فتاة صغيرة جميلة ذات ملامح شرقية..
تتمتع ببراءة الوجه..
قليلة الكلام فليس لديها أي خبرة..
التقيت بها عام 1962
في منزل المخرج الكبير عاطف سالم..
الذي تزوجها ليصنع منها نجمة سينما..
وتزوجته لأنها تعشق السينما وتري في نفسها
موهبة كبيرة..
وبالرغم من فارق السن وكانت ابنتاه تعيشان معهما.
غيرت اسمها في البداية في أول عمل لها
»مفيش تفاهم« ويبدو أن الاسم لم يكن فألا حسنا لها فعادت إلي اسمها الحقيقي
نبيلة عبيد، أما نجوميتها فبدأت في الفيلم الثاني »رابعة العدوية«..
وبالرغم من نجاح الفيلم إلا أن نقطة الضعف الأساسية فيه هي تركيب صوت أغاني
أم كلثوم الذي لم يكن مناسبا لصغر سنها لدرجة أثارت الضحك في البداية.
اتصل بي عاطف سالم ليخبرني بأن نبيلة عبيد تصور فيلم المماليك مع عمر
الشريف الذي بدأ يصعد للنجومية العالمية..
لكي أذهب لمكان التصوير وأتابعهما..
وبالرغم من أن عمر لم يقتنع في البداية بسبب زيارته السريعة
لمصر..
إلا أنه وافق كنوع من المجاملة لعاطف سالم..
وحين ذهبت لمكان التصوير لأتابع تصوير الفيلم..
من خلال مشاهد قليلة أحسست أن الفيلم لن
يحقق النجاح بسبب ضيق وقت عمر الشريف الذي أصبح عالميا.
وحدث ما توقعته.
استمر زواج نبيلة عبيد بعاطف سالم
5 سنوات منذ عام 1962
وحتي عام
1967.. حين انفصلا بعد نهاية عقد الاحتكار وأيضا عقد الزواج.
ولدت نبيلة عبيد فنيا بطلة ونجمة في
»رابعة العدوية«
لكنها تقهقرت بعد ذلك إلي نجوم الأدوار الثانية.
ففي أواخر الستينات وأوائل السبعينات هاجرت نبيلة عبيد إلي لندن بسبب
الظروف السياسية وحال السينما التي تدهورت..
ومعها الكثير من نجوم السينما الذين أسميناهم
وقتها »بالطيور المهاجرة«..
وأغلقت الاستديوهات التي عششت فيها الخفافيش إلي أن جاء الوزير يوسف
السباعي وأعاد فتحها بعد أن أرسل عبدالحميد جودة السحار إلي لبنان ليعود
بهم.. وبذلك أضاعت نبيلة جزءا من حياتها الفنية بعيدا عن الوطن والنجومية..
وقيل وقتها إنها تزوجت بمليونير..
وأنها ستقيم هناك بصفة دائمة.
في تلك الفترة قدمت نبيلة أفلاما مضروبة تخجل منها حين تذكرها.
قالت لي نبيلة أو بلبلة كما يطلقون عليها..
وكان جيل جديد من الفنانات قد بدأن يغزين السينما وهن جيل ميرفت أمين
ونجلاء فتحي. وبعد أن كانت بطلة في البداية تقهقرت إلي الوراء في الأدوار
الثانية لمجرد الانتشار.
< < <
عادت نبيلة من لبنان وكلها إصرار علي أن تعود نجمة وبطلة..
فلجأت إلي المنتج الكبير »رمسيس نجيب«
صانع النجوم لأنها
غير راضية عن نفسها..
فأحضر لها مجموعة من كتب إحسان عبدالقدوس..
اختارت منها »ولايزال التحقيق مستمرا«
الذي أخرجه أشرف فهمي..
ونجح الفيلم لتعود بطلة وحصلت به علي أول جائزة في حياتها.
وبعد نجاح الفيلم توالت نجاحاتها مع قصص إحسان الذي تري نفسها فيها
»العذراء والشعر الأبيض«
و»أيام في الحلال«
و»الراقصة والسياسي« و»الراقصة والطبال«..
ثم مثلت لنجيب محفوظ
»الشيطان يعظ« الذي أخرجه أشرف فهمي ونجح الفيلم وحصلت فيه علي جائزة أحسن
ممثلة لكنها خسرت أشرف فهمي.. فقد صممت نبيلة أن تضع علي الأفيش لقب »نجمة مصر الأولي«
في الوقت الذي أطلقت نادي الجندي علي نفسها لقب »نجمة
الجماهير« لكن أشرف أصر علي رأيه..
وأصرت هي أيضا علي رأيها وكانت القطيعة بينهما التي أستمرت حتي
توسط بعض من أصدقائهما في الصلح بين الاثنين..
ولاتزال نبيلة
تعتز بلقب »نجمة مصر الأولي«
رغم أنف أشرف فهمي.
< < <
المعروف أنه كان هناك صراع بين نبيلة عبيد،
ونادية الجندي..
فالاثنتان متنافستان..
وذلك منذ رفعت الرقابة
فيلم »5
باب« بعد عرضه هو وفيلم »درب الهوي«
تصورت نادية
أن نبيلة هي السبب..
ومن هنا بدأت الصراعات التي يعرفها
الجمهور جيدا.
والحقيقة التي
لا تعرفها نادية أن كتب أحد النقاد
مقالا يدين الرقابة التي سمحت بمثل هذا الفيلم مع
الفيلم الآخر..
تجاوب وزير
الثقافة الأسبق مع مقال الناقد الكبير
وأصدر
قرارا برفع الفيلمين بعد عرضهما تجاريا.
مع أن هذه النوعية من الأفلام كانت تعكس
حال شريحة معينة
كانت موجودة في ذلك الوقت..
وندم الناقد بعد ذلك ليقول إنه لم يقصد رفع هذه الأفلام بعد عرضها، وفي
الواقع أن الوزير
الأسبق لم يتخيل الجهد والمشقة والأموال التي صرفت علي تلك
الأفلام لأنه لم يكن له خلفية عن السينما عموما.
قالت لي نبيلة »حاولت أن أشرح
الموقف بدون فائدة..
واستمر الخلاف
حتي وفاة والدة نادية فذهبت لأقدم لها العزاء واستقبلتني
استقبالا لم أنله
منها من قبل.. وفي رأيي أن نادية الجندي
فنانة مجتهدة ولديها إصرار لتحقيق
كل طموحاتها«..
< < <
أذكر أيضا
الصراع الذي حدث من خلال النشر
عما يحدث بين نبيلة عبيد وإلهام شاهين حول الفوز بدور أم كلثوم
في المسلسل التليفزيوني
الذي أخرجته إنعام محمد علي
وحدث
في ذلك الوقت أن سافرنا
أنا وإلهام لتمثيل مصر
في مهرجان طشقند..
وكانت فرصة
أن أتحدث إلي إلهام شاهين حول المنافسة
بينهما فقلت لها بالحرف
الواحد »بصراحة ياإلهام لا أنتي ولا نبيلة
تصلحان لهذا الدور«.. وفعلا حدث ماتوقعته وتم اختيار صابرين لدور أم كلثوم
ونجح المسلسل نجاحا كبيرا.
ونبيلة عبيد
تتمتع بنجومية كبيرة.. فلا توجد في أي
مكان إلا وتضفي عليه البهجة والمرح..
خاصة في البلاد العربية..
فحينما كنا ندعي إلي
سوريا لحضور مهرجان دمشق مثلا..
ومرة أخري مع صديقتي
حُسن شاه لحضور أول عرض لفيلم »ديك البرابر«..
هناك تكثر دعوات الفنانين والصحفيين من الكبار والمسئولين، وفي هذه الدعوات
تكون نبيلة
هي نجمة الحفل..
ترقص لتشيع البهجة علي الموجودين فهي أحسن من أي راقصة.. فهي مليئة
بالحيوية والأنوثة وترقص بلا ابتذال.
لقد تغيرت نبيلة
بعد هذه السنوات منذ شاهدتها عام 1962
أصبحت ناضجة لها خبرة طويلة حققت النجاح في الكثير
من الأفلام التي تعتبر علامات في السينما المصرية مثل
أدوارها في »شادر السمك« و »الراقصة والطبال«
مع عبقري السينما أحمد زكي و»سقطت في بحر العسل«..
و»العذراء والشعر الأبيض«
و»أيام في الحلال«
و»لايزال التحقيق مستمرا« و »الشيطان يعظ« وغيرها..
< < <
عزيزتي بُلبْلة:
إن كبار النجوم العالمية تعتزل في عز مجدها وتألقها لتترك أثرا حسنا
وصورة جميلة في خيال الناس..
وأعرف جيدا
أنك ضحيت بالكثير من حياتك من أجل عشيقتك »السينما«..
رفضت الزواج وضحيت بمشاعر الأمومة..
ورفضت نصيحة أمك بالزواج والاستقرار وأنك لا
تستطيعين الانفصال عنها..
فيجب أن تختاري
الأدوار المناسبة لك بعناية..
ولا يهم فيها التجمل والمكياج.
آخر ساعة المصرية في
05/01/2010
من وراء القضبان: العــــرب قــــادمــــون
نعمة الله حسين
»
لا نملك كأحياء إلا أن نخوض الطريق بأزهاره..
وأشواكه.. فيدمي الشوك أقدامنا..
وتنأي الزهور عن أيدينا«.
كلمات سطرها الراحل يوسف السباعي في روايته الإنسانية،
»نحن لا نزرع الشوك«
لكن في الحياة هناك من لايزرعون لا الزهر ولا الشوك..
ولايصبح هناك معني للمثل القائل »من زرع حصد«..
لأنهم فقط يحصدون الأشواك دون أن يزرعوها..
وهي لاتدمي الأقدام فقط..
بل الأيدي والقلوب.
ونزيف القلب الدامي المجروح..
ووجيعة الروح لا علاج لهما حتي لو بالمواساة..
والمشاركة..
فلا تخفيف للألم النفسي..
لكنهما تعطيان القدرة علي الصمود والانتشال من لحظات يأس يسود
فيها ويطغي اللون الأسود ليطمس معه كل الألوان.
ونبدو في أشد الاحتياج لنقطة بيضاء أو شعاع ولو بسيطا من الأمل. ولعل من
أقسي الأشياء التي تدمي القلب وتجعله ينزف حتي الموت »السجن« وقيد الحرية..
المعنوي منها والحقيقي..
فكلاهما أسوار تعزلك عن المجتمع والناس..
وتجعلك أسيرا لمرض..
أو سجينا وراء قضبان حديدية تعاني فيها من قوانين صارمة..
وعنصرية بغيضة.. المرض.. والأسر للسجن المعنوي حكاية شرحها يطول..
أما زنزانة السجن والسجان فهذه حكاية
متداولة معطياتها متشابهة دائما..
واقعها ليس به اختلاف كثير
حتي لو كان في السجون الأوروبية التي تعطي السجين فيها بعض مساحات من
الحرية.
الواقع الخارجي ينعكس داخل السجون بشدة مضروبا ليس في عشرة بل
في مائة.. والمعاناة التي بات يعاني منها العرب في أوروبا..
وأمريكا جراء النظرة العنصرية المتطرفة، والتي انعكست علي حياة الكثيرين منهم مهما حاولنا
تخفيف الأمور..
الصورة أبشع داخل السجون والتي بالطبع قوانينها الداخلية
»الموضوعية« تكاد تتطابق في العالم أجمع..
ولذلك وجدها المخرج الفرنسي القدير
»جاك أوديار« أن يكشف الستار عما يدور داخل هذه السجون..
وفي نفس الوقت يعكس رؤية الأجانب ومعاناتهم
بصورة أشد داخل السجون..
واتخذ من هذا السجن خلفية لعالم ما وراء قضبانه حيث »الحرية«
بكل المعاني المطاطة..
وذلك من خلال »مالك«
الذي صدر حكم ضده بالسجن لمدة ست سنوات ليصبح بذلك أصغر سجين.. ليعيش مجتمع
السجن المتعدد الجنسيات والجاليات..
ولأنه بدون حماية حقيقية يخضع للقانون
»الشفهي« للسجون في أنحاء العالم..
حيث »القوة«..
و»المال« هما أصحاب النفوذ الحقيقي لمن هم
وراء القضبان. في السجن »عرب مسلمون« يعانون ويسمعون شتائمهم من
الكورسيكيين الذين يشكلون مافيا تمتلك المال وتتحكم في كل شيء في السجن حتي
إدارته..
ولذلك كان طبيعيا
أن يخضع لهم »مالك« وهو الفتي الأمي الذي يجبرونه علي قتل آخر حثه
علي التعليم..
وإن
كان يعاني شذوذا وبالفعل ينفذ ما يؤمن به ليصبح
شبه واحد منهم..
فالغريب أبدا
لن يكون واحدا من ضمن المجموعة الأصلية هو »الرسول«
وهو الاسم الذي يحمله الفيلم ويقوم بإيصال
الرسائل والمخدرات وعقد الصفقات..
وحتي
عندما يطلب منه زعيم المساجين أن يخرج في إجازة مسموحة من السجن لمدة 24
ساعة ليعقد صفقات واتفاقيات وينجح خلالها في عقد صفقات تخصه هو ـ ويجني من
ورائها ألوفاً وملايين من تجارة »كوكايين«.
يعود بالأموال للسجن ليعطيها للمجموعة المسلمة
التي ترفض في البداية أخذها
لأنها »حرام«
إلا أنه يقنعهم بأهميتها..
وبأن أموالهم كلها
»حرام« لكنها سوف تعطيهم القوة..
يأخذونها..
ويبدأ هو بعد ذلك في التخطيط لتمزيق باقي
المساجين الكورسيكيين الذين كانوا يشكلون عنصر قوة..
حتي إنه يخرق قانون العودة في الوقت المسموح له..
ليتعرض للحبس الانفرادي مدة تزيد علي
الأربعين يوما..
يكون تم فيها تصفية كل
عناصر القوة الأجنبية في السجن..
وبدأت تظهر مظاهر القوة علي السجناء العرب،
والذي بعد خروجه من الحبس الانفرادي يصبح في حمايتهم.
وعندما يحين موعد الإفراج عنه..
يجد أرملة صديقه الراحل الذي أوصاه بها وبطفله الرضيع في انتظاره.. ليسير
معهما وخلفهما مجموعة من السيارات الفاخرة تسير خلفه كلها رهن إشاراته..
وتحت إمرته.. في إشارة واضحة أن »العرب قادمون«
بقوة..
مهما حاولوا أن يصوروا أنفسهم أنهم يريدون أن يعيشوا في سلام وبعيدا عن
المشاكل.
إن فيلم »الرسول«
أثار جدلا شديدا عند عرضه في مهرجان »كان«
فلا أحد ينكر الصورة السيئة التي يعكسها عن
العرب..
وإن كان البعض منها حقيقة..
لمن اقترب من الجاليات العربية خاصة للشباب
غير المتعلم ومدي العنف الذي يتسم به في كل تصرفاته..
حتي إن الأحياء التي يقطنها عرب للأسف
الشديد باتت تعد من الأحياء الخطرة لانتشار تجارة الممنوعات بها والعنف
المنتشر بين شبابها.
لكن هذا لايعني أيضا أن المخرج لايدري أبدا حقيقة الدين الإسلامي ولم
يحاول أن يبحث وراءه وهو شيء لايلام عليه إذا كان أيضا هؤلاء الشباب
لايعرفون الكثير عن دينهم.
إنهم حصاد لآباء اغتربوا في السنوات الماضية بحثا
عن حياة أفضل ساهموا في بناء البنية التحتية للعديد من الدول الأوروبية
خاصة فرنسا..
لكنهم فقدوا هويتهم..
وفقد أبناؤهم كل جذورهم الثقافية والدينية..
ولم تعد بالنسبة لهم سوي »فلكلور«
والبعض الآخر فهم الدين خطأ في بحثه عن هويته وارتمي في أحضان »المتطرفين«.
إن قضية العرب المهاجرين سوف تظل لمدة طويلة تصيب أوروبا بالصداع بسبب
خوفهم الشديد منهم من أن يأتي اليوم الذي يحكمونهم فيه..
كما سيظل هؤلاء العرب يعانون من نظرة عنصرية شديدة.. بات يعرفها كل من
يسافر إلي الخارج ويلمسها جيدا..
ولن تخف حدتها.
»الرسول«
الذي شارك في بطولته
»طاهر رحيم« ومجموعة من الممثلين العرب الشباب الذين يشقون طريقهم في عالم السينما أيضا بصعوبة
يستحقون التحية..
أما التحية الحقيقية فهي
»لماريان خوري« التي قدمت في مصر هذا الفيلم في إطار البانوراما الثابتة
للفيلم الأوروبي .. لأن الرقابة كانت ستضع عليه مليون محظور لكنه مع ذلك
سيبقي من الأفلام الهامة التي تعكس النظرة الأوروبية للعرب مهما كانت
قسوتها علينا.. لكنها واقع يجب أن نواجهه.
آخر ساعة المصرية في
05/01/2010 |