ما تفتقده الكتابات المتداولة في الصحف والمجلات العربية المتعلقة بنظريات
فن السينما، تعوضه الدراسات الأكاديمية والرسائل الجامعية التي باتت تتزايد
في السنوات الأخيرة، والتي صار أصحابها يدفعونها للنشر في كتب تتاح
للمهتمين . أحدث هذه الكتب التي صدرت مؤلفة بالعربية كتاب بعنوان “الفيلم
بين اللغة والنص- مقاربة منهجية في إنتاج المعنى والدلالة السينمائية”
للباحث علاء عبد العزيز السيد، الصادر ضمن سلسلة “الفن السابع” من منشورات
المؤسسة العامة للسينما بدمشق .
يحتوي الكتاب على قسمين رئيسيين، الأول منهما، وهو الأكبر، عبارة عن بحث
أكاديمي في جوهر فن السينما، والثاني عبارة عن دراسة تحليلية تطبيقية تستند
إلى الفيلم المصري الشهير “المومياء” للمخرج الراحل شادي عبد السلام .
يبدأ الكتاب، حسبما جرت عليه العادة في الرسائل الجامعية، بفصل أول يبحث في
ماهية اللغة، نشأتها وتطوراتها، إضافة إلى عرض لمختلف النظريات المتعلقة
باللغة . ينتقل الفصل الثاني إلى موضوع أكثر تخصصاً فيبحث في ماهية اللغة
الفنية وخصائصها، وذلك قبل أن ينتقل في الفصل الثالث ليبحث في خصائص “اللغة
السينمائية” .
السؤال الأول الذي يثيره الكتاب هو مدى صحة استخدام تعبير “اللغة
السينمائية”، وعليه يعلق المؤلف في مقدمته: “التساؤل حول طبيعة السينما”
الفيلم من حيث كونها لغة لم يكن مقتصراً على ذلك الفن فحسب، وإنما امتد في
ما سبق إلى بقية الفنون الإنسانية من حيث التساؤل؛ هل تشكل هذه الفنون لغات
تشبه اللغة الكلامية؟ “و” هل تتساوى تعبيرية الكلمة مع تعبيرية الصورة؟ وهل
يمكن مساواة النظام اللغوي مع النظام السينمائي؟
يسعى المؤلف للإجابة على هذه التساؤلات منطلقاً من اعتبار السينما بالدرجة
الأولى أداة تعبير ومن دراسة الفيلم كنص، ليس بمعنى النص المكتوب، أي
السيناريو، بل الفيلم المنجز كنص متعدد العناصر، والتي يربط بينها
المونتاج، المونتاج لا في جانبه الحرفي أو المهني بل في جانبه الفكري، أي
كتصور وكبنية دالة .
من الواضح أن المؤلف سعى لأن يكون بحثه شاملا يغطي كافة الجوانب النظرية
والتطبيقية المرتبطة بفن السينما . من حيث تركيزه في الكثير من الفصول على
المونتاج وعلاقته ببناء الزمن والمكان والبنية السردية وإنتاج الدلالة
والتعبير عن وجهة نظر الفنان، إضافة إلى ارتباط المونتاج العضوي ببقية
العناصر التي تؤلف الفيلم مثل علاقة الصوت بالصورة ودور التفاصيل التي تعرض
بواسطة اللقطات المكبرة في مساعدة المونتاج على إنتاج الدلالة .
يتطرق المؤلف في أكثر من موقع إلى مفهوم اللقطة التي هي الأساس في بناء
الفيلم، وهو يلاحظ أن اللقطة السينمائية ليست نظيرا للكلمة في اللغة بل هي
أقرب ما تكون إلى الجملة، حيث إن اللقطة تحتوي في داخلها على مجموعة من
العناصر المرئية المتباينة والتي وإن كانت تتفاوت في البروز والأهمية داخل
اللقطة إلا أنها جميعها تلعب دورا متفاوتا في التعبير عن الدلالة والتأثير
في المشاهد حتى ولو لم يكن هذا الدور واضحا مباشرة .
يعالج المؤلف أيضا الكثير من الجوانب التي تتصل بجوهر السينما من حيث هو فن
الحركة والقدرة على الإيهام بالواقع، وهذا بدوره يقوده نحو التأمل في موضوع
التلقي السينمائي ودور وعي وخبرة المتلقي في استكمال المعنى والقدرة على
الوصل بين التفاصيل متجاوزا ما حذفه المونتاج منها .
يركز المؤلف أيضا على علاقة السينما بالزمن، ففي حين أن السينما تملك
القدرة على التلاعب بالزمن، تقديمه أو تأخيره، إطالته أو اختصاره، فإن
الخاصية الأهم لعلاقة السينما بالزمن هي أن الزمن في السينما هو الحاضر،
هنا والآن، فكل ما يرى على الشاشة تتم معايشته في الحاضر سواء كانت أحداث
الفيلم تدور في الماضي أو في المستقبل
القضايا النظرية التي يثيرها الكتاب متعددة وعصية على الحصر في هذا الحيز
الضيق المتاح، وهي قضايا جوهرية سبق وأن تناولتها العديد من الأبحاث
والمؤلفات، فهي ليست جديدة، لكن ما يميز هذا الكتاب هو ليس سعي المؤلف
لتفسير النظرية بدعم من النماذج التطبيقية فحسب، بل بشكل أساسي قدرة المؤلف
على طرح مواضيع نظرية وعرضها بصياغة واضحة مفهومة بما يساعد القارئ العام
غير المتخصص على استيعابها .
أخيرا، نقول مع ذلك، إنه لا بد من ملاحظة أن ما يفتقده هذا الكتاب هو
القضايا المستجدة على فن السينما والمرتبطة بخاصة بالتقنيات الرقمية التي
خلخلت علاقة السينما بالواقع التي شكلت جوهر وخاصية السينما من حيث كونها
تعكس صورته مباشرة، وهذا ما ميزها عن بقية الفنون السابقة، وفتحت المجال
أمام تقديم واقع افتراضي، مما يؤدي حتما إلى إثارة أسئلة جديدة .
الخليج الإماراتية في
02/01/2010 |