لا شيء يلتصق بك مثل بشرتك، حقيقة بدهية لها أن تكون على قدر هائل
من الألم، متى دخلنا في نفق العنصرية والعرقية، والتمييز المبني على
أساسهما، والذي
سيدفع بحامل البشرة السمراء إلى أن يفكر في كشطها أو إبعادها
عنه، وهي الأكثر
التصاقاً به.
هذا مستحيل، سيقول ذلك أي كائن على وجه الأرض، لأنه ببساطة أمر
لا ينتمي إلى الإنسانية ولا الحيوانية ولا النباتية، ولعل فكرة التمييز
العنصري هي
من أهم الأفكار التي يعجز أي كائن عن تبنيها سوى الإنسان،
والذي سيحيلنا إلى نظام
الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا، و«الأبارتيد» الذي كان ينص على منع
اجتماع
الأبيض بالأسود تحت سقف واحد.
مقدمة ضرورية للفيلم الذي سنعرض له هنا ولعل
عنوانه
Skin «بشرة» سيكون مربط فرس ما يمكن الحديث عنه بخصوص نظام الفصل العنصري
الذي يلتقي بصلات قربى وثيقة بالعنصرية الإسرائيلية، ولا يختلف عنه إلا
بافتقارها
لعنصر لون البشرة الذي يستعيض عنه بألوان أخرى من الفصل
والتمييز
والعنصرية.
فيلم «بشرة» الذي أخرجه أنتوني فابيان يأتي من قصة حقيقية، لها
أن تكثف وتختصر فترة «الأبارتيد»، بحيث تغدو قصة ساندرا لينغ «صوفيا أوكندو»
مجازا
كاملاً لتلك المرحلة، بغض النظر عن كونها أيضاً عذاب امرأة بمفردها،
فساندرا زنجية
من والدين أبيضين، وإن كنتم لا تعلمون ما الذي يعنيه هذه، فلكم
في الفيلم أن
تعرفوا. ساندرا سيتم اضطهادها في المدرسة ويتم طردها منها، وسيمضي والدها
زمناً
طويلاً وهو يناضل في سبيل إثبات أنها بيضاء، ستخضع لفحوص فسيولوجية لإثبات
انتمائها
للعرق الأبيض، يوضع قلم في شعرها وتسأل أن تحرك رأسها، يتم فحص الحنك وما
إلى هناك
من صفات، وغير ذلك من تفاصيل سرعان ما يصدر تعديل نص قانون
مفاده أن الابن أو
الابنة تسجل بيضاء وفقاً للأب والأم، وعليه تصبح ساندرا بيضاء ببشرة سمراء،
ومع
ذلك، يبقى لها أن تبقى خارج محل الألبسة بينما تريها أمها الفساتين من
الواجهة،
لتقرر أي واحد تختاره. كل ما تقدم لا علاقة له بعنصرية والد
ساندرا نفسه.
وبالتأكيد، ستفضي ازدواجية ساندرا بها إلى ازدواجية في خياراتها
الحياتية،
حين يصر أهلها على أن تواعد شبابا بيضا فإنها ستجد نفسها مهانة وفي أمكنة
ممنوع
عليها دخولها. وحين يخفق قلبها، يكون لشاب زنجي، وحينها يتكشف والدها عن
صورة
مغايرة، تظهر عنصريته المتأصلة، يصرخ فيه عليك أن تكون على
مسافة ست أقدام منها «إنها
بيضاء»، وبعد ذلك، لا يتوانى عن إطلاق النار عليه. حين تهرب ساندرا مع ذلك
الشاب، يدع الشرطة تلاحقهما كون زواجهما ممنوعا قانوناً، الأمر الذي
يلاحقهما، مع
عجز ساندرا عن إثبات أنها زنجية هذه المرة.
سنكون طوال الفيلم أمام مأساة
شخصية لا تتوقف، رسائل ساندرا لأمها يمنع وصولها والدها، ستعيش
الفقر مع زوجها،
وتنجب ولدين، ثم يتم هدم بيتها والبيوت التي يعمرها زوجها وعلى شيء لا يذكر
إلا
بالممارسات الإسرائيلية ـ نسخة طبق الأصل ـ ونحن نشاهد الجرافات تنتزع
البيوت من
أمكنتها وتهجر أهلها، بعدئذ سيتحول زوجها إلى كحولي، ويمضي في
ضربها، ولتهرب منه
أيضاً إلى جوهانسبورغ. الفيلم متقن، محمل بجرعات عاطفية ودرامية كبيرة،
والمسار
الرئيس للفيلم هو تتبع مصير ساندرا وعذاباتها، والتي ستكون في النهاية
بحثاً عميقا
بالتمييز العنصري، ولعل مصير ساندرا وما عاشته سيتيح لها أن
تكون بؤرة تلتقي فيها
كل التناقضات.
قصتها غنيمة سينمائية كبيرة، تتيح أن تكون بين الأبيض
والأسود، إنها هنا وهناك وما بينهما وعليه فإنها تمنح كل زوايا الرؤية
وتفضح في فعل
درامي متصاعد دائما.
الإمارات اليوم في
08/12/2009
جديد ستيفن فريرز
«شيري»..
ربيع خاطف في خريف العمر
زياد عبدالله – دبي
يخلف المخرج البريطاني ستيفن فريرز فيلم «الملكة»، ويمضي خلف نوع
مغاير من الملكية، لنا أن نجده بما يفترض أنه عالم سفلي فإذا به في جديده
Cheri (شيري)، يظهر علينا بوصفه عالماً تحيطه الأضواء والرفاهية والثراء
الفاحش، وليكون
متكئاً على عالم آخر يستحضر به ملمحاً مجهولاً لأقدم مهنة في التاريخ،
وبالاستعانة
برواية للكاتبة الفرنسية كوليت (1873 ـ 1954)، حيث ينسج منها قصة فيلمه
الذي جاء
بجرعات ميلودرامية مأخوذة تماماً بالحب، وفي محاولة لنبش
حيثيات علاقة لها أن تكون
بين شاب في الثامنة عشرة من عمره، مع امرأة تجاوزت الأربعين وقاربت ربما
الخمسين.
بداية الفيلم تسعى إلى سرد الثروات الطائلة التي حصلتها مجموعة من «العاهرات» الأوروبيات، من جراء علاقتهن مع
أمراء وغيرهم من رجال الطبقات
الارستقراطية، ولينتقل راوي الفيلم إلى الحديث عن ليا (ميشيل فافير)، ونحن
نتعرف
إليها وقد قررت التقاعد من الدعارة بعد جنيها ثروة طـائلة، وعليه نجدها على
سبيل
المثال تقول «ما أجمل أن أنام في السرير لوحدي»، الأمنية هنا
مخالفة لأمنيات النساء
الأخريات، فقد مرّ على سريرها ما لا يحصى من رجال وما عادت تريد أن يقاسمها
نومها
أحد، وفي الجانب الآخر نتعرف إلى شيري (رابرت فريند) ابن زميلة لليا في
عملها لكنها
أكبر سنا منها، والذي بدوره يعيش حياة ماجنة سرعان ما نجده
مصابا بالملل منها،
وعليه يلتقي تقاعد ليا مع ملل شيري، وتنشب بينهما علاقة حب تمتد لأكثر من
سبع
سنوات.
الفيلم وبكلمات قليلة لا يمتلك الكثير ليجعلنا نتفاعل مع ما أمامنا،
الخط الدرامي لا يصعد ولا يهبط ويمضي في خط ثابت دون أن نكون في وارد توقع
انعطافات
أو مفاجآت، الأمر غير ذلك، فكل ما أمامنا سيكون «رومانس برومانس»، بمعنى أن
شيري
حين تجبره أمه على الزواج من فتاة في الثامنة عشرة من عمرها،
لن يستطيع نسيان ليا
التي كانت معلمته في الحب كما سنرى، وعليه سيكون مأزوماً وغارقاً بين حبين،
الأول
هرم إلى حد ما ومدجج بالخبرة والحنان وربما الأمومة كما سيمضي الحوار، وآخر
بريء
ويانع تكون وصية ليا له بأن يحافظ عليه في البداية، لكنها
سرعان ما تتخبط وتقع ضحية
حبها لذاك الشاب الذي لا تنجح كل محاولتها في نسيانه وعبر محاولتها
المستميتة
للهرب، لكنه أي شيري وعندما يعود إليها فإنها سرعان ما تكتشف أنه صار مقسما
بينها
وبين زوجته، ولتكون قد انتصرت في داخلها الرغبة في تملكه.
الرهان على هذا
السرد، على قصة كهذه، للإيقاع أن يمتثل لهما، ويمضي على هدي تخبطات سرعان
ما نتخبط
بها وعلى شيء من الملل الذي لن يمنعنا من ملاحقة الكاميرا أو الديكور
وتصاميم
الأزياء المتقنة، كمحاولة مستميتة لئلا يهبط علينا الملل على
هيئة تثاؤب ونحن نقول «ماذا
بعد ذلك؟».
لا أعرف إن كان المسعى السينمائي لتقديم فيلم رومانسي
مشروعا لا لشيء إلا لأنه رومانسي، الأمر بحاجة لمؤازرة أكبر، ومنح اللقطات
شغفاً
وشبقاً يصلنا، ولعل الموسيقى التصويرية كانت ماضية في هذا
الاتجاه ومواقع التصوير
المأخوذة بطبيعة مستثمرة.
الإمارات اليوم في
07/12/2009 |