مثّل رحيل العبقري السيد راضي خسارة كبيرة للفن المصري والعربي بعد أن
انفرد بأسلوب له طابعه الخاص؛ فأصبح علامة بارزة في مسيرة الفن؛ نظرًا
لتميزه في كل المجالات التي عمل بها كممثل ومخرج وسيناريست وإداري، قدم على
مسرح التليفزيون روائع المسرحيات التي مازلنا نتذكرها، ولا نمل من
مشاهدتها.
كما كانت له إسهامات في السينما والمسرح والإذاعة لتكون آخر كلماته
«الحياة لونها بمبي».. وأخيرًا تم تكريمه في مهرجان القاهرة الدولي للإعلام
العربي في دورته الأخيرة.تفانى راضي في عمله حتى رحيله، فكانت حياته عبارة
عن رحلة عطاء متواصلة..لكن تخللت هذه الرحلة الكثير من المواقف المثيرة
للجدل، لعل كان آخرها ما أثاره الفنان قبل موته بفترة حينما اتهم إسرائيل
بفبركة أفلام لضرب السينما المصرية، وغيرها من الآراء التي جعلت البعض
ينقسمون حول السيد راضي؛ ففيما وصفه البعض بالمبدع «الثورجي» رآه قلة
فناناً متطرفاً، وما بين هذا وذاك تركنا المساحة القادمة للنقاد وبعض نجوم
الفن ليتحدثوا عن السيد راضي الإنسان والفنان والثورجي؟.
في البداية يقول الناقد المسرحي عبدالغني داود: «إن السيد راضي صاحب
مدرسة فريدة في الأداء، وقدرة فائقة على تجسيد ما يسند إليه من أدوار
مختلفة ومتنوعة الاتجاهات والأشكال، ولد العام 1935 في محافظة الغربية،
وبعد تخرجه في المعهد العالي للفنون المسرحية العام 1961، تم تعيينه مخرجاً
وممثلاً لفرق التليفزيون المسرحية، فكانت له بصمات واضحة خلال تلك الفترة،
خاصة على المسرح المتنقل العام 1966». وخلال السبعينيات تجول بين البُلدان
مؤسساً لمسارحها ومخرجاً لأعمال مسرحية لاقت نجاحاً جماهيرياً كبيرًا.. كما
أسس فرقته المسرحية «الكوميدي شو» العام 1976، وقدم بها كثيرًا من الأعمال
الاستعراضية الكبيرة، وفي العام 1993 تم انتخابه رئيساً للاتحاد العام
لنقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية في مصر؛ كما انتخب ممثلاً
لقارة إفريقيا وعضو المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي للنقابات الفنية العام
1995 بواشنطن.
ويتذكر داود أنه حين جاء دور السيد راضي لإلقاء كلمة مصر أثناء تقليده
المنصب صمم أن تكون الكلمة باللغة العربية، وقد قوبلت بالتصفيق الحار من
أعضاء المؤتمر، كما علقت رئيس الجلسة آنذاك قائلة: «إن كلمة مصر من أهم ما
قيل في المؤتمر لما حملته من طرح قضايا مهمة وخطيرة تتسم بالواقعية
والشجاعة».مهموم بالفن والقضايا القوميةويشير داود إلى أن السيد راضي يرجع
له الفضل في تأسيس مسرح الطفل، وإقامة احتفالية يوم المسرح المصري ومهرجان
«سوسة المسرحي» في تونس، كما كانت له آراء صريحة في الفن، خاصة في المرحلة
المعاصرة، أغضبت كثيرين منه، لكنه لم يعبأ بذلك؛ لأنه كان مهموماً بالفن
والقضايا القومية، خاصة أنه صاحب مواقف شديدة الصرامة للفن والقضايا
العربية أمام ما يحدث في لبنان وفلسطين، علاوة على مشاركته في كل الوقفات
الاحتجاجية التي كان يقيمها الفنانون للتنديد بوحشية إسرائيل ضد العرب.
إلى هنا تؤكد الناقدة خيرية البشلاوي أن «راضي» من المخرجين الذين
ساهموا في رفع شأن المسرح المصري منذ الستينيات وحتى الآن، وتقلد مناصب
عديدة منها مدير المسرح الكوميدي، ورئيس لجان الإنتاج المشترك بالبيت الفني
للمسرح، وعضو المجلس الأعلى للثقافة، ووكيل وزارة الثقافة والآداب، كما
انتخب رئيسًا للاتحاد العام لنقابات المهن التمثيلية والسينمائية
والموسيقية.
وخلال مسيرته الفنية أخرج أكثر من 25 عملاً مسرحيًّا، من بينها:
«انتهى الدرس يا غبي»، «الصعايدة وصلوا»، «الدخول بالملابس الرسمية»، كما
أقام مهرجان «موليير» المسرحي، وأخرج فيه أعمالاً منها: «البخيل»، «طيب رغم
أنفه»، «مريض الوهم»، كما شارك في العديد من الأفلام السينمائية، منها:
«أبناء الصمت»، «صراع الأحفاد»، «أمهات في المنفى»، «الإنس والجن»،
«العبيط»، وشارك أيضاً في العديد من المسلسلات التليفزيونية التي وصلت إلى
11 مسلسلاً منها: «رأفت الهجان»، «الحصان الأسود»، «سلطان الغرام»، «سارة»،
«العائدون»، وكان آخرها مسلسل «الحياة لونها بمبي».
غسل أموال
بينما يؤكد الناقد الفني سامي عبدالحميد أن السيد راضي كان ذا شخصية
غيورة على الفن، لذلك كان يغضب من معظم الأعمال التي تقدمها السينما؛ لأنها
خالية من المضمون، ولا تهتم بالقضايا التي تعاني منها الدولة أو الأمة
العربية، ويضيف: تعرفت على راضي حينما شارك في بطولة مسلسل للأطفال من
تأليفي.
وكانت بيننا حوارات طويلة حول الفن، فقد كان يردد دائما: «أحب أن تكون
للفنان مواقف يستطيع التعبير بها عن عروبته وانتمائه لهذا الوطن»، وكان
رأيه في السينما الشبابية أنها بعيدة عن العمل السينمائي الحقيقي، وأنها
تحولت إلى سيرك، وجميع المشاركين فيها يقولون كلاما يُسيء للمجتمع
وممارساته وتقاليده، وكان يؤكد أن هذه الأعمال تقف وراءها جهات تعمل على
تشويه المجتمع، وأن هناك عملية غسل أموال في السينما يجب التصدي لها.
الأب والصديق
وقال المخرج المسرحي د.أشرف زكي رئيس الاتحاد العام للنقابات الفنية
ونقابة المهن التمثيلية، أن السيد راضي كان دائم التردد على نقابة المهن
التمثيلية للتعرف إلى أحوال الأعضاء وحل مشاكلهم، وإزالة أي عوائق تحول
بينهم وعملهم.
كما كان لا يتهاون في مساعدة أحد من الأعضاء ومداومة زيارة أسرته في
حال مرضه، لتقديم العون المادي لحين اكتمال شفائه؛ لأنه كان إنسانًا قبل أن
يكون فناناً، وكان بالنسبة لجميع الفنانين الأب والصديق الذي تجده في المحن
فلا يخذلك، كما اتسم طوال حياته بالصراحة الشديدة التي كانت تسبب له كثيراً
من المتاعب والنقاشات الساخنة مع زملاء ونقاد وكتَّاب بل سياسيين؛.
فقد كان من أوائل الفنانين الذين خرجوا في تظاهرات سلمية للتنديد بما
يجري على أرض فلسطين، فضلاً عن العديد من قضايا الشأن الداخلي؛ كان قلبه
يمتلئ حباً لهذا الوطن، وكان من الطبيعي أن يغضب ويتعب ويمرض حينما يفاجأ
بأمور كثيرة لا تتفق مع المبادئ والقيم التي تربى عليها.
رمز للفنان الوطني
الفنان صلاح السعدني أشار إلى أن السيد راضي كان قيمة فنية كبيرة،
ورمزًا للفنان الوطني والعربي المهموم بقضايا الأمة العربية، فقد كانت له
مواقف مشرفة إزاء قضايا الأمة العربية، منها مواقفه ضد تهويد القدس،
والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، ووقف ضد مذابح المدنيين في
جنوب لبنان، كما كان ضد الاعتداءات الوحشية المتكررة على الشعب الفلسطيني.
ووقف ضد الحصار والعقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، أيضاً وقف ضد نشر
الرسوم المسيئة لرسول الإسلام سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، وطالب بقطع
العلاقات مع الدول التي تتطاول على الإسلام.
أعطى الكثير
ويؤكد الفنان محمود الحديني أن السيد راضي علامة بارزة من علامات
المسرح المصري كافح وناضل سواء كممثل أم مخرج أم إداري من أجل إعلاء كلمة
الفن، وأعطى الكثير لكن القدر لم يمهله حتى يعطي كل ما عنده..
فقد كان رمزًا، فعندما نذكر المسرح المصري يذكر السيد راضي، وما يقال
عن عصبيته فذلك بسبب حبه للفن وغيرته الشديدة عليه، حيث إن المعروف عنه أنه
عصبيٌ وينفعل بشكل حادٍ، ويعلو صوته، ويعمل حدوتة لأي سبب، لكن في النهاية
ينتهي الأمر بالصفح والنسيان، فهو لم يحمل ضغينة طوال عمره لأحد، وكثيرا ما
كان يبدأ بالصفح والتسامح.
تعصب قومي!
يقول المنتج السوري دريد الجرد، صاحب شركة «قارة» للإنتاج الفني
والتوزيع بدمشق: إن السيد راضي فنان كبير، ومع أنني لم أتعرف إليه بشكل
شخصي، فإنني شاهدت أعماله التي تدل على مدى موهبته، وكلنا نحترم فنه
وأداءه، ونشكره على ما قدم للفن العربي، ونحن ضد التعصب للتعصب، ولكن تعصب
السيد راضي كان لقضايا قومية، حيث نعرف موقفه من إسرائيل ونؤيده فيه.
فيما يرى الفنان طارق الدسوقي أنه بفقد الفنان الكبير السيد راضي خسرت
الساحة الفنية قيمة فنية عربية كبيرة؛ فما أكثر ما قدم للفن كمخرج وفنان
وإداري، وحرصه الدائم على حل جميع مشاكل زملائه والتعاون مع الجميع في
مختلف المواقف والعمل على نهضة الفن والفنانين.
البيان الإماراتية في
07/12/2009
على الوتر
جنون الشهرة
محمود حسونة
إذا أصاب جنون الشهرة أحد الحالمين بها فلنتوقع منه ما لم يخطر على
بال بشر حتى ينال مراده، وإذا أفل نجم أحد المشاهير المدمنين للأضواء فلا
ينبغي أن تستغرب أفعاله لاستعادة مكانته وللعودة إلى عرشه والتمركز في قلب
دائرة الضوء .
في الماضي كان الحالمون بالشهرة يبحثون عن فرصة حقيقية لإثبات
موهبتهم، ولم يكن أمامهم سوى التودد والتقرب من أصحاب الأمر والنهي في أي
عمل فني (المنتج والمخرج والبطل) . وعندما تأتيهم الفرصة إما أن يثبتوا
ذاتهم وينطلقوا محلقين في عالم الأضواء، وإما أن ينسحبوا إلى الخلف مدركين
أن لا مجال لتحقيق الحلم سوى الموهبة، وأنهم أخذوا فرصتهم ولا جدوى من
محاولات أخرى .
أما مدمنو الأضواء الذين يخشون غدر الأيام، فقد كانوا يروجون لأعمالهم
من خلال افتعال الخلافات والمشاجرات مع شركائهم في العمل بهدف جذب الإعلام
والترويج لأنفسهم ودفع الجمهور لمشاهدة أعمالهم .
ودارت الأيام وتبدلت الصورة مع ظهور الفضائيات التي كانت وسيلة العبور
إلى الشهرة لغير الموهوب قبل الموهوب، وامتلأت شاشاتنا وسماواتنا بكل من هب
ودب، وما لا تقبله هذه القناة ترحب به تلك، والمهم أن تكون لديه أو لديها
ما يلفت أنظار بعض المشاهدين ويرضي بعضاً من المعلنين .
وعلى جانب آخر، وجد الخائفون من غروب شمس الشهرة عن حياتهم في
الشائعات ضالتهم، وأصبحوا هم من يطلقونها على أنفسهم، ويتهمون منافسيهم
بأنهم وراءها، لتنشب معركة ساحتها صفحات الصحف وشاشات الفضائيات، وبذلك
يشغلون الناس بهم وبما أشاعوه عن أنفسهم، وهو ما يرضي لديهم داء الشهرة
والنجومية . والغريب أن هذه الشائعات تنال من حياتهم الخاصة وتسيء إليهم
وإلى الأقربين منهم، ولكن كل ذلك لا يهم طالما أنهم ما زالوا حديث الناس،
وقد وصل الأمر ببعضهم أن أشاع عن نفسه الموت، وليس سراً ما أشاعه الفنان
اللبناني رامي عياش عن نفسه من أنه مصاب بمرض خطير، وحاول تأكيد ذلك
بإطلالته على الجمهور حليق الرأس، وما لبث أن انكشف الملعوب ولم يجد أمامه
مفراً سوى الاعتذار للناس .
آخر ألاعيب مجانين الشهرة، وما لا يمكن أن يصدقه عقل، هو ما فعلته
مغنية لبنانية مجهولة من أنها تعرضت لاختطاف وفضيحة ودعت إلى مؤتمر صحافي
لكشف أبعاد هذه الفضيحة، والغريب أن من يبحث عن اسم هذه المجهولة على
الانترنت سيجد لها مجموعة من الصور لا تحتاج معها إلى فضائح . ورغم كل شيء
فإن ما فعلته قد حققت من ورائه الهدف المنشود، وأصبحت معروفة وتناقلت بعض
وسائل الإعلام ومواقع الانترنت حكايتها “المشكوك فيها” رغم أن كثيرين لم
يسمعوا لها أغنية ولم يعرفوها من قبل .
ولعلنا نتذكر الخبر الذي بثته وكالات الأنباء العالمية قبل أسابيع عن
خطوبة الملحن المصري محمد رحيم والمطربة اللبنانية أليسا والذي أطلقه من
بيروت ونفته النجمة المشهورة، ولم يكن أمامه سوى الانصياع ونفيه والدعوة
لعقد مؤتمر صحافي لتصحيح الأمر .
هل أصبحت الصحافة والإعلام لعبة في أيدي الفنانين والباحثين عن الشهرة
إلى هذا الحد؟ وهل أصبح فضح الإنسان لنفسه أمراً يسيراً في زماننا؟ وهل أي
شيء مباح ومستباح لأجل الشهرة؟ وماذا في جعبة الغد من ألاعيب ستكشف لنا
عنها الأيام المقبلة وستكون أكثر انحداراً مما وصلنا إليه؟
mhassoona15@yahoo.com
الخليج الإماراتية في
07/12/2009 |