يشتمل كتاب الناقد السينمائي الصديق إبراهيم العريس المعنون “السينما
التاريخ والعالم.. قراءة في العلاقة بين الفن السابع والواقع السياسي
والاجتماعي” على مجموعة مقالات متنوعة متفرقة، يلقي بعضها الضوء على قضايا
سينمائية ومنها السينما والتاريخ، وبعضها الآخر يتعامل مع ما يمكن اعتباره
ظواهر سينمائية، مثل ظاهرة المخرج التسجيلي الأمريكي مايكل مور، وتركز
مقالات أخرى على المدارس السينمائية التي أثرت في مسيرة السينما العالمية،
فيما تستعرض مقالات أخرى أفلاماً مهمة جداً من تاريخ السينما وأفلاماً
ينتمي كل منها إلى نوع سينمائي رائج، هذا طبعاً، بالإضافة إلى التعريف
بتجارب سينمائيين كبار من مختلف أرجاء العالم، بعضهم اشتهرت أسماؤهم بفضل
نظرياتهم وكتابات النقاد عنهم، غير أن انتشار أفلامهم كان مقتصرا على أعداد
قليلة من هواة السينما، ومنهم البرازيلي غلوبير روشا المخرج الأبرز بين
سينمائيي أمريكا اللاتينية الثوريين في حقبة ستينات القرن العشرين وصاحب
نظرية جماليات الجوع والسينما الفقيرة والتي كان لها الفضل الكبير في تشجيع
سينمائيي العالم الثالث على خوض تجربة الإخراج السينمائي ضمن ظروف تتميز
بشح الإمكانات المالية والتقنية.
هذا التنوع يجعل من محاولة تقديم وعرض مضامين محتويات هذا الكتاب
أمراً عسيراً وعلى غاية من الصعوبة، أما الأيسر فهو تقديم بعض الخلاصات
والاستنتاجات العامة التي يمكن التوصل إليها من خلال قراءة فصول الكتاب
كاملة.
أول ما يلفت النظر في هذا الكتاب الرغبة الصادقة في إعادة إحياء سير
وتجارب إبداعية لمخرجين فنانين كبار أسفرت عن إنتاج درر سينمائية خالدة،
بعضها لا يزال يجد فرصاً للعرض، فيما بعضها الآخر يجري تجاهله بسبب هيمنة
أنظمة العرض والتوزيع التجارية والتي أثرت بدورها سلبا في أذواق عامة
مشاهدي الأفلام، وكأنه يريد بهذا التعريف بالمخرجين الكبار وأفلامهم
الرائدة أن يقول للجيل الحالي من مشاهدي الأفلام: انتبهوا، هذا هو الفن
السينمائي الحقيقي. واحد من النماذج الرائدة التي يسهب المؤلف في الحديث
عنها هو فيلم “اوديسا الفضاء 2001”، والذي حول أفلام الخيال العلمي من عالم
من المغامرات إلى لوحة جمالية وفن شعري مضاف إليهما فكر فلسفي عميق.
هذا التعريف بأفلام ذات قيمة فنية عالية وبصانعيها يؤدي، وعلى الأغلب
من غير قصد مباشر من المؤلف، إلى الشعور بوجود مفارقات غير مبهجة في عصرنا
الحالي في ما يتعلق بنجاح أفلام واشتهار صانعيها، إنما من دون أن تكون لهم
أية موهبة سينمائية، فمقابل تجاهل أسماء مخرجين كبار، يبرز إلى الواجهة
مخرج من نوع مايكل مور، ويحوز جوائز سينمائية من مهرجانات ذات سمعة دولية
وتحقق أفلامه رواجاً شعبياً وأرباحاً ضخمة، في حين انه لا يصنع أفلاماً
سينمائية، بل مجرد تحقيقات تلفزيونية ذات طبيعة إعلامية وليست فنية. وهذه
المفارقة تتضح بقوة من خلال مجموعة المقالات التي خصصها المؤلف لمايكل مور
الذي فشل في أول فيلم روائي أخرجه، لكنه نجح في أفلامه التلفزيونية محللاً
تجربته وأسباب نجاحه والتي ليس من بينها الإبداع الفني، لكن إثارتها تكمن
بالدرجة الأولى عن موقفها القائم على العداء الشرس للرئيس الأمريكي بوش
والمؤسسة الرأسمالية الحاكمة في أمريكا ومواضيعها التي تعبر عن هذا الموقف.
المفارقة الأخرى التي يمكن تلمسها في مقالات ابراهيم العريس عن أهم
المدارس السينمائية التي أثرت في مسيرة السينما في العالم، مثل الواقعية
الإيطالية الجديدة، والموجة الفرنسية الجديدة، وسينما نوفو البرازيلية
وغيرها، هي أن إبراز قيمة هذه المدارس والحديث عن امتداداتها في السينما
العالمية واستمرار تأثيرها حتى الآن يتزامن مع نعيها كمدارس راسخة، لأن
الأرضية التي أنبتت عليها تلك المدارس تغيرت، فالنيران التي أشعلتها هذه
المدارس في حينه، وحسب العديد من ملاحظات المؤلف، خمدت ولم يتبق منها إلا
بعض الجمرات، لكن التي انبثقت عنها نيران إبداع جديدة ذات منطلقات مختلفة.
تحقق الطريقة التي يعرض فيها المؤلف الأفلام المختارة انسجاماً واضحاً
مع العنوان الثاني للكتاب الذي يحدد هدفه بقراءة العلاقة بين الفن السابع
والواقعين الاجتماعي والسياسي، وهذا ما يعطي مصداقية لتجميع مواد متفرقة
بعضها يجيء على شكل مقالات قصيرة وبعضها الآخر على شكل أبحاث قصيرة أيضا،
ومع ذلك يمكن ملاحظة أن التجميع كان بحاجة إلى نوع من التحرير بحيث يتخلص
الكتاب من التكرار ويتكثف بصورة أفضل، خاصة أن بعض المقالات كان يمكن أن
تتوحد في مقال واحد. ما يميز كتابة ابراهيم العريس النقدية هو وضوح اللغة
وعدم اللجوء إلى المصطلحات المعقدة، هذا إضافة إلى غناها بالمعلومات التي
تحيط بالفيلم أو الظاهرة أو الموضوع من جوانبه المتعددة.
الخليج الإماراتية في
30/01/2010 |