قبل أن يطوي العام 2009 أيامه الأخيرة، تمكن صناع أفلام أردنيون من
تحريك عجلة المشهد السينمائي المحلي، من خلال إنجازات لمجموعة لا باس بها
من الأفلام المتفاوتة الطول والمتباينة الاهتمامات والأساليب، البعض منهم
شباب في إطلالتهم الأولى، والبعض الآخر مخضرمون في هذا الحقل الإبداعي.
من ابرز الأعمال التي انتهى تصويرها .. الفيلم الروائي الطويل المعنون
(الشراكسة)، الذي يحمل توقيع المخرج السينمائي الأردني العالمي محي الدين
قندور العائد من هوليوود بعد سنوات طوال أمضاها في العمل هناك مخرجا
ومنتجا، وفي فيلمه الجديد (الشراكسة) يبحث في صفحات من التاريخ الاجتماعي
لمدينة عمان، يعود إلى حقبة بدايات القرن الفائت، وهو الفيلم الذي سيرى
النور خلال الفترة المقبلة، بعد أن ينتهي مخرجه من وضع اللمسات الختامية
على تقنياته الفنية في استوديوهات غربية.
هناك أيضا الفيلم التسجيلي الطويل المعنون (عندما كنت ميتا) للمخرج
الأردني الشاب محمود المساد المقيم في هولندا الذي أنهى تصوير أحداثه بعمان
مؤخرا، وهو يعمل حاليا على إنجاز نسخته الختامية التي تتحدث عن ذكريات شاب
وجد نفسه في ثلاجة الموتى إلى جوار جثة والده عقب قيام إسرائيل باغتيالهما
في احد الشوارع الأوروبية، وهو يعد الفيلم الطويل الثاني الذي يضاف الى
مسيرة مخرجه المساد، الذي حقق نجاحا عالميا بفيلمه التسجيلي الطويل الأول
(إعادة خلق)، الذي صوره في مسقط رأسه بمدينة الزرقاء - قطف جائزة أفضل
تصوير في سندانس وعرض في صالات السينما الأوروبية بنجاح - وفي فيلموغرافيا
مخرجه العديد من الأفلام التسجيلية القصيرة والمتوسطة منها فيلمه اللافت
(الشاطر حسن) الذي عرف بطاقاته السينمائية الإبداعية.
وشهد العام المنصرم فوز مشروع المخرج الأردني أمين مطالقه المسمى
(ياسمينة) في مهرجان دبي السينمائي الدولي الأخير، الذي سيباشر العمل عليه
في الفترة المقبلة وتسري أحداثه في العاصمة عمان على خلفية أحداث ومواقف
كوميدية .
كما ويقدم المخرج الأردني الشاب محمود الحشكي من إنتاج رولا الرواشدة
فيلمه الروائي الطويل الأول، الذي أنهى هو الآخر عمليات تصويره بانتظار
البدء في عمليات مونتاجه وسيكون جاهزا للعرض خلال الأسابيع المقبلة، وتجري
اتصالات لعرض تلك الأفلام الثلاثة في المهرجانات السينمائية العربية
والعالمية خلال العام 2010 .
على نحو آخر أفرزت مؤسسات تعليمية وتدريبية تعنى بصناعة الأفلام، كحال
ورش العمل التي تنظمها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، ومشاريع تخرج طلبة
كلية الفنون الجميلة في جامعة اليرموك وطلبة معهد البحر الأحمر لفنون
السينما ومعهد أي إيه سي، من خلال أسلوبية كاميرا الفيديو الرقمية مجموعة
وفيرة من إنجازات فيلمية لمخرجين أردنيين شباب، بحيث احتفل بعرضها في
الهيئة الملكية الأردنية للأفلام، يضاف إليها تلك الأفلام الآتية بفعل جهود
فردية كتلك التي قدمتها أعمال المخرجين أسماء بسيسو وحازم البيطار وأصيل
منصور وناجي ابو نوار وسواهم .
في الاتجاه ذاته احتفل بتأسيس (بيت الأفلام) الذي يتخذ من مقر الهيئة
الملكية الأردنية مكانا له، ويشتمل على مكتبة أفلام لقامات من السينما
العربية والعالمية ودوريات وكتب سينمائية متخصصة باللغتين العربية
والإنجليزية، وفضاءات مجهزة بتقنيات حديثة للعرض والمشاهدة وإقامة الدورات
التدريبية.
ومن جملة المحطات اللافتة لعام 2009، جاءت تلك الاتفاقيات الموقعة بين
الهيئة الملكية للأفلام مع العديد من المؤسسات والجهات الرسمية والأهلية،
مثل المركز الثقافي الملكي ومهرجان دبي السينمائي الدولي، بغية تفعيل دورها
في تنمية الذائقة الجمالية والفكرية في وظيفة الفيلم إضافة الى المهمة التي
تتكفل بها الهيئة في جذب استثمارات سينمائية من خلال تصوير أفلام الشركات
الكبرى في المملكة، وتعزيز نشر ثقافة الأفلام مثلما كان يعرض باقة من عروض
الأفلام الأردنية والعربية والعالمية في الكرك واربد والسلط والعقبة ومادبا
والزرقاء بالمشاركة مع مهرجان الفيلم العربي الفرنسي ومهرجان الفيلم
الأوروبي في تعاون مع السفارة الفرنسية وبعثة المفوضية الأوروبية بعمان
ولجنة السينما في مؤسسة شومان وأمانة عمان الكبرى.
وضمن فعاليات مهرجان الأردن الصيف الماضي، عبرت أفلام أردنية وعربية
مشاركة بحضور مخرجيها عن قدرات صانعيها في حقول التصوير والإضاءة والمونتير
وجميعها طرحت رؤى فكرية وجمالية بجرأة المغامرة بجهود ذاتية وإمكانيات
محدودة .
واقتربت تلك الأعمال التي تباينت مدة عرض الواحد منها بين الخمس دقائق
والساعة، من محاولة صانعيها في تحليل شخوص في حراك اجتماعي واقتصادي وسياسي
صعب من خلال تفاصيل علاقاتهم في البيت والشارع وداخل الجامعة أو في محيطهم
الإنساني، وكل ذلك يسري بأساليب متفاوتة تبرز فيها مواهب العديد من
المخرجين.. ولئن حاولت بعض الأفلام أن ترسم القلق الآتي من تداعيات حيوات
أبطالها وعزلتهم في أمكنة متباينة شديدة التأثر بما يسري من تحولات معاصرة،
فان صناع القسم الآخر من الأفلام عبروا بالإيقاع الهادىء عن انجراحية في
تلك العلاقات الملتبسة لنسوة في موضع شك واتهام وعدم ثقة لما يحيط بواقع
المرأة في أكثر من بيئة وثقافة، وهي تفتقد الفهم والإحساس بما يجول في
ذهنها من القدرة على البوح في خواطر تنتابها بين حين وآخر.
كما وقدم كل من المخرجين والمخرجات ناجي أبو نوار وساندرا ماضي وداليا
الكوري وإياد الداوود وأنس بلعاوي وأصيل منصور وعبد السلام العقاد وعزة
حوراني ومريم جمعة وسلمان عواملة وسواهم كثير مجموعة من الأفلام الجديدة
بدت فيها أحاسيس ساطعة من آتون واقع ملتبس يبغي صناعها خيارا جماليا
تجريبيا ناضجا في حياد عن المنتوج التلفزيوني أو السينمائي الدارج في
منهجية مغايرة لتلك الأساليب المتبعة في عمليات التمويل والإنتاج وهو ما
صورته أفلام : (موت ملاكم) و(عمان الشرقية .. عمان الغربية) و(رب المنزل) و
(الذاكرة المثقوبة) و(دايرين السلام ) و(هي: الشرطية) و(سيرة لاجيء) و(لا
اسمع شرا) و (عندما تغرب الشمس) و(القدس زهرة المدائن) بالإضافة إلى فيلم
(المغطس) الذي أنجزته وكالة الأنباء الأردنية (بترا).
على النسق ذاته شاركت أفلام أردنية متنوعة الاهتمامات والأساليب ذات
السمة التسجيلية والتجريبية والفيديو ارت والدرامية في الكثير من
المهرجانات العربية والدولية وانشغلت في التحدي والبحث عن حلول ومعالجات
لمستقبل الفيلم وكيفية التعاطي مع أحدث أساليبه الفنية بلا جنوح أو شطط .
ففي مهرجان (آمال) للفيلم العربي الذي عقد في أسبانيا شارك الفيلم
الروائي القصير (كعب عالي) للمخرج فادي حداد وهو الفيلم الذي جرى اختياره
أيضا بالإضافة إلى فيلمه السابق على سيرة البيانو في مهرجان سان فرانسيسكو
في الولايات المتحدة الاميركية .
كما اختار مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام القصيرة الفيلم التسجيلي
الطويل (أنا غزة) لأسماء بسيسو، الذي يناقش الأوضاع الصعبة التي يعيشها
الناس وخاصة الأطفال في مدينة غزة جراء العدوان الإسرائيلي الأخير، وهو
الفيلم الذي عرض أيضا في مهرجان وهران بالجزائر.
وتصور أحداث الفيلم التسجيلي (جماليات المكان) لمخرجته اللبنانية ندى
دوماني المقيمة بعمان، والذي جرى اختياره في مهرجان الإسماعيلية للأفلام
وشارك أيضا في مهرجان سيرايفو السينمائي الدولي وقبل ذلك في مهرجان سينمائي
بايطاليا، لحظات ومحطات من الحنين الجارف إلى المكان العراقي في حياة عدد
من المبدعين العراقيين المقيمين في عمان .
وجاء الفيلم الكارتوني الثلاثي الأبعاد شيري لمخرجته ريم عمري محملا
بالعديد من الوقائع والمواقف الرومانسية الطافحة الذي تدور قصته حول انسانة
تبحث بكل طاقتها عن التواصل الإنساني التي تجدها في متعة الذهاب الى صالة
السينما، بدا الفيلم وكأنه مثقل بإيقاعه البطيء لكنه لا يغفل تلك التفاصيل
الدقيقة في حراك شخصياته الرئيسية بين أمكنة تتدرج فيها الألوان ودرجات
الضوء ولئن ظل يعوزه الحيوية والرشاقة التي تتسم هذه النوعية من الأفلام .
وعلى الرغم من رؤيته الإنسانية العميقة تجاه بطله الذي يعيش على هامش
المجتمع فان المخرج الشاب محمود الشولي بفيلمه الكارتوني رحلة العشرة
دولارات اتى من قصص مثيرة ويحسب له فطنته في المامه بمفردات بصرية وزوايا
تحكم رؤيته المشهدية للعمل الكارتوني .
وبدا الفيلم الروائي القصير المعنون الامبراطورية المستعمرة لعاصم
العمري، وكأنه يقترب من تلك الأفلام الدرامية التي يتوجه إليها جيل من
الشباب الجدد في محاكاة مواضيع عامة لا تتقيد بالزمان أو المكان، لكنها
تنحاز الى الإنسان العادي الذي هشمته الأحداث والتحولات بينتها قدرات
إخراجية لافتة بين موضع وآخر ومما زاد من جماليات الفيلم توظيف المخرج
لمونودرامية بطله أمام المراة أو في أغنية زياد الرحباني، بحيث ساهم ذلك في
منح العمل رقة وشاعرية .. ولئن ظل الفيلم يعوزه الاعتناء الدقيق بإدارة
شخصياته وسرديته الدرامية .
في الفيلم التسجيلي محمد علي اختار المخرج عمر عبدالنبي بطله من
واقع حقيقي في زحام العاصمة يوزع وقته بين الجامعة والعمل خارج ساعات
الدراسات كمتطوع في خدمة المجتمع المحلي أو البيع على أرصفة الطرقات بصحبة
والده رغم العراقيل التي يواجهها من القائمين على نظافة وتنظيم البيع على
الأرصفة .
وترك المخرج لبطله أن يسرد جوانب من حكايته وحالته الاجتماعية وهو على
ارض الواقع سواء بين أهله أو في حرم الجامعة أو في قيامه بالبيع وكل ذلك
على إيقاع أغنية وموسيقى من الفولكلور الأردني في إظهاره لقوة الإرادة
الإنسانية المفعمة بالأمل والطموح.
وتناول فيلم خيانة عيد الميلاد لإبراهيم القاضي موضوعا قريبا من
ألوان الدراما العربية السائدة التي تتعلق بالحب والزيف والخداع في حياة
أناس من كلا الجنسين وما تفرزه من جرائم على خلفية من العلاقات لكن الفيلم
الذي أدى أدواره مجموعة من زملاء المخرج الشباب في جامعة اليرموك كهواة
اغفل العديد من النواحي الجمالية والدرامية التي كان يمكن الارتقاء
بواسطتها في العمل وإعطاؤه قدرة على الاحاطة في محاكاة واقعية تركز على
موضوعه وقضيته الأساسية سواء في بنية التفاصيل السائدة في إيقاع الحياة
اليومية أو في الأخذ بتقنيات وأساليب سمعية بصرية تتوجه إليها عادة أفلام
جيله من صناع الأفلام الشباب.
وشارك المخرج يحي العبدالله بفيلمه التسجيلي المعنون رسالة قصيرة في
مهرجان طنجة للأفلام الروائية القصيرة لبلدان البحر الأبيض المتوسط إلى
جوار فيلمين أردنيين قصيرين آخرين من بينهما فيلم رياح التغيير لحازم
البيطار الذي سبق له المشاركة بذات العمل في المهرجان الدولي للفيلم العربي
بوهران في الجزائر حيث يناقش فيه قصة فتاة شابة تقطن في بيئة قاسية على
أطراف البحر الميت وهي تكابد متطلبات الحياة بين العمل ورعايتها لوالدها
المريض قبل أن يتقدم لها شاب من القرية بالزواج الأمر الذي يتوجب عليها أن
تتخذ قرارا مصيريا صعبا .
ونالت أفلام أردنية: (الذاكرة المثقوبة) و (رب المنزل) (اسمي محمد)
جوائز رفيعة في مهرجان سينمائي ببيروت وفي كندا وجميعها شاركت أيضا في
الكثير من المهرجانات العربية والدولية وأنجز الأخير منها ضمن متطلبات ورشة
عمل تدريبية نظمتها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام لمجموعة من المخرجين
الأردنيين والعراقيين الشباب يتناول قصة فتى عراقي يقيم مع أسرته في عمان
ويتوجب عليه أن يمارس الكثير من المهن البسيطة بغية إعالة والدته وأشقائه.
ومن إنتاج وزارة الثقافة بمناسبة اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية
أنجزت ثلاثة أفلام تسجيلية تحت عنوان (القدس العتيقة) للمخرجين ساهرة درباس
وخليل سعادة وفيها تصوير بديع لموروث المدينة وقيمتها الإنسانية والتاريخية
والروحية.
الرأي الأردنية في
31/12/2009 |