الفنان محمود حميدة لا يتكلم عادة، فهو حذر وصدامي لأتفه سبب، لكن إن حظيت
لديه بالقبول، وهذا مشروط بذكاء المناورة ومذاكرتك لمشواره الفني، يفتح لك
قلبه بلا حساب، وهكذا كان اللقاء معه . فهو فنان مثقف مهموم، ليس فقط
بالسينما، بل بالعديد من القضايا التي يحرص دائماً على أن تتضمنها أعماله،
فضلاً عن اهتمامه بقضايا المرأة، التي يرفض أن يصنف لها سينما خاصة بها
باعتبارها إنسانا مثل الرجل . وتطرقنا إلى ذلك وقضايا أخرى عديدة في هذا
الحوار مع محمود حميدة:
·
كيف تنظر الآن إلى السينما؟
- السينما تقف في مفترق طريق مهم، فهناك تقدم تقني، وأرباح هائلة، وأجيال
أصبحت تشتبك بالموهبة والعلم مع الأجيال السابقة، هناك حالة حراك سينمائي،
من خلال التعددية التي تجاوزت الكوميديا فقط إلى تقديم أنماط عديدة تلبي كل
احتياجات الجمهور، لكن السينما كصناعة لا تزال في حاجة، إلى دعم ليس مادياً
فقط، بل تفهماً لرسالتها الثقافية والسياسية باعتبارها أحد أهم أدوات القوة
الناعمة .
·
هل تتابع ما تعرضه دور العرض؟
- لم أدخل أي دار سينما منذ خمس سنوات .
·
وكيف تكوّن لديك رأي وأنت لم
تشاهد هذه الأفلام؟
- من بناتي وزوجتي وأصدقائي ومن خلال المقالات لبعض النقاد الذين أثق في
كتاباتهم .
·
هل تستطيع أن تقول رأيك في زميل
أو زميلة معروض له أو لها فيلم؟
- لا أزال في المهنة، وإذا قلت رأيا فأنا أعتدي بذلك على حرية الجمهور الذي
ذهب ودفع ليشاهد من يحب من الفنانين .
·
رصداً لمشوارك الفني نلاحظ
انحيازك لسينما المرأة . . لماذا؟
- تعبير “سينما المرأة” غير دقيق، فالفن ليس فيه رجل أو امرأة، لكن يصادف
أنني أتحمس لمخرجة كبيرة جريئة مثل إيناس الدغيدي، وكذلك كاملة أبو ذكري
التي تحمست لها حتى أنني أنتجت لها فيلم “ملك وكتابة” .
·
كنت بطل ومنتج هذا الفيلم، هل
كان هذا ضماناً لكسب رضاء الجمهور؟
- لا يوجد فنان مهما كانت نجوميته يضمن رضا الجمهور، لأنه متقلب، والممثل
عليه أن يحتفظ بمصداقيته ليحتفظ بتقدير الناس .
·
وهل الجمهور له سلطة على صانعي
الأفلام؟
- أكيد والجمهور قد لا يستطيع فرض رأيه على من يصنع له “رغيف الخبز”، ولكنه
يفرضه على من يقدمون له وجبته الروحية والثقافية .
·
هذا كلام تفوح منه رائحة السياسة
إلى أي مدى يشتبك الفنان مع السياسة؟
- الفن سياسة، والفنان موقف، لكن لا أخلط الفن بالسياسة التي لا أحبها،
فأنا لا أثق بها ولا أذهب للانتخابات، ولكني مهموم بالثقافة لأنها جزء من
أدواتي، ولكن للأسف الثقافة تلوثت بالسياسة .
·
هل لافتة “الجمهور عاوز كده” أو
فرض نمط ثقافي معين على الأفلام سياسة؟
- نعم، لكن أرفض القول إن ذوق الجمهور هابط، وأرفض من يتشدقون بالشعارات أو
يشوهون الأفلام بالمقص لأن السينما ليست (مدرسة للأخلاق الحميدة) .
·
برأيك هل يمكن أن تلعب السينما
دورا سياسيا؟
- السينما المصرية عمرها تجاوز المائة عام، ومن المؤكد لها دور ثقافي
وسياسي، وهو ما انتبهت له دول أخرى أصبحت تقف معنا على نفس البساط وهذا
يحتم علينا التجويد والتطوير .
·
تعود للسينما تارة مع النجوم
الكبار وتارة مع الشباب أيهما تفضل؟
- هذا يتوقف على الفيلم الذي أعمل فيه وموضوعه وعموما السينما عمل أجيال،
وأي فيلم لابد أن يضم الكبار والشباب، وأؤمن بأن السينما عمل للشباب يدعمه
الكبار .
·
من أفلامك الجميلة “عفاريت
الأسفلت”، و”جنة الشياطين”، و”بحب السيما” ومن أدوارك الأجمل دور “الميت”
في “جنة الشياطين” ثم “آسف على الإزعاج” كيف تتعامل مع هذه الشخصيات؟
- بمتعة، ولكن للحق أي دور جيد هو محصلة لكاتب سيناريو جيد، وربما أجدت دور
الميت لإيماني بأن الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا . وفي طفولتي وصباي
كثيراً ما كنت أهوى حضور الجنازات، ودفن الموتى وحين أتأمل الحياة أجد موتى
يعيشون معنا بأرواحهم . وأتمنى أن أموت وأنا سعيد .
·
في طفولتك هل كنت سعيداً داخل
الأسرة؟
- أنا ولدت في قرية منيل السلطان مركز الصف بالجيزة لأسرة ميسورة الأب كان
فيها ناظر مدرسة والجد كان قاضيا عرفيا له كلمة مسموعة . وفي طفولتي لم
أعرف التدليل المفسد، وفي مراهقتي كانت حياتي منضبطة، وحين التحقت بكلية
الهندسة تمردت على الدراسة، باختصار أنا دائم الحنين للطفولة أو كما قال
شاعر العامية الكبير فؤاد حداد “أنا عيل على المعاش” .
·
كيف تبدو علاقتك كأب ببناتك؟
- لا فرق عندي بين الولد والبنت في التربية، فالمهم هو الحرص على زرع الأرض
السليمة، وأرى في ابنتي صورة لأمي وأختي وحبيتي وزوجتي .
·
بداياتك كانت تلفزيونية في مسلسل
“حارة الشرفاء” ألا تفكر في خوض التجربة التي تدخلها تسبقك نجوميتك
السينمائية؟
- قلت كثيراً أنا ممثل سينما فقط ولن أعمل في الفيديو .
·
لماذا تبدو دائما متباعدا وكأنك
تؤكد وجود مسافة بينك وبين الآخرين وخاصة الصحافيين؟
- أنا قليل الكلام وأعشق الصحافة والشعر، وكنت أول ممثل يصدر مجلة من أجل
نشر الثقافة السينمائية الجادة، ولكني أفقد أعصابي حينما يسألني صحافي: كيف
كان بدايتك؟ وفي هذا الحوار فتحت لكم قلبي، فهل كنت متباعدا؟
الخليج الإماراتية في
25/01/2010 |