في أحد أزقة حي مئذنة الشحم الضيقة وأمام باب مسجد الطفطافية، مجموعة
من الرجال والشباب تتحرك وكأنها خلية نحل، قبيل صلاة المغرب، بينما خرير
المياه المنسابة في الميضأة يضفي رطوبة على نهاية نهار دمشقي بارد، هؤلاء
الرجال لم يكونوا من أهل الحي كما يظن للوهلة الأولى، وإنما مجموعة العمل
والممثلين في مسلسل «وما ملكت أيمانكم» جديد المخرج نجدت أنزور الذي يراهن
عليه ليكون مفاجأة الموسم في رمضان القادم. فهو كما قال أنزور لـ«الشرق
الأوسط»:
«يحكي عن مثلث خطير جدا (العقل والجسد والروح) الذي يتشكل منه
المجتمع»، بمعنى آخر، وحسب تعبير أحد المشتركين، هو مسلسل يتناول «الجنس
والدين».
وفكرة العمل، وفق رؤية المخرج التي شرحها خلال لقائنا به أثناء تصوير
المراحل الأخيرة من العمل وهي مشاهد المسجد وحلقات الذكر ودروس الدين،
تتناول «الروح التي تذوب وتختفي جراء تنامي نوعين من التطرف داخل المجتمع،
التطرف الديني والتطرف اللا أخلاقي، وتآكل الطبقة الوسطى حامل الاعتدال
بينهما». ويلفت أنزور أيضا إلى أن «الطبقة الوسطى تتآكل أيضا بفعل الصراع
الفكري المحتدم بين التيارات الفكرية داخلها».
العمل الذي كتبته هالة دياب عن فكرة لأنزور نفسه، كما قال لـ«الشرق
الأوسط» يتناول قصة ثلاث نساء كل واحدة منهن تمثل شريحة اجتماعية معينة،
وما يتعرضن له من ضغوط هي واحدة رغم اختلاف ظروفهن «القصة مكتوبة بشكل جميل
جدا وتتحدث عن الكبت والتزمت الاجتماعي وتؤكد على فكرة أن الانفجار المتولد
عن شدة الضغط خطير جدا، إذ لا يمكن لأحد أن يتكهن إلى أين يمكن أن تصل
شظاياه».
وعن مدى التزام أنزور بالنص وقد عرف عنه دائما الارتجال والحذف
والإضافة عليه أثناء التصوير قال:
«ما زال الارتجال موجودا، في هذا العمل أشتغل على الصورة الاجتماعية
التي لم تقدم بشكل جريء بعد».
لكننا لا نتفق مع كلام أنزور هذا، فالمسلسلات السورية الاجتماعية خلال
الموسم الماضي لم تفتقر إلى الجرأة وتناولت موضوعات اجتماعية حساسة بشكل
صريح وغير مسبوق؟ إلا أن أنزور أصر على أنها لم تدخل على الموضوع الاجتماعي
بجرأة. وقال بكل ثقة:
«تلك الجرأة باتت من الماضي بالنسبة للجرأة في هذا العمل إنه يحكي عن
طبقة جديدة متنفذة وعن الأموال المشبوهة والفساد والجنس والدين والتطرف
والإرهاب..إلخ». وعما إذا واجه النص صعوبة في مروره على الرقابة أكد أنزور
«الرقابة لم تحذف من النص حرفا واحدا سواء الخط الاجتماعي أو الخط الديني».
سيبدو ذلك مستغربا مع مسلسل يوحي اسمه (وما ملكت أيمانكم) أنه يحمّل
الدين أسباب مشكلة الكبت مع أن الدين الإسلامي لم يحرم الجنس والمتعة وإنما
اشترط أن يكون شرعيا؟ يقول أنزور: «العمل يتناول المتطرفين الذين لديهم فهم
خاص للدين، وفي هذا المجال نتحدث عن مبررات النقاب في المجتمع السوري».
فنقول له:
لكن مشكلة النقاب في سورية ليست هي نفسها في المجتمعات العربية
الأخرى؟
فيرد على استفسارنا بالقول:
«أحداث المسلسل الدائرة في المجتمع السوري، تنطبق على المجتمع العربي
عموما، ولعل هذا ما جعل الدراما السورية تنتشر كونها لا تعبر عن المجتمع
السوري فقط، وهي بذلك تميزت عن الدراما المصرية، وأنا كنت أسمع من مشاهدين
في المغرب العربي أن ما يرونه في الدراما السورية يعبر عنهم». ليبقى السؤال
الأهم:
تُرى ما الجديد في هذا العمل، إذ سبق لكثير من الأعمال العربية أن
تناولت هذه الموضوعات، أنزور نفسه له عدة أعمال عن التطرف والإرهاب؟
يرد أنزور: «هذا العمل لا يقف في مواجهة مع المتطرفين، وإنما يفتح
حوارا معهم ويحاول أن يتفهمهم ويحتويهم». تابع مؤكدا «هذا العمل من أهم
الأعمال التي يجب أن تهتم به دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية
السعودية كون الأخيرة تصرف ملايين الدولارات على معالجة قضايا الإرهاب».
وهنا نذكره بتجربة مع المملكة العربية السعودية في مسلسل (حور العين)؟
فيرد «في (الحور العين) كانت هناك مواجهة مع الإرهابيين وفق مبدأ
الأبيض والأسود، أما (وما ملكت أيمانكم) فهو يطرح نقاشا فكريا حول
المفاهيم، بمعنى أننا مع من يحمل السلاح في وجه الاحتلال، ولسنا مع من
يوجهه نحو الداخل، ولا نكتفي بالإشارة إلى الخطأ، وإنما نطرح الصيغ التي
نعتبرها صحيحة... وبات من الضروري العمل على تغيير هذا الواقع لا أن ننتظر
مجيء التغيير من الخارج».
لكن ألا يرى أنزور أن الانفتاح الذي ينادي به قد يؤدي إلى الفوضى بحسب
آراء الآخرين؟
يؤكد أنزور: «نحن لا نريد الانفتاح، وإنما المحافظة على الغالبية التي
تحمل روح المجتمع وتحميه».
ولكن أيضا هناك من يقول إنه لا يمكن الحفاظ على الروح دون تدين؟
يرد أنزور: «التدين موجود لكننا نريده بشكله الحضاري البناء لا
الهدام» متوقعا «رفض المتطرفين من الاتجاهين لهذا العمل». بالإضافة إلى
مصطفى الخاني ومجد رياض، يشارك في بطولة مسلسل «وما ملكت أيمانكم»، سلافة
معمار، عبد الحكيم قطيفان، سعد مينة وغيرهم. كما استعان أنزور بالمطرب جورج
وسوف ليؤدي بصوته أغنية المقدمة وعنوانها «دوارة الأيام» من كلمات يوسف
سليمان، وألحان هيثم الزياد.
في موقع التصوير كان (توفيق) الذي هو الفنان مصطفى الخاني و(عمار) مجد
رياض، يستعدان لتصوير أحد المشاهد، وقد تلبسا الحالة التمثيلية، فعدا
الملابس والماكياج المتقنين، كانت نظراتهما وحركاتهما قبل التصوير تعبر عن
الشخصيتين اللتين سيمثلانهما بعد قليل.
حتى إن المسؤول الإعلامي في العمل كان يمازح الخاني بتسميته مصطفى بن
لادن، بعد ظهوره بزي إسلامي، الخاني وصف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» دوره
بأنه «رئيسي وقد اختاره من بين أدوار كثيرة عرضت عليه في الفترة الماضية»،
وهي شخصية لا تشبه أي شخصية سبق أن مثلها «توفيق شاب متدين ويزداد تدينه
شيئا فشيئا باتجاه التطرف حتى يصل إلى مرحلة لا يعود فيها قادرا على تقبل
محيطه، يظهر هذا في التضييق على أخته، كما يشكل خلية إرهابية، وينشط في
إرسال الشباب إلى العراق وأفغانستان، ثم يحاول القيام بعملية إرهابية في
دمشق». والدور الذي وجده الخاني مغريا له كممثل حضّر له «من خلال البحث في
بيئة هكذا نمط من الشخصيات وطريقة تفكيرهم وسلوكهم وحركاتهم وردود فعلهم».
ولكن هل اجتهد مصطفى الخاني في هذه الشخصية وابتكر لها تيمة خاصة كما
فعل مع شخصية (النمس) في مسلسل «باب الحارة»؟ أجاب الخاني أن الشخصية هي
التي تملي على الممثل إلى أي مدى تتحمل تيمة خاصة بها، وبالنسبة لشخصية
توفيق كانت هناك حركات معينة أداها كتيمة، وعلى صعيد الكلام ليست هناك
تيمة، وإنما جملة معينة تتكرر.
وحول إذا ما كان اجتهادا شخصيا، كما حصل مع «النمس»؟ قال الخاني، من
المؤكد أنه كان اجتهادا شخصيا لي.
فكان سؤالنا: كيف يحصل هذا مع مخرج ديكتاتور لا يسمح بالاجتهاد لغيره
مثل أنزور؟
أجاب الخاني ضاحكا، «ديكتاتور لكن ليس مع مصطفى الخاني». وتابع مؤكدا
«الأستاذ نجدت لطيف جدا ومحاور جيد يتقبل أي شيء لصالح العمل، قد نختلف
بالآراء لكن لم يحصل أبدا بيننا أي خلاف».كما يلفت الخاني إلى أن «هذا
العمل الإشكالي بمثابة دعوة للتفكير والحوار ويغوص بعمق في المشكلات التي
يطرحها». متوقعا أن يُحدث عرضه «ضجة» وأن شخصية (توفيق) ستكون «مفاجأة
رمضان المقبل».
الممثل مجد رياض، الذي يؤدي دور أمير جماعة (عمار)، كان في الموقع
وكأنه أمير جماعة حقيقي، فمع أن الشكل الذي ظهر به التصق بالإرهابيين في
الأعمال الدرامية، لكن مجد بملامحه الطفولية البريئة أضفى مسحة الطيبة
والنقاء على الشخصية، التي وصفها بأنها «تستعين بالأدلة الشرعية والقرآن
الكريم والسنة النبوية في الحوار مع المتطرفين الذين يفسرون الآيات وفق
مصالحهم وأفكارهم». لا يضع مجد رياض لحية مستعارة، وإنما ترك لحيته لتأخذ
شكلها الطبيعي المقنع، فتسبب له ذلك بإحراج خلال ممارسته حياته العادية.
وعلى سبيل المثال قال «ابني لم يعد يعرفني بشاربي الحليق ولحيتي الطويلة».
وعن احتمال تحول تقمصه للشخصية إلى واقع وهل سيترك لحيته على حالها بعد
الانتهاء من التصوير؟. قال: «اللحية هي سنة عن رسول الله عليه الصلاة
والسلام ويجب أن نقتدي به، ممكن أن أبقي اللحية ولكن مهذبة، أتمنى لو أتمكن
من ذلك، ولكن الآن أربيها للتمثيل وهذا نعتبره رسالة أيضا» كما لا ينكر مجد
تأثير هذا الدور عليه الذي جعله «يتقرب من الله ويبحث في الدين بشكل أكبر».
وهذا الدور هو الأول من نوعه بالنسبة له وقال: «إنه الأول من نوعه ليس
بالنسبة لي بل بالنسبة للدراما السورية، فلم يسبق أن تطرقنا للدين والجنس.
في هذا العمل نتحدث عنهما بالاستناد إلى الآيات والأحاديث النبوية التي
تناولت علاقة الرجل والمرأة ونخوض في صلب الموضوع.. هناك كلام خطير جدا».
مدير التصوير المصري محمد حبيب والذي جمعته مع أنزور تجربة عمرها 22
عاما، يقول: مع أنه لا يرى في تصوير الأعمال المعاصرة هامشا لابتكار حالة
فنية من خلال الصورة فإنه في هذا العمل ومن خلال شخصياته المتناقضة، قد
أفسح هامشا واسعا لتقديم مشهدية ولقطة وديكور في حالة فنية خاصة.
المرأة الوحيدة التي تواجدت في موقع التصوير يومذاك مساعدة المخرج
والمخرج المنفذ منى جرار، كانت تتحرك بنشاط، إلا أن تعابير وجهها المنقبضة
نمت عن ضيق، جراء ظروف التصوير، إذ لم يكن مرحبا بوجودها في مسجد ودون
حجاب، لذا قالت، احتراما للمكان ارتديت الحجاب، لكني لم أكن مرتاحة كوني
غير معتادة عليه، أعتقد أن الدين ليس بالمظاهر وإنما بالسلوك، مشيرة إلى أن
الواقع الذي واجهته أثناء دخول مساجد، هو الواقع ذاته الذي يحكي عنه
المسلسل، فهي لم تواجه هذا الشيء في الأحياء الشعبية عندما كان التصوير في
الأزقة والبيوت، لكن في المساجد كان هناك تحفظ على وجودها. وتقول: في بعض
المواقف شعرت أنني «ليلى» بطلة المسلسل.
الشرق الأوسط في
29/01/2010 |