«خرج ولم يعد»، هذا هو الوصف المختصر لحال الفيلم الغنائي الذي يبدو
أنه ضل طريقه في السينما، التي كثيراً ما قدمت أفلاماً غنائية صنعت نجومية
نجم شباب خمسينات القرن الماضي محمد فوزي، وأسطورتيه فريد الأطرش
وعبدالحليم حافظ، كما عززت انطلاقة محرم فؤاد وسعاد حسني ونجاة الصغيرة
وفايزة أحمد وغيرهم..
وعلى الرغم من محاولات عديدة من جانب صناع السينما المصرية لإعادة
الحياة إلى الفيلم الغنائي، من خلال الاتجاه لـ «أفلام الميوزيكال»، فإن
المحاولات ذهبت أدراج الرياح، وظل عشاق الأفلام الغنائية مرفوعين من الخدمة
حتى إشعار آخر.. تعالوا نستعرض واقع الفيلم الغنائي عبر السطور
التالية.شهدت مرحلتا الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي عدة محاولات
لتقديم الفيلم الغنائى، وأشهرها «سمع هس» لممدوح عبدالعليم وليلى علوي ثم
فيلم «رشة جريئة» الذى قدمه كل من «أشرف عبد الباقي و ياسمين عبد العزيز»
وتعددت المحاولات من حين الى اخر أن أصبحت تجربة تقديم الأعمال الفنية
الاستعراضية مرفوضة سواء من الجمهور أو المنتجين والمؤلفين..
ولعل أكبر دليل على ذلك فشل فيلم «مفيش غير كده» الذي تم إنتاجه عام
2005 وذو طبيعة غنائية وشارك في بطولته نخبة من النجوم على رأسهم نبيلة
عبيد وسوسن بدر وخالد أبو النجا وأخرجه خالد الحجر، ففيما كان يأمل صناع
العمل أن يكون بمثابة عودة للفيلم الغنائي الاستعراضي وعودة لأفلام «الميوزيكال»
التي اختفت من الساحة. لكن كان حكم الجمهور والنقاد بعيدا تماما عن حسابات
هؤلاء النجوم وفشل الفيلم في تحقيق النجاح وسقط أمام أفلام الكوميديا
والأكشن وهي النوعيات التي سيطرت على الساحة السينمائية أخيراً
أين نجومه؟
محاولات الجيل الجديد من السينمائيين لإعادة الفيلم الغنائي إلى
الساحة، تجعلنا دائما نتذكر نجوم فن الاستعراض الذين قدموا لنا أعمالاً
غنائية استعراضية لاتزال تعرض على شاشة القنوات الفضائية إلى الآن.
ومن أشهر هؤلاء النجوم الفنانة الكبيرة «نيللي» التي اشتهرت بتقديم
هذه النوعية ليس من خلال أعمالها السينمائية والتليفزيونية فقط من مسلسلات
ولكن من خلال فوازير رمضان أيضًا التي قدمتها لسنوات طويلة.
وبسؤالها عن حال الاستعراض والغناء وعدم ظهور نجمات بارزات فيه، قالت
نيللي: السينما ملأى بممثلات رائدات لكن الاستعراض يفتقد النجمات اللاتي من
الممكن أن يكن وراء تحمسن المنتجين للعودة لإنتاج الأفلام الاستعراضية
الغنائية.
وليس معنى هذا أنني أقلل من نجوم اليوم ولكنني أرى أن هناك نجوماً من
الشباب والبنات يمثلون على أعلى مستوى وأولهم من الشباب أحمد السقا وكريم
عبد العزيز ومن البنات منى زكي وغادة عادل وياسمين عبد العزيز ومنة شلبي
وهند صبري وغيرهم وأرى أنهم موهوبون ومبدعون حقًا.
. ولكن أقصد أن هذا الفن يحتاج تفرغاً تاماً
لتمثيل هذه النوعية وإعطائها الكثير والبحث فيها؛ لأن فن الاستعراض
والأفلام هذا يحتاج بحثاً عن أفكار وطرق إبهار وإبداع في هذه المنطقة.
وأشارت إلى أن فن الاستعراض فن صعب وقليل بالنسبة للعالم كله وليس مصر
فقط، والدليل على هذا أن السينما الأمريكية في الماضي كانت تقدم الأفلام
الاستعراضية بشكل منتظم، أما الآن فلم نر على مدى سنوات طويلة إلا فيلمين
فقط هما «شيكاغو» و«المولان روج»، ويعود هذا لكونه فناً مكلفاً وتكلفته لا
يتحملها أغلب المنتجين.
ثقافة الاستعراض
وبعيدا عن المشاكل الإنتاجية تلفت نيللى إلى نقطة مهمة يفتقدها النجوم
حاليا وهى عدم وجود ثقافة بهذا الفن، وتقول: تربيت على ما قدمته الفنانة
نعيمة عاكف على الشاشة السينمائية من استعراضات وكذلك شقيقتي فيروز وكثير
من هؤلاء الفنانين الذين قدموا أفلاماً غنائية استعراضية.
كما أنني رأيت حوالي أربعين مسرحية موسيقية على مسارح برودواي في
نيويورك ولندن وباريس وهو ما يعيدني إلى ما قصدته في البداية من القول
بافتقاد الساحة للنجمات اللاتي يقدمن هذه النوعية، وبالتالي فغياب هذه
الأعمال تعود لعدم وجود ثقافة لهذا الفن حاليًا وعدم وجود المنتج الذي
يتحمل تكلفة هذه الأفلام وغياب أيضًا المؤلفين الذين من الممكن أن يقدموا
أفكاراً جديدة ومختلفة.
إضافة لشكل السينما حاليًا وما يقدم في العالم كله وبالتالي فعودة
فيلم غنائي استعراضي بشكله المفهوم أمر مستحيل إلا لو تحقق ما ذكرته من
ثقافة وظهور أفكار جديدة ووجود منتجين يستطيعون تحمل هذه التكلفة.
«مفيش غير كده»
ويرى الفنان «خالد أبو النجا» الذي شارك في بطولة فيلم «مفيش غير كده»
أن نوعية أفلام «الميوزيكال» لم تعد تستهوي المنتجين وليس الجمهور؛ موضحا
أن الجمهور عندما يقدم عملاً جيداً له يشجعه بقوة..
أما المنتجين فينصرفون عنها لكونها تحمل تكلفة باهظة وتحتاج وقتاً
طويلاً لتنفيذها والعمل عليها والبروفات وكل هذا يحسب ماديًا، وبالتالي
اختفت هذه النوعية من الأعمال على غرار الأفلام التاريخية.
وحول بعض التجارب التي قدمها الفنانين الشباب، وتقترب من الأفلام
الغنائية الاستعراضية.. قال ابو النجا إن ما يتم تقديمه سينمائيًا حاليًا
من نوعية أفلام بعيد كل البعد عن هذه النوعية التي كانت تقدم فى الماضى
بقوة وكان لها نجوم متخصصون منهم نعيمة عاكف وسعاد حسني وكان أنور وجدي
يقدم أيضًا تلك النوعية مع فيروز وغيرهم من النجوم.
ويضيف: أشعر بسعادة شديدة لأنني قدمت مثل هذه النوعية بفيلم «مفيش غير
كده» والذي لم يسعفه الحظ في تحقيق النجاح المطلوب وحقق نجاحًا محدودًا؛
ويرجع هذا لأن نوعية هذه الأعمال كانت قد اختفت وكنا نعلم جيدًا أن هذا
الفيلم سيثير جدلاً ولن يعجب الجميع؛ لأنه اتجاه ليس موجوداً حاليًا.
كما كانت الدعاية الخاصة به وبتوزيعه سبباً أيضًا في عدم ظهوره بشكل
جيد، وإن كنت أتمنى أن تكون هذه بداية لعودة تقديم الأفلام الاستعراضية
الغنائية ولكن يبدو أن هذه النوعية غير مقبولة حاليًا وليس معنى هذا أن
نتوقف عن تقديمها ولكن لابد من تكرار المحاولة مرة أخرى وأن يتحمس لها
المنتجون ويهتم بها المؤلفون.
عودة الفيلم الغنائي رهينة بحماسة المنتجين والجمهور
القاهرة - دار الإعلام العربية
يبدو - حسب نقاد غنائيين- أن جرعة الغناء والرقص والاستعراضات التي
تعتمد عليها حاليًا الكليبات التي يتم عرضها على الفضائيات، إلى جانب دخول
أغلب المطربين للتمثيل وتصديهم لأعمال سينمائية يطرحون من خلالها أغانيهم،
قد حققت إشباعاً لدى المشاهد وتراجع معها الفيلم الغنائي الاستعراضي.
المطربة والممثلة «بشرى» قالت: بالفعل هناك مشكلة كبيرة تواجه نوعية
الأفلام الغنائية الاستعراضية ما أدى إلى اختفائها وترجع ذلك لأسباب كثيرة
منها عدم إيمان المخرجين وكتاب السينما والمنتجين بنوعية الأفلام الغنائية
الاستعراضية، إضافة إلى اختفاء نجوم الاستعراض وعدم وجود نجوم لاحقة لهم
لمواصلة المسيرة .. لافتة أن أي فنان أو فنانة من جيلها يخشى من تجربة
تقديم مثل هذه النوعية ويعتبرونها مجازفة ومغامرة.إضافة إلى الأسباب
السابقة، والكلام لبشرى، أصبح هناك عدم اهتمام من كتاب السيناريو بهذه
النوعية نتيجة سيطرة نوعيات أخرى يطلبها الجمهور مثل الأكشن والكوميديا
وغيرها مع انعدام المنتج الفني المتخصص.
وبالتالي فهذه الأعمال تستغرق وقتاً طويلاً في التحضير والتجهيز
والتصوير في وقت يريد فيه الجميع أن يصور فيلمه في أقل وقت ممكن حتى لا
يستغرق تكلفة كبيرة. وتؤكد بشرى أن البعض من المنتجين يعتقد أن مثل هذه
الأعمال تستغرق ميزانية ضخمة جدًا في حين أنها لا تتعدى تكلفة أي فيلم كبير
يقدم على الساحة حاليًا.. متمنية أن تتغير نظرة المنتجين وصناع السينما من
المؤلفين والمخرجين حول هذه النوعية والتي مازالت تقدم في الخارج في هوليود
وغيرها وتحقق نجاحًا ويبذلون فيها مجهودًا. أضافت بشري: أتمنى أن أقدم
فيلماً غنائياً استعراضياً وهو حلم بالنسبة لي، في حين أنني أسعى لأكون
فنانة شاملة.. أمثل وأغني وأقدم استعراضات.
وهو الأمر الذي شجعني على الإقدام على تجربة كنت أعتبرها بمثابة
البداية لي في تحقيق هدفي -عودة العمل الغنائي الاستعراضي - من خلال مسرحية
«بركستا» والتي تم عرضها على مسرح دار الأوبرا المصرية وهي مأخوذة عن رواية
أدبية وحققت رد فعل قوياً وكانت مسرحية غنائية استعراضية.
مجازفة ومغامرة
بينما كانت هناك وجهة نظر أخرى للمنتجين، حيث يرى المنتج السينمائي
«وائل عبد الله» أن الذي يحدد نوعية الأعمال التي تقدم هو الجمهور،
فالجمهور أصبح حاليًا يهتم بالقصة وما يدور على أرض الواقع من تقديم قضايا
واقعية سواء تمت في شكل كوميدي أو أكشن، ولكن الأهم أن يحمل قصة وفكرة
مختلفة.
ويرى أن فكرة تقديم أعمال استعراضية بشكل متواصل فكرة صعبة حاليًا،
خاصة في ظل انتشار هذا الكم الكبير من القنوات الفضائية والتي أصبحت تبث
جرعات كبيرة من الكليبات التي تقدم استعراضات وغناءً طوال الوقت.
ولفت أن الجمهور بات لديه تشبعا من الكليبات الغنائية، لذلك فمسألة
تقديم فيلم غنائي استعراضي لن تستهويه، موضحا أن قلة الأعمال الغنائية
الاستعراضية ليست موجودة في مصر ولكنها في العالم كله، وربما كانت تقدم في
الماضي بقوة .
ولكن لم يكن موجوداً وقتها كل هذا الكم من الفضائيات وما تعرضه من
كليبات، وبالتالي فتقديم مثل هذه النوعية يحتاج مجازفة كبيرة ومغامرة وفي
النهاية ربما يقبلها الجمهور أو لا.. إضافة أيضًا إلى أن هذه النوعية تحتاج
جرأة شديدة من النجوم أنفسهم لتقديمها، خاصة أنه لم نر من يطلق عليه فنان
أو فنانة استعراض حاليًا.
وأشار عبدالله إلى أن دخول المطربين بقوة في الأعمال السينمائية أصبح
يحقق جزءاً كبيراً من غياب هذه الأعمال في إشارة إلى بعض الأفلام التي أطلق
البعض غنائية لاحتواء أحداثها على أغان واستعراض، مثل فيلم «دكتور سيلكون»
للبنانية مروى ونيرمين الفقى فرغم الهجوم الذي قوبل به الفيلم إلا أن البعض
اعتبره فيما غنائيا استعراضيا، كذلك هناك فيلم «ابقي قابلتي» لسعد الصغير
ومها أحمد وحسن حسني ، والذي حقق أعلى إيرادات خلال هذا الموسم.
عصر نعيمة عاكف
يتفق مع الرأي السابق المنتج السينمائي «محمد حسن رمزي» في أن تقديم
فيلم غنائي استعراضي، يعتمد في أساس كتابته وحواره على هذا الشكل في الوقت
الحالي أمر صعب ومجازفة غير مقبولة، خاصة أنه يستهلك تكاليف باهظة وخاصة في
ظل الأزمة الاقتصادية فيصبح التفكير في هذا الأمر مستحيلاً.
وأضاف إن نوعية الأعمال التي تقدم في العالم كله وليس فى مصر أصبحت
بعيدة كل البعض عن هذه النوعية، وهذا أمر طبيعي؛ لأن السينما ترصد الواقع
وتتغير معه، وأعتقد أن مثل هذه النوعية كانت مناسبة زمان، أما حاليًا فلم
تكن مناسبة، خاصة أن الكليبات حاليا فيلاأشكال وألوانلالا وتقدم رقصاً
وغناءً واستعراضات وجعلت المشاهد في حالة اكتفاء من هذه النوعية، وبالتأكيد
فهو عندما يذهب إلى السينما يبحث عن عمل مختلف ويناسب العصر الذي فيه ويقدم
واقعاً..
كما أنه لم تعد توجد نعيمة عاكف الآن أو سعاد حسني، وإن كانت هذه
النوعية مقبولة أو هناك أفكار جديدة لاستمرت فنانة استعراضية في حجم نيللي
قدمت العديد لفن الاستعراض، إضافة إلى ذلك عدم وجود سيناريوهات تحمل
أفكاراً تحمس المنتج أو الفنان على تقديمه.
الأفلام الميوزيكال
بينما يرى المخرج «خالد الحجر» أن نوعية الأفلام الميوزيكال حقًا
أصبحت في حالة انعدام، ويعود ذلك إلى عدم تحمس المنتجين لها، خاصة أن
تكاليفها باهظة ولا يمكن أن تحكم على الجمهور من خلال عمل يقدم كل كام سنة،
ولكن أعتقد أن هذه النوعية تستهوي الجمهور ويتقبلها .
ولكن إذا تم العمل عليها بشكل جيد ووضعنا لها كل مقاييس النجاح من
موضوع وفكرة مختلفة وسيناريو مكتوب بشكل متقن وميزانية جيدة ومخرجين مبدعين
وفنانين يوضعون في المكان الصحيح، فكلها مفردات تؤدى إلى نجاح العمل ، خاصة
إذا قابلته دعاية وتوزيع جيد.
وعن تجربة فيلم «مفيش غير كده» يقول: مشكلة تقبل البعض لهذه النوعية
ورفض البعض الآخر للفيلم ليس هو المشكلة، ولكن لأننا أصبحنا بأفكارنا
السينمائية بعيدين عن هذا الاتجاه ولا أنكر أن الفيلم نال إعجاب البعض وحصد
جوائز وهذا دليل نجاحه، ولكن لابد أن نحقق له مقاييس لظهوره بشكل جيد حتى
يتحقق النجاح وبالتالي فالمشكلة ليست في الفيلم.
البيان الإماراتية في
13/01/2010 |