المتابع لما يجري من مناوشات علي الساحة الاعلامية عامة،
وعلي شاشة التليفزيون خاصة في الأسابيع الأخيرة،
لابد له من الوقوف عند واقعتين أساسيتين كثر الضجيج حولهما وتتعلقان بموضوع
واحد، رغم الاختلاف الظاهري بينهما،
وهو موضوع حرية الفنان في أن يعبر عن رأيه من خلال
ابداعه المسئول عنه، باعتباره مبدعه أو مشارك في ابداعه،
وأيضا بناء علي ما يطلبه المجتمع المتوجه بإبداعه اليه من دور فاعل بين
ناسه وفي زمنه.
والعلاقة بين الفنان والمجتمع هي علاقة جد شائكة،
يرضي الثاني عن الأول اذا ما كان مجرد مسكن للأوضاع القائمة التي يقلقه
تغييرها، واذا ما أمسي مروجا للأفكار المطلوب ترويجها في زمن معين، أما إذا
تعارض المجتمع أو شرائحه وفئاته القادرة علي الصراخ اعلاميا مع ما يقدمه
هذا الفنان، تهتز الأرض ووسائل اعلامها الجبارة والملحة مطالبة بالقصاص منه،
والتشكيك في ابداعه، والقذف به في زاوية ضيقه يمارس فيها فنه دون أن يكون له رأي فيما
يحدث في واقعه ومجتمعه من متغيرات.
ولذا لم أتعجب من تحرك الداعية
»خالد الجندي« علي عدة قنوات متعددة هجوما علي النجم »عادل امام«
رافضا تجسيده للشخصيات السلبية في المجتمع، ومكررا فكرته عن أن العمل الفني لابد وأن يمثل ما
ير ما يراه هو صالحا، ومطالبا النجم بضرورة تقديمه شخصية المسلم الطيب
النبيل، وألا أصبح »حتة«
ممثل لا يعترف من يمثلهم الداعية به.
كما لم أتعجب من تقديم نائب الحزب الدستوري
الصعيدي »محمد العمدة«
لطلب احاطة بالبرلمان لوزيري الاعلام والثقافة متهما فيه المسلسلات
التليفزيونية بتشويه (صورة الصعايدة)، كما ظهر في قناة الحياة مع المذيعة
»رولا خرسا« الاسبوع الماضي والكاتب »محمد صفاء عامر«
مكررا نفس اتهامه، ومؤكدا علي ضرورة تقديم الصورة الايجابية للرجل الصعيدي،
لتكون كما قال »قريبه من الواقع«
الذي يراه هو.
من كوكب آخر
ويرجع عدم تعجبي لأمرين أساسيين،
أولهما يرتبط بغياب الفهم الصحيح للفن، وتصور البعض أن دور الفن بين الناس
هو أن يكون وعظا دينيا أو منشورا تعليميا، مهمته تقديم الصورة الايجابية للانسان المصري
عامة والمسلم خاصة من أجل التصدي لأي هجوم خارجي يصطاد الصورة الفنية
ويسبغها علي الواقع الذي نعيشه،
فإذا كان المجتمع الغربي المسيحي يهاجم تخلفنا،
فعلينا أن نواجه بنبل أخلاق شخصياتنا المسلمة علي شاشاتنا نحن السينمائية
والتليفزيونية، واذا كان المجتمع العربي يسبنا بأبناء الراقصات أو يري
الصعيدي قادما من كوكب آخر، فلابد من تقديم هذا الصعيدي علي شاشاتنا نحن في
أرقي صورة وأشجعها، فالشر ليس قادما من الصعيد،
بل من بقية محافظات الوطن،
والفساد لا يوجد بيننا بل هو قا ئم في بقية الدول العربية، والمسلم معصوم
من الوقوع في الخطأ، وبقية البلدان والأديان هي التي تضم الأشرار
والفاسدين.
هو تصور بالقطع خاطيء في جوهره،
والدعوة اليه تلتقي مع دعوة الشيوعيين -
الذين يسخر منهم عادل امام نفسه دائما في
أفلامه -
في الاتحاد السوفيتي المنهار،
حينما سادت الدعوة في عهد »ستالين«
الي ضرورة التعبير عن البطل الايجابي في
الآداب والفنون،
فلم يحصد الابداع الروسي ما حصده قبل ثورة
٧١٩١ البلشفية، كما قد تعيد الينا الدعوة التي طرحها وزير الاعلام السابق
د.ممدوح البلتاجي حول البطل الايجابي (القدوة) للشباب، والتي قوبلت بهجوم
حاد من كتاب الدراما والصحفيين معا، لأنها تختزل المجتمع في صورة واحد، وتلغي الصراع من علي الأرض،
وتخلق تناقضا بين ما يجري علي شاشات السينما والتليفزيون وما يجري علي أرض
الواقع، مما يحير المشاهد ويجعله يرفض كل ما يقدم له علي هذه الشاشات
المزيفة لحقيقة ما يعيشه في مجتمعه، كما تفسد المتعة التي يفوز بها المشاهد وهو يتابع الشخصيات الخيرة
وهي تنازل الشخصيات الشريرة بكل ما تمتلكه من قوة وارادة علي النصر،
فالمشاهد لا يدخل حلبة الملاكمة لكي يشاهد بطله ينتصر بالضربة القاضية من
أول جولة، ولن يسعد حينما يري بطله القوي يلاكم خصما ضعيفا،
وألا تحولت اللعبة الي سخرية، فيضحك مثلما يضحك مع الفنان
»محمد صبحي« وهو يحمل بيد واحدة رجلا ضعيفا،
في احدي مسرحياته،
ومع ذلك يصر هذا الضعيف علي مصارعته مكررا جملة »ما تقدرش«
علي حامله المهدد بضربه.
حرية التعبير
الأمر الثاني الذي ينفي
العجب يتعلق بتزامن هجوم الداعية الديني والنائب البرلماني علي الفنان
والفن، واصرار الأول علي أن الفنان مجرد ممثل يشخص مما يكتب له، وتابع
للأفكار السائدة،
أما اذا رفض أن يكون ضمن المهللين،
و استخدم عقله ليقف في وجه هوجة اعلامية هاجمت شعبا عربيا لمجرد الخلاف حول
مباراة كرة، وعارض تيارا يعيد المجتمع للوراء،
واستخدم أدواته الفنية لتعريفة المتسلقين من أردية
التدين الحنيف التي يلبسونها،
فإنه بذلك قد خالف فكر هؤلاء الذين يتصورون أنهم وحدهم الذين يملكون اليقين
الكامل، ويعتبرون بأصواتهم العالية أنهم وحدهم الذين يمثلون المجتمع
ويعبرون عنه، رافضين مبدأ الديمقراطية الذي يمنح الكل حق التعبير الكامل
عن أنفسهم، دون مزايدة من أحد عليهم.
والحال كذلك مع سيادة النائب الذي يعد نفسه الممثل الأوحد لصعيد
الوطن، لاغيا من المستشار والكاتب الكبير
»محمد صفاء عامر«
وكل الصعايدة من كتاب وفنانين ونقاد الحق في تمثيل الصعيد،
رغم أنه جاء الي البرلمان بأصوات البعض وليس كل أصوات الصعيد بأكمله،
والديمقراطية التي عليه أن يتمسك بها تعلنه بضرورة احترام الرأي الاخر من
جهة، ومعرفة طبيعة العمل الفني من جهة أخري.
ان الاطاحة بالرأي الآخر،
تعني بالضرورة كتم نفس المجتمع، والغاء قدراته علي الحركة القائمة علي الجدل بين الآراء المختلفة،
وتوقف حركة التطور، وتعطل مسيرة التغيير، وتضع الداعية الديني والنائب البرلماني والنجم
الفنان في مواجهات متبادلة، بدلا من أن يكونوا جميعا في صف واحد يدعو لا
يقاظ وعي الناس، ويدفعهم لاستخدام عقولهم،
ويكشف عن الفساد المستشري في المجتمع بغض النظر عن انتماء الفاسدين لعقيدة
أو حزب أو نظام.
والدعوة للتمسك بالمثل العليا،
لا تعني أبدا دفن الرأس في الرمال،
والتغاضي عن الشر الماثل علي الأرض،
وانما تعني تقديم وجهي العملة،
وبكافة أسلحة وأساليب ونماذج كل وجه،
وقد ينتصر الخير في نهاية العمل الفني، وقد ينتصر الشر،
وهزيمة الخير هنا لا تعني سوي جولة من جولات الصراع،
فالخير لا ينتصر في الدرما ولا في الواقع بمجرد الرغبة في انتصاره، بل لابد
له من ارادة وأفعال وأسلحة يستخدمها للقضاء علي ارادة وأفعال وأسلحة الشر،
والصعيدي الشرير مثل الاسكندراني الشرير، والأمريكي الشرير،
وجود قائم في الحياة، ولابد من حضوره علي الشاشة المرئية،
والغاء وجوده من الأفلام والمسلسلات لن يجعل الصعيد خيرا، ولن يبعد عنا شر
الأمريكان، والفنان ليس عضو بحزب،
أو درويشا بجماعة، بل هو ممثل للمجتمع، ومعبر عن كل شرائحه، ومتوجه للجميع،
يمثل أدوار الخير والشر، ويجسد شخصيات مسلمة ومسيحية ويهودية وملحدة،
دون أن يكون أيا منها، بل هو يجسدها ليقدم
من خلالها رؤية العمل الفني ككل لصالح المجتمع.
فلترفع الأيدي عن الفنان الجاد،
دعوه يبدع بكامل حريته، ودعونا نتحاور معه حول ابداعه،
دون مصادرة أو توجيه.
أخبار النجوم المصرية في
24/12/2009 |