يجبرنا المخرج الأميركي أوليفر ستون مع كل جديد له على الحديث في
السياسة أكثر من السينما، لا بل إنه لا يتوانى عن وضع الكاميرا في عش
دبابير إن صح
الوصف، إذ سرعان ما يعلو الطنين ويفكر المرء بكم من اللدغات سينال «ستون»،
لكنه
سرعان ما تكون هذه اللدغات دافعاً للبحث عن عش جديد، أو
ترياقاً له أن يحميه ويعده
بما سيكون أعلى طنيناً وأكثر لدغاً.
لن يكون سؤالنا عمن يلدغ من؟، سؤالاً
على قدر من الحكمة بشيء، ولعل الإجابة ستكون بديهية لدى القارئ
المتابع لأفلام هذا
المخرج الإشكالي، ولن يخيب الظن أبداً طالما أنه مستعد للإيمان بنظرية
المؤامرة إن
لم تتوافر له وقائع واضحة المعالم كما هو الحال مع فيلمه «جاي أف كاي» 1991
حين لم
يجد إلا نظرية المؤامرة مخرجاً له مع تداخل ملابسات اغتيال كينيدي وتناوب
ما يخفى
ويتعقد على مبحثه السينمائي في ما أحيط به مقتل ذلك الرئيس،
الأمر الذي ما كان كذلك
مع «نيكسون» 1995 ،حيث الإدانة واضحة وعلى الرئيس نيكسون أو أنتوني هوبكنز
الذي جسد
شخصيته أن يأكل شرائح اللحم والدم يقطر منها كون الطائرات الأميركية تقصف
بوحشية
القرى الفيتنامية.
جديد ستون وثائقي هذه المرة ويحمل عنوان
South of the border (جنوب الحدود)، وليس له إلا أن يستوقفنا طويلاً
لأسباب عدة، لها أن تكون
بداية متعلقة بسؤال صاحب هذه السطور أوليفر ستون في الدورة الرابعة من
مهرجان دبي
السينمائي عن حقيقة كونه يعمل على تصوير فيلم عن الرئيس الفنزويلي هوغو
تشافيز،
ونفيه حينها نفياً قاطعاً ذلك، وإصراره على تكذيب الخبر الذي
نشرته صحيفة «الغارديان»
اللندنية، وليتضح مع ظهور هذا الفيلم أن الأمر لم يكن إلا تكذيباً لما
هو صحيح، كون هذا الفيلم عن تشافيز حقيقة وقد عرض للمرة الأولى
في الدورة الأخيرة
من مهرجان البندقية السينمائي وبحضور الرئيس الفنزويلي.
وقبل هذا الفيلم جرى
الحديث وفي أخبار تناقلتها وسائل الإعلام حول العالم عن عزم ستون القيام
بتصوير
فيلم عن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، لكن سرعان ما جوبه برفض كبير من
قبل
نجاد وعلى شيء من الهجوم على كل ما له صلة بالسينما الأميركية
التي وصفت بالفاسدة
على لسان ناطق باسم الرئيس الإيراني.
فيلم تشافيز كتبت له الحياة، ولعل
إيرادنا محاولة ستون تصوير فيلم عن نجاد ستضعنا أمام حقيقة أن
صاحب «بلاتون» كان
بصدد البحث عمن يوصفون بأعداء أميركا أو السياسة الأميركية في تحرٍ أكبر
للدقة،
وليأتي ذلك بعد فيلمه الأخير «دبليو» الذي قدم من خلاله سيرة ذاتية للرئيس
الأسبق
جورج دبليو بوش الذي امتلك كماًهائلاً من اللعنات مع اصراره
على مقاربتها بوصفها
شكلاً من أشكال المباركة، متسلحاً بالسذاجة التي كانت نقطة ارتكاز الفيلم
الرئيسة
في تقديمه لشخصية بوش (جوش برولين) والتي لها أن تكون بشكل أو آخر بمثابة
صك براءة
أيضاً لما حمله هذا الرئيس من كوارث للإنسانية، ما دمنا في
النهاية سنقع على تبني
الفيلم لحقيقة مفادها أن الإدارة الأميركية المحيطة به هي من كان يدير كل
شيء،
وتحديداً الحرب على العراق، وأن بوش كان فاقداً تماماً لصنع القرار، لا بل
إنه لا
يحتكم على أدنى قدر من القيادة، بحيث أننا سنراه يعاني من
خديعة من حوله، مثلما هو
الأمر مع قضية الأسلحة البيولوجية أو النووية التي لم يعثر على أدنى أثر
لها في
العراق.
لكن يبقى فيلم «دبليو» توضيحاً عميقاً لإمكانات الحلم الأميركي الذي
يعبد الطريق أمام رجل مثل بوش إلى البيت الأبيض، هذا على الأقل ما يقوله
الفيلم
ومعه عقدة الأب التي تهيمن على جورج الابن.
في «جنوب الحدود» يدخل ستون ما
يسمى بحديقة الولايات المتحدة الخلفية، ويلقي نظرة فاحصة على
الرئيس الفنزويلي هوغو
تشافيز ما يمثله بالنسبة لأميركا، وما يؤمن به تشافيز شخصياً، ما حققه وما
يطمح
إليه من ثورته البوليفارية، مستعيناً في سيناريو الفيلم بالمفكر والكاتب
البريطاني
طارق علي رئيس تحرير مجلة «اليسار الجديد» العريقة وصاحب المؤلفات الكثيرة
عن
«الكولونيالية
وما بعدها» والحاضر دائماً في الفعاليات والأنشطة المناوئة للسياسات
الأميركية والاسرائيلية.
لكن ستون لن يكتفي بتشافيز وحده، سيتفقد أفكار من
يلتقون معه، والمقصود هنا الرؤساء اليساريون في أميركا اللاتينية الذين
تولوا حكم
بلدانهم في فترات متقاربة، وعلى شيء من استعادة اليسار دوره
الرئيس في تلك القارة
وعبر صناديق الاقتراع، وفي مسعى مشترك بينهم لإيجاد استقلالية تبعدهم عن
تحكم
الولايات المتحدة باقتصادات وثروات بلدانهم.
يسعى الفيلم إلى تقديم تشافيز
بوصفه زعيماً وطنياً، وعلى خلاف صورة الإعلام الأميركي له
بوصفه «أكثر خطورة على
الولايات المتحدة مما كان عليه فيديل كاسترو»، أو أنه «أخطر من بن لادن
ويقدم دعوة
مفتوحة للقاعدة وحماس إلى كاراكاس» كما يرد في الفيلم، أو كما تصفه وزيرة
الخارجية
السابقة كوندليزا رايس بـ«قـوة سلبيـة في المنطقة». تعقب ستون
لمسعى تشافيز إلى «تغيير
مسار التاريخ» يقوده إلى رؤساء كل من البرازيل والأرجنتين والأكوادور
وبوليفيا وصولاً إلى راول كاسترو وهو يرفض أن يكون عراب هذا
التوجه الوطني التحرري
اليساري، مؤكداً أن لكل من هؤلاء الرؤساء توجهه وأفكاره الجديدة.
إنهم
متفقون بأنهم ليسوا في مسعى لمواجهة أميركا، بل يناضلون من أجل أن تكون
المصالح
متساوية، وأن يكون رئيس كل بلد من أبناء الشعب، كأن يكون ايفو موراليس أول
رئيس
بهيئة بوليفية تشبه سكان بلاده الأصليين. تشافيز في هذا الفيلم
زعيم وطني منتخب
يقول «لقد انتخبتم حكومة ليست بحكومة تشافيز بل حكومة تشافيز هي الشعب»،
وهو مسكون
بالتفاؤل والإيمان والأمل.
فيلم ستون سيلتقي في مقاربته تشافيز مع سينمائيين
أميركيين زاروا هذا الرئيس وأبدوا تأيدهم لهم وإعجابهم الشديد بسياساته،
مثل شون
بين وكيفين سبيسي وداني كلوفي وآخرين.
الإمارات اليوم في
08/02/2010
فيلم عن قصّة حب غير معلن
«الرجل
الآخر» فـي حياة امرأة متـزوّجة
زياد عبدالله – دبي
لا، ليست الخيانة الزوجية ما يجد فيلم
The Other Man (الرجل الآخر)،
والذي عُرض الأسبوع الماضي في صالات العرض المحلية، مساحة فقط
لأحداثه، بل يتخطى
إنسانياً ذلك إلى ما له أن يكون التباس العلاقة الزوجية، وما يطالها عندما
يتعلق
الأمر بالشخصيات نفسها، ومكوناتها وطباعها.
فيلم «الرجل الآخر» المأخوذ عن
قصة قصيرة للكاتب الألماني برنهارد شلينك (صاحب رواية «القارئ»
التي أُخذ عنها فيلم
بالعنوان نفسه) يبقى وفياً لبناء الشخصيات الأدبي، بمعنى أن للمشاهد أن
يلاحظ على
الفور تمايزها وانحياز كل شخصية على حدة لبنائها ومواقفها وخلفياتها،
ولتحضر حبكة
الفيلم كمسير آخر لم يمكن اعتباره عامل نجاح آخر للفيلم الذي
يقدم لنا بالنهاية
حكاية يتم سردها بعناية، وحرص على مفاجأتنا عبر تقديم الزمن وتأخيره، وتغيب
أحداث،
ومن ثم إظهارها في النهاية لتوضح لنا ملابسات خافية عنا.
تكون بداية الفيلم مع عرض أزياء، لكن الكاميرا تبقى واطئة، لأنها
تريد أن ترصد الأحذية، لأن ليسا «لورا ليني» مصممة أحذية، وإلى جانبها
زوجها بيتر
«ليام
نيسون»، وابنتها ابيغل«رومولا غاري». كل شيء على مايرام، بعد عروض الأحذية
التي صممتها ليسا ستجتمع مع زوجها على مائدة العشاء، سيكون حواراً ملتبساً،
يحمل
مؤشرات كثيرة، وله أن يوحي بأن ليسا في طريقها لأن تهجر زوجها،
أو ثمة ما تُخفيه
عنه، وهي تسأله إن كان يشتهي نساءً غيرها، ومن ثم عبارتها الرنانة المتمثلة
بأن «الخيانة خيار»، وأنها حين تقرر هجران شيء
فستفعل من دون أن تأخذ أي شيء مما
هجرته.
ومن ثم نشاهدها تسافر وتعد زوجها بأنها ستتصل به، لكن، سرعان ما
ننتقل إلى غيابها، ونشاهد بيتر يستمع لرسالة صوتية متروكة على هاتفها
المحمول، تحمل
الكثير من الغزل والاشتياق وبصوت رجل مجهول.
شيء من
اللغز
ستبدو الأمور في البداية على شيء من اللغز، سيصاب بيتر بشيء
من البحث الهستيري عن هذا الرجل، سيفقد صوابه، سيمشي وهو يكلم نفسه، سيمضي
ساعات
أمام كمبيوتر زوجته الشخصي، وهو يحاول فتح ملف مسمى «حب»، ومعه
البريد الشخصي الخاص
بها الذي يحمل رسائل من رجل يدعى رالف، يظنه خاطئاً زميلها في العمل، ولعل
العناصر
التشويقية في الفيلم إلى الآن متمثلة بتتبعنا مساعي بيتر لاكتشاف هذا الرجل
الذي
كانت زوجته تخونه معه، وسرعان ما يحصل على عنوانه من خلال
مساعدة زميلة له في
العمل، تتعقب البريد الإلكتروني لرالف، وليكون في إيطاليا وفي مدينة ميلانو
تحديداً، وعليه يمضي بيتر مباشرة إلى هنالك.
يقع بيتر على رالف الذي يكون
اسمه ريف (انطونيو بانديراس)، وهو من أب إسباني وأم انجليزية،
كما سيقول لبيتر الذي
يمضي بصحبته، ويتقرب منه من خلال لعبه الشطرنج معه، بحيث يكون ريف مهووساً
بهذه
اللعبة، ويتردد على مقهى خاص بها، لا بل إن ريف سيخبر بيتر عن ليسا وتفاصيل
قصة
غرامه معها.
لكن، ليس ما يعيشه ريف سيكون أهم ما سنقع عليه وعجز بيتر عن
قتله، الأمر غير ذلك تماماً، سنكتشف الكثير الذي يكون مسبوقاً بإيحاءاتٍ،
لها أن
تتضح ونحن نكتشفها، فريف مخادع، وهو ليس أرستقراطيا كما يتظاهر
، إنه بواب بناية
ولا شيء غير ذلك ومحتال أيضاً، يسأل بيتر المال لكي يقيم حفلة خاصة بليسا،
وليأتي
الاكتشاف الآخر المتمثل بأن ليسا قد ماتت، وأن اكتشافات زوجها بيتر تأتي
بعد
وفاتها، ولعل الفيلم بعد ربعه الأول يمسي متجاوراً، بمعنى أن
الأحداث التي نشاهدها
يرافقها عودة بالزمن، ولنرى من خلال هذا الأسلوب ما كانت تعانيه ليسا من
جراء
إصابتها بالسرطان، وإخفائها مرضها في البداية عن زوجها، ومن ثم موتها
سريعاً بعد
رفضها إجراء أي عمل جراحي. وسيبقى حب بيتر لها مهيمناً عليه، حتى أنه سيدع
لريف أن
يشرب نخب زوجته، بعد أن يعرف بأن بيتر زوجها، وينكشف أمامه كل
شيء.
مساحة غرام
يبدو أننا سردنا الكثير من أحداث
الفيلم الذي سيضيء في النهاية جانباً خفياً من امرأة مثل ليسا،
وجدت في ريف كل ما
لم تصادفه في حياتها، فهي ناجحة جداً في عملها، واثقة من نفسها، ومتمركزة
في الوقت
نفسه حول جسدها وجمالها. و في المقابل، يشاركها زوجها نجاحاً مماثلاً في
عمله،
وتجمعهما علاقة مثالية لدرجة لا مجال فيها لأي خلل، زواج يحكمه
الحب الذي يبقى بيتر
متأكداً منه، لكن، بصرامة وثبات، بينما ستجد ليسا في ريف معبراً نحو أشياء
مغايرة
تماماً، ومساحة غرام منفلتة من القوالب، تهيمن عليه الأوهام والأحلام، وهي
تعرف كل
شيء عنه أي كونه مخادعاً وغير ذلك، لكنها تجد فيه نقيضاً تاماً لزوجها الذي
تحب.
فيلم «الرجل الآخر» الذي أخرجه ريتشارد إير، صاحب أفلام مثل «ملاحظات حول
فضيحة»
،2006
و«إيريس» ،2001 يتمحور حول حكايته والسرد الذي يقدمه بها، ويراهن على
المغيب
في الحياة، ونحن نراه يطفو في الفيلم وبالاتكاء دائماً على المفاجأة.
الإمارات اليوم في
03/02/2010 |