"هناك مخرج طيب دائما..دائما"هذا ما جعلني رفقي عساف أؤمن به إيماني الراسخ
بأن المخرج السينمائي هو شرير الشاشة الذي يسرق ويقتل ويعمّر ويؤثث
التفاصيل في وجدان المشاهد وعقله دون أن توجه له أي تهمة مباشرة عكس
الممثلين وكاتب الفيلم.
رفقي عساف أهم مخرجي الأفلام القصيرة في الأردن حيث صناعة السينما لا زالت
في بدايتها ولم تشهد طفرات كبيرة كمثيلاتها في المغرب العربي.
أخرج رفقي عساف -مواليد عمّان 1978 - أفلاما قصيرة منها ماحاز على جوائز
ومنها ماحصد التنويه والإعجاب ومنها ما كان حاضرا في مهرجانات عالمية وهو
ذا يستعد لإطلاق فيلمه الطويل الأول مؤمنا بكون " الفن مابيطعمي خبز"
ومطبّقا لفكرة "الفن للفن" بكل حب وتفان. ولربما هذا ما سيجعل مخرجا غيره
في المستقبل البعيد ينجز فيلما عنه تحت عنوان نص لرفقي عساف " عن كيف تكون
رفقي عساف؟"
·
1– تحضرني الآن مقولة رولان باث
"الفيلمُ شريطٌ ثرثار، التوكيد استحالة التشظيّ، إستحالة الهايكو" ، هل
توافقه الرأي ، أم أن الشعر في السينما، هو أقرب إلى آليات اشتغال فنّ
قصيدة الهايكو؟
سؤال شائك بالنسبة لي، أرى بأن التقسيم المشهدي السينمائي حين يقع في يد
كاتب ومخرج يمتلك أو يمتلكان الحساسية الكافية يمكن أن يكون قريباً من
قصيدة الهايكو بكثافتها وجماليتها، ولكن بارتباطِ شعرية كل قصيدة بتلك التي
تليها فلا أرى شخصياً معنى للتشظي غير المترابط أو المقروء للمشاهد العادي،
بل أرى ضرورة الاشتغال على مستويين متوازيين، أحدهما شعري إن جاز التعبير،
والآخر حكائي ومترابط بشكل ما.
·
2- أنت المخرج والشاعر ، أسألك
عن موقفك من تجربة السينما الشعرية وقصيدة النثر السينمائية وسينمائية
القصيدة الشعرية؟
لم أجرب الشعر في السينما بعد، ولكنني جربت السينما في الشعر، من خلال
القصائد المشهدية واليومية، كما أسلفت في السؤال السابق، فالشعر في السينما
يحتاج الاشتغال للحفاظ على المعنى، هكذا أراه انا على الأقل، ولكن الشعرية
دائما موجودة وأساسية في المشهد السينمائي، دون الحاجة لأن يكون المشهد
نفسه مبنيا على الشعر.
·
3 – كيف هو شكل الكاميرا في رأس
الشاعر ، وهل سبق وأنجزت الفيلم القصيدة؟
شكل الكاميرا في رأس الشاعر، تعبير جميل، صدقيني إن قلت لكِ بأنني أبدا لا
أعرف، انا من نوعية الناس الذين يعتمدون على الموهبة الفطرية بشكل كبير،
وأحاول صقلها مع الوقت، وحين أنتهي من النص السينمائي أو حتى الشعري، لا
أعرف من الذي كتبه، ولم يسبق أن أنجزت الفيلم القصيدة، ولا أظن بأنه قابل
للإنجاز مهما اقتربنا منه، لأن هذا وسيط وهذا وسيط مختلف، مهما استعارا من
بعضهما.
·
4 – ماذا عن تجربتك في إخراج
الأفلام القصيرة ، متى بدأت وكيف تطورت ومتى يصير نَفَسُك السينمائي طويلا؟
بدأت في 2005 كتحقيق لحلم طال انتظاره، وبدأت من خلال تعاونية عمان
للأفلام، واستمرت من خلال التنوع بين أعمال من خلال التعاونية وبين محاولات
فردية، وشهدت قمتها من خلال فيلم "المشهد" الذي تشاركت فيه كتابة وإخراجاً
مع الزميل "حازم البيطار"، والآن حان وقت إنجاز فيلمي الطويل الأول، وهذا
لا يعني عدم العودة للأفلام القصيرة، ولكنه يعني بأن الوقت قد حان لتحدي
إنجاز فيلمي الطويل الأول.
·
5 - فيلمك القصير " المشهد "
يعالج مفهوم الحرب وبالتحديد نفسية الجندي الإسرائيلي في عمليات قنص
الفلسطينيين وهو نفس ما تطرق له الفيلم الإسرائيلي "لبنان" والحائز على
جائزة الاسد الذهبي من مهرجان البندقية السينمائي الدولي..ثمة تقاطع بين
الفيلمين بشكل مثير للاستغراب ..هلّا حدثتنا عن الأمر أكثر، هل كان فيلمك
ليفوز بجائزة البندقية لو كان فيلما فلسطينيا قصيرا او طويلا كما حصل مع
الفيلم الاسرائيلي؟؟
سؤال مهم للغاية، لا أريد أن متمركزا حول ذاتي، ولكن التشابهات بين
الفيلمين كما لاحظ كثير من الأصدقاء الذين شاهدوا الفيلم الإسرائيلي (كوني
لم أشاهده بعد) واضحة جداً، فالعربي لا يظهر إلا من خلال بندقية القنص،
فيما يتناول الحوار بين الجنود نفسياتهم أثناء العمليات العسكرية، لا
أستطيع الحكم قبل مشاهدة الفيلم، وربما حين ذاك يكون أمر الجائزة الكبرى
التي حازها قد فتر، ولا أستطيع الحكم إن كان فيلمنا كان سيحوز ذات الجائزة،
ولكن للحق فالأفلام الفلسطينية يحتفى بها في كل مكان لسويتها الفنية
العالية وإنسانيتها، فيلمنا قد يختلف الأمر معه لأنه مباشر في نقد
الممارسات الوحشية الإسرائيلية، ولكنني لا أستطيع الجزم.
·
6 - يتساءل السينمائي الأردني
جلال طعمة، ويقول "رأيت 15 تجربة فيلم مع اللجنة العليا للسينما وبعض
التجارب مع الهيئة الأردنية للأفلام، ما أراه ليس سينما، أنا أرجو افهام
هؤلاء الشباب والمسؤولين عنهم أن ما نراه ليس سينما وإنما فيديو، والفيديو
مجاله في التلفزيون وليس الهيئة الملكية للسينما. أظنّ أنك توافقه الرأي
أنت المخرج الشاب؟
هذا التعليق للأستاذ جلال قديم نسبياً، وجاء مع بدايات الحركة السينمائية
الشبابية الجديدة، التي بدأت في نفس الفترة من خلال ظهور تعاونية عمان
للأفلام والهيئة الملكية الأردنية للأفلام، وللرد على رأي الأستاذ جلال يجب
الخوض في جدلية أعتقد اليوم بأنها حسمت تماماً، وهي جدلية هل الأفلام
المصورة بكاميرا الديجيتال سينما؟؟ وطالما باتت أعرق المهرجانات السينمائية
الدولية تقبل أفلام الديجيتال كأفلام سينمائية، إذن فالنقاش في الأمر سيكون
غير ذي جدوى اليوم.
·
7 – صناعة الأفلام في الأردن لم
تعرف طفرة كمثيلتها في المغرب أوتونس أو الجزائر.هل هو عدم اهتمام الأردن
بصناعة السينما أم أنه ضعف المؤسسة السينمائية الثقافية الوحيدة في الأردن
وهي الهيئة الملكية للأفلام والتي لا يشرف عليها تكنوقراطيون أو سينمائيون
محترفون ، أم أن البيزنس السينمائي في الأردن متفوق على فكرة السينما
نفسها؟
في الحقيقة هناك طفرة نسبية، والهيئة الملكية للأفلام وللحق تبذل جهوداً
جبارة في مساعدة السينمائيين الشباب ضمن إمكانياتها المتاحة واسمحي لي هنا
أن أذكر اسم الصديقة رولا ناصر والصديق مهند البكري، واللذين يبذلان جهوداً
استثنائية، وكذلك تعاونية عمان التي تعتبر شهادتي فيها مجروحة كوني أحد
أبنائها، ممثلة في حازم البيطار، لا يوجد تجربة خالية من الأخطاء ولكنني
شخصياً أرى بأن هناك إيجابيات تفوق السلبيات في هذه التجارب، سمحت لنا
كسينمائيين أردنيين شباب بالتواجد وأخذت بأيدينا في فرص أتاحتها التقنية
الرقمية وبلورتها هذه المؤسسات، ولا أعتقد بالأساس بفكرة وجود بيزنس
سينمائي في الأردن إلا في حدود ضيقة للغاية وفردية، البيزنس عندنا تلفزيوني
غالباً.
·
8 – "الترقيعة الأخيرة" ، "عمان
بالأحمر" ، "روح عمانية" ،"الخميس" هذه بعض أفلامك القصيرة..رفقي ، هل هي
أفلام للطيبين ، أو بمعنى آخر أفلام مخرج طيب؟
سؤال لطيف، واستعارة لاسم مدونتي "كتاب الطيبين"، ما تعريفك للطيبة؟؟،
أفلام للطيبين؟ لا.. أفلام لكل الناس، وربما غير الطيبين أهم، فلعل الأفلام
تؤثر بهم إيجابياً، وهل هي لمخرج طيب؟؟ هي بالتأكيد لمخرج يحاول أن يكون
طيباً.
·
9 – جذبك المسرح حين كنت طفلا
ووقفت على خشبته كممثل قبل أكثر من 23 سنة.هل الإخراج المسرحي لا يغريك
كثيرا قدرما يفعل الإخراج السينمائي؟و مالنقطة التي يشترك فيها كل من
المسرح والسينما في الأردن؟
سؤال يمسني في الصميم، وتجربة طفولة لن أنساها، بلورت حب الفن في دمي،
ولكنني أصدقك القول بأن الإخراج المسرحي لا يغريني كثيرا بقدر الإخراج
السينمائي، ربما أرى نفسي فيه ممثلاً من جديد يوماً ما، تجربة أتمنى خوضها
مجدداً، أما بماذا يشترك المسرح والسينما في الأردن، فيشتركان في مجموعة من
الشباب الحالمين، ويشتركان في الظروف الصعبة لصناعهما في بلد صغير، وأرى
بأن المسرح هو رافدي الأساسي كمخرج سينمائي، وحزين لشح التجارب فيه لأنه
مضخة الممثلين الأفضل برأيي.
·
10 – نعود إلى فيلمك "المشهد"
الذي شارك في 5 مهرجانات دولية و الحاصل على جائزة مهرجان الفيلم العربي
الفرنسي والذي اختير أيضا ليكون الفيلم العربي الوحيد مهرجان
"تامبيري"الفنلندي، وحصد جائزة أفضل فيلم قصير في مهرجان ابو ظبي للأفلام
القصيرة ، كما أنه حاز على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان تاغيت الذهبي في
الجزائروتم التنويه به كأفضل سيناريو في مهرجان الاردن للأفلام
القصيرة.رفقي ، هل الفيلم الذي يحصد جوائزا واهتماما وتكريما هو الفيلم
الوحيد المعترف به؟هل يقوّي المخرج أم يضعف باقي افلامه وربما يقبرها ولا
يعترف بها؟
شئنا أم أبينا فمعيار نجاح الفيلم القصير هو المهرجانات، أرى بأن نجاح فيلم
قصير واحد للمخرج لا ينتقص من تجاربه السابقة، خصوصا لو كان أحدث أفلامه،
على العكس، هو يؤكد نضوج تجربته واستفادته من أفلامه السابقة والأخطاء التي
ارتكبها سواء على صعيد الاختيارات أو المواضيع، وكذلك يدخل في الأمر أشياء
كثيرة، منها المزاج العام للمهرجانات ولجان الاختيار، ونوعية الأفلام، أما
لو أنجز المخرج أفلاماً كثيرة بعد الفيلم الناجح ولم يفلح في تكرار النجاح
فهنا يكمن خطر النجاح لمرة واحدة أو ربما فكرة الطفرة، والتي قد تطارد
الفنان، لذلك تتأتى المسؤولية بعد النجاح، ولهذا أتأنى حالياً كثيراً جداً
في كتابة فيلمي الطويل الأول لأن الناس تنسى الفيلم القصير، ولكن لا أحد
ينسى الفيلم الطويل بنجاحه أو فشله.
·
11 – يقول رفقي عساف: "لي وطنان
واحد ليس لي وآخر ليس لي" ، تتحدث عن فلسطين والأردن لكن أليست الكاميرا مع
عشقك الكبير لها وطنك الحقيقي الذي قد يحسن ابتلاع وطنين ليسا لك؟
سؤال مهم للغاية وحساس، أنا أعتز كثيرا بأردنيتي، كما أعتز بأصلي
الفلسطيني، ولكنني ككل فلسطيني في هذا العالم أعاني من هذه الأزمة في
الهوية، فكأردني يشدني الحنين إلى جذوري الفلسطينية وبلدتي عرابة في قضاء
مدينة جنين، ويؤلمني ما يحدث في وطني فلسطين من ألم، وأظل مشدوداً إليه،
وأحلم بيوم يعود فيه الحق لأصحابه، وكفلسطيني أظل لست كفلسطينيي الداخل أو
المخيمات في الخارج الذين يعانون كل يوم ، فيما توفر لي أردنيتي حياة أكثر
هدوءاً واستقراراً وفرصاً وأريحية في التنقل والحياة، لذلك ربما لجأت إلى
الكاميرا كوطن ثالث، أعبر من خلالها عن همي الشخصي، وهم كل فلسطيني وكل
أردني.
·
12 – تكتب عن السينما التي
تستفزك فهل الكتابة عن الفيلم اخراج مختلف له كما يحصل حين تترجَم القصيدة
فتصير قصيدة اخرى؟
لا، لا أظن، بل هي تلخيص للرؤى التي خرجت بها من الفيلم وتشارك لها مع
القارئ لا أكثر، ويفيدني في هذا كثيرا ويميزني أنني أتناول الجانب التقني
كمخرج وكاتب، ويقتصر هذا على الأفلام التي تروقني بالمجمل، لأنني أرى من
غير الأخلاقي تناول فيلم لم يعجبني لأنه فيلم لزميل في النهاية، وربما مع
إبحاري في عالم السينما بشكل أكبر أتوقف عن النقد، أقول ربما.
·
13 – قليلات هن الممثلات /
الممثلون في الأردن؟
الممثلات تحديداً، بسبب طبيعة المجتمع المحافظة والمتحفظة، وقد سبق أن كتبت
مقالاً عن الموضوع، ولكن لدينا ممثلون وممثلات في منتهى الأهمية عربياً،
مثل الغائب منذ فترة رشيد ملحس، صبا مبارك، إياد نصار، عبد الكريم القواسمي،
محمد القباني، نادرة عمران، عبير عيسى، والمعتزل لعارض صحي العبقري ربيع
شهاب شفاه الله، وغيرهم كثير.
·
14 – ماهو أكثر فيلم أدهشك؟ أكثر
فيلم أزعجك؟وما هو الفيلم الذي أحسست أنك كنت مخرجه في حياة أخرى ؟
أكثر فيلم أدهشني، "إشراقة أبدية لعقل جميل
Eternal sunshine of the spotless
mind" لمايكل جوندري، وأكثر فيلم أزعجني "جسد
الأكاذيب
Body of lies" لريدلي سكوت، والفيلم الذي أحسست بأنني مخرجه في حياة أخرى هو "ميمنتو"
لكريستوفر نولان.
·
15 – "الفن مابيطعمي خبز" –
الحديث طبعا كان عن الفن الحقيقي - تذكر هذا التعليق الذي جاء عقب اختيارك
لدراسة الإخراج السينمائي؟
والدي الحبيب رحمه الله كان صاحب هذا التعليق، وشكراً للتنقيب عنه، وهو
كلام سليم 100%، وأسير على هديه، فقد كان والدي رحمه الله شريكي في حلمي،
ولم أدرس الإخراج بسبب وفاته رحمه الله، ولكنني عدت إلى السينما، ولذلك
فأنا حريص في خطواتي كثيراً، ولليوم لم يدخل جيبي قرش من الفن، باستثناء
مبلغ من حصتي في إحدى الجوائز.
أويا الأردنية في
03/01/2010 |