إذا أردنا قياس مدي تقدم وحضارة المجتمع لن نجد أفضل من الفن ليكون
مقياسنا، فهو تلك الكلمات الساحرة التي تتحول بين غفلة عين إلي لحم ودم
وأحاسيس كما قال الراحل يوسف شاهين، ونحن نودع عام 2009 سنلقي الضوء علي
أهم الأحداث الفنية المميزة وسنمر مرور الكرام علي أحداث أخري لن تهم
قارئنا العزيز لارتباطها بأحداث شخصية للفنانين أو سقطات فنية لا تخرج من
طور التجارب فلن نحكم عليها سينما 2009 كيف كانت وما ملامحها.. هل جاءت بما
هو أفضل أم مازالت محلك سر.. نحاول نلقي الضوء عليها مع آراء لبعض النقاد.
قد تكون الحرب علي غزة أضعفت قليلا الإنتاج الفني خلال شهر يناير عام
2009 واتجه الجميع في بداية العام الجديد لإضاءة الشموع من أجل شهداء
فلسطين بدلا من إضاءتها أملا في عام جديد وطرحت الكثير من الصحف ما حدث من
التغطية الإعلامية لحرب غزة وتغني البعض بقنوات بعينها في حين تساءل البعض
الآخر عن التغطية الإخبارية المصرية والتي وصفت بالضعيفة أمام القنوات
الأخري حيث اعتمدنا بشكل شخصي علي «الندب» والولولة، كما صرح جمال الشاعر
وقتها بالإضافة إلي عدم وجود مراسلين لمصر داخل قطاع غزة خاصة مع تنافس
الفضائيات علي نشر تفاصيل الحرب وصور مؤثرة للضحايا منها قنوات الجزيرة،
العربية، رامتان وغيرها ولهذا لعب الإعلام العربي دورا مهما في تلك الحرب
لا يقل عن السلاح العسكري.
الأوسكار
في 23 فبراير من الشهر نفسه اختتم حفل الأوسكار رقم 81 ليعلن عن
مفاجآته المعهودة، فبعد أن رشحت النجمة أنجلينا جولي بقوة عن دورها في فيلم
«الاستبدال» خابت آمالها.
ولكن أوسكار 2009 ذهبت بقوة إلي المليونير الهندي الفقير حيث حصد
الفيلم ثماني جوائز حيث وقف مخرجه داني بويل فخورا أمام الملايين ممن
شاهدوه علي الرغم أن البعض عاب علي كون الفيلم موضوعا بيد إنجليزية حيث
المؤلف والمخرج والتعبير عن حياة الهندي المشرد من وجهة نظرهم، «المليونير
المشرد» حقق 100 مليون دولار إيرادات بينما تكلفته كانت 15 مليون دولار
فقط، «المليونير المشرد» يروي قصة فتي هندي فقير للغاية يذهب إلي أحد برامج
المسابقات المعروفة ليكسب الجائزة الكبري ليغير حياته ويتزوج ممن يحب.
وظل العالم يتحدث عن نجوم «المليونير المشرد» حتي أن مصر قد استضافت
أبطاله في مهرجان السينما.
واحد صفر وسينما المرأة
في شهر مارس بدأ عرض فيلم «واحد صفر» تأليف مريم ناعوم في تجربتها
الأولي الأكثر من ناجحة كما ظهر من ردود الأفعال حول الفيلم وحتي أيام قلية
من نهاية عام 2009 فاز «واحد صفر» بجائزة في آخر مهرجانات العام مهرجان دبي
حيث فازت مريم ناعوم بجائزة السيناريو، الفيلم من إخراج المخرجة المختلفة
كاملة أبوذكري وبطولة كل من إلهام شاهين ونيللي كريم وزينة وخالد أبوالنجا
وأحمد الفيشاوي وحسين الإمام، حيث قدم توليفة مميزة من النجوم الكبار حتي
التصوير لنانسي عبدالفتاح أشاد الجميع به وقد حصلت أيضا نانسي علي جائزة
التصوير من مهرجان دبي، يذكر أن فيلم «واحد صفر» قد شارك في أكثر من عشرين
مهرجانا علي مدار العام استطاعت المخرجة قيادة الممثلين والمنظومة بأكملها
للخروج بهذه السيمفونية وعبرت عن واقع صاخب من خلال نماذج لسيدات يتعرضن
لمشكلات، تعرض الفيلم لقضايا شائكة بجرأة منها الحجاب والطلاق في المسيحية
وقد حصل «واحد صفر» علي إيرادات رائعة أثناء عرضه في دور السينما ذكرت
الجميع بإيرادات فيلم «سهر الليالي» مما وضعه علي قائمة أفلام 2009.
احكي يا شهر زاد
قدم وحيد حامد ويسري نصرالله فيلما مختلفا اعتبره الكثيرون نقلة فنية
في المشوار السينمائي وهو «احكي يا شهر زاد» بطولة مني زكي وحسن رداد وسوسن
بدر ومحمودة حميدة ومجموعة من الوجوه الجديدة أدي إلي الكثير من المناقشات
حيث يتعرض لقهر المرأة في المجتمع المصري بصورة القهر المعنوي والجسدي من
خلال مذيعة التليفزيون هبة يونس التي يقهرها زوجها الصحفي المعروف لفترة
حتي خلال تقديمها لنماذج من السيدات في المجتمع خلال برنامجها الشهير تكتشف
أنها إحدي تلك القصص التي تعرضها فتفيق مما تعيشه لأول مرة عن قرب يكتب
وحيد حامد عن المرأة بتلك الجرأة والعذوبة، حيث لاقي الفيلم هجوما كبيرا من
بعض الاتجاهات خاصة نتيجة بعض المشاهد التي اعتبرها الجمهور جريئة وجديدة
علي مني زكي فتعرضت لحملة شرسة طالبت بمقاطعتها فنيا ومقاطعة الفيلم حتي من
قبل عرضه نتيجة فقط «برومو» الفيلم الذي يذاع في التليفزيون وبعد عرضه
اختلف الأمر حيث لاقي إقبالا جماهيريا ونجح أيضا علي مستوي النقاد ولعمق
فكرته وجودة صناعته مما اعتبره أحد الأفلام المهمة في 2009.
شارك «احكي يا شهر زاد» في كثير من المهرجانات خلال عام 2009 منها
مهرجان فينيسيا، تورنتو، كان وحصل علي جائزة أفضل فيلم لعام 2009 بعد
الاستفتاء الذي قامت به الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما وحصلت بطلته
مني زكي علي جائزة أفضل ممثلة لعام 2009 كما حصل علي جائزة أفضل وجه جديد
وأفضل موسيقي.
«بالألوان الطبيعية» هو مفاجأة أسامة فوزي للجميع ذلك المخرج المختلف
في رؤيته المهذب في تقديمه للنفس البشرية داخل أفلامه منذ «جنة الشياطين»
و«بحب السيما» ها هو يعود قبل نهاية العام «بالألوان الطبيعية» والذي يقدم
صورة من داخل كلية الفنون الجميلة ودفعة جديدة تصدم لما تراه وتعتبره
مختلفا عما يعرفونه، ويتعرض الفيلم لحالة التخبط التي يعاني منها الشباب
المصري. أما «ولاد العم» فكان المفاجأة الأولي في نهاية 2009 وكأنها فضلت
أن يستمر انتباهنا للسينما حتي آخر لحظات العام، قدم شريف عرفة المخرج
وعمرو سمير عاطف فيلما تجاريا وفنيا جيدا بطولة مني زكي وشريف منير وكريم
عبدالعزيز من خلال قضية «مخابراتية» خاصة وقد لاقي استحسان الجمهور والنقاد
ومازال يعرض حتي الآن في دور السينما ومازالت إيراداته مرتفعة.
واحد صفر تاني
أكد الناقد السينمائي نادر عدلي أن سينما 2009 لم تحدث تطورا ملحوظا
ولكنها بقيت «محلك سر» فلم يظهر من الـ 39 فيلما التي تم عرضها عدد مناسب
لنؤكد علي صعودها هذا العام بالعكس. أما عن أهم أعمال 2009 في رأيه فهو
فيلم «واحد صفر» الذي أعلن عن كاتبة موهوبة وهي مريم ناعوم ومخرجة ناضجة هي
كاملة أبوذكري وهو بكل المقاييس فيلم العام، ويري أن أحسن ممثلة لهذا العام
هي مني زكي في «احكي يا شهر زاد» و«ولاد العم» وأحسن سيناريو لمريم ناعوم.
مفاجآت وخيبات أمل
علي العكس.. أكد الناقد الكبير رفيق الصبان أن عام 2009 حمل مفاجآت
وأيضا حمل خيبات أمل حيث إننا انتظرنا من الشباب الكثير ولكنهم لم يقدموه
بالشكل المطلوب في السينما ولكنه يري في نفس الوقت أن 2009 حمل الكثير من
المفاجآت السينمائية الجيدة منها فيلم «واحد صفر»، «احكي يا شهر زاد» و«ولاد
العم» وأيضا «الفرح» والذي لم يتوقع من السبكي صناعته لما لمس به من بعد
إنساني ودفء لم يكن موجودا في أفلامهم السابقة، ويضيف أن نهاية موسم 2009
كانت جيدة حيث ختمت «بالألوان الطبيعية» لأسامة فوزي وهو ما يعتبر مفاجأة
جيدة، أما عن توقعاته لسينما 2010 فيؤكد أنه دائم النظر إلي الجانب المليء
من الكأس لهذا يتوقع الكثير من النجاح للسينما في 2010. خاصة أننا في
انتظار فيلم داود عبدالسيد ومجدي أحمد علي وفيلم ليسري نصرالله وآخر لشريف
عرفة أما عن المسرح فهو للأسف محلك سر في 2009.
سينما تائهة
أما الناقد السينمائي مصطفي درويش فيصف سينما 2009 بأنها «تايهة» لا
تستطيع اختيار طريق وكان آخر مخرجيها هو «أسامة فوزي» صاحب فيلم «بالألوان
الطبيعية» ولهذا فهناك حملة شديدة ضده أما باقي الأفلام الأخري فهي مترددة
تريد قول شيء ولا تستطيع ويفسر درويش ذلك بأن المخرجين المصريين يسيطر
عليهم الخوف من كل شيء ولهذا لا يوجد فيلم ينهض بمستوي أي مهرجان فني جيد
بالإضافة إلي ظهور ملامح الأزمة والتي عبر عنها بقوة فيلم «المسافر» والذي
يكاد يكون فيلما سريا في الخفاء وليس مطلوب من أحد أن يراه سوي قلة مضمونة
الرأي وهي من سافرت إلي فينسيا وهذا بعد الآمال التي ترددت حول أنه سيعوض
السينما في 30 عاما وسيكون «المومياء الثانية» ولكن خرج هذا كله ضمن
الاستثمار الهابط وطبل أجوف ولكن درويش يعلق علي سينما 2009 مؤكدا جودة بعض
ما عرض فيها مثل «واحد صفر» أما بشكل عام فرأي أن السينما المصرية عبرت عن
الواقع العشوائي بطريقة عشوائية فخطوطها ليست واضحة فهي أصيبت هي الأخري
بأنفلونزا حادة وتحتاج إلي مزيد من الجرأة والجسارة وقبول التضحية.
الأهالي المصرية في
30/12/2009 |