أما المثال الثاني..
فقد جاء من انجلترا هذه المرة..
ومن خلال مفتش بوليس حر..
شديد الذكاء يعمل لحسابه الخاص بمساعدة
زميل له لا يفارقه هو الدكتور واطسن الذي شكل معه ثنائيا رائعا.. ينجح
دائما في كشف ملابسات الجرائم التي يعجز عن حلها جهاز سكوتلانديارد بأجمعه،
هولمز كان يتمتع بالذكاء والألمعية وخفة الدم والبرود الانجليزي الذي ينجح
دائما في اقتحام المصاعب وحل كل الألغاز والغموض الذي يحيط بالجرائم.
اللص ارسين لوبين في فرنسا ورجل المباحث شارلوك هولمز في انجلترا،
والكثير من القصص والروايات التي أسعدت ملايين القراء في كل أنحاء الدنيا.
ولكن مع مرور الزمن خفتت شهرة هذين
(المثالين) وحلت محلهما.. أبطال أخري، لعل أشهرها الجاسوس الانجليزي جيمس
بوند ومغامراته اللامعقولة ذات الخلفية السياسية والدعائية الواضحة
وجاء المفتش الفرنسي الذي
تبدو عليه مظاهر البلاهة..
ولكنه مع ذلك ينجح في حل المشاكل المعقدة والذي حمل اسم
(الفهد الوردي) وفتح بابا واسعا للكوميديا البوليسية من خلال أفلام لا تنسي
ومن خلال أداء ممثل عبقري يعتبر واحدا من أشهر نجوم الكوميديا في القرن
العشرين هو بيتر سيلزر.
ولكن ها هي الأيام تدور..
وها هو شارلوك هولمز.. يعود من جديد ليتصدر الشاشة فاتحا الأفق لو نجحت
تجربته الأخيرة هذه سلسلة أخري من الأفلام التي تحمل اسمه..
والتي تستغلها السينما المعاصرة لتظهر امكانياتها الفنية
والتقنية الهائلة التي وصلت الي حد فاق فيه كل ما كان يحمله خيالنا من
تصورات.
شارلوك هولمز ومساعده الوسيم الدكتور واطسن..
كان موضوعا لفيلم قديم لمخرج الروائع الكوميديا الأمريكية بيلي وايلدر صاحب
ارما الغانية والبعض يفضلونها ساخنة والشقة وغيرها من الكوميديات التي
أصبحت تعتبر الآن من كلاسيكيات السينما الضاحكة..
التي نحن اليها ولا نستطيع الاتيان بمثلها.
بيلي وايلدر..
عالج بوليسية شارلوك هولمز باطار كوميدي
غمز فيه بوضوح الي وجود علاقة مثلية بين هولمز ومساعده الشاب..ووضعهما في
مآزق ضاحكة ومشوقة تطفح ذكاء وخفة..
ولكن
(هولمز) وايلدر لم يحقق مع الأسف رغم
النجاح الذي كان يستحقه..
وطوت الشركة سريعا..
مشاريع أفلمة روايات أخري من بطولته.
ولكن ها هو جي ريتشي يجيء بعد سنوات طويلة وبعد عدد من الأفلام التي
لم تحقق نجاحا شعبيا ملموسا، ليقدم لنا تنويعة أخري من قصص هولمز،
ولكن من خلال خيال حديث وروح معاصرة.
انه لا يعتمد علي أية قصة من قصص سير ارثر
كونان دويل المؤلف الذي خلق الشخصية وكتب عنها عشرات القصص الناجمة بل
يقتبس فقط روح شخصية هولمز ومساعده الوسيم (ويلعب دوره الممثل الانجليزي الشديد
الجاذبية جود لو)
ليضعه في مغامرات خيالية
مدهشة.. تشابه في بنائها وفي ابهارها مغامرات جيمس بوند.
ربما أنه نجح في أن يدمج شخصيتين انجليزيتين شهيرتين في شخصية واحدة.. وان
يضعها في اطارها التاريخي..
مع كل ما تحمله السينما المعاصرة من مؤثرات وتقدم
تكتيكي وابهار بصري خارق.
تدور أحداث فيلم ريتشي إذن..
في انجلترا في أوائل القرن..
حيث انتشر واستفحل السحر الأسود وأصبح له مريدون وأساتذة
وجمهور واسع.
الفيلم يبدأ بالقبض علي لورد كبير هو اللورد لوكوود الذي يمارس طقوس
السحر الأسود والذي راحت ضحيته خمسة فتيات عذراوات..
قدمن قربانا دمويا لإله الشر.
ولكن هولمز ومساعده ينجحان في اقتحام
(الكنيسة) التي يمارس فيها هذا اللورد الشرير سحره..
وقبل أن يذبح ضحيته السادسة..
ويستعان في ذلك جهاز الشرطة الذي يصل متأخرا..
ويقبض علي الساحر..
ويحكم عليه بالاعدام شنقا..
ويتم تنفيذ الحكم أمام الشهود والجمهور..
ولكن المفاجأة الكبري تجيء في اليوم التالي..
عندما يعود هذا (الساحر) الي الحياة مرة أخر مهددا هولمز ومساعده بالثأر
منهما، ويهدد المدينة كلها بأنه سيضعها تحت سيطرته.
وتتوالي الأحداث المدهشة..
والمعارك الفاصلة.. التي يستخدم فيها الساحر حبيبة قديمة لهولمز..
أصبحت تتبع له.
د.واطسن يرغب بترك صديقه..
ليستقر بالزواج مع خطيبته التي يحبها والتي يحاول هولمز أن يعرقل هذا
الزواج بأية طريقة وأي حيلة.. (وكأن هناك اشارة خفية من ريتشي الي علاقة
سرية بين الرجلين كما كانت الشابة في فيلم بيلي وايلدر).
وفي كل معركة يظهر خصم جديد لهولمز..
لعل أكثرهم اثارة هو هذا العملاق الفرنسي الضخم الجثة الذي يتجاوز طوله
المترين.. ولا يستطيع أحد أن يغلبه.
وفي كل مرة ينجح هولمز بذكائه وبراعته وخفة حركته بهزيمة خصومه..
وفي كل معركة يقدم المخرج..
ديكورا مدهشا..
واكسسوارات خيالية تتلاءم مع روح العصر
الفيكتوري..
وفيها كل عناصر الحداثة..
كما في المعركة التي تدور في المرفأ البحري وعلي سفينة كبيرة لم ينته
بناؤها بعد، والتي استطاع المخرج بمهارته وبتقسيم لقطاته وبايقاع حركة
كاميراته.. أن يجعل من المعركة..
باليه رائعة تمتع العين والعقل معا.
أو مشهد المعركة التي تدور في المعمل الكيماوي أو في الطوابق العليا
للبرلمان الانجليزي التي دبر فيها الساحر مذبحته الكبري التي سيتسلم بعدها
مقاليد الحكم في البلد..
ويتحكم بعدها في كل أرجاء الدنيا..
(شخصيته تشابه شخصيات العدو المفترضة في كل أفلام جيمس بوند).. وأخيرا هذه
المعركة الخارقة للعادة التي تدور علي كوبري ويستنستر الذي كان قيد
التشييد.. وهنا علينا أن نرفع القبعة لمهندس الديكور الذي وصل الي أعلي
درجات الاتقان والابهار معا.. سواء في هذا الديكور أو في كل الديكورات التي
سبقته بالاضافة الي النجاح الرائع في رسم شوارع لندن العتيقة وأسواقها
وطرقها المظلمة وأبنيتها القوطية وزخارفها الفلكورية.
كل شيء في هذا الفيلم متقن ومبهر ويميل الي
فنية عالية المستوي وذكاء حاد في استعمال التقنيات المعاصرة وتوجيهها الي
زمن فيكتوري قديم.. مركزة علي جمال حضاري لا ينتهي تأثيره عميق في دلالاته
الاجتماعية والجمالية معا.
روبرت دواني الصغير..
الذي أحبطنا أداءه لشارلي شابلن في الفيلم
الذي كان يحمل اسمه..
يأتينا هذه المرة في أوج تألقه..
وفي غموض نظرته.. وفي قوته العضلية التي تتناسب طردا مع قوة ذكائه وملاحظته
البارعة.
جود لو..
كعادته يملأ
الشاشة سحرا بشخصيته ووسامته اللافتة للنظر.
الي جانب الشخصيات الأخري..
التي لعبت أدوارها باتقان
يشهد بمقدرة المخرج الذي حركها..
والذي برهن علي قدرته الفائقة في تحريك المجاميع (مشهد
حصار أعضاء البرلمان في قاعة الاجتماعات الكبري..
أو مشاهد ازدحام الأسواق الشعبية)
أو في خلق جو متوتر عصبي يساعده علي ذلك ديكور عبقري..
كمشهد استحمام أب الساحر في
غرفة نومه..
في حوض أصفر ذهبي..
وظهور ابنه الشرير في عباءة سوداء وقد احتقنت عيناه بالدماء..
قبل أن يقوم بإغراقه عمدا في حوض استحمامه..
مشاهد كثيرة..
تتوالي..
لتدهشنا وتسحرنا..
وتجعلنا نعيش فترة (خيالية)
من مغامرات شارلوك هولمز، مغامرة تعيدنا الي أيام الصبا..
حيث كانت المغامرة البوليسية تحمل أبعادها الشعرية وتأثيرها الذي يشبه
تأثير الخمر المعتقة.
كل ما أرجوه أن يحقق شارلوك هولمز النجاح الذي يستحقه لدي الجمهور كي
نسعد بعودة قريبه له..
عودة تغرفنا من جديد في بحر الفن الجميل.
أخبار النجوم المصرية في
07/01/2010 |