حصد «نبي» جاك أوديار أهم جوائز «الأوسكار الفرنسي»، مسلّطاً الضوء على
جيل جديد من الممثلين العرب في بلد موليير، على رأسهم طاهر رحيم. أما
إيزابيل عجاني، فتنال للمرة الخامسة جائزة أفضل ممثلة عن دورها في «عيد
التنورة»
نتائج حفلة جوائز «سيزار» (المرادف الفرنسي للأوسكار)، جاءت مطابقة لمعظم
التوقعات، إذ حصد «نبي» جاك أوديار تسع جوائز، منها الجوائز الرئيسية الخمس
(أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل ممثل، أفضل سيناريو، أفضل تصوير، أفضل
مونتاج). بينما توزعت الجوائز الأخرى بين ستة أفلام أساسية هي: «عيد
التنورة» (جائزة أفضل ممثلة لإيزابيل عجاني)، و«كوكو قبل شانيل» (أفضل
تصميم ملابس)، و«في الأصل» (أفضل ممثلة في دور ثانوي لإيمانويل دوفوس)،
و«الحفلة» (أفضل موسيقى)، و«كأس أخيرة للطريق» (أفضل ممثلة واعدة لميلاني
تيري)، «مادموزيل شامبون» (أفضل اقتباس). وعاد «سيزار أفضل فيلم أجنبي» إلى
الأميركي كلينت إيستوود، عن فيلمه
Gran Torino.
بينما نال المخرج ذو الأصل السوري رياض سطوف جائزة أفضل أول فيلم عن
باكورته
Les Beaux gosses،
التي مثّلت إحدى المفاجآت الأهم في تظاهرة «أسبوعي المخرجين» خلال «مهرجان
كان» الأخير.
وكان حصول فيلم
Les Beaux
gosses
على الـ«سيزار» مرجّحاً، لأن رياض سطوف، القادم من عالم القصص المصوّرة،
والمشهور برسومه في مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، قدّم في هذا
العمل السينمائي الأول قصة إنسانية رقيقة ومؤثرة عن مجموعة من الشباب
المراهقين، في المرحلة المفصلية والحساسة التي يغادرون فيها براءة الطفولة
ليكتشفوا أسرار الحب ومتعه الصغيرة. وقد استطاع هذا الفيلم الذي أُنجز
بميزانية متواضعة، أن يتصدّر شباك التذاكر الفرنسي، مطلع الخريف الماضي،
مستقطباً مليون مشاهد.
في نهاية المطاف، كانت المفاجأة الوحيدة في الدورة الـ35 من الـ«سيزار»،
خروج فيلم
Welcome لفيليب ليوريه خالي الوفاض، بعدما كان مرشحاً لعشر جوائز، وبعدما ساد
الاعتقاد طويلاً أن بطله فانسان ليندون سينال جائزة أفضل ممثل عن أدائه
الباهر في هذا العمل الذي يُعدّ من أبرز أفلام «سينما المواطنة» التي تصدّت
للسياسات الساركوزية خلال الموسم المنصرم.
لكنّ «أكاديمية الفنون والتقنيات السينمائية» التي تشرف على الـ«سيزار»
أحدثت المفاجأة، إذ منحت جائزة أفضل ممثل إلى طاهر رحيم عن دوره في «نبي»،
ليجمع بينها وبين جائزة أفضل ممثل واعد، في سابقة هي الأولى في تاريخ
الجائزة. فقد جرت العادة أن تُمنح أفضل ممثل إلى نجوم مكرّسين، بينما تكافئ
جائزة أفضل ممثل واعد فنانين ناشئين يخطون خطواتهم الأولى على الشاشة. وإذا
بالممثل الشاب، ذي الأصل الجزائري، يجمع بين الجائزتين، بحكم تألّقه في
بطولة «نبي» التي تمثّل أول ظهور له على الشاشة الكبيرة (راجع المقال
أدناه).
هناك جائزة أخرى ستبقى ماثلة في الأذهان، وهي جائزة أفضل ممثلة التي نالتها
النجمة ذات الأصل الجزائري إيزابيل عجاني عن دورها في «عيد التنورة». وهي
مكافأة لا تكرّس فقط عودة بطلة «كامي كلوديل» و«الملكة مارغو» إلى واجهة
السينما بعد عقد من الغياب، بل ستدخل سجل الـ«سيزار» كرقم قياسي، حيث تنال
هنا للمرّة الخامسة جائزة أفضل ممثلة.
وقد كان التأثر واضحاً على عجاني لحظة تسلّمها الجائزة، إذ قالت إنّها
فخورة بأن تكافأ على هذا الفيلم، مذكّرة بأن «عيد التنورة» مثّل مخاطرة
كبيرة، إذ لم يجد في البداية منتجين ولا موزعين يتبنّونه، بحكم خطابه
الصادم ونبرته النضالية في إدانة التضييقات الاجتماعية التي تعاني منها
النساء في الضواحي المأهولة بالمهاجرين في فرنسا.
وكان «عيد التنورة» قد اصطدم بـ«المكارثية الساركوزية»، حيث لم يجد موزّعاً
في فرنسا، وكاد مخرجه جان ـــــ بول ليلينفيلد يكتفي بعرضه تلفزيونياً على
قناة «آرتي» التي تولّت إنتاجه. لكنّ الحفاوة التي حظي بها في «مهرجان
برلين» 2009، فتح المجال على استحياء لطرحه في الصالات الفرنسية، وإذا
بنجاحه يتجاوز الإطار السينمائي، ليتحول إلى ظاهرة اجتماعية بارزة. فقد
تأسّست تباعاً، في مختلف المدن الفرنسية، نواد تحمل تسمية «عيد التنورة»،
وتعنى بالدفاع عن حقوق المرأة المهاجرة في مواجهة مختلف أشكال التصييقات،
سواء تعلّقت بالنظرة العنصرية التي تتعرض لها أحياناً من قبل المؤسسات
الرسمية الفرنسية، أو بالنزعة الذكورية التي قد تعاني منها في بيئتها
الأولى.
جائزة أفضل سيناريو مُنحت لعبد الرؤوف ظافري
عودة عجاني إلى الواجهة، وبروز رياض سطوف وجهاً سينمائياً جديداً يرشحه
النقاد لأن يسير على خطى مخرجين فرنسيين من ذوي الأصول العربية، كعبد
اللطيف قشيش ورشيد بوشارب، كانا كافيين للقول إنّ «عرب فرنسا» حققوا حضوراً
مميّزاً في الـ«سيزار» هذه السنة.
وجاءت المكافآت التي منحت إلى «نبي» لتجعل التألّق العربي السمة الأبرز
للموسم السينمائي الحالي في فرنسا. من بين الجوائز التسع التي حصدها «نبي»،
هناك جائزة أفضل سيناريو. وقد مُنحت لعبد الرؤوف ظافري الذي يعدّ من أبرز
كُتاب السيناريو الجدد في فرنسا. أما المكافأة المزدوجة التي منحت إلى طاهر
رحيم، فلا تسلّط الضوء عليه فقط، بل أيضاً على جيل جديد من الممثلين العرب
في فرنسا، وفي مقدّمهم رفاق رحيم الأربعة الذين اشتركوا في بطولة «نبي»
(عادل بن شريف، هشام يعقوبي، سليمان دازي، ورضا كاتب)، وقد لقّبتهم الصحف
الفرنسية بـ«شلّة أوديار» أو «صبية أوديار»،
Audiard Boys!
الأخبار اللبنانية في
01/03/2010
أحلام ممثّل شاب اسمه طاهر
عثمان تزغارت
حين يُحكم بالسجن ستة أشهر على مالك الجبانة، بطل شريط «نبي» لجاك أوديار،
يعتقد الجميع أنّ الفتى الذي لم يبلغ التاسعة عشرة بعد، سيكون فريسة سهلة
للمافيات التي تتقاسم النفوذ في السجن. فهو شاب خجول، لا يجيد القراءة ولا
الكتابة، وليس لديه أي سند بين المساجين. لكن غريزة البقاء سرعان ما تولّد
لديه عبقرية من نوع خاص تجعله يسحب البساط من تحت أرجل المافيا الكورسيكية
والجماعات الأصولية الإسلامية، ليبسط نفوذه على المساجين كافة، من دون
منازع. وإذا بالفتى الخجول يتحول إلى وحش كاسر، ويكشف عن كاريزما شريرة لم
يكن يتصوّرها أحد...
من أجل رصد تحول شخص مسحوق إلى وحش كاسر، بحث جاك أوديار عن ممثل مغمور،
ليسند له أوّل دور على الشاشة. وشاءت المصادفات، أن يلتقي بشاب اسمه طاهر
رحيم، خلال زيارة قام بها إلى موقع تصوير المسلسل التلفزيوني «الكومونة» (La
Commune). لم يأت أوديار بحثاً عن ممثلين، بل جاء لزيارة شريكه في كتابة
سيناريو «نبي»، عبد الرؤوف ظافري الذي أسندت إليه «كانال +» إخراج المسلسل
المذكور.
ما إن وقعت عينا أوديار على رحيم، حتى شعر بأنّه الشخص الذي كان يحلم به
لتقمّص شخصية مالك الجبانة في «نبي». كان رحيم قد حصل على دور صغير جداً في
مسلسل «الكومونة»، ولم يتصوّر أبداً أنّ تلك المشاركة المتواضعة ستشرّع
أمامه أبواب النجومية السينمائية الواسعة. لم يتصوّر أن يصبح بعد أشهر
معدودة، أول ممثل في تاريخ السينما الفرنسية يجمع ـــــ خلال موسم «سيزار»
واحد ـــــ بين جائزتي «أفضل ممثل» و«أفضل ممثل واعد».
أول ممثّل ينال جائزتي «سيزار» دفعة واحدة
على غرار الشخصية التي تقمّصها على الشاشة، لم يكن أحد يراهن خلال الدورة
الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي، على أن طاهر رحيم سيستقطب الأضواء إلى
هذا الحد. لكنّ أداءه المبهر في «نبي» جعل منه أبرز اكتشافات الموسم في
فرنسا. قبل دوره الذهبي، كان رحيم قد أدى دوراً ثانوياً لم يلفت الأنظار في
فيلم الرعب الفرنسي «في الداخل» (إخراج ألكسندر بوستيلو وجوليان موري ـــــ
2007). كما قدَّم، تحت إدارة المخرج الشاب سيريل مينوغن، خلال العام نفسه،
فيلماً بيوغرافياً زاوج بين التوثيق والخيال، حمل عنوان «أحلام طالب اسمه
طاهر». في ذلك الشريط، عبّر رحيم الذي كان آنذاك طالباً في «معهد السينما
في مونبلييه»، عن أحلامه بأن يصبح ممثلاً سينمائياً كبيراً.
وها هي أحلام الممثل الشاب، الذي ولد لأبوين جزائريين، عام 1981، في مدينة
بلفور (شمال فرنسا) تتحقّق. بعد أقلّ من عامين، قفز طاهر رحيم إلى مصاف
نجوم المرتبة الأولى في السينما الفرنسية... كلّ ذلك بفضل دور واحد فقط...
أدّاه بكثير من الكاريزما والتميّز.
الأخبار اللبنانية في
01/03/2010 |