لعل من نافل القول أن القضية الفلسطينية في جوهرها الإنساني
والوطني، هي واحدة من أكثر القضايا نبلا وعدالة في عصرنا الراهن، رغم ما
تعرضت له
على مر تاريخها الطويل من حملات خداع ومتاجرة وسوء استغلال
ومحاولات مصادرة وعمليات
انقسام واقتتال داخلي سوداء، ورغم ما تعرض له المواطن العربي بسببها من
حالات قمع
وكم أفواه وتقييد حريات... كانت تبرر دائماً باسم المعركة القومية الكبرى
من أجل
تحرير فلسطين.. ولهذا كانت الأصوات العالمية المتضامنة مع قضية فلسطين على
مر
تاريخها الطويل، أكثر صدقاً وتأثيراً من الأصوات العربية...
فأصحابها لا يبغون
شهادات في الوطنية أمام شعوبهم، ولا يقولون كلمة حق يراد بها باطل، بل
يتعاطفون مع
ما يجري من مذابح وعمليات استيطان وتهجير وقتل أبرياء بالعين المجردة
والضمير
المجرد... وربما لهذا أضحت هذه الأصوات غير العربية، بعد هذا
التعب العربي من
فلسطين الذي بتنا نراه اليوم، أكثر مصداقية وأكثر إثارة للاهتمام، وأكثر
إزعاجاً
لإسرائيل... كما نرى هذه الأيام من خلال الضجة التي يثيرها المسلسل التركي
(صرخة
حجر) الذي بدأت قناة (أم. بي. سي) السعودية بعرضه هذا الأسبوع.
ومع احترامي
الشخصي للجهة التركية التي أنتجت هذا العمل... وللغة الفنية العالية السوية
التي
توحي بها بعض المشاهد التي عرضت من العمل، من خلال التقارير التلفزيونية
التي تحدثت
عنه وحاولت أن تلخص أجواءه... ومع تقديري الشديد لكل من أسهم في صناعة هذا
العمل
تأليفاً وتمثيلا وإخراجاً... وهذا ليس غريباً - من حيث المبدأ
أو الحالة - على
الشعب التركي المسلم، وعلى ما تشهده تركيا في السنوات الأخيرة من صحوة
سياسية تجاه
العلاقة مع إسرائيل، التي وضعتها تركيا في ميزان الضمير الإنساني جنباً إلى
جنب مع
ميزان المصلحة... لتؤكد بسياساتها المتوازنة، أن المصلحة لا يجب أن تمر
دائماً فوق
جثة الضمير... أقول مع احترامي لكل هذه الاعتبارات، فإنه يطيب
لي أن أتأمل في موقف
مجموعة (إم بي سي) التي أرادت أن تستغل عرض العمل على شاشاتها بعد دبلجته،
كي تظهر
في مظهر البطل، وكي تنافس أكثر القنوات الثورية في التباهي بحسها القومي،
والتعبير
عن صلابة موقفها تجاه ما أسمته (مقاومة الضغوط التي تعرضت لها إم بي سي من
أجل وقف
عرض المسلسل).. من دون أن يفصح التقرير التلفزيوني الذي بثته
شقيقتها (العربية) ما
هي هذه الضغوط... وما هو مصدرها... وما هو شكل العقاب الذي تهدد به هذه
القناة
السعودية الهوية، اللبنانية الهوى!
حاولت أن أبحث في موقع القناة أو شقيقتها
(العربية)
عن توضيح لماهية الضغوط التي مورست أو التي من المحتمل أن تمارس بسبب هذه
المغامرة الثورية... فوقعت على تصريح لمدير التسويق في قناة (أم بي سي)
منشور على
موقع (العربية) الإلكتروني، يقول فيه: (إنه لن يتم منع أو وقف
عرض المسلسل مهما
كانت الضغوط، وأنه لا تأثير على التسويق ولا يخافون على عائدات الإعلانات،
لأن
المعلنين دائماً ينظرون إلى عائدات الإعلان، ولا تستعمل عواطف في الإعلان،
وهذا عمل
تجدر مشاهدته وهم يرون انه سيحصد مشاهدة عالية). طبعاً لم يوفر
مدير التسويق الفرصة
للحديث عن المعاني الكبيرة للعمل التي لا علاقة لها بالتسويق فقال: (إنهم
في إم بي
سي ملتزمون دائماً بقضايا العرب المحقة، وبتوفير للمشاهد كل محتوى نوعي في
كل أنواع
البرامج إن كان درامياً أو في البرامج الإخبارية والسياسية، أو في الرياضة
وبرامج
المسابقات).. ومضى إلى الحديث عن تحول جديد في الدراما التركية
بسبب عرض هذا
المسلسل... فقال: (إن الفرق هو أن الدراما التركية السابقة كانت تتطرق من
ناحية
السيناريو والحوار إلى قضايا اجتماعية أو إلى قصص حب، أما الآن فقد أتى دور
القضايا
الاجتماعية السياسية وأبعادها على الناس).
لا ندري أساساً ما هي علاقة مدير
التسويق بالحديث عن فكر وتوجه قناة إعلامية... إلا إذا كانت
هذه القناة لا فكر فيها
سوى شطارة التسويق حقاً؛ لكن من الواضح من خلال هذه التصريحات وسواها من
أشكال
الدعاية الإعلامية، أن عرض المسلسل التركي (صرخة حجر) بالنسبة للإم بي سي،
بات
موسماً للمزايدة القومية وادعاء البطولة، وربما خروجها من
معسكر دول الاعتدال إلى
معسكر دول الممانعة!
ومن الضروري أن نعرف هنا.. أن المسلسل الذي تكاد ترفع أم بي
سي بسبب عرضه شعار (دقت ساعة العمل الثوري) يقع في (20) حلقة فقط، فهو لا
يمثل
واحدا على عشرة من المسلسلات الاجتماعية المدبلجة التي تقوم
على قصص الحب والغرام
والانتقام، والتي كانت وما زالت تتبناها بشراهة، والتي يفوق عدد حلقات
بعضها
المئتين أو الثلاثمئة حلقة... ومن المعروف وربما من الطبيعي أن عرض 20 حلقة
من
(صرخة
حجر) أو سواه لن يوقف سيل تلك الأعمال التي تمثل التوجه الحقيقي للقناة...
وبالتأكيد فكلفة شراء حقوق دبلجته أو عرضه
تكاد لا تذكر، أمام ما تنفقه القناة على
الكثير من الأعمال السخيفة والتافهة التي تتبناها ببذخ ،
مأخوذة بسياسة اللوبي
اللبناني الذي يدير القناة بعقلية إدارة سوبر ماركت لا أكثر ولا أقل!
طبعاً...
نحن لا ننكر أن لقناة (إم بي سي) حضورها الشعبي وتأثيرها الواسع الانتشار
في ثقافة
الترفيه... وهي قناة ناجحة على الصعيد التجاري، وقادرة على تسويق
برامجها... لكن
التسويق والنجاح التجاري شيء... واستعراض العضلات وبيع
الوطنيات والمزايدة بسبب عرض
مسلسل مدبلج شيء آخر... ورحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده!
بين (حياتي)
المصري و(ساعي البريد) السوري!
استضاف برنامج (العاشرة مساء) على قناة
(دريم)
المصرية الخاصة، الإعلامية المخضرمة فايزة واصف... معدة ومقدمة برنامج (حياتي) لأكثر من أربعة وثلاثين عاماً.
البرنامج الذي كان يختار المشاكل
الاجتماعية من رسائل المشاهدين كي يجسدها في أعمال درامية
قصيرة ثم يناقشها، يشكل
تذكاراً أثيراً في ذاكرة أجيال من المصريين... فقد بدأ عام 1964 وكان يقدم
المشكلات
على لسان أصحابها، قبل أن يهتدي بعد سنوات إلى إمكانية تجسيدها درامياً عبر
ممثلين
معروفين، وتحويلها إلى نواة لعمل درامي يقترب في إطاره من
المحاكاة الحقيقية
لمشكلات الواقع... ولعل الاحتفاء به بعد توقفه بسنوات من على شاشة
التلفزيون المصري
الرسمي، يشكل بادرة طيبة للاحتفاء بتذكارات التلفزيون في مصر.
لكن بالنسبة لي
كسوري، فقد تذكرت برنامجاً مماثلا سبق مثيله المصري في الريادة وابتداع
الفكرة
بسنوات... وأعني البرنامج الدرامي (ساعي البريد) الذي بدأ الرائد
التلفزيوني السوري
سليم قطايا، بإعداده وإخراجه في بدايات التلفزيون السوري عام 1961، واستخدم
الإطار
الدرامي بقوة منذ البداية.. معتمداً على ساعي البريد الذي يوصل الرسالة
التي تحمل
المشكلة إلى مذيعة الأستوديو فتبدأ بقراءة سطورها الأولى... ثم ننتقل
لنتابع
تفاصيلها ونراها مجسدة في دراما تمثيلية في الأستوديو.
الفارق بين
البرنامجين... أن مبدعه في سورية مات بالذبحة القلبية بعد عامين وهو في
ريعان
الشباب وتوقد الفكر والموهبة، ثم جاء من بعده من أصدر قراراً بمسح الأشرطة
التي سجل
عليها هذا العمل الريادي الهام، واعتبرها بلا قيمة... فلم يعد يذكره إلا
قلة من
أصدقائه وزملائه إن تذكروه... بينما استمرت فايزة واصف في
التلفزيون المصري تقدم
شيئاً شبيها في (حياتي) لأكثر من أربعة وثلاثين عاماً، أصبحت فيها جزءاً لا
ينسى من
تاريخ البث التلفزيوني!
ناقد فني من سورية
mansoursham@hotmail.com
القدس العربي في
24/03/2010
'غزة
إننا قادمون' يكسر مجددا المحظور في أوروبا
فيلم عن فلسطين يفوز بأهم جائزة في اليونان هذا
العام:
لندن - 'القدس العربي'
صوّت حوالي خمسة آلاف يوناني لفيلم شبكة
'الجزيرة'
الوثائقي 'غزة إننا قادمون' كأفضل فلم منتج في عام 2009، وذلك في مهرجان
سالونيك الدولي الثاني عشر.
وحاز الوثائقي الذي أنتجته قناة 'الجزيرة'على خمسة
آلاف صوت جعلته يتقدم على أكثر من ثلاثين فيلما وثائقيا وصل للمرحلة
النهائية من
أكثر من مئة وثمانين وثائقيا هي مجموع الأفلام الوثائقية التي
اشتركت في مهرجان هذا
العام.
واعتبر يورغوس أفيروبولوس المخرج اليوناني الذي أخرج الفيلم لصالح
شبكة 'الجزيرة'
أن تصويت الجمهور اليوناني لصالح فيلم وثائقي يتحدث عن فك الحصار عن قطاع
غزة إنما يعبر بشكل واضح عن مدى أهمية أفلام وثائقية تعرض بوضوح للقضية
الفلسطينية
بأسلوب موضوعي وواقعي وبناء درامي أنيق.
وأضاف أفيروبولوس أن المئات من الشباب
اليونانيين وقفوا ساعات طويلة أمام طوابير الانتظار لكي يتسنى
لهم متابعة الوثائقي
الفائز، وكان تصفيق لأكثر من خمس دقائق بعد نهاية العرض الأول، وذلك من
دواعي سرور
وفخر كل من أسهم في إنتاج هذا العمل الرائد.
وعن المبلغ المالي الذي يصاحب
الجائزة ويقدر بحوالي عشرة آلاف يورو أوضح المخرج أن القائمين
على الشركة اليونانية
الكوكب الصغير التي أنتجت الفيلم لصالح شبكة 'الجزيرة' قرروا التبرع به
لصالح
الحملة الدولية لرفع الحصار عن غزة حيث سيتم استخدامه لشراء مواد بناء يتم
شحنها
إلى غزة عن طريق أسطول الحملة الذي يستعد خلال الفترة القادمة
لتسيير سفن كبيرة
باتجاه القطاع المحاصر.
روان الضامن الإعلامية في قناة 'الجزيرة' ومنتج برنامج
تحت المجهر الذي شكل الوثائقي أحد حلقاته أكدت في حديث بعد فوز الفيلم أن
'الجزيرة'
تفخر بإضافة جائزة دولية جديدة لرصيدها،
وتفخر بهذا الفيلم، وبالعمل مع الفريق
اليوناني والعربي الذي أنتجه، وقد تبنت إدارة البرامج بقناة
'الجزيرة' هذا العمل
منذ كان فكرة على ورق وتابعته بكل تفاصيله حتى أصبح فيلما يبث بلغات ثلاث
العربية
والإنكليزية واليونانية، وتم بثه في الذكرى الأولى لكسر الحصار على غزة أول
مرة في
آب/أغسطس العام الماضي على القناتين 'الجزيرة' الأم و'الجزيرة'
الدولية. وأضافت
الضامن أن من علامات تميز هذا الإنتاج أنه مرشح كذلك للمشاركة في مهرجان
'الجزيرة'
الدولي السادس والذي سيجري خلال شهر
نيسان/ابريل القادم.
وحول الموضوع اعتبر
فاغيليس بيساياس مسؤول حملة 'غزة الحرة' التي أبحرت لغزة صيف عام 2008 أن
التصويت
لصالح فيلم 'غزة إننا قادمون' يؤكد على أهمية تضامن الشعوب الحرة مع الشعب
الفلسطيني الذي أصبح مثالا لكل شعوب العالم في مجال التضحية
والثبات على الهوية
الوطنية.
وعن تجربته في الفلم قال نيكولاوس زيرغانوس كاتب سيناريو الفيلم إن
الهدف الذي سعى إليه النشطاء هو فك الحصار عن مليون ونصف مليون شخص، وهو في
حد ذاته
عامل إلهام كبير من حيث ضخامته وخطورته وإنسانيته معا، كما أن قدوم النشطاء
من
أماكن ودول ومعسكرات فكرية مختلفة وأكثر من أربعين دولة حول
العالم، ثم نجاحهم في
الوصول إلى غزة يعد درسا عمليا في كيفية التعاون وتجاوز الأمور الثانوية في
سبيل
تحقيق الهدف الأسمى.
واعتبر زيرغانوس أن السنوات الأخيرة تشهد تضامنا شعبيا
عمليا خاصة في صفوف الشباب - مع الشعب الفلسطيني ومع جميع الشعوب التي تشهد
مقاومة
الاحتلال، وهو ما أرجعه إلى العنف والوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وهو
ما يخلق
شعورا بالحيف والظلم لدى الشعوب الأوروبية والغربية، كما أن
مقاومة الفلسطينيين
المستمرة منذ عقود طويلة تشكل منارة ومثالا لكل الأوروبيين الذين يعيشون
ظروفا
مختلفة لا تمت إلى المقاومة بصلة.
القدس العربي في
24/03/2010 |