غرقت في السنوات الخمس الأخيرة في السياسة والكتابة السياسية
والموضوعات العلمية وأهملت عشقي الأول، أي السينما، التي كرست لها أجمل
سنوات العمر
منذ الطفولة إلى يوم الناس هذا. وأثناء ترتيب وتنظيم مكتبتي الشخصية
وأرشيفي الشخصي
وقع نظري على كراسة محاضرات يعود تاريخها إلى عام 1980 ومعها شريط فيديو
لفيلم
"
الاحتقار" للمخرج الفرنسي المبدع، وأحد
أعمدة مدرسة الموجة الجديدة في السينما الفرنسية في سنوات الخمسينيات
والستينيات في
القرن الماضي، ألا وهو جان لوك غودار. فعدت بذاكرتي إلى الوراء إلى أوائل
السبعينيات من القرن العشرين في محافظة بابل، عندما عرض هذا
الفيلم للمرة الأولى في
إحدى صالات السينما في مدينة الحلة، ولم يكن أحد في ذلك الوقت قد سمع باسم
مخرج
الفيلم أو يعني له الكثير عدا صديقي القديم، الذي أصبح مخرجاً سينمائياً
مبدعاً هو
الآخر اليوم، وهو الدكتور عباس فاضل. كان عدد قليل من المشاهدين قد ذهبوا
لمشاهدة
الفيلم بسبب وجود إسم نجمة الإغراء الفرنسية الشهيرة بريجيت باردو على
ملصقه
الدعائي، أملاً في التمتع ببعض مشاهد العري لا أكثر كما أعتقد،
ولكن سرعان ما
أصابهم الملل والخيبة فغادروا الصالة. ذهبت لمشاهدة الفيلم لأكثر من خمس
مرات
متتالية في محاولة لفهم واستيعاب وتحليل لغته الإخراجية وأبعاده الجمالية.
وبعد
مرور عقد من الزمن، كنت أواظب على حضور دروس السينما ومادة
الإخراج حصراً عند
المخرج الكبير إريك رومير زميل غودار في مدرسة الموجة الجديدة، ومحاضرات
الباحث
الكبير دومنيك نوغيز في السينما التجريبية ومحاضرات الأستاذ البروفيسور
ميشيل ماري
في اللغة السينمائية والتحليل الفيلمي، والذي أصبح فيما بعد
رئيساً لقسم السينما في
جامعة باريس 3 السوربون الجديدة. كانت الكراسة التي عثرت عليها بين أرشيفي
عبارة عن
نصوص وملاحظات دونتها من محاضرات الأستاذ البورفيسور ميشيل ماري حول مجموعة
من
المخرجين الطليعيين الذين كان يختار من كل واحد منهم فيلم
نموذجي يقوم بتفكيكه
وتحليله بغية استيعاب وفهم لغته الإخراجية ومن بين هؤلاء المخرجين كان قد
اختار جان
لوك غودار وفيلمه " الاحتقار" وآلان رينيه وفيلمه" مورييل". الملاحظات
والهوامش
والتعليقات ونصوص المحاضرات كتبت باللغة الفرنسية بالطبع لتساعدني في تأدية
الامتحانات وإعداد العروض الطلابية
Exposés
التي كان يكلفنا بها الأساتذة لنلقيها
على الزملاء. انتابتني رغبة ملحة لنقلها إلى اللغة العربية رغم
قدمها بعد أن مر
عليها ثلاثة عقود من الزمن بيد أنها في نظري ما تزال صالحة ومهمة كأفضل
كتابات في
مجال فهم الفيلم وتحليله وقراءته سينمائياً وهي تهم الطلاب والنقاد
المبتدئين ومحبي
أو هواة الفن السينمائي، وبالأخص طلاب السينما. تذكرت مدى
معاناتي في شبابي وبداية
عهدي مع الفن السينمائي عندما كنت أتمنى الحصول على مثل هذه النصوص القيمة
والنادرة
والدراسات والمحاضرات التي من شأنها أن تساهم في بناء التكوين السينمائي
الصحيح
والذوق السينمائي الرفيع. يعد فيلم الاحتقار لغودار واحداً من
الآثار السينمائية
الخالدة والبارزة جداً في حوليات السينما الفرنسية وفي تاريخ السينما
العالمية
المعاصر، وبالتالي فإن قراءته وفهمه يستدعي تفكيك وإعادة ترتيب بنيته
الدرامية
والسردية وتحليل ثيماته الرئيسية ودراسة شخصياته وخصوصياته
الجمالية ومشاهده
المميزة ومعرفة ظروف إنتاجه وإخراجه والفترة الزمنية التي رافقت خروجه
وملابساتها
إلى جانب سيرة حياة مخرجه وأعماله الأخرى ولو باختصار ورأي النقاد به
وبأفلامه
لاسيما الفيلم موضوع الدراسة وذلك من أجل مزيد من الفهم
والتأمل.تبدأ كراسة
المحاضرات التي ألقاها علينا الأستاذ البروفيسور ميشيل ماري بوصف الظروف
السياسية
والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والمعنوية التي كانت سائدة في فرنسا
آنذاك أي في
فترة صنع الفيلم. ففي سنة 1963 كانت الجمهورية الفرنسية
الرابعة، بقيادة الجنرال
ديغول، قد وضعت للتو نهاية لحرب الجزائر، بعد ثماني سنوات من الحرب
الاستعمارية
التي راح ضحيتها الكثيرون من الجانب الفرنسي وحوالي المليون شهيد من الجانب
الجزائري، وكانت فرنسا على تماس مع تداعيات تلك الحرب وعلى شفا
انفجار حرب أهلية
داخلية بسبب حرب الجزائر وما تمخض عنها. شهد المجتمع الفرنسي، في فترة ما
بعد
الحرب، وخلال السنوات العشر التي تلت استقلال الجزائر، سلسلة من التحولات
الجوهرية
والتغيرات الهائلة في نمط المعيشة والذوق والمزاجية النفسية
والسلوكية وطرق التفكير
والسلوك والممارسات الثقافية. كان المخرج جان لوك غودار هو الشاهد على كل
تلك
التحولات حيث استلهم منها أغلب مواضيع أفلامه الأولى لاسيما فيلمه الذي
أثار زوبعة
من الاحتجاجات والانتقادات وعانى من مصاعب جمة مع جهاز الرقابة وهو فيلم "
امرأة
متزوجة" إذ كان في البداية يحمل عنوان " المرأة المتزوجة" بلام التعريف
التي تعني
التعميم وذلك سنة 1964 فقامت عليه قيامة الغضب ونظمت جمعيات النساء تظاهرات
ضده
لأنه اعتبر كل إمراة فرنسية متزوجة خائنة لا محالة للحياة
الزوجية على غرار بطلة
فيلمه. وكانت وسائل الإعلام تتعامل معه باعتباره أبرز مخرج من مخرجي جيله
آنذاك
وكان عمره 33 عاماً. كانت مدرسة الموجة الجديدة الفرنسية بين عامي 1960 و
1962 في
حالة مراجعة للنفس والغربلة والنقد الذاتي بعد البداية المدوية
التي بدأتها منتصرة
بالضربة القاضية على السينما التقليدية أو الكلاسيكية الفرنسية التي كانت
تعاني من
أزمة وجود تمخضت عن عودة ما سمي آنذاك بـ " سينما النوعية " بعد النجاح
التجاري
لأفلام تقليدية مثل " المنحل" والمطرقة والميزان من إخراج أندريه كايات
صاحب الفيلم
الشهير " الموت حباً، والفيلم الكوميدي " رجل ريو" من إخراج فيليب دي بروكا
الذي
مثله النجم الفرنسي جان بول بلموندو الذي ابتعد كثيراً عن شخصية البويهيمي
التي
جسدها في بداياته السينمائي قبل مرحلة النجومية في فيلم اللاهث
أو على آخر نفس أو
النفس الأخير لجان لوك غودار سنة 1959. كان أقطاب الموجة الجديدة الفرنسية
من أمثال
فرانسوا تروفو وكلود شابرول وإريك رومير وآلان رينيه وجاك ريفيت وجاك ديمي
وجان روش
وبيير كاست، من رفاق جان لوك غودار، يواجهون صعوبات في المواصلة وإعدادا
المشاريع
السينمائية الطليعية الجريئة ولا يجدون بسهولة التمويل اللازم
بينما كان غودار
يواصل إبداعه بوتيرة متصاعدة رغم العقبات المادية ومنع فيلمه " الجندي
الصغير" من
العرض لأسباب سياسية وإثر آخر نجاح تجاري حققه في فيلم " عاشت حياتها" حيث
لم يوجه
منتجوه بعد الفشل التجاري الذريع الذي لقيه فيلمه " القناصون أو حاملو
البنادق".
ويجب ألا ننسى أن بداية سنوات الستينيات في القرن الماضي كانت فترة إنهيار
عظمة
وجبروت هوليوود وأزمة أغلب استوديوهاتها الجبارة. وكانت
الخسائر المالية والتجارية
الهائلة قد انهالت على الشركات الإنتاجية الاحتكارية الكبرى بعد أن ضاعفت
انتاجاتها
السينمائية الدولية بغية كسب المزيد من الجمهور العالمي وضمان مجيء
المشاهدين
الموزعين على أصقاع الأرض. كان مخرجوا جيل الخمسينيات من
الأمريكيين الذي أحبهم جان
لوك غودار في فترة عمله كناقد سينمائي في مجلة كراسات السينما قبل تحوله
للإخراج،
قد فقدوا الحظوة لدى المنتجين الكبار في هوليوود كما فقدوا خصوصياتهم
وأصالتهم
الإبداعية التي تميزوا بها آنذاك وغرق البعض منهم في أعمال
تجارية وملاحم
كوسموبوليتية لايسعهم السيطرة عليها كحالة المخرج أنطوني مان في فيلم
Le Cid
سنة 1960
وسقوط الإمبراطورية الرومانية سنة 1964، وحالة المخرج نيكولاس راي في أفلام
مثل ملك الملوك سنة 1961 و 55 يوماً في بكين سنة 1963، والمخرج جوزيف ل.
مينكوفيتش
الذي ضاع بين والتر زانوك ودلال وتغنج ونزوات النجمة أليزابيت
تايلور حيث أنهى
بصعوبة بالغة إخراج الفيلم التاريخي الشهير كليوباترا سنة 1963، وهو فيلم
ذو
ميزانية مرعبة أدت إلى خسارة وإفلاس شركة عملاقة مثل فوكس المنتجة له. أما
مخرجو
العصر الذهبي لهوليوود الذين بدأوا مع أوائل السينما من أمثال
غريفيث وشابلن فقد
كرمهم غودار في أفلامه وخاصة في فيلم الاحتقار عندما وضع ملصقات أو أفيشات
أفلامهم
على جدران ديكورات فيلمه، رغم أنهم كانوا في مرحلة خسوف لتاريخهم وتجربتهم
الإبداعية. أما الملهمين الأوائل لغودار من أمثال روبير
روسيلليني وجان رينوار فقد
أداروا ظهورهم للسينما الاستعراضية والإنتاج الضخم الذي ميز هوليوود
وتحولوا
للكتابة التلفزيونية مع أفلام متواضعة تصلح للتلفزيون وليس للشاشة البيضاء
مثل وصية
الدكتور كورديلييه سنة 1961 و عصر الحديد سنة 1965. وهكذا في
إطار هذا الظرف الزمني
الذي شهد تقهقر وانحطاط السينما الكلاسيكية ونهاية مرحلة من مراحل التطور
السينمائي
فكر غودار في مشروع إعداد رواية البيرتو مورافيا " الاحتقار" للسينما وفق
مواصفات "
السينما التقليدية " وليس السينما الطليعية التي برز فيها مع الاحتفاظ
بخصوصيته
ورؤيته الجمالية للسينما وهي رؤية متمردة ومجددة وجريئة ومجربة. للبحث تتمة
jawadbashara_(at)_yahoo.fr
المدى العراقية في
11/11/2009
كـــيــــــف نــقــــرأ فـــيـــلــــمـــاً
(2)
د.
جواد بشارة – باريس
غرقت السينما
التقليدية في عالم الرتابة والتكرار في أواخر خمسينيات القرن الماضي ثم
دخلت مرحلة
تحول جمالي جوهري، وقد أدت أشكالا جديدة للتعبير السينمائي إلى تفجير البنى
الجمالية التقليدية للسرد الفيلمي.
فالمدارس الواقعية تشددت وتطرفت في
خطواتها ومسيرتها كردة فعل على الاضمحلال الجمالي والغرق في
الأوهام الذي بثته
السينما التقليدية. ففي بريطانيا ظهرت مدرسة " السينما الحرة" وفي كندا
ظهرت مدرسة "
السينما المباشرة" مع ريشار لوكوك وبيير بيرو والأفلام الأولى للمخرج جون
كاسافيت
، والحال ذاته يمكن ملاحظته في كل مكان في العالم حيث ظهر مخرجون جدد
يستكشفون
ويجربون بحرية وجرأة أساليب سينمائية مغايرة ومتنوعة ومختلفة لم تكن معروفة
أو
مألوفة لدى المشاهدين حتى ذلك الوقت، رابطين بين الواقع واكتشافات المونتاج
السينمائي وإمكانيته الثرية إلى جانب الجمال الباروكي مثلما
بدا واضحاً في آثار
المخرج البرازيلي غلوبير روشا وخاصة فيلمه " الإله الأسود والشيطان الأشقر"
الذي
أخرجه سنة 1964. كما ظهرت " سينما الشعر " "والسينما الشعرية" حسب تعبير
المخرج
والكاتب والشاعر الإيطالي الراحل بيير باولو بازوليني الذي كان يكتب ويخرج
باسم
المتحدث الشخصي بصيغة الشخص الأول وانتشرت تلك الموجة في تخوم بولونيا
الشيوعية كما
بدت في أفلام السينمائي المجدد جيرزي سكوليموفسكي وهو مخرج شاب ذو مواهب
متعددة
سرعان ما اكتشفها غودار وقدرها حق قدرها. أما في إيطاليا فكان
هناك المخرج الرائع
والمرهف مايكل أنجيلو أنطونيوني ذو الشخصية القوية يتربع على قمة المشهد
السينمائي
ويقدم شكلاً دراميا جديدا للإخراج السينمائي مع أفلام صارت من كلاسيكيات
السينما
المعاصرة كفيلم " الصرخة" 1957 وفيلم " المغامرة" 1960 وفيلم "
الليل" 1961 التي
نرى فيها طرحاً مختلفاً ومقاربة جديدة ومفهوماً جديداً للبطل
والحركة والزمن
السيكولوجي أو النفسي حيث يتموضع المخرج أنطونيوني الذي تميز بعالمه
السينمائي
الفريد، ضمن ميراث الرواية المعاصرة لسنوات الخمسينيات والستينيات الوصفية
والمضادة
للسيكولوجيا، عندما صور غودار رائعته السينمائية المعدة عن رواية الروائي
الإيطالي
الجريء البرتو مورافيا، والذي يعتبره الكثيرون الرائد الأول
للموضوع السينمائي عن
اللااتصال وانعدام التواصل ، ولنتذكر كمثال الجزيرة النائية في فيلم
"المغامرة"
لأنطونيوني بصخورها المتناثرة والمشاهد الطويلة عن الخصومات العائلية
والزوجية وسوء
التفاهم في الزيجات الشكلية كما في فيلم " الليل " لأنطونيوني ، حتى لو كان
فيلم
غودار " الاحتقار" عبارة عن تكريم لأسلوب وعالم مخرج إيطالي آخر لايقل
عبقرية
وإبداعاً وتجديداً هو المخرج الكبير روبيرتو روسيلليني ، وعلى
نحو خاص فيلمه " رحلة
في إيطاليا" . كما شهدت السينما الفرنسية محاولة لكتابة سينمائية جديدة
مدموغة
بطابع ونظريات الرواية الجديدة كما تدل على ذلك الأفلام الأولى للروائي
والمخرج
السينمائي الفرنسي آلان روب غرييه مثل " الخالدة" 1963،
وتعاونه مع المخرج آلان
رينييه ككاتب سيناريو في فيلم " العام الماضي في مارينباد سنة 1961" وهي
سنة
التحضير لفيلم " الاحتقار" لغودار. والمعلوم أن آلان رينيه تعاون مع
روائيين كبار
مثل جون كيرول لكن الفيلم الأكثر تجديداً وتميزاً في هذا الاتجاه الجمالي
هو فيلم "
مورييل أو زمن العودة" من إخراج آلان رينييه الذي سنأتي لتحليله لاحقاً بعد
تحليل
فيلم الاحتقار لغودار، والذي أحبه وقدره كثيراً غودار وكان معجباً به اشد
الإعجاب
والذي استلهم منه لقطاته الخاطفة في إخراج الاحتقار وأسلوب
المونتاج القصير. وفي
مجال العلوم الإنسانية والنظريات الأدبية طرحت مدرسة البنيوية والأبحاث
الأنثروبولوجية لكلود ليفي شتراوس ـ الذي توفي قبل أيام في
باريس في 3/11/2009 ـ
التي قدمت للجمهور الواسع وغير المتخصص تجاوزت أطر الحلقات الضيقة للقراء
المحترفين
والنخبة المثقفة. أي أن المشروع الجمالي لفيلم الاحتقار لغودار تأثر بدوره
بهذا
المناخ الفكري والثقافي والجمالي الإبداعي المتحرر الذي رسم
نهاية السينما
الكلاسيكية ومهد لظهور بدايات السينما الجديدة آنذاك وانبثاق أشكال جديدة
ثورية
للسرد والتعبير وجدت من يتلقاها ويتلقفها ويؤيدها من الجمهور المشبع
بالأفكار
والأساليب الجمالية والتعبيرية الجديدة. من هنا فإن فيلم
الاحتقار كان بلا أدنى شك
فيلماً معاصراً في ذلك الوقت بكل المقاييس حيث أن كتابته وأسلوبه يمكن أن
يخدشا
النقد المعتاد على أشكال أكثر تقليدية في المونتاج ومع ذلك فهو فيلم معاصر
يتضمن
بعض إغراءات النزعة الكلاسيكية في التعبير الفني أي أنه الفيلم
الأكثر كلاسيكية
والأكثر سردية في آثار غودار السينمائية حيث الأمانة للنص الروائي المعد
للشاشة
واضحة للبيان وتنطبق عليه معايير الإعداد السينمائي المتبعة في السينما
الهوليوودية
في مجال الإعداد الأدبي للنص الروائي للسينما وإخلاصه للصيغة والثيمة
السردية
الأكثر وضوحاً وملموسية. تركيبة الفيلم ومكوناته مستمدة من
إعداد أمين إلى حد ما عن
الرواية التاسعة للكاتب والروائي الإيطالي ألبيرتو مورافيا التي صدرت سنة 1954باللغة
الإيطالية وصدرت ترجمتها الفرنسية سنة 1955. وبلا شك كان غودار القارئ
النهم قد قرأها فور صدورها باللغة الفرنسية لإعجابه الشديد
وتقديره لكاتبها لاسيما
أن أحداثها تدور داخل أوساط السينما الإيطالية في سنوات الخمسينيات ويرويها
روائي
وكاتب سيناريو وكاتب مسرحي هو ريكاردو مولتيني بطل الرواية الذي يصطدم
بالمنتج
باتيستا وبمخرج ألماني مهاجر في خريف عمره هو دينغولد. ورواية
الاحتقار توفر لغودار
إمكانية التحدث مباشرة عن عالم السينما وتطوير مفاهيمه الخاصة المتعلقة
بعملية
الخلق والإبداع السينمائي ووضع ومكانة مؤلف الفيلم وعلاقته مع المنتجين وهي
المسائل
والنقاط التي تناولها وتعرض لها غودار عندما كان ناقداً
سينمائياً والتي نعثر عليها
على نحو غير مباشر في أفلامه الروائية الأولى. من هنا يمكننا القول أن أثر
غودار
السينمائي هذا هو تعبير ذاتي عن العوالم التي تحيطه وكل أفلامه تتحدث
بطريقة أو
بأخرى عن السينما، كما تجلى ذلك بصورة بديهية في مشهد فيلم "القناصون"
أو "حاملو"
البنادق حيث نرى الفلاح الشاب وهو يذهب للمرة الأولى في حياته إلى السينما
ليكتشف
عالمها السحري. في بداية الستينيات كان ألبيرتو مورافيا كاتباً مشهوراً
جداً وقد
سبق للسينما أن أعدت خمساً من رواياته مثل " الريفية" من إخراج
ماريو سولداتي سنة
1953، والرومانية الجميلة من إخراج جياني فرانسيوليني
سنة 1955 وأهمها رواية
la ciociara
إخراج فيتوريا دي سيكا سنة 1960 بطولة صوفيا لورين والذي لقي نجاحاً
جماهيرياً وتجارياً كبيراً إلى جانبه مستواه الفني الرفيع وعلى صعيد عالمي
، وكذلك
رواية أوغستينو من إخراج ماريو بويولونيني سنة 1962. وكانت سنة 1963 هي سنة
إعداد
رواية الاحتقار للسينما في فرنسا كما أعدت السينما الإيطالية
رواية الفساد من إخراج
موروبولونيتي ورواية "اللامبالون" من إخراج فرانسيسكو ماسيللي ورواية الضجر
من
إخراج داميانو دامياني . وبعد سبع سنوات من ذلك التاريخ أعد المخرج برناردو
برتولوتشي رواية " التقليدي
la conformist
سنة 1970 . كان المنتج الإيطالي المخضرم
كارلو بونتي بالتعاون ومشاركة المنتج الفرنسي جورج بورغارد ،
عبر شركة روما ـ باريس
للانتاج، يمتلكان حق الإعداد السينمائي لرواية مورافيا. والمعروف أن كارلو
بونتي ـ
وهو زوج النجمة صوفيا لورين ـ منتج قديم ومتمرس بدأ حياته المهنية سنة 1940
داخل
شركة لوكس فيلم وأنتج أفلاماً وسمت مدرسة الواقعية الإيطالية
الجديدة لفترة مابعد
الحرب العالمية الثانية لمخرجين معروفين أمثال ألبيرتو لاتوادا ولويجي
زامبا وبيترو
جيرمي ولويجي كومنتشيني . وفي رواية الاحتقار لمورافيا يكون باتيستا هو
المنتج
الإيطالي الذي يبدو أن سيرته المهنية تشبه وتوازي سيرة منتج
الفيلم الحقيقي وهو
كارلو بونتي. وفي الرواية والفيلم المعد عنها من إخراج غودار يكون باتيستا
هو منتج
فيلم " الأوديسة" وهو فيلم تاريخي استعراضي كبير ذو انتاج ضخم وميزانية
كبيرة يمكن
وصفه بالمهزلة المصورة بالتكنيكولور والسينما سكوب مع نساء عاريات وكينغ
كونك
وراقصات شرقيات وعرض أجساد وأثداء وصدور عارية ووحوش كارتونية
وتماثيل لآلهة
وعارضات أزياء مانيكانات كما يريد المنتج بطل الرواية والفيلم. ويتذمر
المنتج
مولتيني إثر نقاش حاد مع المخرج الألماني دينغولد من عدم التركيز على
الجوانب
الترفيهية التي تجذب المشاهد ويتماهى المشهد مع فيلم " أوليس"
ذي النجاح التجاري
المدوي والإقبال الجماهيري المذهل سنة 1954 بطولة النجم كيرك دوغلاس بدور
أوليس.
كان كارلو بونتي قد بدأ تجربته المهنية في
الإنتاج كمنتج منفذ في شركة بارامونت
الأمريكية العملاقة. و ابتداءاً من سنة 1957 وبدايات الستينيات
شارك مع المنتج
الفرنسي بورغارد وساهما معاً في تجديد السينما الإيطالية والفرنسية عندما
أنتجا
أفلاما لمخرجين مبتدئين اصبحوا فيما بعد من المشاهير في عالم الإخراج
السينمائي
أمثال غودار وملفيل وفريري وروزي الخ .. وفي سنة 1963 أنتجا
فيلمي غودار " المرأة
هي المرأة" و" القناصون أو حاملوا البنادق" وكان بورغارد هو المنتج الرسمي
لغودار
منذ فيلمه الأول " اللاهث أو النفس الأخير أو على آخر نفس"، وهو إلى حد ما
صديقه
وساهم في زواجه من الممثلة آنا كارينا في آذار 1962 برفقة جون بيير ملفيل.
وفي داخل
الفيلم الذي أخرجه غودار وهو الاحتقار يقول أحد أبطال الفيلم وهو المخرج
الألماني
دينغولد ـ الذي أداه باقتدار مذهل المخرج الألماني فريتز لانغ
ـ يقول دينغولد ـ
لانغ :" المخرج بحاجة لأن يكون المنتج صديقاً له في حين أن منتجنا بروكوش ـ
في
الرواية وفي الفيلم ـ ليس سوى ديكتاتور". أما المنتج الفرنسي بورغارد الذي
ولد في
مرسيليا سنة 1920 فقد بدأ حياته المهنية في مجال التوزيع وتصدير الأفلام في
أسبانيا
بفلمين طويلين للمخرج الإسباني خوان أنطونيو بارديم وهما " وفاة سائق
دراجة" سنة 1955
و " الشارع الكبير" سنة 1956 . وفي فرنسا تعرف على غودار سنة 1958 عندما
شارك
غودار في كتابة حوار فيلم بيير لوتي " رامتشو" سنة 1958 من انتاج بورغارد
الذي أنتج
ايضاً فيلم " صيادو إيسلنده" للمخرج بيير لوتي أيضاً سنة 1959. كانت شركته
الإنتاجية على وشك الإفلاس عندما غامر وأنتج فيلم غودار الأول
" على آخر نفس" بطولة
جان بول بلموندو والذي استهلك ميزانية متواضعة جداً لكنه لقي نجاحاً
جماهيرياًَ
منقطع النظير أنقذ الشركة المنتجة من الإفلاس ما أتاح لها أن تسهم في إنتاج
أكثر من
عشرين فيلماً تعتبر من أهم أفلام سنوات الستينات لمخرجي مدرسة الموجة
الجديدة. وقد
أنتج بروغارد أفلام غودار الأولى لغاية سنة 1963 عدا فيلم "
عاشت حياتها" الذي
أنتجه برونبيرجير. وفي أثناء الإعداد لميزانية فيلم الاحتقار، كانت موافقة
بريجيت
باردو المبدئية بإداء دور بطلة الفيلم زوجة كاتب السيناريو الذي جسد شخصيته
في
الفيلم الممثل القدير ميشيل بيكولي ، قد غيرت مجريات الأمور
ومعطيات الانتاج التي
انطلق منها غودار إذ تضاعفت الميزانية عشر مرات حتى بلغت في ذلك الوقت 500
مليون
فرنك في حين كانت كلفة انتاج فيلم اللاهث أو على النفس الأخير ، وهو أول
أفلام
غودار الروائية الطويلة، لم يتجاوز الـ 40 مليون فرنك قديم. إن
وجود هذه النجمة قد
جلب للمشروع منتجاً ثالثاً هو المنتج الأمريكي جوزيف ليفين وهو بالأساس
مستثمر
ومدير صالات عرض سنة 1938 حيث اشترى مجموعة من صالات العرض في وسط أمريكا
وتحول إلى
موزع سنة 1950 للأفلام الأوروبية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وبدأ في
الإنتاج
السينمائي سنة 1958 بأفلام مثل " القانون" إخراج جول داسان سنة
1958 وفيلم " العالم
البديع " عن رواية جول فيرن سنة 1960 وفيلم " لص بغداد" من
إخراج آرثر لوبان سنة
1961
وفيلم " السرير الزوجي" سنة 1962 اخراج ماركو فريري وفيلم " ثمانية
ونصف" من
إخراج فريدريكو فلليني وفيلم " الطموحون " من إخراج إدوارد ديمتريك.
وبالتالي فإن
شخصية المنتج في فيلم الاحتقار صاغها غودار كصنو لليفين وبونتي وقد تطرق
الفيلم إلى
إسم المنتج في الحوار عندما تقول فرانسيسكا لبروكوش في اللقطة 146 على متن
زورق
كابري :" لقد اتصل جيري ليفين من نيويورك"... للبحث تتمة
المدى العراقية في
25/11/2009
كــــــيـــــف نــــقــــرأ فـــيــلــمــــاً
(3)
د.
جواد بشارة – باريس
في البدايات
كان غودار يجهد كثيراً للحصول على ميزانية الفيلم الذي يرغب في تصويره،
وكانت
ميزانيات الأفلام الخمسة الروائية الطويلة الأولى لغودار متواضعة بل وصغيرة
جداً.
ولكن غودار، وكباقي زملائه نقاد مجلة كراسات السينما الذين تحولوا إلى
الإخراج،
كان يحلم بأن يخرج فيلماً ذا
ميزانية كبيرة وداخل بلاتو تصوير هوليوودي وديكورات ضخمة. وبعد
مرور خمسة عشر عاماً
على إخراجه فيلم الاحتقار ذي الميزانية الضخمة، صرح في إحدى ندواته في
مونتريال في
كندا أن الاحتقار هو فيلم تم صنعه حسب الطلب أي طلب منه إخراجه وكان
المشروع مغرياً
ويهمه تنفيذه حسب المواصفات المتبعة في مثل هذه الحالات الإنتاجية
التقليدية وأضاف
أنها المرة الأولى التي ترسخ لديه فيها انطباع بأنه يمكنه أن يصنع فيلماً
ضخماً
وبميزانية كبيرة ومريحة ولكن في حقيقة الأمر كانت ميزانية
الفيلم صغيرة لأن أغلب
الأموال ذهبت أجوراً لبريجيت باردو وفريتز لانغ وجاك بلانس والباقي كان
مكرساً
لعمليات الإنتاج الفعلية ومع ذلك كانت ضعف ما كنت أصرفه أو أنفقه على كل
أفلامي
الاعتيادية الأخرى حيث كل ما بقي لي لصنع الفيلم هو 200000
دولار وهو مبلغ كبير
بالنسبة لي في ذلك الوقت لكنه لم يكن يساوي شيئا بالنسبة لفيلم ذي إنتاج
ضخم من
الطراز المصنوع في هوليوود عادة. وهو فيلم معد عن رواية منشورة وليس نصاً
أكتبه أنا
خصيصاً كما هي عادتي وهي رواية أعجبتني وكان لدي عقد مع كارلو بونتي الذي
لم يكن
راغباً بالعمل معي بصورة مفتوحة وبلا قيود وشروط مسبقة وبحريتي
التامة. وعندما ردت
بريجيت باردو بالإيجاب على العرض وافق بونتي على الإنتاج لتوفر الضمانات
التجارية
له وبالنتيجة يمثل هذا الفيلم بالنسبة لي إخفاقاً كبيراً ". نلاحظ أن موقف
غودار من
الرواية يشوبه بعض التناقض. فقد سبق أن صرح لصحيفة لوموند الفرنسية في 20
ديسمبر 1963
قائلاً:" قرأت الكتاب قبل فترة طويلة وأعجبني الموضوع كثيراً وبما أنني كنت
مطالباً بتحقيق فيلم لصالح كارلو بونتي بموجب عقد سابق بيننا
اقترحت عليه إعداد
رواية الاحتقار للسينما وتنفيذها حرفياً فصلاً بعد فصل دون تدخل أو إضافة
أو حذف أو
تعديل جوهري فقال لي نعم لكنه سرعان ما تراجع وقال لا خوفاً من المغامرة
نظراً لما
يمثله إسمي وأسلوبي من مخاطرة تجارية. وعندما اقترحت عليه
اختيار كيم نوفاك وفرانك
سيناترا رفض بشكل قاطع لأنه كان يفضل زوجته صوفيا لورين ومارسيللو
ماستورياني ولم
أوافق على اختياره وبقينا متخندقين كل واحد منا وراء قناعته واختياراته
ومتشبثين
بمواقفنا إلى أن ردت بريجيت باردو بالإيجاب وقالت أنها تحب العمل معي
وبفضلها أصبح
كل شيء ممكناً وأكثر سهولة وكان الجميع سعداء بهذا الحل بمن فيهم
الأمريكيون
وبالأخص جو ليفين الذي مول جزءاً من الميزانية والذي تعهد له
بونتي بأن الفيلم
سيكون تجارياً رغم وجود اسمي المثير للإشكالات. وبفضل هذا الانفتاح صورنا
بحرية
لمدة ستة أسابيع في إيطاليا".وبعد ذلك صرح غودار لجون أندريه فيسكي أن
رواية
الاحتقار رواية تبسيطية ساذجة وهي تليق بنوع روايات محطات القطارات للتسلية
في
الطريق والتي يرميها القارئ في سلة القمامة بمجرد وصوله إلى
نهاية رحلته. وهي مليئة
بالمشاعر الكلاسيكية المتهالكة والمبتذلة والمتقادمة بالرغم من حداثة
الأوضاع
والأحداث التي تدور فيها ولكن يبدو أننا مع هذا النوع من الروايات يمكن أن
نصور
أفلاماً جميلة وخلابة ". وهذا الرأي نشرته مجلة كراسات السينما
الفرنسية الرزينة
والمتخصصة والمتحيزة لغودار وذلك في عدد 146 الصادر في آب 1963. فنصف
ميزانية
الفيلم التي تجاوزت 500 مليون فرنك فرنسي ذهبت أجوراً لبريجيت باردو كما
صرح شارل
بيتش مساعد المخرج الأول لغودار وباقي الممثلين تقاضوا أجورهم
أيضاً مما تبقى من
النصف الثاني من الميزانية العامة للفيلم. إن مشاهد تصوير فيلم أوديسا في
سياق
موضوع فيلم الاحتقار ـ أي فيلم داخل الفيلم ـ الذي يخرجه فريتز لانغ يوضح
ويقدم
فكرة دقيقة لظروف إنتاج وتصوير فيلم الاحتقار ذاته أي أنها
مشاهد متواضعة. كان هناك
32
يوم تصوير حقيقي، أي أكثر بقليل من الفترة المتوفرة لغودار في أفلامه
السابقة،
لكنها قليلة جداً بالنسبة لضوابط ومعايير إنتاج ضخم على الطريقة
الهوليوودية في
سنوات الستينيات حيث تمتد فترة التصوير من 8 إلى 12 أسبوعاً. وكان لدى
غودار نجوم
مشهورون يتعامل معهم من بينهم النجمة الفرنسية الأشهر والأغلى
والأكثر تغنجاً
ودلالاً في ذلك الوقت هي بريجيت باردو. ونجم أمريكي من مستوى حرفي عالي هو
جاك
بالانس. ويتحدد العدد بخمس شخصيات رئيسية وبعدد محدود من الكومبارس
والأدوار
الثانوية منها دور غودار نفسه بدور مساعد للمخرج فريتز لانغ
داخل الفيلم. ويبدو
الفيلم كما لو إنه عبارة عن قصة غرق العالم الغربي، وانغماس الأخلاق ونمط
الحياة
الغربية في الفراغ النفسي والروحي وقصة الناجين من غرق الحداثة والعصرنة
والذين
يجدون أنفسهم على غرار أبطال أو شخصيات جول فيرن على شواطىء
جزيرة مهجورة وغامضة،
وغموضها ناجم عن غياب الغموض أي بروز الحقيقة، حقيقتهم، على حد تعبير غودار
نفسه
سنة 1963. كل ديكورات الفيلم طبيعية فاستوديوهات سينسيتا الإيطالية
المهجورة هي في
الواقع ديكورات تيتانوس قبل تهديمها بأيام، والفيلا التي يقيم
فيها المخرج داخل
الفيلم الذي يؤدي دوره النجم جاك بالانس، أي شخصية المنتج بروكوش، هي في
الواقع
فيلا آبا أنتيكا التي تم استئجارها لتقيم فيها بريجيت باردو في فترة
التصوير في
أحدى ضواحي روما لكنها فضلت شقة فاخرة وسط المدينة واستخدمت
كذلك لإيواء طاقم
التصوير وكذلك بيت البطلين بول وكامي ـ أي بيكولي وباردو ـ كان في الحقيقة
بيت جديد
لم ينته تجهيزه كلياً ومعروضاً للبيع قبل أن تشتريه المغنية التي رأيناها
ترقص على
المسرح في الوصلة التي كان مقرراً عرضها في صالة العرض في فترة
الاستراحة كما هي
العادة في صالات العرض الإيطالية في الستينيات، وتعتبر أحد مشاهد الفيلم في
بدايته
حيث تم تقديم وتعريف كامي ـ بريجيت باردو ـ بالمنتج بروكوش. أما فيلا كابري
فهي
تابعة لكورزويوملابارت وكانت مغلقة حيث قدمها كميراث،بالرغم من
غضب واعتراض عائلته،
هدية للحكومة الصينية لاستقبال الكتاب الصينيين المتقاعدين، وتمكنت شركة
الإنتاج
الايطالية من فتحها لبضعة أيام لأغراض التصوير كما قال مساعد المخرج. كتب
غودار
لهذا الفيلم سيناريو دقيق جداً على عكس عادته فأوجد له أربع
صيغ مختلفة وملخصين
وبضع عشرات من الصفحات تتضمن حوالي 15 مشهداً في حين كان تقطيع المشاهد في
الديكوباج يحتوي على 69 صفحة وحوالي 13 مشهداً وبضعة عناصر أولية أو مؤشرات
لحوار
ونص سيناريو أدبي يتضمن نصاً حوارياً كاملاً بحوالي 104 صفحات
مع عدد المشاهد نفسها
أي13 مشهداً بحوار كامل ونهائي خاصة حوار الشجار العائلي بين كامي وزوجها
كاتب
السيناريو بول. وهذا يناقض الأسطورة الشائعة عن غودار المعروف عنه
بالارتجال حيث
كان يكتب حواراته على قصاصات ورق متناثرة قبل لحظات من بدء
التصوير وهذه الطريقة لا
تنطبق بتاتاً على فيلم الاحتقار ومقاربة غودار الإخراجية تجاهه، وذلك بسبب
ظروف
وطريقة انتاجه الكلاسيكية التقييدية عكس ما شاهدناه في فيلم آخر مرتجل
كلياً هو
القناصة أوحاملو البنادق ومع ذلك تضمن صيغاً من السيناريو المفصل كما جاء
في وثائق
العمل التي احتفظت بها آنييس غيوم مونتيرة الفيلم. مشاكل
وتعقيدات ما بعد المونتاج
الأولي: انتهى مونتاج الفيلم في نهاية عام 1963 وتم اختياره للمشاركة في
مهرجان
فينيسيا في أيلول من ذلك العام قال غودار معلقاً:" فور انتهائي من المونتاج
عرضت
الفيلم على المنتج الايطالي كارلو بونتي وقد أعجبه الفيلم
واعتبره فيلماً اعتيادياً
أكثر قبولاً مما أصنعه عادة بيد أن ذلك لم يكن رأي الأمريكيين الذين ردوا
عليه أن
الفيلم فني أكثر من اللازم وليس تجارياً لذا يجب تغيير المونتاج عندها طلب
مني
كارلو بونتي أن أعيد تصوير بعض المشاهد وأراجع المونتاج كلياً
وعلي أن أضيف مشاهد
لم تكن موجودة في السيناريو لكنه لا يعرف ماذا يجب أن يضاف للفيلم لكي يصبح
أكثر
تجارية من صيغته الحالية ولا حتى أنا لم أكن أعرف بالضبط ماذا يتوجب أن
أفعل لكي
أجعل الفيلم أكثر تجارية وماذا علي أن أغير أو أحذف أو أضيف
فاقترحت عليه أن أسحب
إسمي من الفيلم عند ذلك يمكنهم أن يفعلوا ما يريدون بالفيلم. مرت أشهر ولم
يحدث شيء
والأمريكيون يتذمرون لأنهم يخسرون أموالاً وفي غرفهم الفارهة في فنادق
الدرجة
الأولى كانوا يتباكون للحصول على مشهد أو مشهدين إضافيين نرى
فيهما بيكولي وباردو
عاريين ورغبوا بمشهد كامل تظهر فيه النجمة بريجيت باردو وهي تمارس الحب مع
زوجها في
بداية الفيلم ما من شأنه أن يفسر أو يشرح حالة القرف والاحتقار التي تبديها
البطلة
لزوجها فجأة. وقد شعر الأمريكيون بأنهم دفعوا أجراً كبيراً
لبريجيت باردو أكثر
بكثير مما أعطتهم هي في الفيلم أو ما ستجلبه لهم من مردود مادي لهذا الفيلم
الخاص
جداً والمعد عن رواية صعبة في نظرهم. يتعين الاعتراف أن المشاكل لم تأت من
بريجيت
باردو منذ البداية تحملت حصتها من المخاطرة والمغامرة وكانت
دائماً تؤيدني وتدعمني
وتقف إلى جانبي بكل ما تمثله من ثقل في السينما والصناعة السينمائية
التجارية وكانت
تتقبل وتلبي توجيهاتي حتى لو لم تقتنع بها.وعندما اتصلت بالأمريكيين
وأخبرتهم بأنه
بات لديهم الآن المشاهد التي طلبوها كانوا سعداء كما لو كنت
قدمت لهم هدية عيد نويل
وأعياد الميلاد. فبعد انتظار ممل وتبادل رسائل مسجلة وتبادل كلمات نابية
وتهديدات
خلال شهر أكتوبر من عام 1963 صور غودار ثلاثة مشاهد إضافية حسب طلب
الأمريكيين وهي
اللقطة رقم خمسة في الديكوباج وحوار حب وعشاق بين كامي وبول في
أعقاب سلسلة من
اللقطات السريعة ـ الفلاشات ـ التي نعثر عليها في المونتاج القصير للمشهد
المركزي
للفيلم من اللقطة 110 إلى اللقطة 119 في المونتاج النهائي إلى جانب مشهد
يجمع بين
بول وكامي في غرفة النوم في فيلا كابري حيث نشاهد كامي ـ
بريجيت باردو ممددة على
سريرها عارية وبول ينظر إليها وهو يرتدي ملابسه، وهو مشهد لم يكن موجوداً
في
المونتاج النهائي الأول. وفي الحقيقة أن التنازل الذي قدمه غودار
للأمريكيين أتاح
له إدراج مشاهد ولقطات كانت مدرجة أو موجودة في الملخص أو في
السيناريو الأولي
وتخلى عنها غودار مرغماً أثناء التصوير. وعندما سئل غودار عما إذا كان
نادماً على
تصوير تلك المشاهد واللقطات الإضافية المفروضة عليه تلبية لرغبة الأمريكيين
رد
بالنفي قائلاً:" كلا فالعري ليس بالضرورة ضد الفيلم ومستواه
الفني بالرغم من أن
الفيلم ليس فيلماً جنسياً وإذا كانت باردو قد قدمت عارية في بداية الفيلم
وبعض
المشاهد واللقطات الداخلية فهذا أمر ممكن وطبيعي لأنها هي كذلك على الشاشة
كما هي
عليه في بيتها خاصة وهي تجسد شخصية كامي الزوجة الجذابة والذكية والصادقة
مع نفسها
وباعتبارها زوجة للسيناريست بول جافال الذي علق قائلاً:" في
الحياة نرى النساء
مرتديات ملابسهن وعلى الشاشة نراهن عاريات. وفي ظروف أخرى كان يمكن أن أرفض
هذا
المشهد لكنني هنا وضعته بلون آخر حيث أنرته بالضوء الأحمر والأزرق ليصبح
شيئاً آخر
لكي يكون ذا مظهر غير واقعي وأعمق من كونه مجرد مشهد لباردو
عارية ممددة على
السرير. حاولت تشويه الواقع اليومي لأن السينما هي في الحقيقة تشويه للواقع
وليس
لتقديمه كما هو بل كما يقدم الرسام لوحة عن الواقع حسبما يشعر به ويتحسسه
هو.
المدى العراقية في
09/12/2009
كـــيـــــف نـــقــــرأ فـــيـــلـــمـــــاً
(4)
د.
جواد بشارة باريس
كان غودار
مطمئناً لاستقبال النقاد لفيلمه فهم زملاء الأمس في مجلة كراسات السينما
ذات
التأثير الكبير على الجمهور. خرج الفيلم للعرض الجماهيري في 27/ كانون
الأول ديسمبر 1963
في خمس صالات عرض في آن واحد وكان عدد جمهور المشاهدين في اليوم الأول قد
بلغ
2863
متفرجاً.
بقي الفيلم تسعة أسابيع معروضاً على
شاشات العرض في باريس وكان عدد الجمهور الذين شاهدوه في باريس
وحدها 234374 متفرجاً
يضاف إليهم 143704 متفرجين في سبع مدن فرنسية أخرى حسب إحصاءات المركز
الوطني
للسينما وتعتبر هذه النتيجة مقبولة تجارياً في ذلك الوقت خاصة فيما يتعلق
بفيلم من
إخراج جان لوك غودار ولكن بالنسبة لفيلم من بطولة بريجيت باردو كانت
النتيجة مخيبة
للآمال تجارياً ولم يحقق الفيلم ما حققته الأفلام الفرنسية التجارية الأخرى
من
أرباح لسنة 1963، مثل فيلم الحقيقة ، وفيلم استراحة المحارب
اللذين حققا إيرادات
مالية لا بأس بها، واحتل الفيلم المرتبة السابعة في سلم الإيرادات في ذلك
العام.
تجدر الإشارة إلى أن النسخة الفرنسية التي
عرضت في فرنسا هي الوحيدة المعترف بها
والتي يوجد عليها إسم غودار في حين إن النسخة التي عرضت في
إيطاليا كانت محرفة
وبتدخل من المنتج كارلو بونتي، وتضمنت مونتاجاً آخر مغايراً وموسيقى
تصويرية أخرى
ومدبلجة باللغة الإيطالية وهي نسخة لا يعترف بها غودار لأنها تدمر ثيمة
وفحوى
الفيلم عن تعذر الاتصالات اللغوية المهمة عند غودار مما يجعل شخصية
المترجمة
فرنسيسكا مثيرة للسخرية لأنها تردد بنفس اللغة التي يتحدث بها
الأبطال الآخرون وما
تقوله باقي الشخصيات بينما يفترض فيها أن تقوم بترجمة ما يقولونه من
الانجليزية إلى
الإيطالية. وهناك نسخ أخرى للفيلم مغايرة ومشوهة عرضت في الولايات المتحدة
الأمريكية وفي سويسرا . وكما هي العادة، أستقبل فيلم غودار "
الاحتقار" شأن بقية
أفلامه ، بمواقف متباينة من جانب الجمهور والنقاد. ولكن كمحصلة نهائية، كان
تقبل
الجمهور والنقاد مقبولاً بسبب تواجد بريجيت باردو بالنسبة للجمهور، وتواجد
بصمات
غودار الفنية والجمالية المتميزة بالنسبة للنقاد الذين تفهموا
وأشاروا للعراقيل، بل
وركزوا على الصعوبات والعقبات والضغوط التي واجهها غودار مع منتجيه. ويبدو
أن غودار
كان مفهوماً ويتمتع بالدعم والتأييد والتشجيع من قبل مبدعين آخرين من خارج
العالم
السينمائي كالشاعر الفرنسي الكبير لوي آراغون وكلود أوليبيه ، أكثر مما كان
يحظى به
من دعم من داخل الوسط السينمائي. فهناك من النقاد من وصف فيلمه بالتحفة
السينمائية
ومنهم من اتهمه بالقصور واعتبروا فيلمه مثيراً للضجر ويبعث على
الملل. فالناقد
الفرنسي، وأستاذ مادة النقد السينمائي في جامعة باريس، رينيه جلسون، الذي
تحول
للإخراج بدوره فيما بعد، أعطى رأياً مؤيداً للفيلم ووقف موقفاً نقدياً
متحمساً
لصالح الفيلم ومخرجه غودار وقد نشر رأيه النقدي في مجلة "
سينما 64"، بيد أن إدارة
تحرير المجلة أشارت إلى أنه للمرة الأولى يحصل فيلم على تقييم
متناقض كلياً وتقويم
متطرف تماماً بين مؤيد ورافض للفيلم على صفحاتها ، فالبعض أصر على أنه تحفة
فنية
سينمائية رائعة والآخر أعتبره تافهاً ووضيعاً وعديم القيمة وتنطبق عليه
الصفة
الفرنسية
nullité .
لقد تجادل النقاد ، المدافعون عن الفيلم والمهاجمون له،على
صفحات مجلة سينما 64 العدد 83 الصادر في شباط 1964 وهم جان كوليه وهو من
أهم وأشد
المعجبين بالفيلم ومعه بيير بيبارد الذي أبدى بعض التحفظ، من
جهة ، وبيير فيليب
وفيليب إبسنو من النقاد المعادين له. بينما وضعته مجلة كراسات السينما على
قمة
أفلام العام 1963. وقد أعيد توزيعه تجارياً في أكتوبر عام 1981 في ست صالات
عرض
باريسية وحقق ما يقارب الـ 70000 بطاقة بيعت خلال 14 أسبوعاً
من الاستغلال التجاري،
وهذا أمر استثنائي بالنسبة لفيلم يعاد توزيعه بعد حوالي عقدين من تحقيقه
منذ أول
خروج جماهيري له. وكان استقبال النقاد هذه المرة أكثر إيجابية وتحمساً
وتلقفوه
بإعجاب شديد وبالإجماع تقريباً ، إذ ظهر على الساحة النقدية
الفرنسية نقاد
سينمائيون جدد تتلمذوا على يد غودار وزملائه وتشكلت أذواقهم ومفاهيمهم
الجمالية
السينمائية وفق جماليات ومعايير الموجة الجديدة الفرنسية. وكان فيلم
الاحتقار
بمثابة الفنار الذي ينير دربهم النقدي. ثم طبع الفيلم على
أشرطة فيديو واقراص السي
دي وعرض عدة مرات في صالات الفن والتجربة وفي العديد من القنوات
التلفزيونية ونوادي
السينما والمعاهد السينمائية وفي السينماتيك وأعتبر أحد أهم الإنتاجات
السينمائية
الفرنسية لسنوات الستينيات، كما تم تكريس غودار كأحد عمالقة وأساتذة
الإخراج
السينمائي التجديدي في فرنسا في العقود التالية في سبعينات
وثمانينيات وتسعينيات
القرن المنصرم وظهرت عنه كتب ودراسات وأبحاث وأطروحات وأعداد خاصة كرست له
ولأفلامه
وعالمه السينمائي والجمالي ولغته الإخراجية وتناوبت المجلات السينمائية
الهامة
المتخصصة للحديث عنه بشكل دوري في أعدادا خاصة، من أبرزها
العدد 300 من مجلة كراسات
السينما الصادر في آيار سنة 1979 وآرت برس في كانون الأول 1984 وفي عدد
كانون
الثاني وشباط سنة 1985 والمجلة البلجيكية المتخصصة بالسينما في صيف 1986
ومجلة
سينما آكسيون في تموز 1989 الخ... مختصر قصة الفيلم: بول لافال
كاتب مسرحي يبلغ من
العمر 35 عاماً. متزوج من إمرأة شابة وجميلة جداً هي كامي تعمل كاتبة
طابعة، وكانا
يحبان بعضهما. في استوديوهات سينيسيتا في روما، التزم بول لافال بعقد مع
منتج
سينمائي أمريكي هو جيرمي براكوش، لحاجته إلى المال لتسديد ثمن
البيت الجديد الذي
اشتراه للتو. تتحدد مهمته بتعديل الصيغة السينمائية لسيناريو فيلم الأوديسا
لكي
تغدو أكثر تجارية، وفيلم الأوديسا هو من إخراج السينمائي الألماني العجوز
فريتز
لانغ ترافقه المترجمة فرنسيسكا فانيني إحدى شخصيات الفيلم،
لأنه لا يتحدث الفرنسية
ولا الإيطالية. يدورشجار عائلي عادي بين الزوجين بول وكامي في بيتهما
الجديد الذي
لم ينته العمل به بعد لتأهيله للسكن، ويتضح من حوارهما أنها فجأة لم تعد
تحبه، بل
وربما تحتقره لسبب لا يعرفه بول ولا تريد كامي أن تخبره به.
يقترح المنتج على
الزوجين بول وكامي الذهاب إلى بيته لتناول بعض الشراب بالرغم من تردد كامي
وعدم
رغبتها، يوافق بول على تلبية الدعوة. يدفع بول زوجته كامي وبغباء للصعود في
سيارة
الآلفا روميو الجذابة والثمينة ذات المقعدين فقط والتي يقودها
المنتج بروكوش فتجلس
إلى جانبه وهي حائرة وكأنها تستنجد ببول لكي ينقذها من عواقب هذه المغامرة
بينما
يستقل بول تاكسي للحاق بهما ويلتقون فيما بعد في فيلا المنتج الأمريكي
الرومانية
الطراز. يتأخر وصول كامي وبروكوش ،ويحاول بول أن يبرر تأخيره
هو أيضاً بعبارات
غامضة ويسمح لنفسه بالتقرب ومغازلة وربما إقامة علاقة حميمية مع المترجمة
فرانسيسكا. وهذا ما تلاحظه كامي وعندما يعودان لمنزلهما يدب
شجار عائلي جديد بينهما
بسبب سوء تصرف وسلوك بول السيء ورغبة كامي بتحميله مسؤولية تصرفاته
وقراراته وقبوله
التنازل عن مبادئه وموافقته على كتابة السيناريو وذهابه لكابري تلبية لدعوة
المنتج
بروكوش .وأثناء خصامهما الكلامي تتلقى كامي مكالمتين هاتفيتين الأولى من
والدتها
والثانية من المنتج الأمريكي بروكوش الذي يتجرأ على مغازلتها
ودعوته الصريحة لها
لكي تمارس الجنس معه وتخون زوجها في وقت وصلت العلاقة الزوجية القائمة بين
بول
وكامي إلى حافة الانفصام والقطيعة . يتجهان بعد الشجار إلى صالة سينما
للالتحاق
بالمخرج الألماني فريتز لانغ وفرانسيسكا وبروكوش لملاقاة مغنية
يفترض أن تؤدي دور
فوسيكا في فيلم الأوديسا الذي يخرجه فريتز لانغ ـ أي فيلم داخل الفيلم ـ
ومن خلال
النقاش نلمس تأييد بول لبروكوش في تفسيره وتبريره وهو يحلل الأوديسا من
زاوية وضعية
أو براغماتية، بينما يبدي فريتز لانغ معارضته وعدم موافقته
كلياً عما قاله بروكوش ـ
تعبير صريح عن صراع المخرج مع المنتج في السينما ـ . يلتقي الجميع في كابري
مع فريق
تصوير الفيلم حيث يجري تصوير أحد مشاهد فيلم الأوديسا بحضور بول وكامي .
يلح بول
مرة أخرى على زوجته كامي لمرافقة المنتج بروكوش وكأنه يدفعها
بلا وعي منه للارتماء
بين أحضان بروكوش المفتون بها ويحثها للذهاب معه إلى فيلا هذا الأخير
بواسطة القارب
بينما يعود هو وفريتز لانغ سيراً على الأقدام لكي يتناقشا حول فيلم
الأوديسا الذي
يخرجه لانغ. وعند وصوله إلى الفيلا يجد زوجته وهي تقبل المنتج
بروكوش عند ذلك يشعر
بول بالتقزز من نفسه فيقرر رفض كتابة سيناريو الفيلم ولكن بعد فوات الأوان
بالنسبة
له فقد ضاعت منه زوجته. وبعد آخر محاولة للتفاهم والشرح والتوضيح والمصالحة
بين
الزوجين يصطدمان بجدار عدم التفاهم بينهما فتقرر كامي الانفصال
عن زوجها ومرافقة
المنتج بروكوش حيث يعودان بسيارة هذا الأخير الألفا روميو سبورت إلى روما
لكنهما
يتعرضان لحادث سير قاتل ويموتان على إثره على الفور معاً فيما يودع بول
المخرج
فريتز لانغ الذي يواصل تصوير فيلمه بهدوء وبلا منغصات . هذا هو
ملخص أحداث الرواية
المليئة بالتحليلات النفسية والمواقف والتي ليس من السهل نقلها للشاشة إلا
عبر
عملية إعداد فنية ومتميزة لا تخضع بالضرورة لقواعد ومعايير الإعداد
السينمائي
التقليدي للروايات إلى الشاشة البيضاء، و تأخذ بالاعتبار
خصوصية اللغة السينمائية
المعروفة بعدم حاجتها للوصف الروائي وعناصر الحوار المطولة عادة في الرواية.
والجدير ذكره أن غودار لم يعتد على هذا
النوع من العمل السينمائي التقليدي ولا يحبذ
إعداد روايات منشورة للسينما التي يبدعها. وفي حالة حدوث مثل
هذا الأمر فإنه سيتصرف
حتما بما توحيه إليه غريزته السينمائية المتحررة من كافة القيود ويقوم
بعملية إعداد
متحررة وبتصرف حسب فهمه واستيعابه هو للحدث الروائي وتصوره لما يقابله من
عناصر
سينمائية لا أن يتقيد بالتسلسل الدرامي للرواية وبشخصياتها
وأماكن حدوثها لكنه في
رواية الاحتقار كان مضطراً ومرغماً على احترام الحد الأقصى مما جاء في
الرواية .
للبحث تتمة
jawadbashara@yahoo.fr
المدى العراقية في
16/12/2009 |