يسير شخص ما متمهلاً باتجاه شاطئ البحر . نحن على مسافة بعيدة عنه . نراه
يقف أمام الشاطئ الخالي من الناس والأشياء ويتأمل البحر، البحر هادئ بلا
أمواج، يقف الشخص زمناً طويلاً مستمتعاً بالمنظر الساكن حيث لا شيء يحدث،
هذا مشهد قد يحدث في الواقع، يراه المراقب الغريب عن بعد للحظات ثم لا يعود
يعنيه فيشيح بنظره عنه .
ربما يحدث هذا المشهد أيضاً في فيلم ما، في هذه الحالة قد لا نتأمل المشهد
من بعيد، بل ستسعى الكاميرا لأن تجعلنا نقترب إلى حد الاندماج في المشهد
لدرجة الحلول محل الشخص في رؤية ما يراه: البحر الساكن الممتد بزرقته
الداكنة حتى خط الأفق، منظر البحر في الفيلم سكوني وزمنه طويل . المنظر
جميل يؤثر في المشاهد/ الممثل/ الشخص الموجود داخل الفيلم، ويبعث في نفسه
مشاعر رقيقة وقد يستدعي إلى ذهنه ذكريات حميمة، فلولا ذلك لما ضمّن المخرج
هذا المشهد في فيلمه .
الشخص المتفرج الموجود في صالة العرض، والذي سعت الكاميرا عندما بينت البحر
في لقطة عامة طويلة لأن تضعه موضع الممثل داخل الفيلم كما لو أن المنظر يرى
بعين المتفرج، لن يصبر طويلاً على مراقبة البحر وسيستعجل في قرارة نفسه
انتهاءه والانتقال إلى مشهد آخر متحرك يحصل فيه حدث ما . متفرج مثل هذا لن
يتعاطف مع جمال المنظر ولن يتأثر بالعاطفة المبثوثة فيه، ولن يدرك عمق
مضمونه ودلالته، وهو بالتالي سيحكم على المشهد بأنه بطيء، وسيحكم على
الفيلم بكامله إن سار على المنوال نفسه في عدد ما من مشاهده، بأنه بطيء
الإيقاع وممل .
هذا المتفرج الذي لم يحتمل الفترة الزمنية التي استغرقها مشهد البحر في
الفيلم قد يكون هو الشخص ذاته الذي، في المثال الواقعي السالف الذكر، مشى
متمهلاً باتجاه شاطئ البحر وحين بلغه توقف وظل يتأمله زمناً طويلاً ونفسه
تجيش بالعواطف .
هذا حال فيه الكثير من المفارقة: ما قد نقبله من إيقاع في الواقع قد نرفضه
في السينما .
الفيلم السينمائي بشكل عام هو نتاج تتابع صور متحركة، وهذا يعني أنه من حيث
المبدأ لا يوجد وضع في السينما في حالة سكون، ينطبق هذا حتى عندما يجري
تثبيت الصورة داخل العرض السينمائي، فالصورة الواحدة المثبتة لثانية من
الزمن والتي تتوقف فيها الحركة ظاهرياً مركبة من تتابع هذه الصورة ذاتها
لأربع وعشرين مرة، لكن هذه الخاصية السينمائية المميزة، أي مبدأ وجود
الحركة، ليست ما يهتم به الإنتاج العام للأفلام السينمائية، فالمهم هو
الحركة الخارجية المرتبطة بتنامي وتقلبات الأحداث والشخصيات المتصارعة
والتي تعرض ضمن إيقاع سريع .
هذه الحركة الخارجية هي ما حدد نوعية علاقة غالبية المتلقين بالفيلم
السينمائي والذين ما عادوا قادرين، بسبب ما تشكل لديهم من ذائقة سينمائية
تشكلت وفق مشاهدة أفلام الحركة والإثارة على أنواعها، على استقبال فيلم
الحركة فيه داخلية تتم بين عناصر جمالية ونفسية متبادلة، فيلم ينطلق من
الإيمان بالسينما كفن راق، وليس مجرد وسيلة ترفيه .
تطورت العلاقة مع السينما الروائية عبر تاريخها من خلال مصدرين لإنتاجها:
الأول هو صناعة السينما الأمريكية التي روجت لأفلام “الحركة” (الآكشن) .
والمصدر الثاني هو السينما الأوروبية، التي سعت لاستكشاف قدرات السينما كفن
راق .
استند السينمائيون الأوروبيون إلى ماض وتراث عريق بإنجازاته الأدبية
والفنية، في حين أن الأمريكيين بعامة كانوا بلا ماض، فهم مجرد أحفاد
مهاجرين من بلدان مختلفة وصلوا إلى أراض بكر واستعمروها وتصارعوا فيما
بينهم حولها، واحتاجوا إلى وقت طويل كي يتشكلوا كأمة، أمة بلا ماض .
يعرفنا الباحث السينمائي الفرنسي هنري آجيل في كتابه المترجم للعربية “علم
جمال السينما” إلى كاتب إيطالي ذي ثقافة فرنسية هو ريتينشيوتو كانودو والذي
“في العام 1911 أي في الوقت الذي كان الفيلم لا يزال فيه عملياً ونظرياً،
مجرد أداة ترفيه للطلاب الثانويين، أدرك كانودو أنه يمكن للسينما، بل ينبغي
عليها أن تكون أداة رائعة للشاعرية الجديدة” .
ويعقب هنري آجيل معتبراً أن كانودو، والذي كان له الفضل في إطلاق صفة الفن
السابع على السينما: “إذ يبدو متقدماً حتى على القسم الأعظم من متفرجي
زماننا، كان يرى الصدق الأسمى للسينما في التعبير عن داخل النفس وليس في
تقديم وقائع” . وكان يرى أن على صانع السينما أن يحول الواقع ليجعله على
صورة حلمه الداخلي: “عليه أن يتلاعب بالأضواء التي يتمنى التقاطها في سبيل
استثارة حالات روحانية داخلية وليس تصوير وقائع خارجية”.
الخليج الإماراتية في
20/03/2010
بمناسبة عيدها: أفلام الأم اختفت من السينما والتليفزيون
المنتج والمؤلف والمخرج متهمون بإهمالها
والجمهور
يعود لأعمال الزمن الماضي لمعايشتها
القاهرة - 'القدس العربي' - من محمد عاطف
يحل عيد الأم يوم 21
اذار/مارس الجاري وهي مناسبة تلتف حولها الأسر العربية كلها لتحتفل بست
الحبايب حسب
اسلوب كل أسرة.
وبهذه المناسبة اختفى الفيلم السينمائي الذي يستعرض قصص الأمهات
كما كان موجودا من قبل مثل أفلام:
'المرأة
المجهولة' بطولة شادية، 'إلا أمي'
بطولة أمينة رزق، 'بائعة الخبز' بطولة أمينة رزق وشادية، 'لا تسألني من
أنا' بطولة
شادية ومديحة يسري ويسرا، وغيرها من أفلام رسخت في قلوب الجمهور العربي
ويشاهدها من
وقت لآخر دون ملل أو رتابة.
لماذا لا تقدم السينما الآن هذا النوع من الأفلام في
ظل وجود تكنولوجيا متطورة وميزانيات ضخمة؟
تقول النجمة يسرا: أتمنى العثور على
عمل يجسد كفاح الأم ومسيرتها في العطاء لتخريج أجيال نافعة لوطنها، مثلما
قدمت من
قبل فيلم 'العاصفة' ونال إعجاب الجمهور.
أضافت: المشكلة في السيناريو الملائم،
وهو غير موجود حاليا ربما لأن المؤلفين يبحثون عن العمل المنتشر في هذا
الوقت لضمان
ترويجه.
أشارت الى ان دور الأم في الحياة يحتاج إلى أفلام ومسلسلات وسوف يقبل
عليها الجمهور في كل أنحاء الوطن العربي ودائما تتضمن تلك
الأعمال تفصيلات وأحداث
تجذب الأنظار وتحقق التشويق المستمر، ولذا أراها ناجحة إذا تم تنفيذها
بجدية وجودة
فنية.
تقول الفنانة كريمة مختار: عدم ظهور أفلام تروي مسيرة وعطاء الأم في
الحياة اعتبره إدانة شديدة للمنتجين أولا لأنهم أصحاب تحريك
الحياة السينمائية
والتليفزيونية وياتي بعدهم المخرجون والمؤلفون لأنهم يبحثون عن الأسهل في
الكتابة.
أضافت: يدهشني اتجاه الساحة الفنية الى مسلسلات السيرة الذاتية وعدم
اتجاهها لأعمال عن الأم مما جعل الجمهور يبحث عن الأفلام
القديمة التي اهتمت بها
وقدمت صور مختلف عن عطائها لأبنائها وأقاربها وجيرانها.
أشارت الى ان الجيل
الصاعد يحتاج الى هذه النوعية ليعلم دور أمه في حياة كل فرد منهم مما يجعله
يلتزم
معها أكثر.
تقول الفنانة نيللي كريم: أي فنانة تتمنى تقديم عمل عن عطاء الأم في
الحياة لأنها مادة ثرية جدا ويسعد بها المتفرج في أي مكان،
لتضمنها أحداث قريبة من
الواقع المعاش.
أضافت: بالتأكيد الكتاب لا يميلون الى هذه النوعية لأنها تحتاج
قدر اكبر من الجهد والسعي وراء وقائع حقيقية كي يألفها
المتفرج، ولذا قد يلجأ
المؤلف الى اعمال من خياله يسهل سيطرته على أحداثها ويحركها كما يريد،
بينما في
موضوع عن الأم لا يستطيع ذلك لوجود مبادىء وأساسيات لا بد من الالتزام بها
في
الكتابة عنها قد لا يحبها بعض الكتاب.
يرى المخرج محمد النقلي: أن أي مسلسل
درامي حاليا لا بد أن يتضمن دور مهم وأساسي للأم وليس شرطا أن يكون لأم
كبيرة السن،
بل الأم الشابة لها الحق في عرض حياتها ومشاكلها على الناس ليتعلموا منها
ويستفيدوا
في حياتهم.
أضاف: الدراما الآن متشعبة اكثر وتدخل في تفصيلات حياتية عديدة تجعل
لكل فرد من أفراد الأسرة والمجتمع دور مؤثر في العمل الفني،
وهذه طبيعة المسلسلات
الآن التي تسعى للتطوير واستخدام اتجاهات كثيرة قريبة من الواقع وتحدث
تأثيرا
ايجابيا في المتلقي.
القدس العربي في
20/03/2010 |