لم يكن هَم صانعي فيلم "عايشين" وهم ينجحون بدخول قطاع غزة بعد أيام
من توقف الهجمات العسكرية الإسرائيلية مطلع عام 2009 تصوير فيلم تسجيلي وفق
سيناريو معد مسبقاً. بل كانت الأسابيع الثلاثة التي قضوها في القطاع
المنكوب وما نتج عنها من تصوير نحو 70 ساعة من مشاهد القطاع، الخارج توا من
الهجمات العسكرية، لصالح قناة الجزيرة – أطفال، تقتضي تجميع تلك الساعات
الفيلمية التي ضمت مشاهد مؤلمة من الخراب والغصة العالقة في صدور أهله
ليتسنى بعد ذلك الاشتغال عليها بهدوء وبانتقائية واضحة لصناعة مادة فنية
نجحت في جانبها التعبوي وربما تراجعت في الجانب التوثيقي المحايد.
من بين ما يلفت المشاهد للفيلم، الذي يطول لـ ساعة و24 دقيقة، فرقة
(درج) لموسيقى الراب وغناء فتيانها المتحررين الحانقين على الساسة،
ويحاولون بالموسيقى بلسمة جراح ما حولهم من خراب المساكن والعقول. هذه
الفرقة التي كان لحضورها الطاغي في الفيلم، أن استعار صانعوه اسم أحد
ألبوماتها "عايشين" ليكون عنوانا له.
فما يميز أعضاء فرقة "درج" أنهم يمارسون عملاً أو هواية غير مرحب بها
رسمياً، على الأقل، في قطاع غزة المحكوم إسلامياً، فهم بنظر معظم السكان
ليسوا سوى شباب يتقافزون مرددين، بشكل، سريع كلام غير مفهوم تقليداً للغرب،
بل ربما وصفهم أحدهم بأنهم يقدمون فناً تافهاً.
لكن جرأة هؤلاء الشباب لم تمكنهم من الرد عبر الأثير من خلال لقاء
إذاعي في راديو تابع لحماس وهم يستمعون لأراء الجمهور بهم سواء مراعاة
لقوانين المشرفين على القناة وعدم الانفعال أو الرد كما يجب. لكنهم سيعبرون
عما يجول بخاطرهم بحرية أمام عدسة مخرج فيلم "عايشين" السويسري نيكولا
فاديموف بأنهم شباب أحرار يعبرون بحرية عما يريدون من خلال فنهم الغربي
بلغة أهل غزة. لكنهم قد استبدلوا البندقية بالمايكرفون، وفق أحد مقاطع
أغنياتهم التي أطرت بداية ونهاية الفيلم.
عدسة الفيلم، الاحترافية تقنيا، منحته دفقة فنية رائعة مقارنة بما
ينتج من أفلام مماثلة يتخلط فيها الريبورتاج التلفزيوني بالفيلم السينمائي
الوثائقي.
كانت هذه العدسة تجول على مناطق مختارة من القطاع لتصوير ما تركه
القصف الإسرائيلي، بدءاً من مدينة ألعاب غزة (الملاهي) المدمرة بسبب القصف،
الفيلم سيركز على مشاهد عدة لها علاقة بالأطفال، ربما لأن الجهة المنتجة
مختصة ببرامج الأطفال. لكنه وقع، في عدد من مشاهده، في فخ التمثيل والخروج
من صدقية الفيلم التسجيلي بالرغم من أن الحوار الذي كان يتداوله من يقف أو
يجلس أمام الكاميرا بالإمكان الاستعاضة عنه بمشاهد يأتي الحوار فيها بدون
التلقين الذي كان واضحاً. فالسينما هي فن الإيحاء وليس المباشرة.
ويمكن للمشاهد المقارنة بين مشهد التزاحم على شباك المساعدات وصراخ
الرجال والنساء خلفه، وبين مشهد الجد مع حفيدته التي فقدت أمها والسيدة
التي تزور أم الرضيع في المستشفى، وله أن يلمس مدى التلقائية في مشهد
التزاحم وغيابها في مشهد الجد وحفيدته والمستشفى وحتى مدينة الألعاب الذي
بدأ به الفيلم وانتهى.
تنوع الخسارة لدى أهل القطاع تم اختيارها بذكاء؛ فصاحب حقل الزيتون
الذي يروي كيف كان والده يصاب بالحمى لو انكسر غصن زيتون فكيف لو شاهد حقله
وقد تم حرثه واختفت كل أشجاره التي تحتاج لصبر طويل كي تخضر وتثمر. معاناته
الموروثة كانت بادية على وجهه وهو يتأمل أبناءه وهم يستخرجون من الأرض
ماتبقى من جذور الزيتون المدمر، معلنا انسحابه، ربما من الحياة، وهو يوصيهم
بالأرض وإرث الزيتون؛ متمتماً أن هذه البلاد لم تعد تصلح للحياة.
فيلم "عايشين" الذي شهد أول عرض له قبل أيام في دولة قطر، وسيعرض في
مهرجان برلين السينمائي، يجتهد في تصوير رسائل الحياة من قطاع غزة بعيد
الحرب الأخيرة عليها وقد نجح في تسميته بـ "عايشين" ذات المدلولين
المتناقضين فهي دلالة على الاستسلام للواقع ومن جهة أخرى توحي بالإصرار على
الحياة أي سنعيش. من خلال ربط الحاضر بالمستقبل.
لكن نغمة اليأس كانت بادية في أحاديث ذوي المرضى المتجمعين أمام معبر
رفح لنقل المرضى لمصر حيث يسأل بعضهم الحراس الملتحين عن سبب قدوم سيارات
إسعاف تنتقي وفق أسماء معدة من ستنقله للجانب الآخر من المعبر، بالرغم من
فجائعية مرضاهم كالسرطان والعجز الكلوي.
لم يقدم الفيلم مابات معروفا للجميع من صور القادمة من غزة من صور
القتلى وثلاجات الموتى وصراخ الأطفال. بل قدم صور مغايرة من غزة تبين حجم
الدمار الهائل مع إصرار على الحياة من قبل الغزيين.
ثمة تناقض يظهره الفيلم بجلاء هو مشاهد الحيوانات، فالجمل المسمى
بسفينة الصحراء أصبح وجوده قبالة بحر غزة مألوفا على الناس لتكتمل قصة
القطاع السوريالية التي أصبحت وسيلة النقل فيها الحيوانات في القرن الواحد
والعشرين. وكذلك مشهد حديقة الحيوانات التي تحنط بعضها بعد أن طاله القصف،
وموجات الغضب التي تنتاب ما تبقى منها حد أكل بعضها بعضاً، خاصة القرود
المعروفة بالمرح أينما وجدت.
وهناك تناقض آخر يمكن التقاطه بوضوح بين شبان القطاع، المطوق حتى الآن
بالحصار والدمار وتناحر الساسة، في مشاهد طلاب المدرسة الذين يتساءلون عن
المستقبل؛ فيقول أحدهم انه أما أن يتخرج طبيبا أو مهندسا، وهذا مستبعد بسبب
إسرائيل، كما يؤكد. أو يتخرج استشهادياً وهو ما يرجحه مع رفاقه. وبين إقبال
فتيان فرقة "درج" للراب ومسحة الحرية البادية في أحاديثهم وموسيقاهم
وأشعارهم.
حديث الحرية القليل في الفيلم يقود لعبارات عميقة في حديث السيدة
المثقفة قبالة شاطيء غزة الجميل بلا رتوش المقبل على الحياة بعناد، فهي
تفسر مايجري في الأراضي الفلسطينية بأنه بسبب ضيق العقول "فرحنا بتمكننا من
الاستمتاع بمنظر البحر والوصول للشاطيء الذي كان ممنوعا بسبب وجود
المستوطنات، وحين كسبنا أرضا جديدة وكبرت مساحة القطاع مع أفق البحر ضاع
أفق التفكير من جهة أخرى. وهي عبارة كانت تصلح كنهاية لفيلم سينمائي وثائقي
يسجل بصدق الواقع المعاش أمام العدسة. ويفتح بوابة الأسئلة من قبل أهالي
القطاع عمن يتسبب، بالإضافة لإسرائيل، في مأساتهم.
إيلاف في
13/02/2010
ثقافات / سينما
مهرجان الفيلم الشرقي بجنيف يستضيف السينما
الخليجية في دورته الخامسة
نبيلة رزايق من الجزائر
كشف الطاهر حوشي المدير الفني للمهرجان الدولي للفيلم الشرقي في جنيف
للموقع الالكتروني "ايلاف" عن الخطوط العريضة للمهرجان الدولي للفيلم
الشرقي في جنيف و أن تاريخ الدورة الخامسة قد حدد خلال الفترة الممتدة من
19 إلى 28 آذار/ مارس 2010 بمشاركة عديد الأفلام الشرقية والغربية التي
تدخل في إطار صناعة الأفلام المبتكرة والحاملة للحداثة، بالتركيز هذا العام
على الإنتاج السينمائي في دول الخليج الذي لازال –حسب المنظمين- غير مستكشف
وغير معروف في سويسرا. وجائت هذه اللفة السينمائية بفضل التعاون الذي كان
بين إدارة مهرجان جنيف ومهرجان الفيلم الخليجي بالامارات.
عدد الأفلام المشاركة قرابة الـ 80 فلما وعلى الرغم من الجهود التي
بذلها المنظمون للمهرجان، لإضفاء قدر أكبر من التنويع على الأفلام المشاركة
في الدورة الخامسة، تبقى المشاركة المغاربية مسيطرة بحضور مكثف للسينما
المغربية والتونسية، وغياب رسمي للسينما الجزائر، عكس العام الماضي الذي
شهد مشاركة جزائرية قياسية واقتصرت هذه السنة على "قوليلي" الفيلم القصير
للمخرجة صابرينا دراوي والشريط الوثائقي" الصين ليست بعيدة" لمالك اسماعيل.
يتضمن المهرجان ككل سنة العديد من الفعاليات منها"مشرق بكل أطيافه"
"صوت أمريكا "و حيز لنظرة المرأة لمشاكل المجتمع والعالم من خلال فقرة تعكس
الأعمال السينمائية المنجزة من قبل مخرجات ومنتجات أفلام وذلك تحت عنوان
"نظرة نساء". في الوقت نفسه، يسعى المهرجان لتمكين الأطفال السويسريين من
التعرف على ثقافة المشرق بطريقة تختلف عما تروج له وسائل الإعلام، التي
عادة ما تعطي الأولوية في تغطيتها لأعمال العنف والأحداث المثيرة، وسيتم
ذلك من خلال عرض أفلام للأطفال وتنظيم جلسات حكواتي يحضرها الأطفال رفقة
أوليائهم وتسمى عذه الفعالية "أن سي فو فو".
ستتوزع عروض المهرجان الدولي للفيلم الشرقي في دورته الخامسة على
قاعات العرض في كل من جنيف ولوزان وفيرسوا وبرن، بل حتى في منطقة جيكس
الفرنسية المجاورة لجنيف وينظم مهرجان الفيلم الشرقي بدعم من وزارة الثقافة
لمدينة جنيف وعدة شركاء آخرين.
إيلاف في
13/02/2010 |