في الحلقة الأخيرة من
المسلسل المصري «الباطنية»، والتي عرضت أمس الأول على قناة «دبي»، يحترق
قلب تاجر
المخدرات «العقاد» على وفاة حفيده بجرعة زائدة من البودرة المخدرة، بينما
يقوم أبو
الحفيد بشنق نفسه في السجن، وتنتهي أمه «وردة» إلى مصح للأمراض
النفسية بعد
أن
تكتشف أن الولد الذي كانت تدفعه للإدمان على المخدرات ما هو إلا ابنها الذي
يموت
جراء جرعة زائدة. هكذا تطالعنا الحلقة الأخيرة من المسلسل
بجرعة عالية من
الميلودراما، تبدو كنهاية طبيعية لبطل العمل «إبراهيم العقاد» (صلاح
السعدني)، أحد
أباطرة تجارة المخدرات في حي الباطنية ولمنافسته تاجرة المخدرات «وردة»
(غادة عبد
الرازق)، وهي نهاية بدت منسجمة مع رغبة هيّأتها تفاصيل العمل
عند مشاهديه، إلا أن
كاتب العمل مصطفى محرم ومخرجه محمد النقلي لم يركنا إلى تلك النهاية، فعمدا
إلى دفع
بطل عملهم إبراهيم العقاد إلى إعلان توبته من تجارة السموم علناً، فقدما
مشهداً
أخيراً بدا نافراً درامياً، يظهر فيه «العقاد» في برنامج
«البيت بيتك» مع محمود
سعد، ليبدي ندمه أمام الجمهور ويوجه أسئلته إلى الشيخ خالد الجندي الذي
تحدث بدوره
عن «تحريم الإسلام لها وحكم الشرع في من يتاجر فيها..».
في هذا المشهد، على
أهمية ما تحدث به الشيخ خالد الجندي، كان الكاتب والمخرج يريدان أن يقدما
عبرة
حكايتهما بأسلوب مدرسي تلقيني، وهي عبرة يفترض أن المشاهد استخلصها بنفسه
على مدار
ثلاث وثلاثين حلقة، هي عمر «الباطنية». وهي العبرة ذاتها التي
من الممكن أن يأخذها
هذا المشاهد عن الشيخ الجندي ولكن في موقع آخر غير المسلسل الدرامي لأسباب
عديدة،
منها العقد المتفق عليه مسبقاً ما بين المشاهد وصنّاع الدراما بأن ما يعرض
هو صورة
عن حياة مفترضة تروى للتسلية وأخذ العبرة، ولكن الخلط ما بين
الواقع والافتراض
سرعان ما يصيب العمل حين يجلس كل من محمد سعد والشيخ الجندي بشخصيتيهما
الحقيقيتين
ليواجها شخصية «العقاد» المفترضة، وكل هذا من أجل الخروج بالعبرة، وهو
الأمر الذي
نراه استخفافاًَ بعقل المشاهد، وتأييدنا له يعني تحويل الحلقات
الأخيرة من
مسلسلاتنا إلى درس مدرسي نفنّد فيه الدروس المستفادة من حكاية المسلسل. هل
كان
الكاتب محرم والمخرج النقلي يفعلان غير ذلك؟
نسلم بأن ما من حكاية إلا وتحمل في
متنها عبرة، ولكن الجدل الحقيقي هنا هو حول كيفية تبنّي
الدراما هذه العبرة وأسلوب
تقديمها. في ما مضى، كانت الإنتاجات القديمة تختار تحميل مسؤولية نقل
العبرة عبر
شخصية البطل الإيجابي في المسلسل، وهي شخصية نمطية (عرفت الدراما العربية
أسماء
تمثيلية بعينها اختصت بتقديم مثل هذه الأدوار) لطالما حمّلت
حواراتها بكل القيم
والمثل التي يريد أن يقولها المسلسل، وبأسلوب مدرسي ومباشر، بدا نافراً مع
التطور
العقلي الذي بلغه المشاهد اليوم.
لاقت حالة النفور من الخطاب المباشر للدراما
التلفزيونية خلال السنوات الأخيرة ميلاً عند الممثلين لخلط
أوراق طبيعة الشخصيات
التي يؤدونها، فبدأت الدراما التلفزيونية تنحو باتجاه تقديم الحكاية كما
هي، بأبطال
من لحم ودم يحملون بنسب متفاوتة قيماً إيجابية وسلبية، تاركة عبرة الحكاية
لتقدير
المشاهد نفسه، بل راحت كثير من تلك المسلسلات تحترم خيارات
المشاهد وعقله تاركة
نهايتها مفتوحة ليقررها المشاهد بنفسه، ولم تعد نهايات المسلسلات العربية
كما يصف
الشاعر الراحل نزار قباني الحكايات الشرقية «بختامها يتزوج الأبطال..».
ما نريد
قوله، ويعرفه صناع دراما «الباطنية» جيداً، ان تقديم حكاية مفيدة واستخلاص
العبرة
فيها هو جزء من سحر الدراما التلفزيونية، ولكن جوهرة التاج في هذا السحر
تكمن في
متعة الفرجة الدرامية، وإلا فلنوفر تكاليف المسلسل الدرامي
وليقم كل كاتب ندوة في
مركز ثقافي يلقي فيها أمام مستمعيه عبر حكاياته وحكمتها ويمضي.
«الباطنية» من
بطولة صلاح السعدني، غادة عبد الرازق، لوسي، أحمد فلوكس، سميرة البارودي،
ميمي جمال
وآخرين.
السفير اللبنانية في
25/12/2009
أديب قدورة.. ثمة
خيول لا تشيخ أبداً
ماهر
منصور/ دمشق
لم يكن ظهور
الفنان أديب قدورة في الحلقة الأخيرة من برنامج «أنت ونجمك» عابراً،
فالحوار معه
والذي لم يختلف من حيث الشكل عن حلقات سابقة مع فنانين آخرين، ما كان ليمر
بسلام
وقد أغرورقت عينا الرجل بالدموع وهو يستعيد ذكريات طفولته في
قرية «ترشيحا»
في
فلسطين وتالياً سنوات اللجوء والتشرد ومكابدات الوجع الفلسطيني.
لم يكن أديب
قدورة في الحوار مجرد فلسطيني حالم يقف على شرفة ذكريات الحنين بالكلمات
والدموع،
بل حمل في حواره أيضاً غصة الوسط الفني السوري الذي عامله كما تعامل الخيول
حين
تشيخ. فالفنان قدورة كان حتى وقت قريب الرقم الصعب في السينما
السورية حتى لُقب
بفتى الشاشة السورية، وهو واحد من نجوم بواكير الدراما التلفزيونية السوري،
وكان من
المقدر أن ينتقل الفنان قدورة كما أبناء جيله إلى نموذج جديد من الأدوار
الدرامية
التي تتناسب وعمره الحالي، إلا أن فورة الدراما السورية في
تسعينيات القرن الماضي
جافته كما جافت العديد من رواد الدراما السورية الأوائل، فتركت البعض على
رف
الذكريات، وحصرت الجزء الثاني في دائرة محددة وباهتة من الأدوار
التلفزيونية،
لتكتفي بعدد قليل من أبناء الجيل الذهبي للدراما.
وسط هذا الواقع من الجفاء كان
الفنان أديب قدورة يحاول ملكاً. حاول الرجل ان يساير الانتاج
الجديد من الدراما
والشرط الدرامي الباهت الذي أحيط به أبناء جيله، الى أن تعرض لإصابة في أحد
أعماله
منذ نحو ثلاثة أعوام أثناء تصوير مشهد ليلي، الأمر الذي أقعده في البيت
بينما قررت
الشركة المنتجة حذف ما قام بتصويره من قبل واستبداله بممثل آخر! ومع إصابته
انتقل
أديب قدورة إلى موقع الخيول عندما تشيخ... إلى جانب أسماء
كثيرة يستطيع المرء أن
يحصيها عندما يتابع أعمال السبعينيات ويبحث عن أبطالها في أعمال جديدة ولا
يجد أيا
منهم، ليدرك بعدها أن الفنان أديب قدورة ليس الوحيد الذي أصابته حالة
الجفاء، وربما
قلة الوفاء من أهل الدراما الجدد تجاه جيل أسس للدراما السورية وواجه
ثنائية الجوع
والاستنكار المجتمعي له لتصل الدراما السورية إلى ما وصلت إليه الآن.
ربما يكون
كسل البعض من جيل التأسيس هو ما ساهم في ابتعادهم لاحقاً عن استحقاقات
الدراما
السورية الجديدة، وربما قلة موهبة البعض الآخر ساهم في ذلك أيضاً، إلا أن
كثيراً من
الأسماء الفنية من ذلك الجيل يتم تغييبها اليوم قسراً، إذ كيف
يمكن لفنان مثل أديب
قدورة بحضوره التمثيلي المميز الذي تشهد عليه جوائزه في كل من مهرجان
لوكارنو في
سويسرا وكارلوفيغاري والمهرجان السينمائي السوري الأول لسينما الشباب...
كيف له أن
يغيب عن قائمة نجوم الدراما السورية اليوم؟ والسؤال ذاته ينسحب على فنانين
آخرين.
ربما العيب يكمن في النصوص الدرامية التي لم تستطع إيجاد أدوار
تمثيلية تستوعب
كل أبناء الجيل القديم، لكن إسناد أكثر من خمسة أدوار في خمسة مسلسلات لاسم
واحد من
ذلك الجيل في موسم واحد تترك إشارة استفهام عريضة، فالقصة لا تعود غياب
الجيل
القديم بل تغييبه!
بكل الأحوال، حرك ظهور الفنان أديب قدورة الماء الإعلامي
الراكد تجاه أبناء جيله، ولعل توقف الكثيرين عند كلامه في برنامج «أنت
ونجمك» كان
كفيلاً بتعزيز قناعة بأن ثمة خيولا لا تشيخ أبداً، وإن كبت
قليلاً فهي تنام واقفة.
السفير اللبنانية في
25/12/2009 |