كيف تبدو الأزمة الماليّة العالميّة في منظار صاحب «كولومباين»؟ المخرج
الأميركي المشاكس يواجه «وول ستريت» بشريط الجرائم الأصفر، داعياً إلى
العصيان المدني...
«الرأسمالية: قصة حب» عنوان عريض يشمل مختلف خيبات علاقة حبّ على هذا القدر
من الخطورة. علاقة تاريخية مسكونة بهواجس مراحل مفصلية تفضي إلى مآس كثيرة.
العنوان أكبر أيضاً من أن يكون عنوان فيلم مايكل مور الأخير. شريطٌ وثائقي
جاء ينبش جانباً من آليات النظم الحاكمة في الولايات المتحدة... لندخل هذه
المرة من باب الاقتصاد والأسس الرأسمالية التي مثّلت ملامح الحياة
الأميركية المعولمة.
البداية تقول الكثير: نحن أمام لصوص يسرقون المصارف. إنّه الوقت المناسب
لذلك، ما دامت الأزمة المالية على أشدِّها. بعدها، ينتقل مور إلى بشر
يُطردون من بيوتهم بسبب عدم قدرتهم على سداد مستحقاتها. أمضى هؤلاء 40
عاماً في منازلهم. مع ذلك، يُطردون منها برمشة عين. يمضي مور بعد ذلك إلى
فضح نظام التأمين على الحياة الذي تتبعه الشركات، ويقضي بقبض المبلغ
المؤمَّن عليه، بعد وفاة العامل، ومن دون علم عائلته.
كلُّ هذا مقدمة مور قبل الوصول إلى الأهمّ... الأزمة المالية. يسبق ذلك
استحضار لنمط العيش الأميركي والحلم الأميركي، وعلاقة الفقراء بالأغنياء،
ومسعى الفقراء الدائم إلى الثروة، في كنف الحلم الحاضر دوماً في حياة
الأميركي. علاقات انفضحت مع الأزمة المالية، وخصوصاً أن الشركات التي تمص
دم الفقراء والطبقة الوسطى، تجد الحكومة حاضرةً لنجدتها، فيما تترك شعبها
تحت رحمة العطالة والعوز.
قصة الحب الحقيقيّة مع الرأسمالية، تظهر في المساعدات المالية التي نالتها
المصارف بعد الأزمة. تلي ذلك الضغوطات التي مورست على الكونغرس بهدف
المصادقة على تلك المساعدات ـــــ بعد رفضها في البداية ـــــ واتباع سياسة
التخويف. وحسب ما يرد على لسان عضوة معارضة في الكونغرس، فإن التخويف أفضل
ما يمكن فعله للحصول على ما تريده، وهذا ما قام به الرئيس الأسبق جورج بوش
وإدارته.
يبقى السؤال «ماذا علينا أن نفعل؟» أمام تسريح العمال وحرمانهم من أبسط
حقوقهم، في وقت تتلقى المصارف مليارات الدولارات. تأتي الإجابة في الفيلم
بـ«الثورة» أو العصيان المدني. في أحد المشاهد مثلاً، نرى مجموعة تساعد مَن
طردوا من بيوتهم وتعيدهم إليها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عمال يقرّرون
الاعتصام في معملهم بعد تسريحهم، حتى تستجاب مطالبهم، بدعم من باراك أوباما.
هنا، يرصد الشريط الآمال التي علقت على المرشح الديموقراطي للرئاسة
الأميركيّة حينها، وكيف كان مجرّد إطلاق منافسيه لشائعة أنه «اشتراكي» يزيد
نسبة مؤيديه...
نصل في النهاية إلى صرخة مور، بشيء من الاستعراضية التي يبدو العصيان الذي
يدعو إليه، لا يطال الأسس الجوهريّة في أفلامه
صاحب «فهرنهايت 9/11» جاهزاً لها على الدوام.. نراه يمضي خلف سيارة نقل
الأموال المصفحة، ويطلب الدخول إليها واستعادة الأموال التي سرقتها من
الشعب. ثم يحيط المصارف و«وول ستريت» بالشريط الأصفر الخاص بمواقع الجريمة،
ويبدأ بالصراخ بمكبر الصوت مطالباً باستعادة ما سرقوه.
كل ذلك جميل، وأخف متعة مما عوّدنا عليه «مور شو». يقول ما يقول في مناصرته
الفقراء وفضحه آليات النصب الرأسمالي المتنكر بزي الشركات العابرة للقارات،
ومقارها الفخمة المخصصة للنهب ومص الدماء.
يؤكّد هذا الفيلم حالة الشغب التي يمثلها مايكل مور، ومعها القدرة على
المشاكسة واستنباط ما يمثّل في النهاية صرخة احتجاج. لكنّ العصيان الذي
يدعو إليه باستعراضية، والمطالبة بتحقيق ما طالب به روزفلت، لا يطال في
بنية أفلامه، الأسس الجوهريّة. نجده يقدِّم نقداً مسايراً لا يبحث في
الجذور، ويستمد عناصره من فردانية نقده.
في النهاية، يخلص إلى أنّ المؤسسات المالية المتوحشة عليها أن تبقى لكن
بإنسانية، معتمدةً البعد الأخلاقي والديني. بهذا المعنى، يدعو مايكل مور
إلى أنسنة الاستغلال، وأن تكون قصة الحب مع الرأسمالية من طرفين، لا من طرف
واحد. كأنّه يقول: «حسناً استغلوا البشر، لكن ضمن المعقول».
«إسباس»(الزوق ــ شمال بيروت). للاستعلام: 09/212516
الأخبار اللبنانية في
01/12/2009 |