سينمائيون افريقيون غادروا بلادهم هاربين لأسباب
سياسية او اجتماعية تحول دون تحقيق احلامهم السينمائية. لكل واحد من هؤلاء
الذين
التقيناهم دوافع شخصية وانسانية واجتماعية تختلف عن تلك التي اجبرت الآخر
على
الهجرة والبحث عن هوية ذاتية لم يعثر عليها في بلاده. بعضهم
نادم لابتعاده عن
الجذور، وبعضهم الآخر يبدي لامبالاة جزئية حيال هذه المسألة. منهم من لا
يزال مهتما
بقضايا الانتماء والوطن، في حين انصهر الآخر في مجتمع جديد. لكن، ما لا شك
فيه ان
سينما الدول المتقدمة التي اعطتهم الفرصة للتعبير عن انفسهم
تفضح رغبتهم في فرض
ذواتهم على المجتمع الغربي.
ماكا كوتو:
أنا ممثل أولاً ثم
افريقي
ماكا كوتو، ممثل كاميروني الاصل انتقل الى العيش منذ
اوائل التسعينات في كندا حيث وجد الاستقرار الحياتي والمهني المطلوب، بعدما
قدّم
مجموعة ادوار تحت ادارة سينمائيين فرنسيين مشهورين. على الرغم من قدرته على
الانسجام مع أي شخصية تُعرَض عليه، يبقى من الممثلين الذين
يجسدون المعاناة والوجع
الافريقيين.
·
كيف بدأت في مهنة التمثيل؟
-
بعد انتهائي من التخصص المسرحي،
الّفت فرقتي المسرحية الخاصة، ومع هذه الفرقة اقدمت على انتاج عدد من
الاعمال، منها
ليونيسكو واخرى لجوليوس اميدي لاو، الملتزم سياسيا، وأذكر مجموعة من الذين
كانوا
معي في الاكاديمية، وتعاملنا معا ثلاث سنوات، قبل ان يستقل كل
منا بنفسه. وبعدها
انتقلت الى العمل في فرنسا في عدد من الافلام الفرنسية، وسرعان ما جذبتُ
انظار
ثلاثة منتجين كنديين اقترحوا عليَّ التمثيل في اعمال من تمويلهم، وهذا
العرض قادني
الى كندا حيث اعيش اليوم.
·
كيف تقوّم اول تجربة سينمائية
قمتَ بها في منتصف
الثمانينات؟
-
تعود هذه التجربة الى العام 1984، وكانت بداية دخولي عالم
السينما، مع كوميديا "امش في الظل" للسينمائي الفرنسي ميشال
بلان الذي تعرفت اليه
في ظروف غير اعتيادية: في مدرسة التمثيل، كان لدينا مع حلول السنة الدراسية
اعمال
مسرحية نؤديها امام مجموعة من السينمائيين. المصادفة ارادت في تلك الليلة
ان يكون
بلان في عداد المدعوين، وكونه كان يحضر لتصوير فيلم جديد، كان يبحث عن ممثل
لديه
مواصفاتي، قابلته وتبادلنا الحديث واكتشفنا اننا على الموجة
نفسها من التفاهم
والانسجام.
·
هل صحيح ان الادوار التي يمكن ان
يؤديها الممثل الافريقي محدودة
جدا؟
-
صحيح اني لا استطيع تجسيد شخصية يفترض ان يجسدها ممثل ابيض، كونها تنتمي
الى بيئة مختلفة، لكن قبل كل شيء اعتبر نفسي ممثلا ومن ثم
أفريقياً.
·
جسدتَ
شخصية جوزف كازافوبو في فيلم حياة المناضل الافريقي باتريس
لومومبا، ماذا عن هذه
التجربة؟
-
انه فيلم تطلب موازنة كبيرة، فاقت الـ 4.5 ملايين دولار. استدعاني
مخرجه راوول بيك، وهو صديق منذ زمن بعيد، ليسند اليَّ شخصية كازافوبو التي
لم اكن
استلطفها لأني من النوع الذي يفضل شخصية اميل اليها عاطفيا،
وشخصية كازافوبو لم يكن
فيها ما يجذبني، وهذا لم يمنعني من القيام ببعض الابحاث، والاطلاع على
شهادات
عاطفية كتبتها ابنة هذا الرجل، من ابنة الى والدها. هذا الواقع جعلني اتمسك
بأول
خيط ومن ثم اللحاق به للوصول الى اعماق الشخصية.
·
معروف انك احد رموز السينما
الافريقية.
-
لا ازال حُرَفيّاً في مهنتي، على الرغم من ان الغرب اتفق على
اعتباري احد الرموز الافريقية، بعد سنوات من العمل والعطاء في
مجال التمثيل. قد
يكون من الطبيعي ان يمنح الممثل هذه الصفات. المهم الا اصبح اسيرا للغرور
وان يزداد
حرصنا للمحافظة على تواضعنا، والا ننسى اننا كائنات تتعلم من الحياة من دون
توقف.
·
ما المشكلات التي واجهتها في
بداياتك؟
-
المشكلات لا تحصى، لكن ليس هناك
اصعب من ان يكون المرء اقلية في مجتمع اكثره من البيض.
·
انت تعمل ايضاً في
المسرح، ما الفرق بين الوقوف على الخشبة او قبالة الكاميرا؟
-
في المسرح تملك من
الوقت ما يكفي للبحث عن الشخصية، والعمل بأسلوب التبادل، بينما في السينما
ندفع ثمن
الوقت اموالا طائلة، وبقدر ما نتأخر في التصوير نصرف من المال. الضغوط
المالية
ترغمك احيانا على تغيير نظرتك الى البحث واكتشاف خفايا
الشخصية. وهذا الشعور يسيء
الى حرية الممثل.
كريم طرايديا:
اللاجئ ليس الا
رقماً
كريم طرايديا مخرج جزائري يعيش بين فرنسا وهولندا منذ
اواخر السبعينات، وفي فيلمه الروائي الطويل الثاني "قائلو الحقيقة" يتصدى
لموضوع
الاصولية والتزمت الذي ازداد في بلاده.
·
منذ متى وانت تخطط للعمل في
السينما؟
-
قصتي مع السينما تعود الى طفولتي، لكن من دون ان اعي انني مستعد
لأجعل من السينما شغلي الشاغل، كوني ولدت في البلدة التي ولد
فيها الاديب الفرنسي
الشهير البر كامو، فهذا الامر كان يهيئني للمجال الادبي. حين سافرت الى
فرنسا في
اواخر السبعينات بدأ اهتمامي بالسينما يزداد اكثر فأكثر. آنذاك طلب مني أحد
اصدقائي، وهو متخرج في معهد السينما في باريس، ان اساعده في
عملية التقاط مشاهد
لشريط كان في صدد تصويره. الا ان التعاون انتهى على نحو مأسوي، وهذا ما
دفعني الى
الانتساب وانا في الثامنة والثلاثين الى معهد السينما في امستردام كي اشق
طريقي
بنفسي.
·
عندما غادرتَ الجزائر بسبب خيبة
امل عاطفية، هل كنت تملك حقيبة
سينمائية تضمن لك إمكان دخولك في الوسط؟
-
في الجزائر، لم تكن تغيب الشمس من دون
ان ارى على الاقل فيلماً واحداً. في السبعينات، كان في الجزائر الكثير من
الصالات
السينمائية، ودور عرض متخصصة بعرض نوعية معينة من الافلام. بارتيادي هذه
القاعات
المظلمة نشأ في داخلي الاهتمام والفضول.
·
لماذا اخترتَ معالجة موضوع
التطرف في
فيلمك "قائلو الحقيقة"؟
-
نشأ هذا الشريط في مرحلة سوداء وقاتمة عرفتها الجزائر
في اوائل التسعينات، على اثر إلغاء الدورة الثانية من
الانتخابات التشريعية. في ذلك
الوقت، اقدمنا مع بعض الاصدقاء الناشطين على تأسيس لجنة في هولندا ترعى
شؤون
المثقفين العرب وتدعم قضيتهم، وكنا نوجه الدعوات الى هؤلاء ليتحدثوا عن
المحن التي
يواجهونها، من تطرف واصولية وقمع. في احد التجمعات تعرفت الى
الصحافي الجزائري سعيد
مقبل الذي اغتيل على ايدي متطرفين، وكنا قد بذلنا قصارى جهدنا لإقناعه
بالبقاء في
هولندا، لكنه رفض مفضّلاً العودة الى الوطن وقول الحقيقة والتعرض للموت،
على ان
يبقى ساكتا ويختبئ. اذاً، الفيلم يرتكز على شخصية هذا المراسل الشجاع
وتجارب آخرين
تعرضوا للاضطهاد.
·
هل تنوي التزام عمل سينمائي
يدافع عن القضايا الانسانية
والقومية؟
-
عندما يكون الموضوع متعلقا بقضايا بلادك، فمن الصعب عدم الانحياز
الى جهة معينة. المسألة في هذا الفيلم تتعلق ببلادي، وبإنسان
عزيز على قلبي. الامر
يطاولني كونه يتحدث عن قضايا اعرفها جيدا. في الواقع، كنت اشعر بإحساس
بالذنب لأنني
تركتُ بلدا كان يحتاج اليّ في وقت من الاوقات. ولدتُ قبل حرب الاستقلال،
تالياً
يتملكني الشعور بأن النضال هو نضالي. اما الالتزام فيتمثل في
انني اسجل عودة الى
جذوري بعدما ابديت في فيلمي الاول رغبة في الانتماء الى الشعب الاوروبي.
خلال
تصويري الفيلم، ثمة اشخاص كانوا يتصلون بي ويهددونني ليمنعوني من تصويره،
لكن
الممثل سيد احمد اغومي كان دوما الى جانبي، ليدفعني الى الامام
ويشجعني على
الاستمرار.
·
هل أنت حر في عملك؟
-
يجب ان نملك حرية التعبير لنقول ما نراه
وما نعتقده ونؤمن به. ومن الضرورة ان نربّي اولادنا ليحصلوا على هذه القيم
الانسانية الكبيرة. لا ينبغي احاطة اولادنا بالمحرّمات. هل تعتقد اننا
نغادر بلادنا
ونحن سعداء؟ هناك اسباب ترغمنا على ذلك، بالنسبة الى الاوروبي،
اللاجئ السياسي هو
رقم سياسي ويجب ان يجيب عن سؤال سياسي.
خالد غربال:
الحرية
لا تعطى بل
تؤخذ
خالد غربال، تونسي الاصل ومخرج للكثير من المسرحيات
التي عرضت في تونس وفرنسا، ومع فيلمه "فاطمة" عالج مشكلة التفاوت القائم
بين حقوق
المرأة على الورق وحقوق المرأة على الارض.
·
قدّمتَ اول فيلم سينمائي لك،
وانت
في عمر الـ50...
-
المسألة كانت تتطلب ربما بعض النضج، والعمل السينمائي يفترض
ان يتمتع بصدقية تامة اذا اراد ان يدخل قلب المشاهد. اما اذا
كان هناك نضج في
داخلي، فذلك لأنه كان هناك ضرورة كي اكسب هذا النضح.
·
هل يمكننا القول انكَ
سعيتَ الى تصوير الضحايا في مجتمعك؟
-
اصوّر شخصية إنسان يكافح لنيل حريته،
شخصية لا تطلب المساعدة من احد، انما تعتمد على امكاناتها الخاصة
وتناقضاتها، لأنها
تبني نفسها. اصوّر مراهقين وشبابا لديهم عدالة في داخلهم ويقررون اعادة
بناء ذواتهم
حجرا حجرا.
·
هل سعيتَ الى تجسيد الوضع
التونسي سينمائيا؟
-
الاهم هو ان نجد
صلات بين الواقع والوهم، والحرية لا تعطى بل تؤخذ، وهو حق ينبغي لنا ان
نستحقه.
هناك تفاوت بين ما هو مسجل على الورق، بما في ذلك ما تفهمه المرأة عن
حقوقها، وما
هي عليه بالفعل في الحياة اليومية. المرأة تحمل عبء النفاق في المجتمع الذي
نعيش
فيه.
·
كمخرج افريقي، ما الهموم التي
توّد طرحها على الشاشة؟
-
لا انحاز الى
الرسالة بالمفهوم الاجتماعي للكلمة. ولا اعتبر نفسي مرشدا روحيا، او ما
شابه ذلك.
انا امرؤ عادي، مع فارق واحد هو ان لديَّ
نظرة نقدية الى تصرفات مجتمعي، من خلال
تلك النظرة الفت انتباه الناس الى مسائل تثير قلقي. السينما
بالنسبة اليَّ ضرورة،
لأنها تنقل الحقائق بأسلوب فني، والابداع من مستلزمات كل عمل يحترم الفن،
واذا
عملنا بخلاف ذلك، فنكون على خطأ.
هارون صالح:
أبعد من باب
منزلي
بعد فيلمه الشهير "باي باي أفريقا" عاد المخرج التشادي
مع فيلمه "أبونا" عن مراهقين يبحثان عن والدهما، وأخيراً
"دارات، موسم جاف". عمل
هذا السينمائي الملتزم قضايا الفرد الافريقي على هذا الفيلم
منذ التسعينات.
·
ما الذي يدفعك الى زيارة البلدان
الآسيوية؟
-
الافلام اللبنانية التي شاهدتها
تذكّرني قليلاً ببلدي تشاد الذي شهد ايضاً الحرب. لكن، ويا للاسف، دُمّرت
كل صالات
السينما لدينا، وكل البنى التحتية. أقول دائماً انني اخرج افلاماً "متنقلة"
تسافر
وتُعرَض في البلدان التي تُدعى اليها، وهذه حال الكثيرين. وفي حالتي، يكمن
السبب في
اننا لا نملك صالات سينما في تشاد من جهة، ومن جهة اخرى ان
الافلام الاميركية تحتل
مساحة كبيرة في كل البلدان. احياناً، تسنح لنا فرصة عرض افلامنا في بعض
البلدان مثل
لبنان. الى ذلك، هنالك موزعون يساعدون في ترويج الافلام. فلقد تم عرض فيلمي
في لندن
واوستراليا والولايات المتحدة وفرنسا وأوروبا. وهذا مصير
الافلام المتنقلة. فهي
تتوقف في البلدان التي تفتح لها المجال، وحالياً هذه البلدان هي البلدان
الاجنبية.
·
هل هذا مرتبط بواقع ان فرنسا
تنتج افلامك؟
-
نعم، صحيح ان البلدان
الاوروبية انتجت فيلمي ولا سيما فرنسا. لكن ليس هذا السبب الذي يجعل منه
فيلماً "متنقلاً".
هنالك الكثير من الافلام أُنتجت في اوروبا لكنها ليست متنقلة. لذلك لا
بد من محاولة الاندراج في منطق انفتاحي، أي انه في امكاني ايجاد الآخر عبر
البحث في
اعماقي والحديث عن نفسي من دون ان انكر ذاتي. فعندما لا يملك
المرء ارضاً، وعندما
يكون مصيره الترحال، من الافضل ان يستغل هذا الوضع. ففي امكان المرء ان
يروي اخبار
تشاد الى العالم من دون ان ينسى هويته او ينكر ذاته. حتى لو كان هذا البلد
عاجزاً
عن كتابة اخباره ونقلها الى العالم، فمن المهم ان يكون موجوداً
على المساحة
الدولية. وهذا ما اسعى الى التوصل اليه. احاول ان اذكّر بوجود بلد صغير
اسمه تشاد
لديه ايضاً ما يقوله للعالم.
·
في أفلامك يكثر الحديث عن
السينما التي كانت
بمنزلة نافذة لك للهروب من الواقع...
-
نعم، بالتأكيد. اعتقد ان السينما كانت
بالنسبة اليَّ باباً يطل على حديقة. فكما تعلم، تشاد هو بلد منغلق، حيث لا
وجود
للبحر. عندما كنت ولداً وبعدما اكتشفتُ السينما، اصبحتُ ارى العالم من
منظار آخر،
وعلمت ان الحياة تمتد ابعد من بابي. ثم بدأ فضولي يزداد بعدما
شاهدت اول فيلم وكنت
حينذاك في السابعة او الثامنة من العمر، في سينما "ساساتين" التي يديرها
شخص
لبناني. بعدئذ، تغيرت حياتي، حتى ان العاب الطفولة تغيرت. ذلك اني اردت ان
ابني كل
شيء على شكل قصة. كان رفاقي مثلاً، يخطفون فتاة اثناء اللعب،
وكنت آخذ انا دور
البطل فآتي لإنقاذها. كنت اريد دائماً ان اعطي معنى للعب، وهذا ما نقلني
الى عالم
الخيال.
·
وصلتَ الى بساطة معبّرة جداً في
سرد القصة...
-
اقول دائماً ان
سرد القصة عبر الصور اهم من اخبارها بالحوار. كوني فرنكوفونياً، وبما اننا
خضعنا
للاستعمار الفرنسي وشاهدنا افلاماً فرنسية عدة واتممنا دراستنا
في فرنسا، فقد
تأثرنا كثيراً بالأفلام الفرنسية. لكن المشكلة ان الفرنسيين كثيراً ما
يستوحون
افلامهم من المسرح حيث يكثر الكلام، بعكس الافلام الروسية التي تركز على
الصورة.
اما انا فأردت ان اخبر قصة يكون فيها الحوار مقتصداً لكي اعطي المشاهد فرصة
اختراع
بعض الامور ولا ألقمه القصة طوال الوقت، كما لو انني امسكه بيده واقوده
بنفسي. مزجت
فكرة السرد البصري بالاقتصاد في الحوار والموسيقى لإضفاء بعض الإيقاع.
·
ثمة بحث
جماليّ مرهف الحس ايضاً.
-
نعم. لقد قمت ببحث جمالي لكي اتمكن من ان اظهر
التفاوت تارة والإنسجام طوراً. فلنأخذ مثلاً الالوان: ان الشخصية الكبيرة
ترتدي
اللون الازرق وهو لون هادئ. هذه الشخصية ليست ثائرة بل مسالمة. في حين ان
الشخصية
الصغيرة هي اكثر حركة ونشاطاً، مما يفسر ارتداءها اللون
البرتقالي. يدل التفاوت بين
هذين اللونين على عدم الانسجام في حين ان علاقة هذا الثنائي متينة جداً.
لقد
استوحيت هذه الالوان من بعض اللوحات الهولندية والفرنسية.
·
ماذا يعني لك النجاح
بعد سنوات من النضال في سبيل السينما؟
-
لقد فرحت بذلك لأن بعض الاشخاص يعتبرون
ان الفيلم لا ينجح الا اذا شارك فيه ممثلون ارتادوا معاهد التمثيل وتعلّموا
تقنياته. اما في فيلمي، فلم تكن هذه حالة الممثلين ولا التقنيين. انه لأمر
رائع ان
نثبت للعالم انه في امكاننا ان نعمل مع اشخاص لم يتعلموا
التمثيل، ويفتقرون الى
الخبرة في هذا المجال لكنهم جديون وصادقون في عملهم، وهذا هو المهم. نشعر
على الفور
ما إذا كان الانسان صادقاً أو لا.
(hauvick.habechian@annahar.com.lb)
نحو "لا اتحاد" لنقاد السينما العرب
لماذا لا يوجد
عندنا اتحاد لنقاد السينما العرب؟ هناك بضعة اتحادات محلّية بلا ريب. بضعة.
يعني
واحداً او إثنين في هذا البلد، وواحداً في بلد آخر، ثم لا شيء في باقي
البلدان. لكن
لا يوجد اتحاد لنقاد السينما العرب يجمع المغربي والمصري
والجزائري والسوري
واللبناني والبحريني والعراقي والكويتي الخ.
أعلم بدعوة وجهها أخيراً أحد
الزملاء، لكني لا أعلم ما الذي حلّ بها.
أخاف أن أقول إن الشيء الوحيد الذي بات
يجمع معظمنا هو الإختلاف. لا شيء يمكن الإتفاق عليه من دون اعتبارات خاصّة
لدى
البعض، وهذه الإعتبارات هي انعكاس في مرآة العلاقات بين الدول. تصوّر مثلاً
أن
الدول العربية تريد إحياء جامعة عربيّة فاعلة. أعتقد أنها قد
تصل الى بداية طريقها
الى ذلك بعد ثلاثة عقود لو اشتغلت على الموضوع بجدية. لكي تصل الى تحقيق
هذه
الغاية بصورة أسرع، فعلى الدول العربية أن تنزع الأحقاد والمصالح التي
تقيّدها
وتدرك أن قوّتها ومستقبلها في الوحدة، ولو عبر هذه الجامعة
العربية الكسيحة
اليوم.
عشرات الألوف من القتلى والجرحى في غزة قبل عام واحد، والعالم العربي بقي
مصرّاً على الإنقسام، وبعضه كان ينظر الى البعيد حتى لا يرى.
الناقد السينمائي،
والمثقّفون بشكل عام، عليهم أن يكونوا العبرة والقيادة لتغيير حال هذه
المجتمعات.
ليس بالعمل في السياسة، بل بأن تجعل من
نفسها القدوة. أن تصبح النموذج. لتحقيق ذلك،
على أعضاء كل اتحاد محتمل، أن يقرروا نبذ نرجسيّاتهم
وأنانيّاتهم ومصالحهم والعمل
ديموقراطياً مع الاخر.
كل
عامين - وهذا على سبيل المثال لا أكثر - يُنظَّم
انتخاب لرئيس جمعية مراسلي هوليوود الأجانب في المدينة نفسها.
يترشّح ثلاثة أو
أربعة. يقدّمون برامجهم بواقعية. يدعون باقي
الأعضاء لانتخابهم، ثم تجرى الإنتخابات
بالقرعة السرية، فيفوز من يفوز. قبل ذلك، وخلاله، وبعده، يبقى
المرشّحون أصدقاء
وزملاء، ولا أحد يطعن في الآخر او يقرر الانتقام في حال فوزه في الإنتخاب،
أو يتسبب
بالمشكلات، أو يشكّك في النتيجة في حال فشله فيه. الحياة ماء نهر جار، ومن
يقف في
وسط النهر معترضاً سبيل الماء فإن الماء سيمر به ويمضي بدون
مبالاة، تاركاً إياه في
البلل.
أعتقد أني لخّصتُ لبّ المشكلة ولخّصت كذلك السبب في أنني توقّفت عن
الدعوة الى قيام اتحاد مستقل للنقاد السينمائيين العرب منذ
أكثر من عشر سنين، حين
شاركت في القاهرة، على هامش لقاء لعدد كبير من نقاد العالم العربي، في
مناقشات حول
المشروع استمرّت يومين وانتهت الى فشل ذريع: كل واحد لا بد أن يكون على حق،
وكل عين
من عينيه ترمي الى غاية خاصّة يريد توظيف الاتحاد لها، حتى قبل
أن يتأسس.
خلال
إلقاء الخطب العصماء، في اليوم الثاني، تأكدت أن ارتيابي في إمكان تحقيق
وفاق على
الأرض، أمر صعب عندنا لأننا نجهل الكثير مما يعرفه غيرنا،
ونتمسّك بجهلنا فوق ذلك.
نعم، قد يعتقد القارئ أنني أبجّل الغربيين، لكن لا. أنا فقط اتحسّر على
الشرقيين!
خارج الكادر
محمد رضا
سرقة الحقيقة
يعيش المصور الصحافي
حالة ارباك اثناء ممارسته المهنة. هو يدرك جيدا ان نجاحه، وتالياً
استمراره،
مرهونان بقدرته على نقل الواقع بكل دهاليزه وتضاريسه الى
الشاشة المسطحة، وايصاله
الى المشاهد، في حين ان الآخرين يرون غير ذلك، بل ربما نقيض ذلك. لذا تراه
في كل
يوم ومع كل حدث، امام التحدي اياه: كيف يستطيع سرقة الحقيقة واخفاءها في
شرائطه،
وتهريبها الى الناس؟ هذه معاناة يومية يعيشها المصور الذي يبدو
كما لو أنه أدمن
القسوة، وأدرجها في خانة طبيعة العمل. مع كل حدث نشاهده ونشهد له وعليه.
ثمة احداث
اخرى لا ندركها لأنها، ببساطة، تجري خلف الكاميرا، اي وراء الحد الفاصل بين
المسموح
والممنوع.
فمثلاً، كان هناك مصور لبناني يلتقط مشاهد احدى المباريات الرياضية
في زمن الوصاية، حين احتج الجمهور الموالي للمنتخب السوري الذي
كان خسر المباراة،
فأخذ يحطم موجودات المدينة الرياضية. وبما أنه كان الأقرب الى المدرجات من
بين
المصورين، فقد راح الجمهور يرميه بكراسي البلاستيك، ثم انهال عليه لاعبو
المنتخب
السوري بالضرب. بعد ذلك لاحقته المخابرات بتهمة الشتم والاهانة، وظل
مطارداً الى ان
تدخلت وكالة الصحافة الفرنسية التي كان يعمل معها.
•••
حادثة اخرى تعرض لها هذا المصور اثناء توجهه
الى الجنوب اللبناني برفقة أحد المراسلين لتغطية أخبار الإنسحاب الاسرائيلي.
في
وصوله الى هناك، فوجئ بعناصر الأجهزة الأمنية يعتقلونهما طيلة النهار. ولم
تشفع
لهما البطاقة الصحافية. اتُهما بتصوير مواقع عسكرية، وتم
اقتيادهما الى احدى الثكن،
حيث لم يفرج عنهما الا بعد وساطة وتدخل من أعلى المرجعيات.
اما قضية شون كونري،
فهي استحوذت على الكثير من الاهتمام من الصحافة وذاع صيتها في الاوساط
الاعلامية،
جاعلةً من التصوير مهنة البحث عن المتاعب. كان الرجل برفقة أحد
زملائه الصحافيين
البريطانيين عندما اخبره الاخير بوجود الممثل الاسكتلندي كونري في فندق
"فينيسيا".
اتصل بزميل له، وقصدا الفندق معاً، وبعد فترة انتظار طويلة استمرت حتى
التاسعة
مساء، نزل كونري من جناحه في الفندق، فطلبا الإذن بالتصوير
فجاء الرد أن ذلك غير
مسموح به داخل الفندق. واعترضهما رجال الأمن الذين طردوهما خارجاً. حينها
قال
المصور لزميله انه يمكنهما تصويره خارجاً، حيث لا سلطة لأمن الفندق،
فواكباه حتى
خرج، ثم بدأا التصوير. في تلك اللحظة فوجئ المصور وزميله برجال الأمن
ينهالون
عليهما ضرباً، ويكسرون آلة التصوير. حينئذ لم يبق امامه الا ان
يحمل آلته المحطمة
والذهاب لرفع دعوى في أقرب مخفر للدرك، فتحركت دورية بناء لإشارة من المدعي
العام،
وطلبت تسليم العناصر غير المنضبطين، وجرى اعتقالهم. يروي المصور انه في ذلك
الحين
تلقى اتصالات من محامين كثر في لبنان ولندن يعرضون عليه تمثيله
في الدعوى ضد فندق
"فينيسيا". وبناء لتدخل وسطاء توصل المصور الى تسوية تقضي بأن تعتذر
ادارة الفندق،
وتدفع قيمة الكاميرات التي جرى تحطيمها.
•••
الحياة في ذاتها عبارة عن خطر مستمر، والإنسان
معرض لذلك الخطر بمجرد أن يولد. والمصورون الحقيقيون لا يحبون الحياة
السهلة، وهذا
جزء من طبيعتهم. "التصوير ممنوع"! كم مرة ومرة سمعنا هذه العبارة من رجال
الأمن.
هذا مناقض للمنطق الطبيعي. فالصورة وثيقة
تساعد التحقيق في الوصول الى الحقيقة. كما
أنها بديهية في زمن الإعلام المفتوح، لكن المنطق الأمني يرى
غير ذلك، وأصحابه يظنون
أن منع المصور من تسجيل حدث ما، يؤدي الى التخفيف من حدة هذا الحدث
ومأسويته.
أحيانا يتراءى لي أن المشكلة بالنسبة الى
الأمنيين ليست في الحادثة نفسها بقدر ما
هي في الإعلام الذي يحاول نقلها. سيبقى الخلاف قائماً ما دامت
الذهنية المسيطرة هي
على هذا النحو، وسيظل المصور في أخذ وردّ مع رجال الأمن: هم يدفعونهم
بعيداً من
المسرح، والمصور يسعى لإلتقاط أكبر كمية ممكنة من الصور، بأقل قدر ممكن من
الكدمات.
هذا المقال تحية الى المصوّر.
هـ. ح.
النهار اللبنانية في
17/12/2009 |