فبينما تذبل آخر وريقات عام 2009/1430، وتقترب ساعة أيامها من لفظ أنفاسها
الأخيرة، تقف "ثقافة وفن" بين فواصل انتهت وأخرى ستبدأ.. تقلب صفحات حكاية
العام الماضي من أولها لنهايتها.. وما بين مشهد ثقافي احتضنته هذه العاصمة
وآخر زين طرقات تلك المدينة تطل غزة الصغيرة الجريحة والمحاصرة بعام ثقافي
بامتياز، أنتجت خلاله العديد من المسرحيات والأفلام، وعانقت تظاهرات فنية
لأول مرة في تاريخها وعلى أرضها صافحت عمالقة الفن وحيت نجومه.
وبالرغم من الخلافات الداخلية المرة، والانقسام الفلسطيني الباعث على
الأسى، فإن غزة احتفت بالقدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009، وانطلاقا من
هذا المدخل أثرى كثيرون مشهد المدينة الثقافي.
غير أن اللافت في أوراق الحكاية كلها أن غزة تحتفي بالفن وتوابعه في ظل
سيطرة وحكم حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
"إسلام أون لاين" وتحديدا "ثقافة وفن" التي واكبت تفاصيل الحياة الثقافية
لغزة وقفت عند هذه المحطة، وتساءلت في وقت سابق عن سر مصالحة "حماس" مع
الفن وما تحمله من رسائل، غير أنها اليوم وعلى أعتاب عام جديد تعيد قولبة
السؤال، وتستفسر عن حروف توارت بين السطور.
رصاصة و.. كلمة
في لقاء سابق لم يخل من المكاشفة قال الدكتور "عطا الله أبو السبح "رئيس
اللجنة الوطنية العليا لفعاليات القدس عاصمة الثقافة العربية "2009"، ووزير
الثقافة السابق في الحكومة الفلسطينية العاشرة، والتي شكلتها حركة حماس عقب
فوزها في انتخابات 2006، إن حركة حماس لم تكن يوما على خصام مع الفن، مؤكدا
أن خصومة حماس مع الفن الذي يخاصمه أصحاب الأذواق السلمية، بغض النظر عن
دينهم ومعتقداتهم.
وتابع آنذاك: "حماس شأنها شأن كل من لديه فطرة سليمة وذوق سليم يرفض الفن
الهابط والسخيف والرخيص الذي يعتمد على الرقص والغناء بالجسد.. حماس تصافح
وبقوة فنانا كبيرا بحجم "دريد لحام"، هذا الفنان الذي لعب دورا هائلا في
إذكاء الضمير العربي.. حماس أطلقت فيلم عماد عقل نفس هوليوود التي أطلقت
فليم دكتور زيفاكو..".
اليوم ومع استعداد عام 2009 للرحيل وارتسام ابتسامة الارتياح والرضا على
غزة المحتفية بمشهدها الثقافي أكد د.أبو السبح في حديث لـ"إسلام أون لاين"
أن حركة حماس نجحت في الاختبار، وأثبتت قدرتها على احتضان الفن وصناعته.
وبثقة غلفت نبرات صوته: "حماس اقتحمت الفن.. أنتجت فيلما.. أقامت مهرجانا
دوليا.. استقبلت أهل الفن.. رعت وباركت.. حماس في هذا العام أدركت ما لهذا
الميدان من خطر وأهمية، وأنه لا ينبغي أن يظل مهجورا أو حكرا على "مقاولي
الفن الهابط".
ورأى أن الحركة وهي تقتحم هذا المجال تحمل العديد من الرسائل، في مقدمتها
تذكير العالم بغزة المحاصرة، وأن الفن بإمكانه أن يكسر قيودها، واستدرك:
"إلى جانب أن الحركة أيقنت أن النضال بالصورة والكلمة يجب أن يكون ملازما
للرصاصة.. ويحكي عن حقيقة الفلسطيني بلا أدنى زيف أو كذب".
ويبدي د.أبو السبح تفاؤله من القادم وما ستحمله 2010 في طياتها: "المثقف
الإسلامي هو الأكثر إلماما بتفاصيل أمته وعصره.. ونحن سنمد الجميع بالحرية
لينطلق نحو فن هادف وفذ".
وداعا للنظري
وبعد وصفه لعام 2009 بـ"اللافت ثقافيا" أكد الناقد والأديب الفلسطيني
الدكتور "عبد الخالق العف" أن غزة شهدت صحوة ثقافية كبيرة، وأن حراكا فنيا
واسعا ولافتا جعل من غزة المحاصرة قِبلة لكاميرات الإعلام.
د.العف الذي اعترف في حديثه لـ"إسلام أون لاين" أن جل الفعاليات الثقافية
غاب عنها شعار الوحدة الوطنية، وأثر على أدائها بفعالية، استدرك قائلا:
"غير أن هذا المشهد وإن لم تكن تفاصيله نابعة من هدف واحد أثرى المشهد
الثقافي، واستفاد المتلقي منه بجميع الأحوال.. نعم كان لزاما أن نخرج بصوت
ثقافي واحد، ولكن هذه التجربة علمتنا الكثير، وأكدت لنا أن بإمكاننا السير
في هذا الاتجاه وبطرق أكثر عمقا".
وبالعودة للحديث عن حركة "حماس" والفن، وعن سر هذا الحراك القوي، شدد د.
العف على أن الحركة كان لديها تخوف من اقتحام هذا العالم، وتابع بشيء من
التفصيل: "حماس كانت تتمسك بالجانب النظري وتؤكد: "نرحب بالفنانين.. نشجع
الأفلام.. نحترم الفن ونقدره، وما هو من هذا القبيل، لكنها اليوم كسرت حاجز
الخوف هذا، ورأت أنه من الضروري اقتحام هذا المجال، وإزاحة الخوف جانبا..
وربما ساهمت الصحوة الفنية الإسلامية وما شهده الفن الإسلامي من تطور حركة
حماس على الانخراط وبقوة في هذا المجال.. بتنا نرى الفيديو الإسلامي،
والأنشودة الإسلامية، وبقوالب متقدمة وفنية رائعة.. هناك المسرح والسينما..
هذه الأشياء كلها شجعت الحركة نحو هذه الخطوة".
واقتحام الحركة للفن عمليا من خلال إنتاجها لفيلم عماد عقل جعل الحركة أمام
تحد لتعلم الأخطاء الفنية بتأكيد د.العف، وأن التوجس من الكثير من التفاصيل
الفنية سيمحى مع الأعمال القادمة مع تمسكها بقاعدة "إشارات المرور"، وأن
هذا اللون أحمر لا يمكن أبدا تخطيه، وشدد على أن حركة حماس تقول للجميع في
الداخل والخارج من خلال هذه الثورة الفنية: "هيا انطلقوا لا أحد يقف في وجه
فنكم، ولن يحجم حركتكم".
نعم ولكن
"المخرج الفلسطيني" خليل المزين قال في حديث لـ"إسلام أون لاين" إنه لم
يتوقع أن تحتضن غزة كل هذه الفعاليات وبزيادة لم يتوقعها أشد المتفائلين
بمدينة لم تكن تشهد في أعوام سابقة سوى أمسيات شعرية، ومسرحيات بعدد أصابع
اليد الواحدة.
غير أن المزين ومع ترحيبه بكل هذه الظواهر وتأكيده على إثرائها للمشهد
الثقافي فإنه أكد وبصوت مرتفع: "للأسف هذه ولادة غير طبيعية، وأخشى أن تكون
مشوهة.. ما من أحد إلا وصفق لهذه المهرجانات والأفلام والحضور الفني
القوي.. لكن للأسف لقد جاءت في ظل غياب مؤسسة ثقافية واحدة ترعى جميع
الأعمال، وتدرك كيف تسيرها.. ظهر كل شيء وكأنه في إطار تنافسي وحزبي.. هذا
المهرجان تدعمه حركة (...) أما مهرجان... فهو لحركة (...).. صحيح أن المشهد
الثقافي استفاد والمتلقي أيضا، لكن لو خرجنا بفعالية كبرى وقوية وبصوت واحد
لكان أفضل...".
ويرى المزين أن كثيرا من الأشخاص غير المؤهلين، والذين لا علاقة لهم
بالثقافة قادوا تظاهرات غزة الثقافية، واستدرك: "رغم تشجيعنا لذلك لكن
علينا أن نعترف: هنا أخطأنا.. وهذا ما كان يجب أن يكون.. وإلا فنحن أمام كم
وليس كيفا.. ثم لماذا يشارك مخرج بأكثر من فيلم في مهرجان (...)، ثم يشارك
نفس المخرج بمهرجان (...).. نحن عطشى للفن، ولكن نريد الأفضل، ونسعى من
خلال اتحاد المراكز الثقافية للخروج بمهرجان واحد في عام 2010، وتنظيم
الفعاليات والتظاهرات الفنية والثقافية، ونتمنى أن يكون الانقسام المؤلم
والقاسي قد غاب عنا لننعم بحياة ثقافية هادئة".
رسائل ثقافية
ولارتباط المشهد الثقافي بالسياسي فقد علق الكاتب والمحلل الفلسطيني "مصطفى
الصواف" في حديث لـ"إسلام أون لاين" على احتضان غزة للمهرجانات الفنية
قائلا: "ما شهده عام 2009 وتشجيع حركة حماس لهذه المهرجانات، ورعايتها
للحركة الثقافية والفنية يحمل أكثر من رسالة للداخل والخارج.. للداخل بأن
الحركة ستشجع كل مثقف وفنان، ولن تقف في وجه أي فن مهمته صناعة الحياة، كما
أن غزة في 2009 قالت للعالم وبالرغم من كل الدمار والحصار إن أهلها يقومون
بكل شيء: "بالرصاص والفن والرسم والأنشودة، وأنها في انتظار من يشجعها أكثر
فأكثر للمضي نحو هذا الطريق، وأن حركة "حماس" تنسجم وتتفاعل مع كل فن سليم
وراق..".
وفي السطور التالية ترصد" ثقافة وفن" أبرز ما شهدته غزة من فعاليات ثقافية
في عام2009:
- بتاريخ 17 / 7 / 2009 وفي أول إنتاج سينمائي لحركة "حماس" شهدت غزة العرض
الأول للفيلم الروائي (عماد عقل)، (قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام
الجناح العسكري لحركة حماس، ويروي الفيلم بطولاته وتاريخه من لحظة الميلاد
حتى الاستشهاد)، والذي أنتجته شبكة الأقصى الإعلامية، ومدينة أصداء للإنتاج
الفني بدعم من وزارة الثقافة في حكومة غزة.
- الجمعة 24-7-2009 الفنان السوري الكبير دريد لحام يزور غزة في زيارة
تضامنية هي الأولى من نوعها لفنانين عرب بعد سيطرة حركة "حماس" على القطاع،
وفي نفس اليوم شارك لحام في افتتاح مسرحية "نساء غزة وصبر أيوب".
وترسم مسرحية "نساء غزة وصبر أيوب" معاناة المرأة الفلسطينية بكل تفاصيلها
وأوجاعها، وتكشف عن بطولات المرأة الفلسطينية على مر العصور؛ منذ الملكة
هيلانا وحتى الحرب الأخيرة على القطاع، وتجسد المرأة نموذجا أسطوريا للصبر
والتحدي.
- وبتاريخ 29-10-2009 كانت غزة على موعد مع العرض الأول للفيلم الوثائقي "جيفارا
غزة"، واستعرض الفيلم منعطفا مضيئا من تاريخ الشعب الفلسطيني، ومقاومته
للاحتلال الإسرائيلي التي تمثلت في سيرة حياة عضو المكتب السياسي وأحد
مؤسسي الجبهة الشعبية الشهيد "محمد الأسود" الملقب بـ"جيفارا غزة".
- يوم الأحد 22-11-2009 وصل وفد كبير من الفنانين السوريين إلى القطاع
لافتتاح العرض الأول لمسرحية "الشياطة"، والتي تلقي الضوء على أوضاع شباب
غزة العاملين في الأنفاق، وتبين صمودهم في ظل الحصار الذي شل تفاصيل
حياتهم، واستقبل الوفد الذي ضم كوكبة من الفنانين (دريد لحام, وجمال
سليمان, وسوزان نجم الدين, ووفاء موصللي, وسليم كلاس)، رئيس الوزراء في
حكومة غزة "إسماعيل هنية".
- وبتاريخ 5-12-2009 انطلق "مهرجان غزة الدولي للأفلام التسجيلية" بمشاركة
محلية وعربية وعالمية.
- ويوم الإثنين 22-12-2009 انطلقت فعاليات مهرجان القدس السينمائي الدولي
الأول في رحاب جامعة فلسطين بغزة بالتعاون مع ملتقى الفيلم الفلسطيني على
مدار ثلاثة أيام، وبمشاركة 28 فيلما من إحدى عشرة دولة عربية.
وتضامنا مع القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 شهدت المدينة العديد من
المؤتمرات والأمسيات الفنية والشعرية، كما قامت العديد من المؤسسات
والمراكز بعرض سلسلة من الأفلام الوثائقية والتسجيلية.
صحفية من مكتب الجيل للصحافة - غزة.
إسلام أنلاين في
27/12/2009 |