الدراما صراع.. والصراع، تقليديا، يكون بين قطبي الخير والشر.. وقد
شكل هذا أساس الدراما بكل مجالاتها وفي كل عصورها.. ولطالما انتصر الخير
على الشر.. لتأكيد وترسيخ قيم الحب والخير والجمال في المجتمع.. لذا يكون
التركيز (البطولة) دائما على الشخصية الإيجابية، التي تمثل الخير.. وفي
حالات نادرة تكون فيها الشخصية السلبية هي البطلة.. بشرط أن تتغير إيجابيا،
في النهاية، بتأثير الظروف الذاتية والموضوعية عليها.
والشخصية الدرامية وجهة نظر وموقف وسلوك.. تتضح كينونتها وتتكشف من
خلال الفعل، الذي هو جوهر الشخصية.. (المرء بما يفعل وليس بما يقول)..
وتشخيص السلبيات وانتقاد الذات غير كاف لبناء شخصية درامية فاعلة ومؤثرة!..
إذ عليها أن تفعل شيئا.. فالشخصية الدرامية الفاعلة هي التي تخطط وتقرر
وتؤدي الفعل.. وعادة ما يضع المؤلف أمام شخصيته الرئيسية هدفا تسعى
لتحقيقه.. ويحاول إعاقتها عن ذلك.. لخلق جو من التشويق والتصاعد الدرامي..
وحتى لو فشلت في مهمتها فإنها تفشل بسبب هدف آخر أو بتغيير معين على
أفكارها وقناعاتها، أو لأسباب أخرى يبتكرها المؤلف.. وقد تميزت الدراما
العراقية، منذ بدايتها، بتركيزها على الشخصيات الإيجابية في المجتمع.. حتى
ظهرت شخصيات شعبية.. ظلت عالقة دوما في أذهان الجمهور، لقربها منه
ولتعبيرها عن أصالته.. مثل الحاج راضي الحلاق، أبو فارس، عبود العربنجي..
إلخ.. لكن الحال تغير، منذ التسعينات، حيث عمد الكتاب إلى طرح وتناول
الشخصيات السلبية في المجتمع، دون إعطاء المعادل الدرامي لها، أي الشخصيات
الإيجابية.. فازدحمت الأعمال باللصوص والمجرمين والقتلة والخونة والمزورين
والمرضى النفسيين، وكأن الكتاب لا يرون ولا يجدون في هذا المجتمع أناسا
أسوياء، خيرين.. يستحقون الاهتمام والتناول!.. فظهرت مسلسلات مثل «ذئاب
الليل»، و«عالم الست وهيبة»، وغيرهما... وبعد انحسار موجة مسلسلات الدمار
والعنف، التي ظهرت بعد 2003.. عاد الكتاب إلى تناول الماضي، وحتى من ذلك
الماضي لم يقدموا نموذجا إيجابيا يذكر.. ومسلسل «الدهانة»، الذي عرض أخيرا،
والذي تدور أحداثه في الستينات وبداية السبعينات، مثال واضح لاعتماد البطل
السلبي والفبركة غير المتقنة، فقد اختار نموذجا سلبيا للمثقف العراقي من
خلال شخصية المدرس وجيه.. تلك الشخصية الهزيلة دراميا واجتماعيا.. التي
ظهرت واختفت دون أن تغير أو تؤثر في الأحداث.. فالبطل، وجيه، لم يكن في
صراع مع أحد ولا حتى مع نفسه.. وليس لديه هدف يسعى إليه.. فقد حسم موضوع
ثأر أبيه، قبل مجيئه إلى العاصمة، بعدم تنفيذه، لأنه ضد فكرة الثأر.. فما
هي مهمته، وما هو هدفه إذن؟ لا شيء سوى إقامة علاقات جديدة وانتظار
القدر!.. فلو جاء بمهمة لا يمكن حسمها أو التراجع عنها بسهولة.. ووضعه
المؤلف بين مطرقة أفكاره الحديثة وسندان تربيته العشائرية، وبتأثير المحلة
وناسها عليه، سيغير رأيه ويعدل عن التنفيذ.. عندها سيكون شخصية أكثر حيوية،
تؤثر وتتأثر.. وتحرك الأحداث بانسيابية مقنعة! حتى المحلة (البيئة).. لم
يكن لها دور درامي فاعل.. فكانت مجرد مكان يستوعب الحدث، فمحلة الدهانة
وناسها لم يؤثروا على وجيه ولم يغيروه.. فقد جاء وعاش ومات بينهم بالأفكار
نفسها والتوجهات والقناعات.. تغير نمط حياته فقط، بسبب تبديل المكان!.. وهو
أيضا لم يؤثر على المحلة، لأنه لم يقدم لها أي شيء يغير من معالمها أو
علاقاتها أو مستقبلها!.. وهكذا شخصية، لا تغيّر ولا تتغير، شخصية فاشلة
دراميا! لقد قدم نموذجا للبطل السلبي بشخصية ذلك المثقف المهزوم ذاتيا..
وكان نجاحه وهميا في العاصمة، لأن سلبيته اتضحت وتأكدت بعد عدة حلقات، فقد
أوهم المؤلف مشاهديه بأن ذلك المدرس القادم من أرياف الجنوب يحمل سرا
كبيرا.. وعلى مدى اثنتي عشرة حلقة لم تتم الإشارة إلى ذلك السر.. ثم ذكر
بجملة عابرة قالها ضابط الشرطة «إن المدرس جاء إلى العاصمة ليثأر لأبيه»!..
فتضاءلت شخصية البطل، رغم أنه ضد فكرة الثأر.. وفقد تعاطف المشاهد بعدها،
حين اتضحت شخصيته الفارغة، الاتكالية، المليئة بالنذالة (كما اعترف هو)،
فعاش على هامش المجتمع والحياة.. ولم يفعل شيئا إيجابيا لا للمحلة ولا
للناس الذين عرفهم وأحبوه.. ولا لنفسه.. يقضي أيامه متنقلا بين بيته
والمقهى، أو بين بيت زوجته الثرية والملهى (الكباريه) في انتظار مشكلة ما،
تقع له.. أو يورط نفسه بها.. ثم ضابط الشرطة ليلاحقه! ولم تجر أحداث
المسلسل حسب السياق المنطقي، بل حسب فبركة غير متقنة للمؤلف.. فقد أجل ضابط
الشرطة اعتقال وجيه بعد إخفائه للمتهم مراد.. قائلا له «سأدعك تفكر!» (لم
نسمع أن الشرطة تترك المشتبه به طليقا، يفكر، لأكثر من شهر!!).. ذلك لأن
المؤلف أراد أن يفسح المجال لوجيه لتقوية علاقاته العاطفية مع ابنة الجيران
وصال والمدرسة ميسون، التي أحبته من طرف واحد وظل يراوغها ويسوف معها..
فبدا مخادعا بلا مصداقية في علاقاته مع النساء.. وهذا يناقض أصوله الريفية
وادعاءه الثقافة والمبدئية.. ووضع المؤلف في طريقه امرأة ثالثة، أرملة
غنية، تشير كل التوقعات إلى أنه سيرتبط بها في النهاية!.. ولم يقرر الضابط
اعتقاله إلا في ليلة خطوبته لوصال، بحركة ميلودرامية مفتعلة.. وكذلك لم تلق
الشرطة القبض على ابن عمه، رويّض، الذي يشاركه السكن، ولم تحقق معه.. بعد
مقتل محيسن، خصمهم، وهو ما يحصل عادة حين وقوع جريمة، حيث يتم التحقيق مع
كل من له صلة بالموضوع.. إلا أن الشرطة تجاهلت رويض، تماما، ولمدة عشر
سنوات.. لفسح المجال أمام ذلك القروي ليصبح تاجرا بطريقة غامضة، مشكوك بها.
وكان المفروض أن ينتهي المسلسل عند المنتصف.. أي بعد خروج وجيه من
السجن، عندما احتار المؤلف ماذا سيفعل ببطله.. فهداه إلى تأليف كتاب، ملأ
به عدة حلقات، ضائعة، ليكتشف في النهاية أن ما كتبه هو استنساخ لأفكار
الآخرين.. ولنكتشف حقيقة جديدة عن وجيه، هي أنه إنسان فارغ فكريا، بلا أساس
مبدئي يقف عليه.. ولم تستطع ثقافته، الادعائية، ولا القيم العشائرية أن
تبلور شخصيته إيجابيا.. فنحن إذن أمام شخصية غير مؤثرة اجتماعيا أو فكريا..
ولا أهمية لها، فعليا أو دراميا.. ولو حذفنا تلك الشخصية من العمل فسوف
تكون النتيجة كما يلي: تستمر الحياة في المحلة بهدوئها وبساطتها.. مراد
سيختبئ في دار أخرى ثم يهرب.. وصال ستصطاد، من شباكها، شخصا آخر وتتزوج
الشيخ.. البرجوازية ميسون، ستجد صديقا في النوادي التي ترتادها وتهاجر
وتتزوج.. المدير والمدرسون سيذهبون إلى المدرسة والملهى بالأداء نفسه..
المرأة الغنية تستطيع أن تشتري زوجا آخر، كما فعلت مع وجيه.. إذن ليس لوجيه
أي تأثير على المحلة وساكنيها.. إلا أن المؤلف زجه فيها وأحاطه بالاهتمام
والتبجيل دون أن يفعل شيئا يستحق من أجله كل هذا الحب والاهتمام.. بل على
العكس فقد ظهر، مهزوز الإرادة، دون مواقف ثابتة أو واضحة.. يخذل أصدقاءه
ويتخلى عنهم بسهولة.. فقد رفض، في البداية، الإفصاح عن مكان زميله مراد..
ثم اعترف بذلك لاحقا، بدعوى أنه لا يكذب.. وأنه ابن أرياف، ورغم ذلك ارتضى
لنفسه أن يعيش عالة على زوجته ولسنوات طويلة دون إحساس أو وازع!.. ولم تكن
علاقته بالنساء حقيقية نابعة عن حب واحترام، بل عن مصلحة وانتهازية،
ومزاجية.. فقصة الحب بينه وبين وصال قصة هزيلة بلا عمق ولا تقدير من
الطرفين.. فهي تزوجت من الشيخ، بادعاء وتبرير غريب، هو إعطاء درس لأخيها!..
ونسيت وجيه بسرعة، وكانت مستعدة أن تبقى مع زوجها لولا وفاته، التي دفعتها
لأن تعود إلى وجيه.. فهو الاحتياطي الموجود أمامها! أما هو فلم يتأثر ولم
يتغير بزواجها من شخص آخر.. بل حين رفضه أخوها.. وجدناه في المشهد التالي
يقف عند باب المرأة الغنية يطلب يدها! كأن شيئا لم يكن بينه وبين وصال..
ولم يقطع الحبل مع ميسون، التي لاحقته، حتى بعد زواجها، لمجرد أنه رفضها!..
والمرأة الغنية مديحة، رغم أنها من طبقة أخرى وبيئة مختلفة، إلا أنها
استغلت ظروف سجنه لتثقله بأفضالها إلى النهاية.. فكافأها بالزواج!! ثم
سافرت وتركته يعبث بحياتها وأموالها.. حيث عاد إلى وصال ليتزوجها بأموال
زوجته مديحة.. ولا ندري من أين اشترى ذلك البيت! وكانت محاولات المؤلف
وتبريراته غير مقنعة.. أولا، حين أراد لبطله أن يكون ضحية، لكنه خسر اللقب
بجدارة بعد أن اتضحت شخصيته السلبية.. المليئة بالأنانية والنرجسية.. وجعل
الشخصيات كلها تعجب به وتقع في هواه.. لأنها كانت تنظر إليه بعين المؤلف
ونظرته.. وليس بعينها ونظرتها المستقلة.
ثانيا، حاول إنصاف أهل الريف فجعلهم مثقفين.. لكنهم ظهروا متناقضين
وغير فاعلين، مثل وجيه وجاسم.. أو أشرار، ضائعين، مثل رويض ومحيسن.. وهم
يدّعون الثقافة ولم يكن للثقافة أي تأثير على حياتهم، لا في الريف ولا في
العاصمة.. ففشلت محاولته في هذا أيضا. ثالثا، حاول إضفاء مسحة سياسية على
العمل، بحوارات سياسية مطولة.. وجمل مقحمة على كل المشاهد تقريبا، مثل «هل
أنت شيوعي؟»، «يبدو أنك شيوعي»، «تتكلم مثل الشيوعي».. إلخ.. لتأكيد تلك
المسحة، وجعل البطل مستقلا، والآخرين منتمين.. لكي يفسح له المجال
لانتقادهم والتقليل من شأنهم.. ولا مجال لديهم للرد عليه ومحاججته لأنه
مستقل (بلا آيديولوجيا)! فبدا الأمر كأنه طعن أو تشف بهؤلاء..
إذا أراد المؤلف أن يطرح نموذجا معينا، فعليه ألا يتحيز له أو يكون
ضده.. بل أن يخلق شخصية أخرى - للمواجهة - تكون مناقضة، ومعادلة لذلك
النموذج.. وإلا تحولت الدراما إلى منبر للصراعات الشخصية! وقد بدا واضحا أن
شخصياته جميعها سلبية، لا تتغير ولا تتطور، فبعد وجيه، مراد المتهم بقتل
الراقصة هربه إلى إيران ليعود بعد عشر سنوات ويمارس أسلوب حياته السابقة
نفسه، دون أي تأثير لتجربته في الغربة.. جاسم، الريفي المثقف، هجر أرضه
وأصبح عاطلا لينضم إلى شلة المدير والمدرسين الذين ظلوا على الهامش، مجرد
حلقات وصل بين وجيه والمشاهد.. أما أكثر الشخصيات سلبية في هذا العمل فهم
النساء.. لقد ظهرن بلا شخصية ولا رأي ولا موقف، متهافتات على وجيه.. وكأن
العاصمة ليس فيها رجال أسوياء (وهو لم يكن كذلك إلا في نظر المؤلف
وشخصياته).. فهذه وصال عاطلة ومستسلمة، تقضي أيامها أمام الشباك تتصيد
الأخبار وتلقي بشباكها على من يعجبها من المارة.. فأوقعت الجار الجديد وجيه
بحبالها.. ثم تزوجت الشيخ دون إحساس أو معاناة.. وحركة التمرد البائسة التي
قامت بها بهروبها إلى بيت صديقتها جاءت مفتعلة ولا تناسبها، فقط ليظهر لنا
أنها فعلت شيئا ما! والدليل أنها تراجعت عنها واستسلمت بسرعة.. وبدا أنها
تبحث عن منقذ لها من كسلها وسلبيتها أكثر من بحثها عن إنسان تحبه، ولو سكن
أمامها شخص آخر لفعلت الشيء نفسه!.. وميسون البرجوازية، رغم أنها عملت
مدرسة وسيدة أعمال، وهاجرت إلى لندن وتزوجت من طبيب لا تحبه وأصبحت أما،
فإن ذلك لم يؤثر على شخصيتها، وظلت على عجرفتها وأنانيتها، وبالأفكار
والأخلاقيات نفسها!.. أما المرأة الثرية، مديحة، التي تزوجها وجيه، فكانت
أكثرهن سلبية.. فقد ارتضت لنفسها الارتباط برجل عاش عالة عليها لسنوات، دون
أن تستنكر ذلك أو تشجعه وتحفزه على العمل.. وحتى عندما تزوج عليها في
غيابها وبأموالها، كان رد فعلها مؤسفا للمرأة وللإنسانة.. فقد تقبلت ذلك
باستسلام مقيت، بحجة أنها أكبر منه.. رغم أنها تمسك بزمام الأمور، وبيدها
من الأسباب الكثير لكي تضعه أمام خيارين لا ثالث لهما.. إما أن يبقى معها
ويعمل، أو تتركه نهائيا.. فيخلق عند ذاك أزمة درامية لبطله!.. إلا أن
المؤلف أكد لنا، بطرحه لتلك الشخصيات النسائية السلبية، نظرته ونظرة
المجتمع للمرأة وحكمه عليها.. وأكد أيضا أن شخصياته لا تتغير ولا تتأثر
بشيء.. ما عدا، مهزلة العمل الكبرى وهي حكاية تغيير وصال للشيخ المتدين..
ادعت وصال أنها غيرت الشيخ وسجل هذا الإنجاز لها.. دون أن تفعل شيئا على
الإطلاق.. والسؤال: كيف تغير إنسانا وهي عاجزة عن تغيير نفسها ووضعها؟..
لقد تمت عملية تغيير الشيخ بمشهدين فقط !.. الأول، عندما أخبرت وصال الشيخ
أنها ستبقى معه، بعد أن اكتشفت عجزه الجنسي، ووعدها هو بالطلاق بعد أشهر
(لا ندري لماذا تزوج أصلا، إذا كان يعرف أنه عاجز ويخاف من الفضيحة؟) وقالت
له جملة واحدة تعليقا على تطرفه «إن ربنا لم يقل هكذا»! بعدها ظهر في
المشهد التالي يعلن لأخيها أنه أصبح يؤمن بالأفكار الوجودية وعبثية الحياة!
وهذا غير ممكن مع شخص مثل ذلك الشيخ.. أولا، لأنه متطرف بأفكاره، متزمت
بسلوكه، منعزل، متعصب، مما يعني أن ما يعتقد به مترسخ ومتجذر في نفسه
وعقله، وهذا من الصعب زحزحته!.. ثانيا، أن الإنسان الكبير في السن لا يمكن
تغييره بسهولة، وقد تكون المهمة معه مستحيلة!.. ثالثا، وهو المهم، أن عملية
التغيير، أي تغيير، تحتاج إلى وسائل إقناع وأدوات تأثير وجو مهيأ اجتماعيا
ونفسيا.. وهذا لم يتوافر في حالة الشيخ.. فهل من المعقول أن تغيره فتاة
بسيطة بجملة واحدة؟!.. وأخوها، أمجد، تغير، بعد تغيير شيخه، تلقائيا
وبطريقة العدوى، قيل بسبب صدمته بذلك التغيير المفاجئ للشيخ!! وقد تخلص
المؤلف من شخصياته بطريقة ميلودرامية، مكسيكية هندية.. الرسام اختفى فجأة،
بعد أن حاول الانتحار، ثم قيل إنه أصبح فنانا مشهورا في روما!.. أبو ميسون
مات فجأة بنوبة، وهو يحمل سر مقتل الراقصة!.. صاحبة الملهى، أم مراد،
انتحرت! ومراد أيضا انتحر أو مات بطريقة غامضة.. وكذلك محيسن!.. أم وصال
أصبحت مرحومة دون أن نعرف كيف ومتى!.. الشيخ مخلص، قتله شر قتلة، بأن جعل
امرأته المجنونة تخنقه ثم تحرق البيت عليهما معا.. وجيه، هو الآخر، قتل
غدرا.
وهكذا بدأ المسلسل شاملا، واسعا، ثم بدأت الخطوط تتضاءل وتضيق، ليتم
التركيز على البطل السلبي، الأوحد.. ويتحول إلى عمل بوليسي، يبحث فيه كل
واحد عن قاتل أو متهم! لكن أغرب ما في هذا المسلسل هو أن البطل يعترف
بسلبياته ويعلنها.. والآخرين يتجاهلون ذلك ويعظمونه!! أما الملاحظات التي
فاتت القائمين على هذا المسلسل أو تم تجاهلها فهي كثيرة منها:
* تكتب أسماء المدارس، في العراق هكذا.. مدرسة النجاح الثانوية أو
المتوسطة أو الابتدائية للبنين.. إلخ.. أما المدرسة في المسلسل فكان اسمها،
مدرسة النجاح للبنين، فقط !.. والمدرسة بها صف واحد، والمدرسون أحدهم هرب
متهما، والآخر حاول شنق نفسه واختفى بعدها، والثالث، وجيه، اعتقل، والرابع
ذهب إلى الشمال ليقاتل، وميسون استقالت وهاجرت.. ولم يبق في المدرسة سوى
المدير ومدرسة واحدة.. ومع ذلك لم تبادر الإدارة أو الوزارة بإيجاد بدلاء
لهؤلاء المدرسين المفقودين، ولعدة سنين!
* جريدة الحزب الشيوعي العراقي في تلك الفترة 1958 - 1963.. كان اسمها
«اتحاد الشعب» وليس «طريق الشعب»!
* المرأة المجنونة التي تطلق ضحكات هيستيرية في الغرفة العليا في بيت
الشيخ مأخوذة، دون تصرف، من رواية شارلوت برونتي جين آير! وكذلك شخصية
ميسون تذكّر بسكارليت وملاحقتها لآشلي في ذهب مع الريح!
* فتاة مثل وصال، شبه متعلمة، منعزلة، سطحية، لم تخرج إلى الحياة
العامة أو تذهب إلى السينما، أو تسمع الراديو، أو تقرأ الكتب والصحف لتكتمل
أدواتها المعرفية وتتنوع، فمن أين تعرفت على فن فريد الأطرش واقتنت
اسطواناته؟.. كان التناقض واضحا! وبعض أغاني فريد قدمت قبل أوانها، مثل
«أنا وانت ولا حد تالتنا»، التي غناها في فيلم «الخروج من الجنة» عام
1967.. قدمها المسلسل عام 1961!.. وكذلك صور فريد التي علقت في بداية
الستينات، كانت من آخر أفلامه في منتصف السبعينات!.. لكن يبقى جهد المخرج
علي أبو سيف وحركة كاميرته الذكية وكوادره الجميلة وإنارته الفنية، وكذلك
الحضور المتميز لغالبية الممثلين، خصوصا المخضرمين منهم، العوامل الأساسية
في جذب المشاهد للمتابعة والاهتمام!
الشرق الأوسط في
12/02/2010 |