"طفولة محرمة" و"أكاذيب محرمة" فيلمان وثائقيان مثيران للجدل، تم
عرضهما مؤخرا على التوالي ضمن العروض الأسبوعية التي تنظمها الهيئة الملكية
للأفلام، وعلى الرغم من تباين مضمونهما إلا أن ما يجمعهما أكبر بكثير من
اشتراكهما بكلمة "محرمة"، وهذا ما يجب الالتفات إليه وعدم إغفاله.
"طفولة محرمة" 2008، إنتاج ايطالي للمخرجة بربارا كوبيستي، وتطرح من
خلاله فكرة اللاعنف والتعايش والحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين كوسيلة
لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، من خلال شخصيتين رئيسيتين: الأول
الفلسطيني علي ابو عواد -المقاوم في الانتفاضة الأولى والناشط الآن في حركة
"الطريق" السلمية- الثاني الجندي الإسرائيلي السابق آليك الهنان - المتحدث
الآن باسم جمعية "مقاتلون من أجل السلام" والتي تعمل على حلّ النزاع عن
طريق الحوار، حيث يتحدث كل منهما عن ماضيه ثم اتخاذهما اللاعنف كطريقة لحل
النزاع.
"أكاذيب محرمة" 2007، إنتاج استرالي للمخرجة آنا براونسكي، تتحرى
وتفضح المزيد من الأكاذيب التي انطوى عليها كتاب "الحب المحرم" 2001،
لمؤلفته الأردنية المقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية نورما (خوري)
بقاعين، والتي تناولت فيه موضوع جرائم الشرف في الأردن، وحصدت من ورائه
الشهرة والثروة، بعد أن ذاع صيت الكتاب عالميا حيث نشر وترجم إلى عدة لغات.
الأكاذيب
احد الأمور التي تميز فيلم "الأكاذيب المحرمة" اعتماده على مقابلة كل
من الطرفين في تحري حقيقة ما جاء في كتاب "الحب المحرم"، فتروي نورما خوري
-مؤلفة الكتاب والمتهمة بتزوير الحقائق- في بداية الفيلم ما جاء في كتابها،
مع مشاهد تعيد تمثيل الحدث الذي كانت شاهدة عليه، حيث قصة حب محرمة جمعت
بين صديقتها داليا المسلمة، وجندي مسيحي أردني يدعى ميشيل -كان احد زبائن
صالون الشعر التي تملكه وتديره داليا في عمان- وعندما علم أهل داليا
بالعلاقة قتلوها، وبعدها هربت نورما من الأردن خوفا على حياتها، لننتقل
بعدها إلى الضفة الأخرى حيث: أمل الصباغ -الناشطة في مجال حقوق المرأة-
ورنا الحسيني- الصحفية الأردنية والناشطة في مجال جرائم الشرف- و مالكولم
نوكس -الصحفي الاسترالي- في المقابل يعرضون موضع التزييف في كتابها وفي
أقوالها، ليتبين بأن الكتاب لم يبن على حقائق، وإنما هو ملفق بالكامل،
الأمر الذي استدعى سحبه من الأسواق العالمية خلال عام 2004، فبعد التحري لم
تكن نورما خوري موجودة في الأردن وقت حدوث الجريمة المفترضة، ولم يكن هناك
في سجل ضحايا الشرف اسم لصديقتها المفترضة داليا، ولم يكن في يوم الأيام
يسمح في الأردن بمنح رخصة لصالون شعر رجالي تعمل فيه إناث، كما انه لم
تتجاوز جرائم الشرف في الأردن سنويا عن 25 حالة في الوقت الذي تدعي فيه
نورما أنها تزيد عن الألفي حالة، بالإضافة إلى جهل نورما بجغرافية الأردن
حيث لا يمكن أن يمر نهر الأردن في العاصمة عمان ولا يمكن للكويت أن تكون
على حدود الأردن.
وعند محاصرة نورما بهذه الحقائق والأمور، اعترفت بأنها كذبت في بعض
الأمور لحماية نفسها، وان اسم صديقتها ليس داليا لكن الحادثة وقعت، ومن
المزايا الأخرى للفيلم انه لم يكتفِ بهذا بل ذهب ابعد في البحث والتدقيق في
تاريخ نورما وتركيبتها الشخصية، فطلبت مخرجة الفيلم من نورما أن تأتي معها
إلى الأردن حيث مركز الطب الشرعي لمراجعة قائمة أسماء ضحايا قتل الشرف في
تلك السنة، وعند زيارة المركز اتضح أنها تكذب من جديد في اسم صديقتها وفي
تاريخ الحادثة، وهكذا تنتقل نورما من كذبة إلى أخرى، لكن المخرجة لا تكتفي
بذلك أيضا، إنما تطلب من نورما إن تخضع لجهاز فحص الكذب الذي يؤكد كذبها،
وتذهب المخرجة مع فريقها إلى أمريكا وتستقصي هناك جيران وأصدقاء نورما،
ليكتشف الفريق أن نورما مطلوبة لل اف بي أي، وأنها متهمة بسرقة جارتها،
وغير ذلك الكثير من الأمور التي تنم عن سلوك وشخصية غير سوية، في مقابل هذا
تصر نورما على الإنكار.
إذا كانت أهمية فيلم "أكاذيب محرمة" تكمن في كشف الحقائق وفضح
الأكاذيب، فان خطورة فيلم "الطفولة المحرمة" تكمن في طمس الحقائق وتكريس
الأكاذيب ولكنها أكاذيب من نوع آخر.
عادة المشاهد الافتتاحية في أي فيلم تكتسب أهميتها من كونها تشكل
الأساس الحامل للبنيان الفكري الذي يقوم عليه الفيلم، والقاعدة التي ينطلق
منها، وهنا تكمن خطورة المشاهد الافتتاحية في فيلم "الطفولة المحرمة"، إذ
أنها تنطلق من طمس الحقائق، ومن إغفال متعمد للسياق التاريخي للصراع
الفلسطيني الإسرائيلي، مع انحياز واضح للجانب الإسرائيلي، فالبدء بمشهد
لأطفال فلسطينيين يرشقون الحجارة على الإسرائيليين، ومن ثم إتباعه بمشهد
لضحايا إسرائيليين من جراء عملية انتحارية قام بها فلسطيني، هذا التوليف
غير البريء لمشاهد الافتتاحية يقلب الحقائق، إذ يجعل من الفلسطيني الطرف
المبادر بالاعتداء والمسبب للعنف، بينما الإسرائيلي ليس إلا ضحية لا حول له
ولا قوة، وما يقوم به لا يتجاوز ردة فعل طبيعية ومشروعة، فهذا التوليف وإن
كان قصيرا زمنيا، إلا أنه أدى المهمة المرسومة له على أحسن وجه، وهي ترسيخ
الصورة المزمعة للفلسطيني كإرهابي، والتعامل معها كحقيقة مسلمة، من ثم
الانطلاق نحو الهدف الأبعد للفيلم، وهو زرع بذور فكرة التعايش السلمي مع
العدو الإسرائيلي، كحل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لذا يستطرد الفيلم
بداية بالشاب الفلسطيني على ابو عواد، وهو يستذكر ماضيه النضالي في
الانتفاضة الأولى، ولكن على نحو يبدو معه كمجرم يدلي -نادما- باعترافات عن
ماضيه الأسود، ولكنه الآن وقد اهتدى إلى الطريق القويم والخيار الصحيح،
يضيء شمعة في درب السلام، بالانتساب إلى حركة "الطريق" التي تدعو إلى
الحوار والتعايش مع الإسرائيلي، ولإقامة التوازن ينتقل الفيلم إلى الضفة
المقابلة حيث الجندي الإسرائيلي السابق آليك الهنان، يتحدث عن ماضيه كجندي
إسرائيلي، ولكنه الآن ينبذ العنف وينضم إلى جمعية "مقاتلون من أجل السلام"
تعمل على حلّ النزاع عن طريق الحوار، ويعود الفيلم من حين إلى آخر لهذين
الشابين، بالتوازي مع عرض لمعاناة الأطفال الفلسطينيين في ظل الصراع
الفلسطيني الإسرائيلي، قد يبدو للبعض أن صناع الفيلم بهذا يقدموا صورة
معتدلة عن الصراع، عند ظهور أطراف إسرائيلية تفضح العنف الإسرائيلي وتدعو
إلى نبذه وتتخذ من اللاعنف طريقة لحل النزاع، أو حين تظهر الأذى والعنف
الذي يلحق بالأطفال الفلسطينيين سواء أكان من الجنود الإسرائيليين أو من
أطفال المستوطنات الإسرائيلية، لكن أليس هذا هو الطعم الذي يزين بالعادة
قبل تقديمه للفريسة؟ فكيف يمكن أن يكون الفيلم قد قدم صورة معتدلة للصراع
في ضوء افتتاحية الفيلم المنحازة للطرف الإسرائيلي؟ وفي ضوء المساواة بين
الجلاد والضحية؟ والأكثر من هذا المراوغة وقلب الحقائق؟ فيصبح الفلسطيني
صاحب الحق- الذي اغتصب الإسرائيلي أرضه -هو المعتدي، وتصبح مقاومته والدفاع
عن حقه إرهاب، إذن يجب الالتفات إلى السياق العام الذي وضعت به الأحداث، لا
الاكتفاء بالنظر إلى التفاصيل.
بأيدٍ عربية
هل ثمة من خيط رابط بين أكاذيب كتاب نورما خوري "الحب المحرم"،
وأكاذيب فيلم "طفولة محرمة"؟
بداية ما الذي يجعل كتاب يتناول جرائم الشرف في الأردن يجد كل هذا
الترحيب من دور نشر أجنبية؟ ثم الشغف لشراء أكثر من نصف مليون نسخة من
الكتاب في العالم؟
ثم ما الذي يجعل دولة كايطاليا، تهتم بإبراز معاناة أطفال فلسطين تحت
الاحتلال الإسرائيلي، في فيلم "طفولة محرمة؟ وهل هذا الاهتمام حقيقي؟
بدأت نورما خوري بالإعداد لكتابها قبل أحداث 11 أيلول 2001 بقليل،
وصدر الكتاب بداية في استراليا عام 2002، ثم ترجم لعدة لغات وتم توزيعه في
مختلف أنحاء العالم عام 2003، أي في الفترة التي شنت فيها الولايات المتحدة
حربها على العراق، هذا السياق الزمني ضروري لفهم سبب الدعم الكبير للكتاب
الذي قدمته إليزابيث شيني - نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى،
وابنة نائب رئيس الولايات المتحدة آنذاك ديك شيني- فتلقفت إليزابيث الكتاب
كنعمة من السماء جاءت في وقتها المناسب، للترويج لبروباغندا معادية للعرب
والمسلمين، تسهل قبول الرأي العام العالمي لحرب الولايات المتحدة على
العراق، وتمنحها الشرعية لفعل ذلك.
ترويج وتكريس مبالغات أو أكاذيب وتشويه سواء لصورة العرب والمسلمين أو
لمواضيع تتعلق بهم- كموضوع الصراع العربي الإسرائيلي- أمر لا يقتصر على
الولايات المتحدة الأمريكية، إنما يتسع ليشمل عدد من الدول الأجنبية التي
يشغلها أن تحمي هي أيضا مصالحها في المنطقة، فترصد مبالغ طائلة لتمويل
مشاريع متنوعة تخدم تلك المصالح، وفي هذا السياق نستطيع فهم الأجندة التي
تقف خلف فيلم "طفولة محرمة"، والآلية التي تعمل بها، حيث تَعمٍَد إلى منح
الشرعية للوجود الإسرائيلي، بترسيخ فكرة أن الإسرائيلي صاحب حق تماما كما
الفلسطيني بالأرض الفلسطينية، والانطلاق من هذه الفكرة كمسلمة، لحرف النزاع
عن أسبابه الحقيقية-الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية- وجعله في غياب
التسامح بين طرفين مختلفين دينيا وعرقيا، وبعد هذا الحرف الصارخ للحقائق،
يقدم أصحاب هذه الأجندة الحوار كنهج كفيل بحل النزاع، إذ انه يمنح فرصة
لفهم الآخر المختلف، وبالتالي التطبيع والتعايش معه بسلام، وهنا يكون الحق
الفلسطيني بالأرض الفلسطينية، قد تم تقويضه ومحوه ليس من ذاكرة العالم
فحسب، وإنما من ذاكرة الإنسان العربي والفلسطيني أيضا، وفي المقابل قد تم
تدعيم المصالح الأجنبية المتأتية من الوجود الإسرائيلي، وهذا ما جعل الفيلم
يحصد جائزة منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان والسينما، وجعل منظمة
اليونيسيف - تمنح ايطاليا الرعاية السامية للفيلم.
إذن هذه هي البذور التي رغبت الأجندات الأجنبية بزرعها، عبر الفيلم أو
الكتاب - كوسيط ثقافي- ولكن ما يجعلها اكبر تأثيرا هنا، كونها هذه المرة
تزرع بأيدٍ عربية؛ كـ يد على ابو عواد، ونورما خوري.
الجمهور يفقد البوصلة
ما يسترعي الاهتمام في جمهور الفيلمين، ان الأردنيين لم يشكلوا
غالبيته، إنما الجاليات الأجنبية، وتلك القلة الأردنية الحاضرة، بدت وكأن
قد فقدت بوصلتها، فنحن نفهم حين يصفق الغربي لفكرة التعايش بين الفلسطيني
والإسرائيلي في فيلم "الطفولة المحرمة"، لأنه يصفق لأجندة بلاده في
المنطقة، ولكني لا افهم أن يصفق الأردني لما يمنح الشرعية للوجود
الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية، وكأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، نشأ
بسبب الاختلاف العرقي أو الديني لأبناء وطن واحد، ليصبح الحوار والتسامح
والتعايش مع الآخر حلا للنزاع بين الإخوة، يبدو أن الذاكرة لم تسعف إلا
صوتان أو ثلاثة من الجمهور الحاضر، ليرفع صوته ويضع الأمور في نصابها.
وكما أن تصفيق القلة الأردنية الحاضرة كان في غير محله في فيلم
"الطفولة المحرمة"، أيضا كان انفعاله في غير محله في فيلم "أكاذيب محرمة"،
حيث بدا وكأن كلامه ليس إلا صدى لكلام وانفعال الحضور الأجانب، الذين لم
يعجبهم أن يفضح الفيلم الأكاذيب والتورط الأجنبي في تشويه صورة العرب
والمسلمين، وتضخيم المشاكل الموجودة عربيا، لذلك تحدث الجمهور عن الفيلم
وكأنه يعتم على جرائم الشرف في الأردن، لكن واقع الحال أن المتحدثين
الأردنيين في فيلم "أكاذيب محرمة" لم ينكروا وجود جرائم شرف في الأردن،
إنما أشاروا إلى المبالغة الكبيرة في حديث نورما خوري بالمقارنة مع نسبة
هذه الجرائم حسب ما تثبته السجلات الرسمية.
فهل ستبقى بوصلة الجمهور إلى الحقيقة مفقودة، فلا يتمكن من قراءة ما
ينبغي قراءته؟
أدب وفن في
12/12/2009
يوكو أونو.. حياة الحب والحرب ولينون!
أحمد فاضل
بعد تسعة وعشرين عاما من رحيله هاهي تتذكره .. صوته ، نحافة جسمه ،
آلة جيتاره المعلقة بين كتفه وقلبه ، جون لينون لايزال يعلق في حنايا قلبها
منذ قتل في نيويورك عام 1980 .
في ستينيات القرن الماضي لم يكن أحدا يتوقع لهؤلاء الشبان الأربعة
أنهم سيصنعون شيئا أشبه بالسحر للندن الغارقة في الضباب ، رينغوستار ، جورج
هاريسون ، بول مكارتني ، جون لينون ، جمعهم حب الغناء والموسيقى فأقاموا
على هيكله فرقتهم المعروفة بالبيتلز ، ولم يكن أحدا منهم يتصور ان "
تقليعتهم " تلك بقصات شعر رؤوسهم المميزة وتمايلهم مع نغمات الجيتار سوف
يحدث كل تلك الثورة في عالم الموسيقى والغناء .
يوكو أونو تذكرت تلك الأيام التي عاشتها مع لينون وهي اليوم بعد مرور
كل تلك السنوات لم تجد أحدا من رفاق الأمس يشهدون بناء هذا البرج الذي
سينطلق منه ضوءا إلى السماء تحية لزوجها في ذكرى مماته.
أونو وقد بلغت السادسة والسبعين من العمر تفكر جديا بالمستقبل وتقول
انه السبيل الوحيد الذي نفكر به ، لكنها في الوقت نفسه لاتنسى أنها شهدت
دمار هيروشيما وناغازاكي عندما كان عمرها إثنا عشر عاما وكيف أن القنابل
الحارقة التي ألقيت على طوكيو من قبل الأمريكيين ستكون أمريكا نفسها مرة
ثانية سببا في مقتل زوجها وحبيبها لينون .
في هذه المناسبة تحدثت أونو قائلة : ( أنا متأكدة أن هذا جزء مني
بالطبع .. فالفنان أو الموسيقي لابد وأن تنعكس ويلات الحروب على عمله ..
وأشعر أنني قريبة جدا منها ، إنها سيئة للغاية ولو انني لم أعاني منها كما
عانى الآلاف من أبناء شعبي إلا انها أمرا مروعا ، فقد كنت على الطرف الثاني
منها ، لقد شاهدت الكثير من الأشياء كانت هناك صفارات الإنذار ، والطائرات
الأمريكية المقبلة فوق رؤوسنا ، وعلينا النزول إلى الملجأ والمأوى وأرى كيف
أن جميع الأطفال يُصلون ، ويشبكون آياديهم متمتمين بكلمات كنت لاأفهمها
جميعا ، لكننا عندما كنا نخرج بعد أن ترحل تلك الطائرات كنا نبتسم لأننا
عشنا يوما آخرا ، ذلك هو الواقع الذي عرفته ) .
عندما أطل العام 1967 كانت في لندن والتقت حينها بجون لينون عضو فرقة
البيتلز ، فدعاها إلى تناول الغداء في منزله في ويبريدج ، كانت أونو قد
إختارت الهندسة في دراستها وأكملتها في لندن العاصمة إضافة لتميزها في
الرسم والتصميم وعندما أكملت غاليري ليسون أعجب بها أهل لندن وصارت حديث
المجتمعات فيها ، لينون قال لها بعد دعوته تلك إذا كان بإمكانها بناء بيتا
صغيرا مجاورا لحديقة منزلهم فأجابت : ( أوه .. أنا مقتنعة بأنه سيكون بناءا
مميزا طالما ستضيف أنت له بعض من مفاهيمك .. وتزوجنا بعد ذاك ) .
كنا سعداء بهذا الزواج تقول أونو ، وهي تقف في البقعة ألتي سينطلق
منها ذلك النور مطاولا السماء ، وترتدي لباسا أسودا كتعبير إنساني لحزنها
ووداعها لجون لينون الذي كان دائما ما يشير إلى تلك النجمة البعيدة في
السماء ويقول لها : ( أونو .. تُرى لو كنت استطيع أن أجلبها لك واضعها على
صدرك .. لكنها يدي قصيرة ولا تصل اليها ) .
هنا في آيسلندا إختارت المكان لأنها : ( جميلة .. والأرض فيها نظيفة
وهواؤها لطيف .. أما ناسها فهم مختلفون حقا عما سواهم في لندن العاصمة أو
غيرها من المدن الإنكليزية ، هذه الأرض أسميها أرض السحرة ، لذا أعتقد أنها
كانت مثيرة جدا للإهتمام وأنا وقعت في حب هذا المكان ، وبطبيعة الحال إنها
أرض الشمال على الخريطة ، فيها ألحكمة والقوة ، وهي تريد أن تمنحهما للعالم
كله من هنا .. من الشمال ، ولهذا السبب أعتقد أنها كانت جيدة للغاية أن
يكون مكان البرج فيها ) .
في ذكرى وفاته هذه أصدرت أونو البوما ضم تراثه الغنائي والموسيقي
أسمته " بين رأسي والسماء " وهي نفس التسمية التي أطلقتها على آخر معارضها
الفنية في المملكة ألمتحدة .
في لقاء معها سألتها الصحفية الإنكليزية كريغ ماكلين من صحيفة التايمز
اللندنية لماذا بين رأسي والسماء ؟ قالت أونو : ( لاأعرف .. لكن هنالك بعض
الأدلة وكنت أفكر في أشياء حتى عندما كنت صغيرة جدا حوالي 4 أو 5 سنوات كنت
أنظر إلى النجوم وأضنها بشرا ، إنه نوع من التناسخ بينها وبيني ولربما هي
إيحاءات .. ربما ) .
ولد جون لينون عام 1940 وبدأ مسيرته الفنية كعضو في فرقة البيتلز في
ليفربول بإنكلترا وكان عازفا ماهرا لآلة "الجيتار " ومن ثم تعلم العزف على
البيانو ، وأغلب قصائد أغاني الفرقة كانت من تأليفه ، وبعد توقف الفرقة عام
1970 رحل مع زوجته اليابانية يوكو أونو إلى أمريكا ليكمل من هناك مسيرته
الفنية بعد تشتت رفاق الأمس ولكنه بدأ بإستعادة مجده من جديد وبأغاني جديدة
أطلقها بمفرده هذه المرة واستمر بنجاحاته ، إلا انه وبعد عشرة سنوات من
مكوثه بأمريكا تعرض للإغتيال وهو في طريقه إلى منزله بواسطة شخص يدعى مارك
ديفيد تشابمان المختل عقليا والذي أنهى حياة لينون عام 1980 وقبل أن يكمل
عامه الأربعين .
بين رأسي والسماء هن ثلاثة مشاريع قدمتها أونو هدية لمحبي ذلك الفنان
ألذي أسعد الغرب طوال فترتي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ، إنها
تقول : ( جون هل وصلك شعاع مني .. إنني لازلت أذكرك كما محبيك اليوم
يتذكرونك ويتذكرون قصة شعرك وجيتارك مع البيتلز ) .
*كريغ ماكلين / صحيفة التايمز اللندنية
أدب وفن في
12/12/2009 |