عندما تتحدث إلى مخرج في قامة رأفت الميهي، لا بد أن تكون حاضرا بكل
أسلحتك الهجومية لاختراق مخزن أفكاره، معلوماته، وثقافته السينمائية
الواسعة.. بصمته يجب أن تعترف بها.
لكنه في الوقت نفسه يظل محسوبا على كثير من الإخفاقات التي شهدتها
السينما المصرية في السنوات الأخيرة.. وعلى الرغم من غيابه طوال هذه
السنوات والذي اعتبره البعض هروبا من أمام غزو أفلام المقاولات، فإن الميهي
يرد من خلال هذا الحوار، طارحا رؤاه وفلسفته متفقا ومختلفا مع حاضر ومستقبل
السينما.. فإلى التفاصيل.على مدى أكثر من 40 عاما أبدعت فيما عرف بسينما
التجريب، كيف تُقيّم مشوارك الفني بعد هذه السنوات؟برحلة السهل الممتنع،
والتي تنقلت فيها بين ثلاث مراحل، مرحلة كتابة السيناريو؛ ثم الإخراج،
والتي رافقت مرحلة الإنتاج والتوزيع، واستطعت أن أقدم من خلال هذه المراحل
أعمالاً كثيرة تتضمن أفكارا طرحت وتناولت مشاكل كثيرة تخص المجتمع، وكانت
بداياتي مع المخرج الراحل كمال الشيخ.
وهو أول معلم لي وأدخلني عالم السينما، تعلمت منه أساسيات التعامل مع
السينما؛ ثم المخرج صلاح أبو سيف ليكمل معي المسيرة، ويوصلني للحلم، وأول
أعمالي كانت في السيناريو العام 1975 بفيلم «على من نطلق الرصاص»، وعندما
أصبحت مخرجا تحت التمرين أخرجت فيلم «عيون لا تنام» في العام 1985.بدأت
أعمالك بالسيناريو، فما سبب التحول إلى الإخراج؟عندما تخرجت في معهد
السيناريو العام 1964، كنت من أبرز كُتَّاب السيناريو، ما جعلني أقرب للعمل
السينمائي؛ لأنه يبني الشخصيات والتحركات وتدفق الأحداث، ولكن يبقى إتقان
الجانب الحرفي والتقني للإخراج.
وكان من المنطقي أن أتحول للإخراج؛ لأنني كنت أرغب في تملك العمل
بصورة كاملة ليس سيناريو فقط، وذلك لاستكمال المنظومة، في ذلك الوقت كنت
تلميذاً للمخرج صلاح أبو سيف، وتواجدت بشكل دائم في الاستوديوهات للتعرف
إلى كل تقنيات الإخراج، وكانت تلك محاولة مني؛ رغبة في استخدام كل طرق
التعبير عن ذاتي الفنية.
·
ما الرابط بين المخرج وكاتب
السيناريو؟
كل واحد منا له استقلاليته، وأي مخرج لا بد أن تكون له استقلالية،
أيضا السيناريست يحكي على الورق وينتهي إبداعه أيضا على الورق كمؤلف، لكن
المخرج ليس مترجما أو مصمما لما هو مكتوب على الورق؛ إنما أيضاً يضيف
ويبتكر، لا بد أن يكون لديه خيال آخر، يضاف لخيال السيناريست، وإذا لم
يمتلك أي تعبير أو رؤية صالحة تضيف للسيناريست فلا داعٍ لأن يخرج من الأصل.
·
هناك شيء في أعمالك يميز من
خلاله الجمهور أنه لك، ما هو؟
إنه اللغة السينمائية الخاصة بي، فأنا أقدم رؤية وتصوراً؛ لأصنع من
خلالها مقترحات وتصورات تجسد النص المكتوب، وهذه إحدى ضروريات العمل، وعلى
الرغم من أنني هوجمت كثيرا بسبب ذلك؛ فإنني أصررت على أن أقدم معالجة خاصة
ومختلفة للرؤى المطروحة على الساحة.
·
هل ترى أنك تعرضت للظُلم؟
كان لي قضية خطيرة تعتبر سابقة في تاريخ السينما المصرية حول فيلم
«الأفوكاتو»، فقد حوكمت أنا والمنتج و«عادل إمام» من قبل القضاء المصري
بحجة تشويه مهنة المحاماة، وكذلك في فيلم «للحب قصة أخيرة»؛ أيضا حوكمت أنا
وأبطال الفيلم معالي زايد ويحيى الفخراني والمنتج حسين القلا؛ بحجة تصوير
فعل فاضح بسبب تصوير مشهد حب بين الزوجين.
على الرغم من أنني قدمته في إطار فني هادف وليس بهدف الإثارة، وتمت
إحالتنا لنيابة آداب القاهرة، وعلى الرغم من كل هذه الخبطات، فإنني لا أدعي
أنني تعرضت للظلم، ولأ ازال مصرا على استكمال المشوار، وتقديم كل ما يخطر
بخيالي من أفكار ورؤى، وتجسيد مشاكل تعبر عن الواقع بطريقتي، واتخذت
السينما وسيلة للتعبير عن موقفي ورؤيتي لهذا الواقع.
خيال يتجسد
·
ما العنصر الأساسي في أفلامك؟
الخيال هو العنصر الأساسي في كل أعمالي؛ لذلك بعض الأفلام تبدو غريبة
على الجمهور؛ لأنه لا يتوقع أن الفن خيال، ومن يعتقد غير ذلك أقول له: «أنت
لا تعرف ولا تشاهد»؛ فأنا استخدم الخيال وأجسده، بحيث يشبه الواقع، وليس
الواقع ذاته، مع وجود توازن بين عقلانية تحكم على الأشياء بمنطقها الخاص مع
الخروج عن المنطق المعتاد للأشياء.
لدي رؤى خاصة للواقع الذي أعيشه، أعيد تقديمها بشكل مختلف، فأنا لا
أحب الأفلام الأيديولوجية أو ذات النزعة الصريحة، فما أؤمن به أن الفن
الحقيقي إخفاء لا تصريح.
·
هل أعمالك تعبير عن ذاتك؟
بالطبع؛ الذات هي الأهم، لا بد أن يكون للمخرج رأي يريد توصيله، وكل
إنسان عليه أن يعبر عما يشغله بشكل شخصي، وما يشغلني شخصيا هو الممنوعات
الثلاثة، وأعتقد أنها بحاجة إلى جرأة للاقتحام، لكن بأسس وأساليب غير
تقليدية، والتعبير عن هذه القضايا جزء من التعبير الذاتي، خاصة عند رأفت
الميهي كمخرج.
·
هل قدمت أفلاماً لم تقتنع بها
بعد عرضها؟
لا أفعل ذلك أبدا ولن أفعله، ومن يقدم فيلماً لا يعبر عن ذاته يقدم
فنا فاسدا لا قيمة له، وأنا لن أسمح بذلك، والقضية بالنسبة لي هي قضية كل
الفنانين المهتمين بخلق سينما جيدة، وأنا فخور بكل ما قدمته، وعندما أشعر
أنني لا أقدم جديدا سوف أتوقف فوراً، وأعتقد أن هموم الناس وقضاياها لا
تنتهي، ولا بد من قناعتي الشخصية بالسيناريو الذي أقدمه، ولا أهتم بدرجة
كبيرة بلفت نظر الجمهور، لكن أهتم بالتعبير وكيفيته، حتى في الأفلام
الكوميدية، لا أنظر للجمهور.
اعتقاد خاطئ
·
إذا طلبنا منك وضع مقارنة بين
أفلام الكوميديا قديما والآن، فماذا تقول؟
لا وجه للمقارنة، السينما المصرية فقدت الكوميديا بعد نجيب الريحاني،
وكل الأعمال التي يطلق عليها كوميديا الآن لا يبحث صناعها إلا في الرواج
الجماهيري، فيتم تناولها بشكل تجاري بحت، وهناك اعتقاد سائد وخاطئ بأن
الكوميديا هي فن الإضحاك والتهريج فقط.
وهذا جعلها أكثر الفنون التي تواجه الظلم والإجحاف، لكن الكوميديا
الحقيقية الأقرب إلى مشاكل الإنسان وقضاياه، فن هادف وتعبير صادق عن هموم
الناس، فمثلا «الأفوكاتو» كوميديا سوداء، بمعنى الكوميديا الراقية التي
تناقش قضية معينة هادفة بعيدا عن الإسفاف والتهريج.
·
نراك اقتربت من الفانتازيا؟
لم أصنع أفلام فانتازيا سوى فيلمين، «سمك لبن تمر هندي» و«قليل من
الحب كثير من العنف»، باقي أفلامي كوميديا تجنح إلى الخيال، لكن المشكلة أن
هناك خلطاً كبيراً وعدم معرفة بمعنى الفانتازيا، فهم يخلطون كل المعاني؛
لذلك لا يوجد فهم صحيح لها.
·
هل ترضى عن حال السينما الآن؟
حالها كحال المجتمع، تبكي.. ومنذ 10 سنوات لم أقدم أفلاماً للسينما؛
فعندما شعرت أنني لا أستطيع أن أقدم مثل ما يقدمونه توقفت؛ لأقدم ما أريده
بطريقتي وأعبر عن ذاتي ورؤيتي، وفي النهاية ما يقدم الآن يعكس رغبات
الجمهور؛ ولا يوجد اختلاف كبير بين جمهور اليوم وجمهور العقود الماضية.
حرّمت دراما
·
وما رأيك في الدراما الآن؟
لا أحب التلفزيون، ولي تجربة وحيدة وهي أول وآخر تجربة، ونفذتها أيضا
بتكتيك السينما أي بكاميرا واحدة وهي ليست دراما وليست لها علاقة بالدراما
في كل تنفيذها، ولا أعتقد أنني سأكررها مرة أخرى؛ لأن شغل المسلسلات يحتاج
إلى نفس طويل وصحة جيدة، وأنا لا أقدر على ذلك، ولا أستطيع أن أصبر لأخرج
مسلسلاً في سنة، وتستغرق كتابته ثلاث سنوات.. هذا كثير عليّ.
·
ما الذي دفعك لخوض التجربة
الوحيدة في مجال الدراما؟
بسبب صديق عزيز عليَّ في التلفزيون، عندما قال لي: «أتمنى أن يكون في
ملفي مسلسل من إخراج رأفت الميهي»، فوافقت على الرغم من أنني منذ العام
1980 أواجه ضغوطا لتقديم أعمال تلفزيونية، لكنني كنت دائم الرفض ومازلت،
وبإلحاح صديقي وبعد قراءتي لرواية العبقري خيري بشارة وهي «وكالة عطية»
أحببتها جدا وأقنعني بتنفيذها.. ومن الطريف أنني استغرقت فيها وقتاً
طويلاً، وعندما أخرجتها كان صديقي المنتظر أن يضع اسمي في ملفه قد ترك
مركزه.
·
وأين المسرح؟
عندما يوجد مسرح حقيقي في مصر سأكون أول من يتجه إليه، لكن المسرح
الآن ليس له أي أساس، بل أصبح مجرد مكان لعروض وهمية تقوم على الرقص، وأعيب
على الجمهور لأنه أصبح سلبيا، يشاهد وهو صامت، وبلغ الحال بالمسرح أن تحول
إلى عروض الرجل الواحد الذي ليس فيه نص مسرحي أو درامي هادف.
عناد ومثابرة
·
أي الفنانين القدامى تعتز
بصداقتهم؟
أعتز بصداقتي للفنانة الراحلة سعاد حسني؛ لأنها شخصية عظيمة، وأقدم كل
الاحترام لمعلمي وصديقي كمال الشيخ، وأيضا لأستاذي صلاح أبو سيف، وكذلك
يوسف شاهين الذي تتشابه كثير من أفلامي معه في الأسلوب، كما أعتز بليلى
علوي ومنى زكي ومعالي زايد ومنة شلبي وهند صبري وأحمد عزمي وأحمد السقا
وأشرف عبدالباقي.
·
وما رأيك في جيل شباب السينما
الآن؟
نحن لا بد أن نكون واقعيين، هم ليسوا سعاد حسني ولا رشدي أباظة ولا من
أجيال الزمن الجميل، لكن لديهم مواهب كثيرة وقدرة كبيرة جداً تستطيع أن
تخرج، لكن بطريقة صحيحة وينقصهم العناد والطموح والمثابرة والاجتهاد وعدم
الاستسهال.
·
وماذا عن مخرجي الجيل الجديد؟
منهم متميزون، ولديهم قدرة جيدة على صناعة سينما جيدة، لكنهم يحتاجون
إلى بعض الصبر حتى تنضج أعمالهم، وعليهم عند تواجد فرصة جيدة تحقيقها
بطريقة صحيحة، وعليهم أيضا الاهتمام بالسيناريو لأنه لا يزال أكبر عيب
لدينا ولا أحد يهتم بمضمونه.
·
ماذا لو تحكم النجم في العمل؟
هذا معناه فشل كامل على المستوى الفني، لو كل إنسان عرف حدود عمله،
سنصنع عملاً فنياً لا مثيل له، لكن على النجم أن يعرف أنه ممثل فقط، ويجب
ألا يخرج عن إطاره.
·
ما رأيك في المهرجانات الفنية
العربية؟
فرص جيدة لشعوبنا لأن تلتقي بكل أعمال العالمين العربي والأجنبي،
وكذلك نلتقي بصُناع السينما والدراما ونتبادل التجارب والأفكار، أيضا تكريم
الأعمال والفنانين هو أفضل تشجيع لصناع السينما لتقديم أفضل ما عندهم
وإخراج ما بداخلهم.
·
«سحر العشق» فيلمك الجديد بعد غياب.. ماذا عنه؟
هي قصة حب بين شاب وفتاة مختلفي الديانة تعرضا لمشاكل وأزمات كثيرة،
لكنهما أصرا على الارتباط، وتحدث مفاجآت تغير كل ما هو متوقع.. الفيلم
بطولة أحمد عزمي وهند صبري وجمال سليمان ويسرا اللوزي وناريمان.
·
هل فكرت في عواقب الفيلم؟
أنا مستعد لأي عواقب تحدث، فما أقدمه واقع لا بد أن نعترف به.
البيان الإماراتية في
22/12/2009 |