أصبح «عادل إمام» مثل أي جريدة حكومية أو تليفزيون دولة يعرف بالضبط
ما الذي تريده الدولة فيقدمه فوراً.. لا يعني ذلك أن «عادل» يتلقي أوامر
عليا.. بالطبع لا ولكن من
فرط اقترابه من النظام صار يستطيع بسهولة شديدة أن يقرأ الشفرة..
وبناء علي ذلك ستجده في كل اختياراته يعرف بالضبط أين تتجه الدفة.. ليس
مطلوباً من الفنان أن يصبح معارضاً علي طول الخط للدولة لو فعلها فلن يصبح
له مكان ولا مكانة تستطيع الدولة بما لديها من أسلحة أن تعرقل مسيرة الفنان
لو أرادت.. الفن السري الذي كان يقدمه الشيخ «إمام» و «أحمد فؤاد نجم»
مرتبط بإرادة للاثنين معاً وبمنطق الاستغناء كل منهما لم يكن يريد شيئاً
ليس فقط من الدولة ولكن أيضاً من الدنيا ولهذا ارتضيا بأقل القليل وكان
فنهما يتعرف عليه الناس بأشرطة الكاسيت التي يتبادلونها منذ أن عرفت مصر
الكاسيت قبل سنوات قليلة من نهاية الستينيات.. حالة خاصة وكان مصيرهما
النهائي السجن وشظف العيش والإقامة في «حوش آدم».. «عادل إمام» ماذا فعل
أمامه حدثان مرت بهما مصر الأول استشهاد الجندي المصري علي يد أحد قناصة
حماس واستشهاد 6 مسيحيين علي يد مجموعة من المسلمين في ليلة عيد الميلاد
المجيد.. معالجة الصحف القومية وتليفزيون الدولة كان يتوجه إلي إشعال الحدث
الأول لكي يتحول إلي غطاء لبناء الجدار العازل بين مصر وغزة.. حيث إن
المبرر واضح لكي يكسب الموقف تعاطفاً شعبياً.. الحدث الثاني الذي أصاب كبد
الوطن في مقتل وهو التناحر الطائفي.. نعم الاعتداء علي الجندي المصري هو
جريمة آثمة ينبغي ألا تمر ولكن الذي أطلق النار علي الحدود المصرية ليس هو
الشعب الفلسطيني إنه بالتأكيد أحد المنحرفين وأما الذي كان ينبغي أن يتوجه
إليه «عادل إمام» بالغضب هو ما حدث في نجع حمادي في ليلة العيد إلا أن
المعالجة الرسمية أكدت أن الأهم وما تريده الدولة هو أن تتوجه كل المشاعر
إلي الجندي المصري بينما تأتي مذبحة نجح حمادي في المرتبة الثانية؟!
ما الذي يدفع فنان جماهيري بحجم «عادل إمام» إلي اختيار هذا الطريق؟
لا شك أنه لا يري سوي نجاحه وموقعه وعندما تساير الدولة وتمنحها تمنحك هي
أيضاً.. الفنان الذي يقدم فنه مباشرة للناس يجد نفسه دائماً في احتياج
للدولة يريدها أن ترضي عنه لأنها تقدم له الحماية الأدبية والمادية.. وهكذا
تأتي مثلاً كل اختيارات «عادل إمام» حتي التي نراها جريئة مثل أفلامه
لمقاومة الإرهاب والتطرف الديني جاءت كلها من رحم الدولة لأنها عبرت عن
موقف مشترك بين التوجه الوطني والتوجه الرسمي.. عندما يصبح الفنان جريدة
رسمية يفقد الكثير من مصداقيته مع الناس وأتصور أن هذا ما يعيشه الآن «عادل
إمام»؟!
الدستور المصرية في
11/01/2010
«عمرو خالد» و«الشعراوي» في السينما
طارق
الشناوي
في فيلم «مجنون أميرة» لإيناس الدغيدي شاهدنا الشيخ «الشعراوي» باسم «مدبولي
الشعراوي».. لم تكتف المخرجة بهذا التشابه اللفظي لكنها أضافت لزمات يؤديها
الممثل يحاول أن يحاكي بها لزمات الشيخ المعروفة وبالطبع تم تقديمه في صورة
سلبية، كانت لديه خرافاته وأيضاً توجهاته التي سعي من خلالها لإقناع
الأميرة «ديانا» بإشهار إسلامها.. التوافق في الشكل بالطبع مقصود في فيلم
«بالألوان الطبيعية» لأسامة فوزي بين الشيخ «عمرو خالد» الذي قدمه الفيلم
وهو يرتدي ملابس علي أحداث موضة ويرسم ابتسامة دائمة علي وجهه ويستخدم
مفردات عصرية في مداعبة مستمعيه.. وينتهي الفيلم والشاب حائر في لقطة نري
فيها أمه والشيخ الموديل مؤكداً علي الحيرة التي يعيشها المجتمع.. الرقابة
استشعرت أن هناك ضوءًا أخضر من الدولة في هذا الاتجاه، خاصة أن رجل الدين
كان دائماً ما ينتقد في الأفلام من خلال تقديمه له ذقن طويلة وغليظاً في
أفكاره إلا أنه لم يتم تحديد شيخ بعينه في تلك الأفلام مثلما يحدث الآن..
لو تصورنا أن ورثة الشيخ «متولي الشعراوي» أو أن الداعية «عمرو خالد» أقام
أي منهما دعوي ضد الفيلمين فإن القضاء سوف يبرئ ساحة صناع الفيلمين لأن
التطابق هو فقط ما تستند إليه الإدانة القانونية، أما التشابه فإنه يؤدي
إلي الشيوع أي قد يتشابه أكثر من شيخ في نفس الصفات وهكذا تقضي المحكمة
بالبراءة وسقوط الدعوي الجنائية!!
الشيوخ النجوم صاروا هدفاً علي الشاشة للسينمائيين؛ لأنهم أيضاً شكلوا
في المجتمع قوة لا يستهان بها.. لا شك أن الشيخ «الشعراوي» كان هو أكثر
الشيوخ رسوخًا لدي الرأي العام ولا تزال أحاديثه التي تحتفظ بها أجهزة
الإعلام تثير الكثير ثم يأتي في هذا الجيل «عمرو خالد»؛ إنه الأقرب إلي
الشباب وهو يحتل مكانة الألفة بين الدعاة العصريين هكذا تؤكد الاستفتاءات
المحلية والدولية.. يقف «عمرو» علي يسار الدولة برغم أنها تسامحت مع عدد من
الدعاة، بل ورأت أنهم من الممكن أن يقفوا في جبهتها مثل «خالد الجندي»
والدليل أنها سمحت له بالحضور عبر الميديا الإعلامية الرسمية.. السينما غير
مطلقة اليد في انتقاد الشيوخ لا تستطيع أن تنتقد رجل الدين الرسمي فلا يمكن
أن تسمح الرقابة بفيلم يتناول المفتي أو شيخ الأزهر أو «البابا شنودة»..
الدولة بالطبع ستعتبرها خطوطاً حمراء.. المؤسسة الدينية الرسمية سواء
إسلامية أو مسيحية بدأت في ممارسة أدوار سياسية خارج النطاق الروحي وأيدت
الدولة في كثير من مواقفها، وكان هذا ينبغي أن يصبح هدفاً للسينمائيين
لانتقادها إلا أن الدولة توفر لها الحماية، ولا يجوز للسينمائيين في هذه
الحالة الاقتراب.. وتبدو السينما وكأنها تحمي ما تحميه الدولة وتعادي من
يعاديها!!
الدستور المصرية في
06/01/2010 |