلسة في الحوار العام.
وتعتقد المخرجتان أن الشخصيتين الشابتين في فيلم «أصرخ» تشدان
الجمهور، فبيان
رومانسي ومتعلق بأمه، أما عزت فمندفع ومنطلق نحو العالم الجديد.
تطمح باكر وغولد إلى نشر الفيلم حول العالم، وهما لا تدعيان معرفتهما
الكثير عما
دار في هذه المنطقة قبل تصوير الفيلم «عندما تعرف التفاصيل كلها عن الموضوع
كمخرج،
يصبح ذلك خطراً على الأحداث، وقد تصادر رأي المشاهد». وتخدم هذه النقطة
المتفرج
الغربي الذي لا يعلم شيئاً عن هذه المنطقة من العالم.
الفيلم فرض نقاشاً دائماً حول أي من الشخصيتين هي الجديرة بالبطولة
فيه (عزت، أم
بيان؟)، وحتى خلال المونتاج لاحظت المخرجتان انجذاب كل منهما لإحدى
الشخصيتين.
عزت وبيان أظهرا خلال الفيلم جانباً آخر غير معروف عن الشخصية
العربية، بالنسبة
للغرب. واستفادت باكر التي أنجزت سابقاً أطروحة في العلوم السياسية «حول
وضع الطلاب
السوريين»، من «بساطة، وعفوية الشخصيتين»، لطرح أسئلة في بلدها والعالم
الغربي أكثر
عمقاً، بعيداً من القشور «هناك الكثير من الأحداث في الشرق
الأوسط؟ والكثير من
التفاصيل الواجب السؤال عنها والتطرق إليها».
«دمشق المؤسطرة» بالنسبة الى عزت وبيان، «فقاعة كان لا بد لها من أن
تنفجر
لاحقاً» تختم غولد، وبحسب وجهة نظرها أن العديد من الأمور لم تجر في
الحقيقة كما
تخيلها الشابان. أمور
أخرى أكثر إيجابية ظهرت في الوقت ذاته لهما، «حين انتهينا من
الفيلم وذهبنا للاتفاق على التمويل، كانت هناك قصة نهائية له.
بيان تعامل مع
المدينة في شكل عادي، بينما رآها عزت أكثر بكثير مما توقعه»، لينتهي فيلم
أصرخ بعد
إنجازه بعزت المولع بدمشق والمنشد إلى كل زاوية فيها لم يعرفها بعد.
الحياة اللندنية في
26/03/2010
أعمال من أوروبا ولبنان وفيلمان عن زوجة
آلان كافالييه
بيروت - «الحياة»
في تعاون متجدد وللمرة السادسة بين البعثة الثقافية في بيروت وسينما
متروبوليس،
تقام حتى اليوم الأخير من شهر آذار (مارس) الجاري، ثم ليوم واحد في صالة «الهنغار»
في منطقة حارة حريك، تظاهرة «شاشات الواقع»
التي تعرض خلالها أفلام أوروبية متنوعة
تصب كلها في مصب الواقع سواء أكانت أفلاماً وثائقية أم غير
وثائقية. والى جانب هذه
التظاهرة الأوروبية تتضمن العروض عدداً من الأفلام اللبنانية القصيرة
والمتوسطة
المنتجة حديثاً، لمخرجين مثل غسان سلهب ورين متري وأولغا نقاش وريهام عاصي
وكورين
شاوي... ومن أبرز الأفلام التي عرضت خلال اليومين الأولين،
وتعرض اليوم وخلال
الأيام الباقية، فيلم «آوتلانتس» (بريطانيا، 2009) لفيليب وارتل، و «ناهد -
فينوس» (هولندا، 2008) لباريزا يوسف دوست، و
«الواصلون» (فرنسا، 2009) لكلودين بوريس
وبازيس شانيار، و «البحث عن حسن» (فرنسا، 2009) لادوارد بو، و
«لم نعد نحفل
بالموسيقى» (فرنسا، 2009) لسدريك روبير وغاسبار كوينتز..
أما التظاهرات المتنوعة التي تنقسم اليها العروض، فمنها: «نساء وراء
الكاميرا»،
تحت اشراف اللبنانية إليان راهب، وإذا كانت العروض، في شكل عام، تنتمي الى
سينما
الأجيال الشابة في لبنان أو في أوروبا، فإن التظاهرة ككل لا تخلو من اسمين
كبيرين
في عالم السينما الوثائقية: فردريك وايزمان، الذي يعرض له هنا
فيلمه الأخير، والذي
لفت الأنظار حقاً خلال عروضه السابقة في عدد لا بأس به من المهرجانات، مثل
مهرجان
لندن وتورنتو والبندقية. وهذا الفيلم، كما يشير عنوانه «الرقص، الباليه في
أوبرا
باريس»، صدر خلال تسعة أشهر ركز خلالها وايزمان، كاميراه في
مركز الرقص العريق في
العاصمة الفرنسية مصوراً التدريبات والتجارب والعروض التي قدمها كبار نجوم
رقص
الباليه الفرنسيين. هذا بالنسبة الى الاسم الأول، أما الاسم الثاني فهو
آلان
كافالييه، الذي بعدما غاب اسمه سنوات عن الساحة السينمائية
الفرنسية، عاد أخيراً -
ومن خلال الدورة الأخيرة لمهرجان كان - ليقدم فيلمين متكاملين، حقق أولهما
عام 1996،
وعنوانه «اللقاء»، فيما حقق الثاني عام 2009 في عنوان «ايرين». والعملان
يدوران حول زوجة المخرج «ايرين» التي يحاول في الفيلم الأول أن يصور العام
الأول من
حياته معها، فيما ينصرف في الثاني الذي صوره بعد 13 سنة، الى تصوير حياتها
وحياته،
من بعد رحيلها، حيث لا يزال يشعر بوجودها في حياته وفي البيت
وفي كل نبض من
مشاعره... انها هناك خلف الباب، يقول في هذا الفيلم السحري، أسمعها تدق
الباب
بعذوبة منذ سنوات. لماذا تراني تأخرت كثيراً قبل أن افتح لها؟ هل هو الخوف
من
اعتراف ما؟ هل هو رفض الاضاءة على زوايا معتمة؟ هناك يقين واحد
فقط: انها، اليوم،
هناك، حية أمامي. تقود خطواتي...».
الحياة اللندنية في
26/03/2010
أفلام جديدة
«ثائر أيلاند»
اخراج: مارتن سكورسيزي - تمثيل: ليوناردو دي كابريو، مارك رافالو
>
قبل سنوات قليلة، حين صار سكورسيزي في واجهة الأحداث السينمائية بعد فوزه
المدوّي بالأوسكار... راحت التخمينات تتوالى حول عمله المقبل. بالنسبة الى
«أضيئوا
النور» كان الخبر يقيناً وحقق الفيلم وعرض، بعد ذلك تعددت المشاريع، حتى
تجسدت في
هذا الفيلم الذي اقتبسه سكورسيزي من رواية بوليسية - ميتافيزيقية لدينيس
لاهان (سبق
لإيستوود ان اقتبس رواية أخرى له)... وهنا يعود سكورسيزي الى التشويق
البوليسي،
انما من خلال حكاية جريمة واختفاء تدور في جزيرة معزولة، فيها مصح للأمراض
العقلية،
يصلها شرطيان للتحقيق، فإذا بهما يصبحان جزءاً من لعبة غامضة تتجاوزهما...
فهل
حقاً، كانا منذ البداية على البراءة التي كان يمكن المتفرج توقعها؟
} «حرية»
اخراج: طوني غاتليف - تمثيل: جيمس تييري، مارك لافوان
>
من المؤكد ان هذا الفيلم التاريخي «الغجري» لن يعجب أبداً غلاة المنظمات
الصهيونية التي لا تمر مناسبة إلا وتذكر فيها كيف ان يهود أوروبا كانوا
متفردين،
كشعب، في كونهم ضحايا النازية الهتلرية والمحارق وما الى ذلك خلال الحرب
العالمية
الثانية. إذ في هذا الفيلم يصور طوني غاتليف وهو نفسه فرنسي من أصل غجري،
كيف ان
سلطات فيشي، الملحقة بالنازيين والسائرة على خطواتهم خلال الاحتلال
الألماني
لفرنسا، اضطهدت الغجر، كما فعلت باليهود والشيوعيين وغيرهم، معتقلة اياهم
في
معسكرات اعتقال لا انسانية. بيد ان غاتليف الذي سبق له أن حقق أفلاماً
فرنسية عدة -
نال معظمها جوائز ونجاحات - عن غجر فرنسا وأوروبا، لم يقدم هذا العمل كفيلم
سياسي
يؤرخ لما حدث، بل كعمل فني تتجاوز فيه الموسيقى مع المسرح، والعواطف
الإنسانية مع
قسوة الحرب.
} «الحائكة»
اخراج: وانغ كوان آن - تمثيل: يونانّ، تشنغ شنغوو
>
عرف مخرج هذا الفيلم الصيني الجديد، باهتمامه بسينما تقول الأمور العائلية
وصعوبة التواصل، ليس داخل المجتمع، بل كذلك داخل العائلة الواحدة. ومن هنا
النجاح
اللافت لأفلامه السابقة ولا سيما منها «زواج تويا»، الذي كان أول ما لفت
اليه
الأنظار. في فيلمه الجديد هذا، تدور الحكاية، هذه المرة، حول أم تعمل حائكة
في
مصنع. وهي إذ تعاني مشقات الحياة حتى وهي في صحتها، ستزداد مشقاتها
أضعافاً،
بالطبع، حين تكتشف ذات يوم انها مصابة بسرطان من المؤكد انه سيقضي عليها
عما قريب.
ومن هنا تبدأ محاولات غريبة، لاستعادة ما تعتقد انه كان غرام صباها الوحيد.
والحقيقة ان المخرج انما يستخدم هذه الحكاية لتقديم صورة، شديدة السوداوية،
لمجتمع
يعيش تأزماً ايديولوجياً حاداً، يدفعه الى تساؤلات محيرة بعدما كان في
السابق يعتبر
انه يمتلك كل يقين.
} «كلوي»
اخراج: آتوم ايغويان - تمثيل: جوليان مور، ليام نيسون
>
هذه واحدة من المرات القليلة التي يمر فيها فيلم
للمخرج الأرمني - المصري
-
الكندي ايغويان من دون ضجة كبيرة... بل من دون أن يجمع النقاد من حوله.
فالفيلم
محيّر وأقل ما يقال عنه انه لا يدخل بسهولة عوالم صاحب «آرارات» و «اكزوتيكا»
و
«عبادة»
و «حيث تكمن الحقيقة». الموضوع هنا يدور حول امرأتين رائعتين، انما
غامضتين، ومن حول العلاقة بينهما، تلك العلاقة التي تتمحور حول لعبة شديدة
الخطورة... ما يذكر بأحد أشهر أفلام الفرنسي كلوزو «الشياطين»،
غير ان هذا لا يمنع
القول من أن ايغويان أعطى هنا لجوليان مور واحداً من تلك الأدوار التي نعرف
دائماً
كيف تتألق فيها: دور المرأة الجريحة التي تجد نفسها، مرغمة فقط على الرد
على
جرحها... فتواصل لعبتها الارغامية مهما كلف الأمر.
الحياة اللندنية في
26/03/2010 |