الخبر السينمائي المتكرر يومياً كخبر عاجل في وسائل الإعلام المتنوعة هو
نمو الأرباح التي تتحقق مع استمرار عروض فيلم حديث، ينتمي إلى أفلام الخيال
العلمي، في صالات السينما التجارية .
الفيلم أمريكي الإنتاج والهوية، وصالات السينما التي تتحقق بوساطتها هذه
الأرباح أمريكية الموقع، وروادها من جيل الشباب الأمريكي في الغالب، لكن
تكرار نشر الخبر في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة في سائر أرجاء العالم،
خاصة في بلدان العالم الثالث الفقيرة والذي يجري تقديمه بصيغة احتفائية
وباعتباره بشرى سارة تزف للعالم، يوحي كما لو أن هذه الأرباح إنجاز يعم
خيره على جميع البشر، وليس إنجازا خاصا بمنتجي وبموزعي الأفلام الأمريكيين
أرباب صناعة السينما الأمريكية .
المشكلة في تعميم وتكرار مثل هذا الخبر أن هذه الحالة تكرس نوعاً من
التبعية، ليس فقط لنمط من الأفلام التي تعتمد بشكل أساسي على المؤثرات
البصرية المستندة إلى جهود أعداد كبيرة من الفنيين المتخصصين وإلى تقنيات
معقدة وأموال لا تتوفر لمنتجي الأفلام في العالم الثالث وحتى في العالم
الأول، بل وأيضا تبعية للسينما الهوليودية التي تسعى لتشكيل أذواق الناس
السينمائية وفق نموذجها بكل ما يتضمنه هذا النموذج وينشره من سلوكيات
وأيديولوجيا تتسبب في تغريب الناس المأخوذين بها، عن مجتمعاتهم وواقعهم وعن
هويتهم الثقافية والوطنية، وهذا النوع من التغريب غير الحميد ليس بالأمر
الجديد، بل رافق مسيرة السينما الهوليودية منذ بدايتها .
من الناحية السينمائية الخاصة، فإن التركيز في وسائل الإعلام على نشر أرقام
الأرباح المالية المتحققة لفيلم والتركيز على نشر أرقام غير مسبوقة تتعلق
بتفاصيل ثانوية مثل أعداد الفنيين الذين عملوا في تحقيق المؤثرات البصرية
الرقمية وعلى أمور أخرى ترتبط بالتقنيات والتجهيزات وأسماء الممثلين الذين
كرستهم الدعاية نجوما، من دون الاهتمام بالتحليل المنهجي للفيلم سواء من
حيث قيمته الفنية، وقيمته الجمالية تحديداً، أو من حيث بنيته السردية
الدرامية، ناهيك عن قيمته الفكرية وعلاقته بالواقع، وطبيعة المضمون الخاص
بالخيال، في حال انتماء الفيلم لسينما الخيال، من ناحية مدى توجهه الإنساني
والأخلاقي، يمثل أيضا حالة من التغريب بين الفيلم كصناعة والفيلم كشكل فني
وكمضمون فكري، فالتركيز على الأرباح المعلنة يعطي الأرباح أولوية ويجعل من
الإعلان عنها حافزا يثير الناس ويدفعهم لمشاهدة الفيلم كي يتعرفوا على ما
تسبب بهذه الأرباح، ولهذا فنتيجة الاكتفاء بنشر أخبار من هذا النوع حول
الأفلام الحديثة تسهم وسائل الإعلام في تشكيل وعي زائف بالسينما، وبهذا
تتخذ المشكلة بعدا ثقافيا سلبيا، خاصة مع تقلص المساحات المتاحة للكتابات
الجادة عن السينما والأفلام من زاوية نقدية معرفية .
يتمثل أحد تجليات الوعي الزائف بالسينما في تكريس التقنيات الرقمية،
بالطريقة التي يجري استخدامها في السينما المعاصرة، خاصة السينما
الهوليودية، باعتبارها قيمة مطلقة، في حين أنها ليست كذلك، لأن التقنيات
الرقمية صارت تستخدم لتحقيق الإثارة البصرية حصرا، والتي تفقد مفعولها في
النفوس بسرعة ولا تدوم ويتحول ما بدا مبهرا للوهلة الأولى إلى أمر رتيب
معتاد . هذا ما يبرهن عليه فقدان بريق وتأثير كل محاولات السعي للإبهار
بوساطة اختراع واستعمال التقنيات خلال مسيرة السينما، سواء تقنيات الخدع ثم
المؤثرات البصرية أو التقنيات التي حاولت إثارة الجمهور من خلال أنواع
الشاشات العريضة أو التصوير ثلاثي الأبعاد أو الصوت المجسم، ولا ننسى
بالطبع أن الانبهار الأول بالصورة المتحركة تلاشى وحل محله الانبهار
بالسينما الناطقة والذي تلاشى بدوره وأخلى الساحة للسينما الملونة .
الأفلام التي تعتبر خالدة في تاريخ السينما هي الأفلام التي تضمنت إنجازات
تعبيرية وجمالية إبداعية ومعرفية واحتوت مضموناً إنسانياً، حتى إن خلت من
الإبهار التقني .
لا يمتلك سينمائيو العالم الثالث من التقنيات والأموال ما يساعدهم على
تحقيق أفلام تحقق مثل هذه الأرباح، لذا من البديهي أن يشعر المنغمسون منهم
في إنتاج الأفلام التجارية الترفيهية بالدونية تجاه السينما الأمريكية ذات
الإنتاج الضخم فيسعون لتقليدها لكن من دون أن يحققوا المساواة معها،
بالمقابل فإن سينمائيي العالم الثالث الذين يسعون لتحقيق أفلام يعكسون من
خلالها رؤيتهم لمشاكل مجتمعاتهم وواقعهم ويتعاملون مع الأفلام التي
يحققونها باعتبارها وسيلة للتعبير عن ذواتهم ورؤاهم الفنية وعن هويتهم
الحضارية، يجدون أنفسهم في مأزق ناتج عن غياب التواصل حتى مع جمهورهم
الوطني .
الخليج الإماراتية في
06/02/2010 |