تقع مدينة (Fameck)
في حوض "اللورين" شمال شرق فرنسا، بالقرب من الحدود
مع دوقية "اللوكسمبورغ"، ويبلغ تعداد سكانها حوالي 15.000
نسمة، وقد تكوّنت لتستقبل
عائلات العمال في الزمن المُزدهر لمصانع الحديد، والصلب
.
بدأت فكرة تأسيس "مهرجان
الفيلم العربيّ" عام 1990 عندما طرح المُؤسّسون على أنفسهم بعض الأسئلة:
كيف يمكن منح الشباب سبباً للبحث عن جذورهم، ومُبرراً للعائلات المُهاجرة
للارتباط بثقافاتهم، وبالمُقابل تعريف سكان "اللورين" الأصليين
بالبلاد التي جاؤوا
منها ؟
وقد انطلقت فكرة المهرجان من كون السينما هي الدعامة المُثلى، فهي
ترفيهية، وثقافية، كما تمتلك - بشكلٍ خاصّ- القدرة عل التوحيد،
والتجميع .
وتُظهر قائمة الأفلام التي عُرضت في الدورات السابقة تنوّع البرمجة من
الأفلام
القديمة، والحديثة، والتي عبرت حدود 12 بلداً.
بالإضافة للعروض الموسيقية،
المعارض الفنية، ورش الخطّ العربي، اللقاءات، والندوات التي جعلت من
"مهرجان الفيلم
العربيّ" في "فاميك" واحداً من أوائل المهرجانات المُخصّصة لسينما البلدان
العربية،
وأيضاً مدخلاً للثقافة، والحياة السياسية، الاجتماعية، التاريخية لهذه
البلدان،
وعلاقاتها مع فرنسا
.
ومع عشرة آلاف متفرج، يُعتبر المهرجان أداة فعّالة
لعمليتيّ الاندماج، والتأقلم، والمعرفة المُتبادلة ما بين المهاجرين،
والفرنسيين.
وبرنامج عام (2000) يتبع هذا التوّجه، إذّ أنه بالإضافة لأفلامٍ تُعرض
للمرة
الأولى في "فاميك"، يحتفي المهرجان بالسينما الجزائرية،
بالإضافة للندوات،
اللقاءات، العروض الغنائية، سهرات الرايّ، والمسرح،….
***
تلك كانت فقرةٌ مُترجمةٌ من موقع المهرجان، كتبتُها عام 2000 ضمن تحقيقٍ
تحت
عنوان "التنسيقية الأوروبيّة لمهرجانات السينما، أوروبا تعيش
على إيقاع مهرجاناتها
السينمائيّة، وبعضها يحتفي بالسينما العربيّة".
وقتذاك، لم أكتفِ بالترجمة
الحرفية للتعريف بالمهرجان، وبحاستي النقدية، وخبرتي المهرجاناتيّة،
استشعرتُ
أهدافاً أخرى خفيّة، وبعيدة عن الغايات المُعلنة، حيث أكملتُ تحقيقي يومها
:
جديرٌ بالذكر، أنه بدءاً من عام 1994 بدأت الأفلام الإيرانية تخترق برمجة
المهرجان، وتكرر ذلك في الأعوام اللاحقة، كما يُلاحظ اشتراك
إسرائيل في عام 1997،
وكردستان في عام 1998، والسنغال في عام 1999 ؟
ومع أنني من المُعجبين،
والمتحمّسين للسينما الإيرانيّة، والمُدافعين عن السينما الأفريقية، ورفض
تبعيّتها
للسينما الأوروبيّة، ومن الفضوليين لمُشاهدة السينما الإسرائيليّة، إلاّ
أنني لا
أخفي تساؤلاتي - وتحفظاتي - حول مُبررات تطوّر برمجة المهرجان،
واستقباله لأفلامٍ
لا علاقة لها بمهرجانٍ للسينما العربية، إلاّ إذا كان الغرض تحويله يوماً
ما إلى
مهرجانٍ لـ"سينمات الشرق الأوسط"، كما حدث منذ بداية الثمانينيّات مع
مهرجانات
السينمات المتوسطيّة ؟
***
في الدورة الـ 18 عام 2007 تحققت توقعاتي عن توجهات المهرجان (ويا ليتها لم
تتحقق), حيث أدرجت الإدارة الفيلم
الإسرائيليّ/الفرنسيّ/الأمريكيّ المُشترك "زيارة
الفرقة الموسيقية" لمُخرجه الإسرائيليّ " Eran Kolirin"
في مسابقة الأفلام العربية،
والأكثر استفزازاً، حصوله على جائزة الصحافة، هل تصدقوا ؟
وبمُراجعة الأفلام
المُتسابقة في تلك الدورة، نلاحظ مُشاركاتٍ لمخرجين يمتلكون قدراً كبيراً
من
المصداقية، ومنهم : عكاشة تويتا، عبد اللطيف كشيش، يوسف شاهين،
سلمى بكار، مهدي
شرف، نوري بوزيد،.....
وقتذاك، لم أسمع، ولم أقرأ احتجاجاً واحداً، أو حتى
تعليقاً من أحد، وكأنه أمرٌ طبيعيّ جداً بأن يُشارك فيلمٌ إسرائيليّ في
مسابقةٍ
مُخصصة أصلاً للسينما العربية.
وإذا كان السينمائيّون العرب، داخل الوطن العربي،
أو خارجه، والقائمون على المُؤسّسات السينمائية العربية متساهلين إلى هذه
الدرجة مع
هذا المهرجان، وأهدافه المُعلنة بوضوح (يكفي الإطلاع على موقع المهرجان،
وقراءة
مقدمات الملفات الصحفية، وكلمات الإدارة)، لماذا يكون الأفارقة
أكثر حرصاً على
القضية الفلسطينية من العرب أنفسهم، حيث نقرأ خبراً في موقع "الإتحاد
الأفريقيّ
للنقد السينمائي"، والذي يضمّ في عضويته ـ لمن لا يعرف ـ جمعيات نقاد
السينما في
مصر، المغرب، وتونس .
(من
المُتوقع بأن يُقدم المهرجان 29 فيلماً، منها أفلامٌ تُعرض قبل عرضها
التجاري الأول في فرنسا، وأخرى للمرة الأولى في المدينة،
وثالثة حصراً في المهرجان،
ومن هذه الأفلام:
"كسكسي
بالسمك" لعبد اللطيف كشيش، "فوضى" آخر فيلمٍ ليوسف
شاهين،....... "زيارة الفرقة الموسيقية" لإيران كوليرين....).
ألا تمنحُ هذه الفقرة انطباعاً لدى القارئ الناطق بالفرنسية بأنّ "إسرائيل"
ليست
دولة احتلال، ولا كياناً استعمارياً مُصطنعاً، ولكنها دولة عربية، وجزءٌ لا
يتجزأ
من الوطن العربي، وهاهي تُشارك بكلّ بساطةٍ في مهرجانٍ للسينما
العربية (فلماذا
تتقاتلوا معها ؟).
ومن خبرتي مع السينمائيين، ومندوبي المُؤسّسات السينمائية
الإسرائيلية الذين ألتقي بهم ـ عنوةً ـ في المهرجانات
السينمائية الدولية، أعرف
بأنّهم يسعون دائماً إلى تحقيق حلمهم الأكبر بعرض أفلامهم في المهرجانات
العربية.
وفي موقعٍ آخر خاصّ بالثقافات الأفريقية، نقرأ قائمة بنتائج لجنة
التحكيم، بدون أيّ أسئلةٍ، أو تساؤلاتٍ عن المُشاركة
الإسرائيلية.
ماذا تريد "إسرائيل"
أكثر من هذا الدعمّ، اللامبالاة، المُوافقة، السكوت، الطناش، أو التطنيش
؟
وهل تطمح القضية الفلسطينية نضالاً، مقاومة، احتجاجاً، استنكاراً، أو
مُعاتبة
أكثر جدية، وصلابة ؟
وفي موقع المهرجان نفسه، نعثرُ في افتتاحية أحد الملفات
الصحفية على الفقرة التالية التي تُعبّر هذه المرّة عن أهداف المهرجان،
وتوجهاته:
(يفتحُ
المهرجان شاشاته أمام أفلام من بلدانٍ أخرى، تجلب رؤاها الخاصّة عن
العالم العربي، والإسلامي، حيث ندعو أفلاماً من بلدانٍ "قريبة" للبلدان
العربية
لعرضها خارج المُسابقة الرسمية).
لم يتخيّر المُنظمون تيمة "متوسطية"، "شرق أوسطية"، أو"مشرقية"، ولا حتى
شعاراتٍ
من نوع :
من أجل التقارب، والتفاهم، والسلام بين الشعوب، وخاصة المُتحاربة
منها..
تيمة المهرجان بالتحديد، هي "السينما العربية، فما علاقة البلدان
العربية، وسينماتها بأفلامٍ قادمة من
إيران، إسرائيل، السنغال، أفغانستان،
وكردستان؟
هل هناك مهرجانٌ في الدنيا يتخصص بسينما بلدٍ محدد، ويعرض في برمجته
أفلاماً من بلدٍ آخر بحجة التقارب بين البلدين ؟
ما هذه النظرة، أو الرؤية التي
يقدمها فيلمٌ إسرائيليّ غير أنسنة الاحتلال، تشريعه، وتبييّض الجرائم
البشعة التي
ارتكبت/وتُرتكب بحقّ الفلسطينيين، و"جيرانهم" اللبنانيين، السوريين،
المصريين،
والعرب جميعاً منذ عام 1948 وحتى اليوم.
في الفقرة أعلاه، استخدمت إدارة
المهرجان كلمة "proche"، ووضعتها بين أقواس، ومن يعرف الحد الأدنى من اللغة
الفرنسية، يدرك بأنها تشير إلى معانٍ أكثر بكثير من المعنى الجغرافيّ:
في حالة
الاسم، هي تعني: مُجاور، القريب، قريب.
في حالة النعت، هي تعني: قريب، بالقرب،
على مقربةٍ من، أقرب، ذو قرابة، الأقرب.
وفي حالة الظرف، هي تعني:
قريب.
ويمكن أن تصل إلى حدّ الإشارة إلى صديقٍ مُقرّب، أو واحدٍ من أفراد عائلة
كبيرة،..
فأين "إسرائيل" من هذه المعاني الكبيرة، الجليلة، والإنسانية،..وهي ـ
مهما حصلت على صكوك البراءة من المُجتمع الدوليّ ـ ليست أقلّ، أو أكثر من
دولة
احتلالٍ مزروعة في الجسد العربي.
وإذا سلّمنا بقربها الجغرافيّ من سورية،
الأردن، مصر،....أين هي جغرافياً من السودان، تونس، ليبيا، المغرب،
الجزائر،
وموريتانيا..
بالمُقابل، "إيران" قريبة جغرافياً من العراق، سوريا، ودول الخليج،
ولكن، كم من المسافات تفصلها عن البلدان العربية الأخرى ؟.
وبالاعتماد على نفس
المنطق، لماذا لا يعرض المهرجان إذاً أفلاماً من تركيا القريبة فعلاً من
سورية،
والعراق، أو من إسبانيا المُجاورة فعلاً للمغرب، أو حتى من
إيطاليا القريبة فعلاً
من تونس، وليبيا.
وانطلاقاً من مفهوم الجيرة، والقرب، والبُعد، كان يتحتمّ على
المُنظمّين اختيار عنوان آخر لمهرجانهم مثل:
"مهرجان
سينمات الدول المُتجاورة/أو
المُتباعدة".
ومن ثمّ، ما هي القرابة الجغرافية للسنغال مع أيّ بلدٍ عربيّ(غير
موريتانيا)، وكما أعرف، لا يدعي العرب أيّ نزاعات معها.
وماذا يجمعنا مع "أفغانستان"
غير الدين الإسلاميّ، وكان الأحرى من المُنظمّين الاهتمام بالهند،
وباكستان، والعمل على تضميد الجراح الثخينة التي خلفها الاستعمار
البريطانيّ.
منطقٌ مهرجاناتيّ، سياسيّ، اجتماعيّ، مهنيّ، وأخلاقي لا يمكن فهمه،
إلاّ إذا كنا أغبياء فعلاً، وليس لدينا القدرة على إدراك
المُحاولات "النبيلة"
للسياسة الغربية لمساعدتنا، وإيجاد حلولٍ لقضايانا المصيرية، وهي نفسها
التي
أوجدتها عن طريق الاحتلال العسكري، الانتداب، الوصاية، والتدخل في شؤوننا
الداخلية،
والخارجية.
من جهةٍ أخرى، لماذا يؤكد المُنظمّون على عرض أفلام الدول
"المُجاورة" خارج المُسابقة الرسمية، ويحصل الفيلم الإسرائيليّ "زيارة
الفرقة
الموسيقية" على جائزة الصحافة، وتُزين هذه المعلومة كلّ أدبيات المهرجان
كإحدى
المراجع الهامة في تاريخه.
إذا كان الفيلم خارج المُسابقة، كيف حصل إذاً على
جائزة، هل تسابق لوحده ؟.
وبافتراض تلك الواقعة الخطيرة "غلطة" لم يُدركها
المُنظمّون في حينها، وجلبت لهم سوء الفهم، لماذا تعمّدوا
لاحقاً إشراك الفيلم
الفرنسيّ "أغنية العرائس" للمُخرجة الفرنسية "كارين ألبو" الذي يتوّجه
موضوعه في
نفس المنحى، وكمان، حصل بدوره على جائزة الصحافة، وكأنّ الصحافة الفرنسية
لا
يُعجبها إلاّ الأفلام الإسرائيلية، أو تلك التي تتمحور موضوعاتها حول
التقارب بين
العرب، واليهود، الإسرائيلييّن تحديداً.
صحيحٌ بأنّ منظمّي المهرجان أحرارٌ
تماماً باختيار التيمة التي يرغبونها: السينما العربية، أو سينما الواق
الواق،..
إلاّ أنني أتساءل هنا، مُتأخراً، وبمرارةٍ، كيف شاركَ / ويُشاركُ
المخرجون، والمُؤسّسات السينمائية العربية، الخاصة، والعامة في
هذا المهرجان
؟.
الجزيرة الوثائقية في
22/03/2010 |