بين فترة وأخرى تشدني أحداث مسلسل ما فأجد نفسي متابعا له ـ قدر الإمكان ـ
فالمسلسلات غالبا ما يكون نموّ الأحداث فيها بطيئا بحيث يستطيع المرء أن
يقفز بعضها دون أن يضيع شيئا مهما، ومن النادر جدا أن يكون هناك إحكام دقيق
للأحداث وهذا يظهر أوضح في السينما التي لا تحتمل ما يحتمله التلفزيون.
أتابع الآن على سبيل المثال مسلسل «أفراح ابليس» الذي يتقاسم بطولته الممثل
السوري القدير جمال سليمان مع الفنانة الكبيرة والرائعة عبلة كامل، وأقول
استطرادا ان التلفزة والسينما في مصر قامتا بخطوة لا بدّ منها وهي اسناد
أدوار أساسية لممثلين كبار من سوريا بشكل خاص ولبنان وهذه المسألة لها
تاريخ قديم وليست وليدة اليوم، ولكنها وفي عصر الفضائيات أخذت بعدا آخر إذ
أن الدافع التجاري حاضر خاصة وأن النجوم السوريين أصبحت لهم شهرة واسعة
أمثال سليمان وأيمن زيدان وسلاف فواخرجي التي أدت دور اسمهان بجدارة في
المسلسل الاتكالي عن حياة الفنانة السورية الخالدة اسمهان.
بمعنى آخر ان الغاية التجارية حاضرة إذ يكفي أن تكون أسماء هؤلاء النجوم في
أي مسلسل ليجد الاقبال من قبل الفضائيات، وجمال سليمان مثلا في «أفراح
البليس» ممثل عملاق، وقد كان المخرج موفقا في اعطاء دور زوجته لعبلة كامل
التي وازته في قامتها الابداعية.
ثم أننا في زمن العولمة، وأصبح من المتعذر انتاج مسلسل يجد الطريق مفتوحا
أمامه في الانتشار إن لم يكن مسلسلا منفتحا وغير مغلق على البلد المنتج له،
وقد رأينا كيف استعانت هوليوود بكبار نجوم السينما الفرنسية والألمانية
والايطالية والاسبانية لتغذّي مسارها وتتألق أكثر بهؤلاء الكبار من أي
جنسية كانوا.
هذا التقديم وجدتني منساقا معه رغم أنني عنونت محطتي هذه بمسلسل آخر بثّ
للمرة الأولى في رمضان الماضي ثم أعادت بثه احدى الفضائيات حيث استطعت
مشاهدة معظم حلقاته في هذه الاعادة.
ان أي مسلسل أو فيلم سينمائي يضطلع ببطولته نور الشريف لا بدّ للمشاهد من
أن يتابعه مطمئنا لخيارات هذا الفنان الجاد الذي لا يعيش على مسافة من
سخونة الأحداث العربية ومفارقاتها، كما أنه معنيّ إلى أبعد حد بمحنة الشعب
العربي الفلسطيني ومثّل أدوارا كثيرة تتعلق بها منها فيلم ناجي العلي الذي
يسرد حياة فنان الكاريكاتير الأشهر ناجي العلي الذي اغتالته يد الآثم
الصهيونية في لندن وألحقت اسمه بأسماء المفكرين والمبدعين الفلسطينيين
الذين طالتهم يد الاغتيال من غسان كنفاني إلى أسماء مضيئة أخرى.
ولكن هناك شيئا غامضا بالنسبة لي يتعلق باثنين من مسلسلات نورالشريف التي
شاهدتها وهما «الدالي» من قبل ثم «ما تخافوش» وهو إظهار قدرة المنظمات
الصهيونية وكذلك الشخصيات الصهيونية على التحرك والمتابعة في أي بلد،
فالدالي كان ملاحقا سواء في لندن أو في مصر حيث يصطدم بهذه الوجوه ويتعرض
للاغتيال بسببها، والسؤال كيف يكون هذا؟
ان مسلسل «ما تخافوش» مبنيّ على فكرة صحفي ملتزم، مؤمن بالحق الفلسطيني،
ومؤمن كذلك بنضالات الانسان العربي من أجل حياة كريمة سواء بجريدته أو
بمحطته الفضائية التي يقدم منها بنفسه برنامج «ما تخافوش» والخطاب موجّه
للناس الذين يشاهدونه داعيا إياهم أن لا يخافوا وأن يقولوا وينطقوا بما
يفكرون به.
وهذا الصحفي من أصول تونسية وفد جده من تونس ليستقر في مصر حيث تزوج وأنجب
والد «مكرم» الذي يمثله نور الشريف.
ثم يلاحق «مكرم» حتى في بلده من قبل عصابة صهيونية ممثلة بأحد أفرادها «اسحاق»
الذي يهدده بشكل مكشوف لابتزازه، وتكون هذه العصابة وراء مقتل زوجته وابنته
في لندن بحادث سير مدبر.
لكن المفاجأة ان هذا الصهيوني قدّم له معلومة أرعبته هي أن جده الذي غادر
تونس لم يكن إلا أحد اليهود الذين كان من المفترض أن خط سيرهم سيكون باتجاه
فلسطين المحتلة عبر ليبيا وعددهم (18) شخصا، ولكنه لم يواصل طريقه مع
مجموعته بل عبر الأراضي الليبية نحو مصر.
ربما يقول قائل: وما الذي يتغير لو أن الجد كان يهوديا حقا وأشهر إسلامه ثم
حجّ بيت اللّه وأصبح رجلا معروفا بحيث تزوج امرأة من أسرة مسلمة معروفة هي
والدة «مكرم»؟
لكن ما آلم مكرم هو التشهير به، وأنه يهودي مدسوس ليس إلا حتى لا يصدق
الناس ما يقوله في برنامجه وفي صحيفته التي جندها للدفاع عن غزّة بعد
العدوان الاسرائيلي الأخير عليها وما سببه من دمار وخراب.
هناك مشاهد صورت في تونس حيث التقى بشخصيات هنا (الممثلون في تونس كلهم من
التونسيين مثل امال علوان وسلوى محمد) وكان يبحث عن الخيط الذي يدله على
حقيقة أبيه.
ولكن أيضا ما يثير التساؤل حول طلبه من صاحبة مجلة خاصة تونسية بأن تتقبل
فكرة إيفاد صحفي باسم مجلتها إلى فلسطين المحتلة بحجة معرفة مسار حياة
اليهود التونسيين الذين هاجروا لفلسطين؟!
لماذا مجلة تونسية وليست مجلة أجنبية؟
ثم تحلّ كل هذه الألغاز بأنه عربي تونسي وأن والده جار لأسرة يهودية ساهم
في تهريب امرأة يهودية من هذه الأسرة من زوجها وهي حامل.. إلى آخره.
مازلت أتساءل: كيف لمسلسل كهذا يقدم الصهاينة بهذا الشكل (اختطفت ابنة أخته
وابنة مربية ابنته في القاهرة) وقتلت الصحفي والمفكر الايطالي المؤيد للحق
العربي ومعه قتلت زوج شقيقة «مكرم» الأستاذ الجامعي.
ربما كان هذا النوع من الأحداث بحاجة للتوضيح حتى لا نخاف.
ألف ياء في
16/12/2009
مخرج سينمائي يواجه قاتل والدته في فيلم وثائقي
دبي (رويترز) من اندرو هاموند
عندما واجه ديجول عيد قاتل والدته في شارع هاديء باحدى القرى في
شمال لبنان حقق في النهاية ختاما من نوع خاص للصدمة النفسية
التي ظلت تنغص حياته
على مدى ثلاثة عقود تقريبا.
يقول المخرج في نهاية فيلمه الوثائقي اللافت للانظار
والشخصي جدا (شو صار) "غريب انو ما بتتذكرني .... انت اللي قتلت أمي."
ولم تذهب
الكلمات سدى بالنسبة للرجل الذي واجهه عيد حيث ظلت الكاميرا تطوف على نحو
محرج فوق
وجهه لفترة كأنها الابد.
وينهار عيد باكيا وهو يقف داخل المنزل الذي اصبح مهجورا
والذي هاجمه مسلحون من عائلة منافسة تنتمي الى حزب سياسي منافس في ديسمبر
كانون
الاول عام 1980. وفي تلك الليلة فقد عيد الذي كان عمره عشر سنوات والديه
واخته
وتمكن من الهرب مع أخت اخرى.
ويمثل الفيلم لحظة الحبكة الدرامية الفارقة في الرحلة التي بدأها عيد من
منزله الحالي في جزيرة كورسيكا الفرنسية الى القرية اللبنانية
التي قتل فيها 14 من
افراد عائلته في مذبحة. وكان تأثيره شديدا على جمهور مهرجان دبي الدولي
للافلام حيث
عرض هذا الفيلم الوثائقي قبل يومين.
وقال المخرج ان الدافع الذي جعله يصنع هذا
الفيلم كان محاولة نبش جراح الحرب الاهلية اللبنانية الوحشية التي جرت بين
عامي 1975
و1990 التي يقول انها لم تندمل بعد برغم العفو العام الصادر بعد الحرب عن
كل
الفظائع التي جرت فيها.
كانت مجتمعات اخرى مرت بتجربة مماثلة للعنف الطائفي قد
اتبعت نهجا مختلفا مثل لجان تقصي الحقائق في جنوب افريقيا بعد تفكيك النظام
العنصري.
وقال عيد فيما بعد انه حاول ان يفعل ما لم تفعله الحكومة وان الفيلم
بالنسبة له لا يدور حول الحرب الاهلية اللبنانية وانما بشأن
عدم قيام الحكومة بأي
شيء من اجل اعادة فتح الملفات.
وكان التوازن الهش داخل النظام السياسي اللبناني
الذي يقوم على الطائفية بما في ذلك وجود الجماعات الفلسطينية قد انهار في
حرب
اجتذبت قوى اجنبية بينها اسرائيل وسوريا والولايات المتحدة.
وقدر عدد القتلى في
هذه الحرب بحوالي 150 الفا.
ويسمع عيد في الفيلم ان عائلته المرتبطة بحزب
الكتائب المسيحي سقطت وسط منافسات عشائرية وحزبية. ووجه اسئلة حادة الى احد
اعمامه
عما اذا كان استفز مرتكبي المذبحة لتصبح نوعا من الردع من جانب اعضاء الحزب
القومي
السوري الاجتماعي.
ويجري المخرج مقابلات مع اقاربه الذين يقولون انهم لا يزالون
يعتقدون ان المذبحة كانت عملية انتقامية. وقال بعض المتفرجين ان عدم وجود
اي صوت من
الجانب الاخر يجعل الفيلم نفسه نوعا من الانتقام.
ويجيب عيد بانه نظر الى العمل
كوسيلة شخصية للتصالح مع واقعة ظلت تلازمه سنوات طويلة وقال انه حاول
الانتقام.
وقال مخرج الافلام الوثائقية الذي يبلغ من العمر 39 عاما انه كان يعرف
من قبل انه سيتناول موضوعا صعبا وان الكاميرا مثل السلاح يمكن
ان تكون خطيرة واضاف
ان الفريق المكون من ثلاثة اشخاص غادر القرية بسرعة.
وقال ان المصور كان مذعورا
ويرتعد بالفعل وانه غادر بعد انتهاء التصوير على الفور.
الجزيرة الوثائقية في
16/12/2009 |