يعتبر المصور السينمائي الإيطالي فيتوريو ستورارو أحد أعظم المصورين
السينمائيين في العالم. ولد في روما عام١٩٤٠. كان والده يعمل عارضاً
سينمائياً في ستديوهات لوكس الشهيرة وكثيراً ماكان يصطحبه معه لمشاهدة
الأفلام في غرفة العرض التي لم تكن حينها مزوّدة بأجهزة الصوت مادفع الصغير
إلى الإكتفاء بمشاهدة الصور فقط ومحاولة قراءة دلالاتها. إلتحق فيتوريو
بالمعهد التقني للتصوير الفوتوغرافي وهو في سن الرابعة عشر ثم واصل دراسته
فيما بعد في معهد التدريب السينمائي والمركز السينمائي التجريبي في روما.
بعد لقاءه ببرناردو بيرتولوتشي، الذي كان يدرس السينما هو الآخر
آنذاك، نشأت بين الإثنين صداقة وشراكة إبداعية طويلة الأمد توّجت فيما بعد
بأيقونات سينمائية رائعة أمثال "إستراتيجية العنكبوت" و"الإمتثالي" و "التانغو
الأخير في باريس" و "١٩٠٠" و "القمر" و "الإمبراطور الأخير" وسواها. أما
نتاجاته الأخرى فلعل أشهرها فيلم "القيامة الآن" لفرانسيس فورد كوبولا الذي
حاز فيه على جائزته الأولى للأوسكار، ثم فيلم "الحُمر" لوارن بيتي، الفيلم
الذي حاز فيتوريو من خلاله على جائزته الثانية للأوسكار،
متابعاً أفلامه اللاحقة "Tucker"
أو الإنسان وحلمه، لكوبولا، وفيلم "Dick
Tracy" لوارن بيتي، وفيلمه الأول مع المخرج الأسباني كارلوس ساورا "فلامنكو"،
والثاني "تانغو" الذي يحكي قصة نجم التانغو السابق ماريو، الفيلم الذي هو
بمثابة وليمة للحواس لاينبغي تفويتها.
لقد حدد ستورارو طبيعة وجوهر عمله في أكثر من مناسبة بكلمات موجزة
ومعبّرة بقوله:"إن الصراع بين الليل والنهار، بين الظلال والضياء، بين
الأبيض والأسود، بين التكنولوجيا والطاقة، هو الذي يتحكم بي وبجوهر عملي
دائماً". وقد تجلى هذا الصراع بين المصادر المتضادة للطاقة في تعامله مع
الضوء، محققاً بذلك وضوحاً جمالياً حقيقياً، مؤكداً، إلى جانب بعض من
مجايليه كجويسب روتانو وباسكويل دي سانتيس، على إنحيازه الواضح لتأريخ
إستخدام الضوء في تقاليد الرسوم الزيتية الإيطالية لعصر النهضة والذي أصبح
جزءاً من تقاليد السينما الإيطالية.
في فيلمهما المشترك الأول "إستراتيجية العنكبوت" إستطاع ستورارو أن
يستكشف كل إمكانات الضوء الطبيعي، مستحضراً، وبرأي العديد من النقاد
الأوربيين، ذلك السحر البصري الذي أبدعه لوتشينو فيسكونتي. فيما نرى فيلم
"الإمتثالي" على النقيض من ذلك، فهو يبدو كما لو أنه مجرد ممارسة أو تمرين
أولي في الضوء والظل، محيلاً المتفرج إلى نوع من الكلوزتروفوبيا أو رهاب
الإحتجاز مذكراً إيانا بنمط أفلام التعبيرية الألمانية.
يقول ستورارو في هذا الصدد:(فيلم "الإمتثالي" يكاد يكون مجرد فيلم
بالأبيض والأسود في البداية، إلا أنه يُشاهد بشكل آخر مختلف في النصف
الأخير، حيث تتداخل الضياء بالظلال ويصبح الإثنان مثل مقطعين يتوحدان ثانية
بعد قطيعة).
هذه الثنائية والتوازن ذاتها تكاد تهيمن على فيلم "التانغو الأخير في
باريس"، الذي حاول ستورارو فيه أن يعيد إنتاج الضوء الشتوي الباريسي
الخارجي، والضوء الصناعي الداخلي، من خلال مزج كل ذلك بتونات حارة، لاسيما
اللون البرتقالي، لكي يعيد إنتاج عواطف الشخصية.
إن تصويره لأفلام برتولوتشي قد حققت دون شك أقصى تعبير شعري لها،
لاسيما فيلمه الشهير (١٩٠٠)، الذي له الفضل في إجتذاب إنتباه ودهشة كوبولا،
الذي سيسارع حالاً في دعوته لتصوير "القيامة الآن" الفيلم الذي توّج هذه
المرحلة من حياة ستورارو المهنية. فالمشاهد المفرطة في واقعيتها لقصف قنابل
النابالم كانت تتعارض من ناحية الدلالة مع الضوء الطبيعي للغابة. هذا
التضاد الذي يمكن تلخيصه بمقارنة بسيطة مابين مصباح زيت الزيتون والكشّاف
الضوئي.
يستأنف ستورارو مشواره الطويل مع برتولوتشي في مرحلته الثانية أيضاً
ويبلغ المثلث أقصى بهائه بإنضمام كوبولا إليه.
في فيلميه "القمر" و "الحُمر" يزعم ستورارو أنه أسس لرمزية اللون تلك
التي تجسدت في فيلمي "الإمتثالي" و "التانغو الأخير في باريس". وواصل بحثه
عن نظام لرموز الألوان فيما بعد في فيلمه "واحد من القلب"مستخدماً الألوان
المتعارضة هذه المرة، لتحديد شخوصه وخلق نوعاً من التوافق الخفي بين الظلال
اللونية وعواطف الشخصية، منتجاً بذلك تضاداً مدهشاً بين واقعية الحدث
والواقعية المفرطة للصورة، وهذا الإستكشاف تواصل في فيلم "الإمبراطور
الأخير" أيضاً. يمكننا إضافة ملاحظة عابرة في هذا الصدد أنه حتى في أفلام
أقل شهرة كفيلم "السماء الواقية" و "بوذا الصغير" وسواها مثلاً إستفاد
برتولوتشي من حضور ستورارو خلف الكاميرا كأستاذ حقيقي للضوء. ومع ذلك يبقى
فيلم "القيامة الآن" دون شك هو الإنجاز الأكبر له.
إذا كانت المرحلة الأولى تتجلى في التعامل مع سحر الضوء (أفلام
بيرتولوتشي)، والثانية مع رمزية اللون (أفلام كوبولا)، فإن المرحلة الثالثة
تمثل بحث ستورارو عن توازن بين العناصر المتضادة (أفلام كارلوس ساورا).
إن تقسيم رحلة ستورارو إلى ثلاث مراحل هو تعسف بالطبع. لكن يمكن القول
عموماً أن هذا المبدع الكبير هو أحد القلائل من المصورين السينمائيين من
إستطاع أن يحافظ على وحدة أسلوبية مستندة على وعي نظري وتأريخي لتقاليد
اللوحات الزيتية الإيطالية التي ترجع إلى بييرو ديلا فرانشيسكا وكارافاجيو.
ولأختتم هذه المقدمة بكلمة موجزة ومعبرة لستورارو نفسه يقول فيها:
(منذ أول خدش للكتابة على جدران الكهوف، ومنذ الرسومات المصرية
الأولى، منذ بييرو ديلا فرانسيسكا، كانت لدينا ثمة وسائل للتعبير عن القصص
العاطفية والشخصيات العاطفية في أسلوب محدد. وما من شك أنه عند تصميم أية
لقطة لفيلم، فإن ذلك هو بمثابة تمثيل لألفي سنة مضت من التأريخ، سواء
أدركنا ذلك أم لا).
***
(القسم الأول)
الكتابة بالضوء (*)
"الضوء هو العالم، والعالم هو الحب، والحب هو المعرفة، والمعرفة هي
الحرية، والحرية هي الضوء، والضوء هوالطاقة، والطاقة هي كل شيء".
فيتوريو ستورارو
نص المقابلة:
·
أليكس: "تانغو" فيلم ساحر لأنه
مزج أشكالاً فنية متنوعة.
ستورارو: أعتقد أن "تانغو" كان قد فتح عيناً جديدة وبعداً جديداً
بالنسبة لي. بعد كل إهتمامي بالعمل مع الضوء منذ القسم الأول من حياتي،
وعبر دراسة الألوان في القسم الثاني، حاولت في القسم الثالث من حياتي البحث
عن توازن بين العناصر المتضادة.
منذ لقائي بكارلوس ساورا أصبحت لديّ طريقة جديدة للرؤية تكاد تكون
مجردة. إذا أردت تشبيهها بلوحة مثلاً فإن ذلك هو أشبه بالإنتقال من فن عصر
النهضة وصولاً إلى الفن التجريدي. وهذا النوع يكاد يتماهى مع نوع الرحلة في
العالم البصري، تلك الرحلة التي قطعناها معاً في عملنا المشترك.
في "تانغو" إستخدم ساورا الرقص بإعتباره إستعارة لسرد قصة بلد واحد هو
الأرجنتين. إن المجتمع الأرجنتيني هو مزيج من الإسبانيين والإيطاليين.
والفيلم عُمل من قبل مخرج أسباني ومدير تصوير إيطالي.
لقد تطلب العمل منا العودة إلى الجذور لكي نروي حكاية تانغو. لقد
حاولنا تصوير الرحلة التي تقوم بها الشخصية الرئيسية في الفيلم مثل رحلة في
ألوان الطيف، أو كما تعودنا أن نقول أننا كنا نكتب بالضوء لسرد تلك
الحكاية. وهذه هي مهمة السينما الجوهرية كما أرى.
وقد اصلنا هذه الرحلة بمشروع فيلم جديد إنتهينا منه للتو وهو بعنوان
"غويا غويا".
·
أليكس: أخبرنا كيف إنبثقت فكرة
فيلم "تانغو"؟
ستورارو: فكّرنا في البدء بعمله على شاكلة فيلم "فلامنكو"، أي بدون
قصة لكي نمنح الراقصين فرصة سرد إمكانيات القصة. سافرنا إلى بوينس آيرس
لعدة أسابيع وكان معنا المؤلف الموسيقي الأرجنتيني لالو شيفرين
lalo schifrin، لكن في النهاية قررنا جعل القصة أكثر شخصية، بمعنى أنها تحكي عن كل
واحد منا.
السينما لاتتحدث عن القصة فحسب إنما بوسعها أن تكون لغة الصوت، لغة
الموسيقى، وبعض الأحيان تصبح القصة مجرد عنصر يساعدك لتدخل منطقة واحدة،
وأعتقد أن "تانغو" هو شيء من هذا القبيل.
·
أليكس: حدثنا عن الصداقة والعمل
المشترك مع برناردو برتولوتشي؟
ستورارو: يمكن تصنيف الأقسام الثلاثة من حياتي الخاصة وفقاً لثلاث
مخرجين عملت معهم خلال كل قسم من هذه الأقسام. وبلا شك برناردو بيرتولوتشي
ينتمي إلى القسم الأول منها، وهو القسم الأكثر براءة وإكتشافاً ونمواً، وهو
الوقت الذي بدأت تتشكل فيه شخصيتي وهو ماأسميه: القسم الإيطالي.
بعده يأتي القسم الثاني والذي بدأ مع فرانسيس فورد كوبولا وفيلم
(القيامة الآن). لقد أنجزنا برناردو وأنا فصلاً ممتازاً من حياتنا معاً
ومازلنا صديقين رائعين. لم نكن نروي قصصنا من خلال الجانب الواعي تماماً من
إدراكنا. إن شخصيات برناردو لاتبوح بالضبط بمايدور في عقولهم أو عن ماذا
يتحدث المشهد. هناك دائماً جزء ينتمي إلى اللاوعي الخاص ببرناردو والذي
ينبغي عليك أن تستوحيه وتقدمه بتلك الطريقة. لهذا أقول مرة أخرى أن التصوير
السينمائي هو بمثابة الكتابة بالضوء. إستخدام لغة الضوء للتعبير عن الفكرة
أو الوصف أو الثيمة التي ليس بالضرورة أن تروى بطريقة مباشرة.
·
أليكس: كيف أصبحت تهتم بالتصوير
الفوتوغرافي أصلاً؟
ستورارو: لقد أصبحت حلم والدي الذي كان يعمل عارضاً سينمائياً مع شركة
كبيرة تدعى لوكس فيلم. لقد كان دائماً يتوق أن يكون جزءاً من عملية صنع تلك
الأفلام، وهو من دفعني إلى ذلك الإتجاه. لذا فقد تبعت رغباته في البداية
وإلتحقت بمعاهد سينمائية مختلفة وهكذا خطوة فخطوة أصبحت أدرك مجرى العملية
والوقوع في غرام سر التصوير الفوتوغرافي. ثم خطوة فخطوة فيها يستكشف المرء
نفسه لتصبح العملية فيما بعد خاصة بك والتي ستستجلي من خلالها رحلتك
الخاصة.
·
أليكس: حدثنا عن عملك في فيلم
"القيامة الآن"؟
ستورارو: لقد أدركت في تلك المرحلة من حياتي أنه ينبغي عليّ أن لا
أكون بريئاً ويجب أن أكون واعياً لما كنت أفعله. إنها واحدة من أهم
التغيرات في حياتي. حين تكون الأشياء واضحة عندذاك فقط يمكن أن تحدث
التغييرات في حياتك. السينما تمنحك فرصة رائعة لتتعلم أشياء جديدة عن نفسك.
ينبغي على المرء أن يظل دائماً طالب علم لمواصلة التعلم. وفيلم (القيامة
الآن) ساعدني كثيراً في تحقيق ذلك.
·
أليكس: الفيلم السينمائي هو في
الواقع ليس سوى شكل واحد من أشكال الفن حيث تلتقي فيه كل أشكال الفنون
الأخرى معاً، أليس كذلك؟
ستورارو: أن ماقلته هو شيء مهم للغايةل اسيما في وقتنا الراهن.
المتاحف اليوم لايمكنها أن تقدم للجمهور الرسوم والمنحوتات. الفن البصري
تقدم إلى أمام درجة أبعد من ذلك. ثمة شكل فني يكون سائداً في كل قرن، وفي
قرننا الحالي الفيلم هو الشكل الفني السائد دون شك.
·
أليكس: دعنا نتحدث عن فيلم
"تانغو". هل كنت تدرك، في الفترة التي كنت تعمل عليه، كيف سيكون مؤثراً
ومثيراً للجدل؟
ستورارو: كلا. حين تعمل على شيء ما فإن أشياء مثل هذه عادة لايمكن أن
تحدث لك. إن قيامك بعمل ما، هو فقط لأنك تحس بأن هذه هي الطريقة الصائبة
التي يتم إنجازه بها. وحتى مع فيلم "تانغو"، ففي الفترة التي أنجزناه لم
نكن نفكر بردود أفعال الآخرين. لقد كنا نفكر فقط بأننا ننجز هذا العمل
بالطريقة السليمة وهذا مافعلناه فعلاً. إذا نظرت إليه اليوم، أظن أنه من
شأنه أن يفتح أفقاً جديداً في عالم الفنون البصرية.
·
أليكس: أنا متشوق لرؤية فيلمك
الجديد حول غويا. مَن مِن الرسامين قد تركك تأثيراً كبيراً عليك؟
ستورارو: في العودة إلى الوراء، أقول كارافاجيو(**). لو كنتَ إيطالياً
فسيكون خيارك الأول كارافاجيو حتماً، كذلك الطريقة التي إستخدم فيها الضوء
والظل. لقد منحني هذا الفنان المصداقية والبرهان على أنه هو الوحيد حقاً من
تخيل رحلة الضوء. لقد كتب وليم فوكنر في إحدى قصصه لاأعرف عنوانها
بالإنكليزية والتي تتحدث عن رحلة شعاع شمس إلى داخل غرفة، بنفس الطريقة
التي كان كارافاجيو يستخدمها في الرسم. هذان العنصران بقيا في ذاكرتي
ومخيلتي وتركا تأثيراً كبيراً عليّ.
·
أليكس: حين تصور فيلماً، لاسيما
فيلم ضخم مثل "١٩٠٠" أو "القيامة الآن"، هل تقوم برسم اللقطات على الورق (storyboard)
قبل التصوير؟
ستورارو: كلا، أنا لست قادراً على رسم اللقطات. كارلوس ساورا جيد في
رسم اللقطات إلى حد ما. لكنني أستخدم عناصر أخرى لتخيل المشاهد في نصي
السينمائي. نصوصي السينمائية على الدوام مليئة بالرسومات، ليس دائماً لنفس
الفنان بالطبع، إنما أية صورة يمكن أن تساعدني على إقامة علاقة مع
السيناريو. أنت دائماً بحاجة إلى فكرة قوية جداً لترويها. ماهي الفكرة
الرئيسة للصورة؟ ماهي الفكرة التي تقود الفيلم بالإتجاه الصحيح؟ بعد
الإنتهاء من ذلك تبدأ في الإقتراب من النص السينمائي لجعله نصك الخاص بك في
فهم ماهو الجانب الرئيس بصرياً في المشروع. كيف يمكنني أن أحكي القصة من
خلال الضوء واللون.
أنا أؤمن حقاً أن الإنسان لايرى من خلال عينيه فحسب إنما عبر الجسد
بكامله. هل تعرف أن جسدك يستجيب عاطفياً لألوان مختلفة حتى دون وعي منك؟
أنت تحس بالحب والبغض، بالخطأ والصواب، دون أن تعرف ذلك. حين يكون الفيلم
في توازن مع كل عناصره، أعني، الجوانب البصرية، الموسيقى، المونتاج، العرض،
عندئذ سيكون فيلماً ناجحاً بالتأكيد.
·
أليكس: أتذّكر الفيلم الأول الذي
شاهدته وأدركت فيه تأثيرات اللون هو فيلم أنتونيوني "الإنفجار" عام ١٩٦٦.
ستورارو: نعم. لقد كان إنتونيوني واحداً من القلائل من المخرجين الذين
درسوا مغزى اللون. سيرجي أيزنشتين كتب كتاباً شهيراً عن اللون رغم أنه لم
يخرج سوى فيلماً ملوناً واحد وهو "إيفان الرهيب ـ القسم الثاني" ١٩٤٦.
لقد كان نصه السينمائي مفعم بالملاحظات والهوامش حول رحلة اللون. يمكن
للون أن يستخدم كلغة. لكن ولسوء الحظ، المخرجين الجدد اليوم يبدو أنهم
يفضلون أن يبوحوا للمتفرج بكل شيء وماذا يحدث بالضبط، بدلاً من إستخدام
الألوان والتصميم والموسيقى ولغة جسد الممثل وزوايا الكاميرا وسواها
للتواصل معه. وعلاوة على كل ذلك تعّوُدنا القاتل على مشاهدة الصور على
الشاشة الصغيرة، والطريقة السائدة اليوم لعرض الفيلم السينمائي من على شاشة
التلفزيون، المعمول خصيصاً للشاشة العريضة، هي طريقة غير صحيحة على
الإطلاق.
لهذا ترى معظم المخرجين اليوم يعملون أفلاماً للسينما وفي رؤوسهم شيء
إسمه التلفزيون وهذا خطأ فادح. قريباً ستنفجر تلك الأفلام حين تصبح شاشات
التلفزيون أفضل وأكثر سعة، إلا أن النتائج ستكون غير جيدة حتماً. عندئذ
سنلجأ إلى مشاهدة أفلام من مراحل زمنية أخرى.
نحن اليوم بحاجة إلى جيل من المخرجين يحاولون إعادة تثقيف المتفرج
وعمل أفلام بطريقة متوازنة جداً.
السينما هي إيجاد توازن بين ثلاث عناصر هي: الصور، الموسيقى والكلمات. إذا
كنت تستخدم هذا التوازن بشكل خلاق فبوسعك اليوم أن تمتلك طريقة تامة ومتقنة
لإستخدام السينما بطريقة حديثة.
·
أليكس: حدثنا قليلاً عن تجربتك
وفيلم "القيامة اليوم".
ستورارو: من الصعب الحديث عنه الفيلم بعد مرور كل هذا الوقت. دون شك،
الفيلم غيرّنا جميعاً أكثر من أي فيلم آخر إشتغلت عليه سواء قبله أو بعده.
ليس بسبب الصعوبات المادية وطول المدة التي إستغرقناها في العمل عليه فقط
ولكن أيضاً بسبب مغزى الفيلم الذي كان بمثابة رحلة ويلارد، الشخصية الرئيسة
في الفيلم الذي يتعلم من خلالها الكثير من الأشياء بشأن طبيعة الإنسان
وبشأن الحياة نفسها. موضوع الفيلم يتماهى ورواية كونراد "قلب الظلام" فهو،
أيضاً يتناول كيف أن ثقافة واحدة يمكن أن تؤثر على ثقافة أخرى عندما
يحاولون الهيمنة عليها. لقد رأينا طوال التأريخ أن كل ثقافة تعتقد دائماً
أنها فعلت خيراً حين سعت لتحطيم الثقافة الأخرى من خلال وضع ثقافتها في
القمة. تماماً مثلما فعل الإسبان في أمريكا الجنوبية.
فيلم "القيامة الآن"، هو في الحقيقة تعبير مجازي في هذا الصدد، وقد
كان من الصعب العثور على فيلم آخر بعده لأقع في غرامه، فيلم يحمل مبادىء
صائبة.
لقد كنت بحاجة إلى عام كامل بدون عمل بعد هذا الفيلم لكي أتجدّد قبل
أن أتمكن من الشروع بالعمل ثانية.
·
أليكس: أنا أعرف أن العلاقة بين
المخرج والمصور هي نوع من تلك العلاقات الوثيقة جداً عادة. حدثنا عن علاقتك
بفرانسيس كوبولا الذي عملت معه مرات عديدة.
ستورارو: ينبغي أن نتذكر دائماً أن السينما هو عمل مشترك وجماعي وليس
عملاً فردي. لكن مع ذلك مازلنا بحاجة إلى قائد مرهف ليبحر بنا في هذه
الرحلة، وهذا القائد الروحي هو بلا شك المخرج. نحن بحاجة إلى شخص كهذا
ليساعدنا في أن ننطلق معاً في الإتجاه نفسه، وفرانسيس كوبولا هو قبطان
مرهف. وهو الذي منحني أيضاً الكثير من الحرية أن أعمل بطاقتي القصوى أكثر
من شخص آخر. والشيء الجميل الآخر فيه أيضاً هو ليس ثمة من فوارق بين حياته
الخاصة وحياته العامة. حياته كلها منصبة على أسرته. فأفراد عائلته متواجدون
دائماً معنا في موقع التصوير، والذين يعملون في الفيلم هم عائلته أيضاً.
وحين تكون في منزله يرحب بك كأحد أفراد العائلة.
·
أليكس: حدثنا عن عملك مع المخرج
وارن بيتي في فيلميه "الحمر" و "Dick
Tracy".
ستورارو: ينبغي القول في البدء أن وارن بيتي هو كابوسيَ الخاص (يضحك).
كان من الصعب عليّ فهم طريقته الإخراجية في البدء. بعدها إبتدأتُ أدرك تلك
الطريقة كممثل. لقد كان وارن بيتي ينظر إلى القصة من منظور الشخصية من
الداخل. على العكس من بيرتولوتشي وكوبولا وسواهما، الذين كانوا ينظرون
إليها من الخارج. حين أدركت وجهة نظره وجدت إن من الأسهل بكثير التعاون
معه، ولقد تعلمت الكثير حقاً حول العلاقة بين القصة والشخصية.
·
أليكس: هل كان فيلم "Dick
Tracy" صعب التصوير بسبب خطته المحدودة للألوان؟
ستورارو: نعم و لا. لقد أثرّت التعبيرية الألمانية أكثر من كل الأشكال
الفنية مقارنة بالحركات الفنية الأخرى التي عاصرتها: الرسم، السينما،
الموسيقى والكتب الكوميدية. لقد قلت لوارن:"Dick
Tracy" ينبغي أن يكون شبيهاً بالتعبيرية الألمانية: حول التباين والتعارض
بين الألوان المتضادة". إستخدموا الكثير من الألوان المتضادة ووضعوهاجنباً
إلى جنب لخلق تعارض بصري. إنه نوع من الرسم كان قوياً جداً من الناحية
السياسية، وقد كان بارعاً جداً في إستخدامه وهذا هو ماخططنا له في مخيلتنا.
·
أليكس: ماالذي يبحث عنه المخرج
حين يتعاقد مع المصور السينمائي، والعكس بالعكس، أي، ماالذي يبحث عنه
المصور السينمائي قبل شروعه في العمل مع المخرج؟
ستورارو: لاأستطيع الإجابة على الشطر الأول من السؤال، لكنني سأجيبك
عن الشطر الثاني. أحاول منذ اللحظة الأولى التي أقابل فيها المخرج أن أعبر
عن نفسي بشكل كامل. يمكنك القول له "نعم" أو "لا" بناءاً على إحساسك بأن
هذه القصة وهذا المخرج يسيران بنفس وجهتك. إذا إنجذبت إلى القصة وإلى رؤية
المخرج عنذاك ستقول "نعم" حتماً.
ينبغي أن تكون ثمة أرضية مشتركة بين الإثنين. إذا أحسست بالطمأنينة
والراحة مع كل هذه العناصر، عندئذ تكون عثرت على الشخص المناسب.
في بعض الأحيان تلتقي بأناس موهوبين ورائعين، لكنك ولبعض الأسباب تحس
بعدم الراحة والطمأنينة فتنسحب بيسر معتذراً عن العمل، فقط لأنهم لايسيرون
بنفس الوجهة التي تذهب إليها في ذلك الوقت.
ثمة شيء ما في داخلك يدفعك دائماً بالإتجاه الصحيح والذي سوف تكتشف من
خلاله الكتابة أو الموسيقى أو الأداء، تلك التي سوف تساعدك على إكتشاف من
أنت وماهي حياتك. وهذا سوف يساعدك على النضوج، وعلى أن تتعلم أشياء جديدة
عن نفسك.
في المقابل، بوسعك أن تمنح هذه الهبة أو الموهبة لأحد ما، لأطفالك أو
طلبتك أو جمهورك. إنك تتقاسم هذه الروح. وإذا فعلت ذلك ستحس حقاً أنك جزء
من رحلة البشرية.
علي كامل. لندن
a-film50@hotmail.co.uk
فيلموغرافيا
(مدير التصوير في الأفلام المختارة التالية)
١٩٦٨: فيلمه الأول
youthful'
youthful
إخراج: فرانشيسكو روزي
١٩٧٠: إستراتيجية العنكبوت. إخراج: برناردو بيرتولوتشي
١٩٧١: الإمتثالي. مقتبس عن رواية البرتو مورافيا بنفس العنوان. إخراج:
بيرتولوتشي.
١٩٧٢: التانغو الأخير في باريس. بيرتولوتشي.
عصابة الزرق. بازوني.
أورلاندو فيوريسو. رونسوني.
١٩٧٣: ماليزيا. سامبيري.
جوردانو برونو. مونتالدو.
١٩٧٤: الخطى. بازوني
١٩٧٥: الفضيحة. سامبيري.
١٩٧٦: (١٩٠٠) بيرتولوتشي.
١٩٧٧: القمر. بيرتولوتشي
١٩٧٩:فيلم (القيامة الآن) فرانسيس فورد كوبولا.
أغاثا المقتبس عن أغاثا كريستي. كوبولا.
١٩٨١: الحُمر. وارن بيتي
١٩٨٢: واحد من القلب. كوبولا
١٩٨٣: فاغنر. بالمر.
١٩٨٥: فيلم
Lady hawke:
ريتشارد دونير.
فيلم كابتن يو. كوبولا.
١٩٨٧: الإمبراطور الأخير. بيرتولوتشي.
الفيلم الكوميدي (عشتار) إخراج: إيلين ماي
١٩٨٨:
Tucker:
الإنسان وحلمه. فرانسيس فورد كوبولا.
١٩٨٩: قصص نيويورك. إخراج: وودي ألن، مارتن سكورسيزي، و كوبولا.
الحياة بدون زوي. كوبولا.
١٩٩٠:
Dick Tracy.
وارن بيتي.
فيلم (السماء الواقية) بيرتولوتشي.
١٩٩٢: بوذا الصغير. بيرتولوتشي.
١٩٩٣: توسكا. ج. باتروني جريفي.
١٩٩٤: فلامنكو. المخرج الأسباني كارلوس ساورا.
١٩٩٥: تاكسي. ساورا.
١٩٩٨: تانغو. وفيلم
Bulworth.
كارلوس ساورا
١٩٩٩: غويا في بوردو. كارلوس ساورا.
٢٠٠٠: ميكا. للمخرج الجزائري رشيد بنحاج.
٢٠٠٤: طارد الأرواح الشريرة: البداية. ريني هارلين و باول شرادر.
٢٠٠٥: جميع الأطفال غير المرئيين. جون وو، ردلي سكوت، ستيفانو
فينيروسو.
٢٠٠٧: الفيلم التلفزيوني كارافاجيو. أنجيلو لونجوني.
٢٠٠٩: دون جيوفاني. كارلوس ساورا
(*) أليكس سايمون ـ مجلة فينيسيا. شهر فبراير عام ١٩٩٩.
(**) مايكل أنجلو ميريسي كارافاجيو
Michelangelo Merisi Caravaggio، الرسام الأيطالي المولود عام 1571 والمتوفى عام
1610 في ظروف غامضة يرجّح البعض أنه قٌتل.
لقد قام كارافاجيو بإضفاء جو درامي على مشاهد لوحاته الواقعية من خلال
لجوئه إلى إستخدام تفاوت الضوء والظل في لوحات شهيرة مثل "القديس متى" و "إنبعاث
لازاري" وسواها. وكان له تأثير كبير على الفنانين الذين جاؤوا من بعده
وأطلق إسمه على تيار فني شامل في عموم أوربا.
القسم الثاني: مغزى الضوء (يتبع)
أدب وفن في
14/01/2010 |