صانعو السينما في هوليوود قدموا ولا يزالون ينتجون أفلاما عن حرب
العراق والوجود الأميركي منها التي تتناول تورط الحكومة الأميركية فيها حيث
وجدت أن فكرة الغزو الأميركي لبغداد خطأ سياسي واستراتيجي وعسكري وأخرى
للآثار النفسية على المجتمع الأميركي عامة والجنود خاصة.
وما وصلوا إليه من تدهور أحوالهم الاجتماعية والنفسية، ولقد شبه بعض
المؤرخين هذه النوعية من الأعمال بتجربة أميركا مع فيتنام.وتسجل بعض
الإحصائيات السينمائية أن هناك ما يتجاوز (29) فيلما روائيا طويلا تم
إنتاجها عن حرب العراق حتى الآن، ومن أشهرها (في وادي إيلاه)، (جسد من
الأكاذيب)، (الملوك الثلاثة)، (منقح)، (لا نهاية في الأفق) و(أسود مقابل
حملان) وهناك أيضا حوالي (6) أعمال درامية تلفزيونية، إضافة إلى (56) عملا
وثائقيا، وشهدت صالات السينما بالإمارات في العام 2009 وبدايات عام 2010 ما
يقارب من ال(10) أفلام.
وفيما يلي رصد لأهم (5) منها أثارت جدلا كبيرا بين نقاد السينما
والمحللين السياسيين وأيضا جمهور المشاهدين.
***خزانة الألم (The Hurt
Locker)***
حصد فيلم (خزانة الألم) هذا العام 6 جوائز للأوسكار بينها جائزتا أفضل
فيلم وأفضل إخراج، وتم إنتاجه بميزانية متواضعة وبممثلين مغمورين وأثار
ردود فعل متباينة خاصة من النقاد العرب، واتهمه بعضهم بالعنصرية في تصويره
للعراقيين كأشرار تملأ الفوضى حياتهم، في حين يبدو أفراد الجيش الأميركي
كملائكة جاؤوا لنشر السلام والحب.يعرض الفيلم حاليا في صالات (ابن بطوطة،
فيستيفال، ميركاتو، وجراند البحيرة بالشارقة) ولمن لم يشاهده: فان أحداثه
تدور في أحد المدن العراقية، ربما في بغداد، حول وحدة مكونة من ثلاثة جنود
متخصصة في إبطال مفعول الألغام وتعطيل المفخخات والعبوات الناسفة على جوانب
الطرق أو في سيارات مفخخة أو مثبتة على أجساد البشر.
ومحور الفيلم هو الشخص المكلف بنزع فتيل هذه العبوات في ظروف معارك
طاحنة تجعل منه بطلا يستهتر بالموت الذي قد يباغته في أي لحظة، وربما هذا
هو المقصود بالألم القابع في الخزانة، فالرجل يواجه الموت في كل يوم، ويعيش
لحظات عصيبة لكنه لا يبوح بألمه هذا، بل يضعه في الخزانة، بينما يعد الأيام
بانتظار انتهاء مهمته وعودته لأسرته الأميركية السعيدة.
المهم في هذا الفيلم أنه يفتح أبوابا للحوار سواء اختلفنا معه أو
اتفقنا مع أفكاره، وكل ما في الأمر أنه يتوجب النظر لهذه النوعية من
الأعمال التي تدور مضامينها حول منطقتنا العربية بعقلانية شديدة ونبحث وراء
المغزى الحقيقي لها.
المنطقة الخضراء (GREEN ZONE)
بدأت العروض التجارية لفيلم (المنطقة الخضراء) هذا الأسبوع بالإمارات،
وقدمت (البيان) على صفحتها المتخصصة للسينما قراءة له السبت الماضي، وهو
موجود في (18) صالة عرض في دبي وأبوظبي والعين ورأس الخيمة والفجيرة
والشارقة.
ويعتبر من فئة الأفلام المنصفة للوضع في العراق حيث يكشف عن الخروقات
الزائفة التي قادت للحرب المدمرة في هذا البلد، وقد أثار ردود أفعال جيدة
في الشارع الأميركي.
بدأ التفكير في إنتاج هذا الفيلم في مطلع يناير 2007 عن قصة كتاب
(الحياة الإمبراطورية في مدينة الزمرد) لمحرر الواشنطن بوست راجيف شاندرا
سيكاران، وبالفعل بدأ العمل فيه أواخر عام 2007.
وكان مخططا أن يجري تصويره بإسبانيا، ولكن تم اختيار المغرب وجري
التصوير في نهاية 2008، وأصبح جاهزا في العام 2009، وتزامن عرضه في 2010 مع
الذكرى السابعة لغزو العراق ومع الانتخابات النيابية العراقية، وهو ما جعل
جزءا من الدعاية لموضوع الفيلم حاضرا بقوة في كل نشرات الأخبار.
وعكس ما قد يوحي به الإعلان الترويجي للفيلم، والذي صوره باعتباره أحد
أفلام الحركة والأكشن التي تتخذ من العراق مسرحا لها، جاءت قصته لتتناول
ملف البحث عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، والذي كان من المبررات
الرئيسية لغزو قوات التحالف العراق عام 2003.
لكنه تناول أيضا قرار حل الجيش العراقي الذي اتخذته سلطة الحكم
المؤقتة الأميركية في أعقاب سقوط نظام صدام، والذي جعل قسما كبيرا من جنوده
وضباطه يتحولون إلى تشكيل ميليشيات مسلحة ومقاومة للقوات الأميركية.
هاتان القضيتان الدراميتان، الفشل في العثور على أسلحة الدمار الشامل
وحل الجيش العراقي، تقودان معظم أحداث الفيلم، لكن بالإضافة إلى هذين
المحورين هناك الخيط الدرامي المتعلق باستخدام الإعلام كأداة في الدخول إلى
الحرب، وعدم تحقق بعض الإعلاميين من المعلومات التي كانت تعطى لهم حول ملف
أسلحة الدمار الشامل العراقية.
وعلى الرغم من أن الخيوط الدرامية الثلاثة تعتبر بالمفهوم التجاري
للسينما الأميركية ثقيلة على المشاهد، فإن التركيز الشديد في القصة وذكاء
تركيب السيناريو وسرعة الحوار جعلت الفيلم متماسكا ومثيرا للأسئلة التي
تدور حول مسألة غزو العراق.
المحظوظون (THE LUCKY ONES)
عرض نهاية الشهر الماضي بصالات السينما المحلية، عن دراما تتناول
ثلاثة جنود أميركيين عادوا بعد سنوات من الخدمة العسكرية في العراق، وفي
المطار اصطدموا بإلغاء الكثير من الرحلات الداخلية، فقرروا استئجار حافلة
صغيرة لتعود بهم إلى منازلهم.
وترصد الأحداث صعوبة في تأقلمهم مع حياتهم السابقة حيث تاهت معالم
الواقع وبدوا وكأنهم يعيشون كابوسا لم ينته بعودتهم للوطن، الرقيب فريد
شيفر الذي أحيل للمعاش بعد عامين في الخدمة بالعراق، كان متلهفا للوصول إلى
بلدته التي تقع في ضواحي سانت لويس للقاء زوجته وابنه.
الجندية كولي دان والرقيب تي كي بول كلاهما في إجازة قصيرة لمدة شهر
واحد يعودون بعدها للعراق، كولي كانت تخطط للذهاب للاس فيجاس لزيارة أهل
خطيبها الجندي الذي حصدته الحرب الشرسة وهو يحاول حمايتها، وتي كي يتعافى
من إصابة ويتوق للقاء خطيبته.
ويتطور البناء للفيلم ليعكس حالة الضياع التي تسببها هذه الحروب التي
تنخر في عظام المجتمع، عند وصولهم لسانت لويس يفاجأ فريد بالتحاق ابنه سكوت
بجامعة ستاندفورد، وزوجته تطالبه بالطلاق، فوصل إلى حالة من الاكتئاب صعبت
على زملائه تركه نهبا لهواجس قد تؤدي بحياته فقرروا مواصلة الرحلة معه.
(المحظوظون) فيلم آخر يضاف إلى قائمة الأفلام
التي تتناول قضية الحرب في العراق وآثارها من الناحية الاجتماعية والسياسية
والنفسية على المجتمع الأميركي.
الرجال الذين يحدقون في الماعز (The
Men Who Stares at Goats)
أثار هذا الفيلم دويا ونجاحا جماهيريا هائلا عند إطلاق عروضه في
نوفمبر 2009 وقد عرض في ختام فعاليات مهرجان أبوظبي السينمائي العام
الماضي، وهو مأخوذ من كتاب لجون رونسون بالعنوان نفسه.
ويحكي قصته من خلال صحافي يتمكن من الولوج إلى خبايا فرقة أميركية
سرية خاصة، أسسها الجيش الأميركي في أواخر السبعينيات من القرن الماضي
تعتمد فكرة التبصر الروحاني بدلا من البندقية، وتحارب بالطاقات الروحية
بدلا عن الأسلحة التقليدية في حربها ضد العراق.
يبدأ الفيلم بمقابلة أجراها محرر الديلي تلغرام بوب ويلتون مع الجندي
السابق في الجيش الأميركي جاس ليسي، الذي يدعي امتلاكه لقدرات نفسية خارقة
اكتسبها جراء اشتراكه في فرقة خاصة كانت مهمتها إحباط معنويات الروس في أي
حرب متوقعة، ويستبعد الصحافي في البداية هذه الفكرة تماما لافتقارها إلى أي
مقومات قابلة للتصديق.
ويحدث أن تتركه زوجته وتهرب مع صحافي آخر فيصاب بإحباط يدفعه للتطوع
للسفر إلى الكويت للتحقيق في مسار الحرب العراقية، وهناك يلتقي بجندي
عمليات اسمه لين كاسيدي يكشف له حقيقة هذه الفرقة التي تتكون من جنود
يلقبون بمحاربي (الجداي) .
نسبة لمقاتلي الجداي في سلسلة أفلام جورج لوكاس (حرب النجوم) تلقوا
تدريبات عالية أكسبتهم مهارات غير طبيعية تمكنهم من استخدام قوي نفسية
خارقة والاختفاء تماما عن أنظار العدو، أو النظر إلى مسافة بعيدة بالعين
المجردة وكسبهم لأي معركة من دون استخدام أسلحة.
ويعود الفيلم إلى جذور تأسيس هذه الوحدة التي أسسها بيل ديجانجو (جيف
بريدجز) الذي طاف الولايات المتحدة في مطلع السبعينيات لمدة 6 سنوات باحثا
عن رؤية جديدة بما في ذلك القدرات الخاصة للأشخاص، وبالفعل تجسدت فلسفة هذه
الوحدة في الفيلم في اثنين من تلاميذه وهم لين كاسيدي ولاري هوبر (كيفن
سبايسي) اللذان قاما بتطوير أفكاره وتطبيقها.
قصة غير تقليدية ساخرة وممتعة في الوقت نفسه، تحيلنا لتساؤلات عميقة
عما يدور في عالمنا، خصوصا أن الفيلم يؤكد أنها مبنية على أحداث واقعية
وهذا ما أكده بطل الفيلم جورج كلوني خلال العديد من المقابلات الصحافية.
وقال إن ما يبدو غريبا على المشاهد أن القصة حقيقية، وتشكيل هذه
الوحدة حقيقي وهو جزء من التاريخ العسكري الأميركي، وأضاف: يمكن اعتبار
الماعز رمزا لما فعلناه بالبشر في (غوانتانامو).
الرسول (The Messenger)
من بين مجموعة الأفلام الأميركية التي تناولت الأثر الذي تركته حرب
العراق في الشعور بالألم داخل المجتمع الأميركي لفقدان (الابن، الأخ،
الزوج، والحبيب)، وعرض أيضا ضمن برامج الدورة الأخيرة لمهرجان أبوظبي
السينمائي، ويرصد واقع الجنود الأميركيين الذين يقومون بإبلاغ ذوي الجنود
القتلى بخبر وفاة من يخصهم في حروب العراق وأفغانستان.
ويمر الفيلم أيضا على العديد من الظروف الاجتماعية للجنود الأميركيين
الذين اشتركوا في الحرب، كالفقر والرغبة بالانضمام إلى المجتمع الأميركي
والتي كان يجب أن تمر عن طريق (بوابة العراق).
إضافة إلى ذلك، قدم فيلم (الرسول) أزمات تقترب من الانهيارات النفسية
أحيانا للجنديين بطلا الفيلم، واللذان يقومان بتسليم الرسائل لعوائل الجنود
الموتى، فهما اشتركا في حروب سابقة قريبة والمهمة الجديدة أعادتهما إلى قلب
ونيران تلك الحروب.
وتتوالى معاناة الجنود سواء أثناء الحرب بالعراق أو عودتهم لأميركا
ومواجهتهم للصعاب العديدة وأهمها الحالة النفسية التي خلفتها الحرب
العراقية، ورغم أن الفيلم لا يدور عن حرب العراق مباشرة إلا أن هذه الحرب
تشكل الخلفية الرئيسية لأحداثه.
لكن من زاوية مواقف أهالي الضحايا، وليس من وجهة نظر العراقيين أو
الجنود الأمريكيين، ويمكن اعتباره من الأفلام المناهضة لفكرة الحرب ذاتها.
-ويبقى القول إن هذه الأفلام عبرت عن الهوة بين من
قاتلوا وتعرضوا للمآسي ومن بقوا في بلدهم يعانون دراما نفسية وداخلية، وفي
حين كانت هذه الأعمال صريحة في تصويرها آثار الحرب النفسية المدمرة على
الجنود وعائلاتهم فإنها التزمت جانب الصمت دون تعليق عن معاني صدمات الجنود
في الحرب ودلالاتها.
فيما تعالت أصوات السينمائيين كعهدهم في نكران وجود إي أجندة سياسية
وراء تقديمهم لمثل هذه النوعية من الأعمال، والتي تعبأ مع الأيام شعور
الشعب الأميركي بالذنب أحيانا والكراهية لحرب العراق.
البيان الإماراتية في
25/03/2010 |