السينما رئة المثقف والبسيط ، هي المعبرة عن
آلامه وأحلامه وآماله وهمومه، ولكن كيف يكون هذا في بلد تعطلت
فيه السينما منذ عقود
من الزمن ثم تغلق دور العرض أبوابها في وجوه المحبين، مع هذا فالعشاق لم
يستكينوا
ولم يرضخوا فاخذوا يلتقون بحبيبتهم السينما سرا وجهارا،
منهم من يؤسس
نوادي للسينما ومنهم يصنع أفلاما وثالث يكتب نقدا، أنها حمى الأفلام، وكلية
الفنون
الجميلة بأساتذتها وطلابها متنفس آخر للسينما وحبها، في بادرة ربما تعد
مميزة لأنها
تقليد لم يعتده السينمائيون الطلبة رغم أنه شيء متعارف عليه في اغلب كليات
السينما
العالمية باستقطاب أعمدة ورواد الفن السينمائي في محاضرات أضافية لطلبة
السينما،
قام قسم الفنون السمعية والمرئية باستضافة المخرج العراقي
(قاسم حول) في أصبوحة
جميلة ومميزة بحضور أساتذة وطلاب قسم السينما. أفتتح الدكتور عقيل مهدي
عميد كلية
الفنون الجلسة بالترحيب بالضيف مستذكرا حين قال: قاسم حول سعى مرة لأن أكون
معه في
كادر فيلم بيوت في ذلك الزقاق لكني فوت الفرصة حين توجهت إلى
بلغاريا للدراسة هناك
ولم أر قاسما إلى وقت بعيد، وعندما ذهبت الى ليبيا رأيت الأثر الذي تركه
هناك موصيا
المسؤولين الليبيين بضرورة بناء مجمع للسينما في رسالة الى أحد رموز السلطة
هناك.
ثم تحدث الدكتور صباح الموسوي رئيس قسم السمعية والمرئية مرحبا بالضيف
ومنوها عن
أهمية المخرج قاسم حول الذي لم يستكن يوما بل بقي مجاهدا من أجل إعلاء كلمة
السينما، وقال الموسوي: نحن نعرف تجربته المميزة من خلال تاريخ
السينما العراقية
والعربية وهو سيتحدث مشكورا عن المسكوت عنه وغير المعروف من خلال تجربته في
سنوات
الغربة والعمل. ابتدأ المخرج قاسم حول كلمته قائلا: أنا جئت لأتعلم منكم
السينما،
وسعيد جدا لهذا العدد من الطلاب، أتذكر أننا كنا (7) طلاب فقط
الآن شيء رائع أن أرى
هذا الجمع من الشباب السينمائي، وقال: أنا أعتذر منكم ... أعتذر لأني هربت
وأنتم
بقيتم هنا مع الدكتاتورية ضحيتم وصمدتم، أنكم أبطال حقا، وأنا اعتذر مرة
أخرى، أنتم
تعرفون عندما تسقط الثقافة يسقط الوطن، وليس وطننا ذلك الذي لا يحضن
السينما، قال
جان أنوي مرة (أن الحياة جميلة ولكنها تحتاج إلى شكل) والعراق جميل ويحتاج
إلى شكل
وشكله ترسمه الثقافة وتحديدا الثقافة السينمائية، فالسينما شكل
العراق. وأردف:
السينما تحتاج إلى معدات وأجهزة وممثلين وعاملين كثر وظهور في الشارع لذلك
فهي
صعبة، وهذه هي مشكلة السينما في العراق، فلماذا لم تكن هنالك نهضة سينمائية
في
بلدنا؟ من هنا تطرق حول إلى لمحات من تاريخ السينما العراقية
وقال السينمائيون
العراقيون مناضلون حقيقيون، ونعرف أن السينما تنمو في بلدان متحضرة وتحركها
المادة
وهذه النقطة التي عرف صناع السينما في مصر ويهود أمريكا كيفية استغلالها
لتطويع
السينما من خلال البنوك والقروض التي يقدمونها لصناع السينما،
الذي حدث عندنا أن
البنوك لم تقدم على مثل هذه المغامرة إلا بنك واحد فقط لذلك جاءت معظم
المحاولات
الأولى للسينما فردية، وتحدث عن أستوديو (هاماز) الذي يملكه العم حمزة مع
(شيراك)
المصور، ذلك الأستوديو الذي يعد الأمثل في ذلك الوقت خصوصا على صعيد جودة
الصورة
والصوت، وعندما جاء حزب البعث إلى السلطة عام 1968 جاء الخراب فقد عملوا
على تأميم
الثقافة، وبالذات السينما لأهميتها وخطورتها، وبما أن معظم
الأفلام العراقية
المنتجة في ذلك الوقت قد تجمعت في أستوديو هاماز فان الحكومة اقتحمت
الأستوديو
ووضعت أيديها على كل أشرطة (النكتف والبوزتف) للأفلام المنتجة في ذلك الوقت
وهي
(بصرة
الساعة 11، تسواهن، الحارس، عروس الفرات، أوراق الخريف) لتضعها باسم مصلحة
السينما البعثية. قبل أيام قرأت على أحد مواقع الانترنت أن هنالك كاميرا (آر
فلكس)
معروضة للبيع وان اسم البائع هو وليم سايمون، نعم سايمون مخرج فيلم بصرة
ساعة 11عام 1957،
أحتفظ كل هذه المدة بالكاميرا التي صور بها فيلمه الأول، الحاجة المادية
دفعته إلى أن يبيع أجمل ذكرياته. على صعيد السينما الوثائقية في سنوات
السلطة
البعثية أيضا كان محمد سعيد الصحاف يبحث يوما عن أرشيف لإحدى الشخصيات
الحزبية وقد
كان الصحاف وقتها مديرا عاما للإذاعة والتلفزيون وكذلك مسؤولا
عن السينما والمسرح،
جاء إلى مبنى السينما وطلب ما كان يعرف وقتها باسم الجريدة السينمائية، طلب
الأرشيف
كاملا وبدأ بمشاهدة الأشرطة عله يجد صورة ذلك الرفيق الحزبي، ولكن الصدفة
جعلته
يشاهد صورا للزعيم عبد الكريم قاسم، فقال جئنا إلى السلطة وهذا
الرجل ما زال حيا!!،
فأمر بإحراق وثائق الجريدة السينمائية كافة منذ 14 تموز وحتى 8
شباط. الثالثة هي
أنه بعد الاحتلال سمعنا أن أرشيف السينما العراقية قد أحرق ولكن ما شاهدناه
عبر
الفضائيات هو مجموعة من الأشرطة مبعثرة وممزقة في أروقة دائرة السينما
والمسرح
المحترقة، نحن نعرف أن الشريط السينمائي قابل للاحتراق وانه
يوضع في علب خاصة ما
شاهدناه مجرد أشرطة مبعثرة، أين حريق الأشرطة، هنالك سر مخفي، هل حرقت
الأفلام ؟ أم .....؟؟
أعزائي نحن الآن بدون تاريخ سينمائي، وصعب جدا أن نبدأ من الصفر. بعد ذلك
تطرق قاسم حول للحديث عن وسائل تنفيذ الأفلام وقال أنها تغيرت كثيرا عن
الماضي
فالآن بامكانكم استخدام التقنية الجديدة لإنتاج سينما جديدة، فالواقع الآن
هو
انعكاس للسينما وليست السينما انعكاساً للواقع كما كانت سابقا،
كما ينبغي أن لا نقع
في البداية دون أن نهمل الأسس الصحيحة للبداية، والسينما عندنا الآن شيء
يكاد يكون
من المحرمات، أحاور الجميع بوضوح وأعارك في السينما، لعبتنا مع السلطات مثل
لعبة
القط والفار، نحتاج إلى ذكاء لنعمل أفلاماً وبسهولة، وهذه
مهمتكم أيضا يجب أن
تفهموا رجال السلطة بأهمية السينما ومن خلال السينما والحوار. ثم تطرق إلى
أهمية
التوزيع فالفيلم إذا أنتج وبقي حبيس العلب ومتداولاً بين الأصدقاء فقط
فكأنك لم
تفعل شيئا، يجب أن تدخلوا –موجها حديثه للطلبة- معترك
المهرجانات وأنا سأسعى معكم
لإيصال صوتكم وأفلامكم إلى العالم. هذه مهمتي الآن وأنا بينكم لن ارحل
ثانية، في
إيران الجمهورية الإسلامية قانون للتوزيع والإنتاج فقد عرفوا أهمية السينما
لذلك
عملوا قانونا لها استمدوه من اليونان بعد الدكتاتورية ومن عصر ميلينا
ميركوري، لقد
عمل الإيرانيون مدينة للسينما أيضا وشركة توزيع حكومية اسمها الفارابي مع
حرية
للسينمائي في صنع (3) محاولات سينمائية، عليكم العمل مع ما
يسمى بالصناديق الداعمة
وهي صناديق تمويل الثقافة وهي موجودة في النرويج والدنمرك والإمارات
العربية وشركة
فورد الأمريكية، وهنالك دعم من بلدان أوربية مثل وزارة الثقافة الفرنسية
التي ساهمت
بإنتاج فيلمي المغني، علما أنه لا يوجد تمثيل بريء، ولكن عليكم
أن تعرفوا أيضا
أهمية وكيفية كتابة السيناريو فالسيناريو الجيد يصنع فيلما جيدا أما
السيناريو
الرديء حتى لو كان لديه مخرج عبقري فانه لا يستطيع أن يصنع منه فيلما جيدا.
وتحدث
أيضا عن مشروع فيلمه القادم (الحسين ع) الذي بقي بكتابة
السيناريو له (7) سنوات،
وكان من المؤمل أن ينتجه أية الله محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، لكن بعد
وفاته
تغيرت الأمور. في النهاية قال المخرج قاسم حول: العراق بدون سينما ليس
وطنا... نعم
نضم صوتنا إلى صوت حول ونقول بلد ليس فيه سينما هو مجرد هامش على البلدان.
نتمنى أن
يكون استقطاب رواد السينما ومثقفيها أساسا في منهاج قسم
السمعية والمرئية الذي بادر
مشكورا برئاسة قسمه هذه المبادرة الأولى عسى أن تستمر ولا تكون فورة حماس
تنطفىء،
علما انه عرف سائر في جميع كليات السينما في العالم.
المدى العراقية في
04/11/2009
الـحـســنــاء والــوحـــش مــن
جــديـــد
فراس
الشاروط
ما أن أختارها المخرج القدير (ستانلي كوبريك) مع زوجها السابق في
فيلمه
الإشكالي (عيون مغلقة بأتساع)عام 1999 حتى تغيرت مسيرة النجمة (نيكول كدمان)
وأصبحت
أكثر رسوخا ووعيا في اختيار الأدوار والدليل على ذلك مجموعة الأفلام التي
مثلتها
وأسماء المخرجين الذين عملت معهم (الطاحونة الحمراء، الآخرون،
الساعات، الغريزة
البشرية ، دوغ فيلا)
ومخرجين
من أمثال (غاس فان سات، ولارس فون تيرنر) عكس مسيرة زوجها السابق توم كروز
الذي
يحاول قدر الأمكان أن يشكل حضورا أكثر رونقا وهيبة أو في الأقل أن يعود
لإطلالاته
الجميلة الأولى . وبعد تجربتها الرائعة مع المخرج ستيفن دالدري
في فيلم الساعات،
تعود مرة أخرى إلى التمثيل في دور مأخوذ عن سيرة ذاتية وهذه المرة مع
المخرج (ستيفن
شونبرغ) في فيلم (الفراء) المبني على حكاية مصورة الهامشيين الفوتوغرافية
(ديان
أربوس) وهو فيلم يذكرنا في الكثير من مضامينه بفيلم (جان كوكتو)
الشهير (الجميلة
والوحش) وأكثر في إيحاءاته بالمسلسل الشهير الذي عرض عندنا أواسط
الثمانينيات من
القرن الماضي والذي حمل أيضا عنوان (الحسناء والوحش) ولكن فيلم الفراء
يختلف بمقطع
مفصلي كونه يمزج حكاية بطلته المتخيلة بسرد تفصيلي لحياة (ديان
أربوس) المصورة
اليهودية التي انتحرت عام 1971. يرتكز الفيلم في بنائه على السيرة الذاتية
لبطلته –وموضوع السيرة هذا أصبح هو الأثير في عالم
صناعة الأفلام- ألا أنه ينحو بعيدا في
التفاصيل المختارة من عالم ألذات لتكون عالما من التأمل في
التفاصيل التي عاشتها (ديان)
بين حاضر الشخصيات وماضيها، البطلة تعيش في عالم خيالي يفرضه عليها عالمها
الواقعي السطحي كابنة تاجر فراء ثري، وزوجة مصور فوتوغرافي محترف بين هذه
العوالم
تنشأ الحكاية التي بنيت حيث العلاقة العميقة بين حياة بطلته
الغريبة وجارها الأكثر
غرابة والذي يسكن الطابق العلوي من المبنى الذي تسكنه مع عائلتها،هذا الجار
الذي
يغطي وجهه بقناع لا يظهر منه سوى العينين، والذي يتسبب دائما بمشكلة في
أنابيب
الصرف الصحي حيث تسد مجاري المياه بقطع كثيرة من (الشعر)، هذه
المشكلة الغريبة هي
التي تجذب (ديان) لعالم هذا الجار الوحش ونكتشف معها أنه مصاب بمرض يجعل كل
جسده
مكسوا بالشعر والذي يشكل من جهة أخرى فراء شخصيا بشريا. عالم هذا الجار
ينطوي على
علاقات غريبة مع أناس شوهت مظهرهم الحياة لكن قلوبهم نقية،
صافية وطيبة، مكونات هذا
العالم الغريب هي التي تجعل من صور ديان أربوس الفوتوغرافية صوراً ناطقة
ومعبرة عن
الجمالية العجيبة في القبح وعن الشاعرية في الشواذ، أنها أشارة كي نمعن
أكثر في
العادي، في صور أربوس هنالك أقزام وعمالقة وتوائم سيامية وأناس
عاديون جدا، وبسطاء،
لكن عيونهم تشع بالأمل وحب الحياة، هذه العوالم التي وثقتها (ديان) في
صورها كانت
هي نفسها عوالم أصدقاء الرجل المكسو بالشعر والذين عرفتهم وعرفوها من
خلاله، نبذت
حياتها، زوجها وأطفالها، لتعيش معهم، حيث وجدت معهم بساطة
الحياة وكينونة البشر
الحقيقية فوثقتهم في صورها لتغدو ديان أربوس واحدة من أمهر وأشهر
الفوتوغرافيين في
العالم. في المشهد الأخير حين تبدأ ديان بإزالة الشعر عن جسد الرجل الوحش
بموس
الحلاقة، يضعنا الفيلم في تساؤل فلسفي/ جمالي عن العلاقة بين
الداخل /الخارج،
البشري/ الحيواني، الخارج/الجسد المرعب المكسو بالشعر، القبيح، الذي من
خجله يغطيه
بالملابس وحتى الوجه يغطيه بقناع، شكل حيواني مكسو بالفراء البشري كالفراء
الذي
يجمعه والدها من صيد الحيوانات ليكون أكثر ثراء وليكون مشتهى
وجمالياً وسط عالم
التجارة والمال، هذا الخارجي القبيح يكون داخلياً/ روحياً أكثر رقة وبريقا
وجمالا
وبريقا. التناقض هذا محور الفيلم هو الذي أغرى (ديان أربوس) لتوثقه
فوتوغرافيا،
الخارجي المشوه الذي لو تأملنا فيه عميقا لرأيناه كم هو جميل
ومختلف، أربوس تذهب
بعيدا إلى زوايا مخفية في الأشياء فتردد في الفيلم: - أفضل شيء عندي هو
الذهاب إلى
حيث لم أذهب بعد. عالم ديان أربوس الاجتماعي يقودنا لقراءة قسوة البشر مع
بعضهم
المختلف، تعارض المادية مع الذوات الإنسانية التي تتشابك مع
بعضها بقوانين الربح
والخسارة نابذين الطيبة والجمالية في الروح المكنونة بالبشر، أنه عالم تشيؤ
الجسد
وتسليع الأشياء وصناعة الرموز وتجاهل الإنسانية الحقيقية، ليخضع الجميع
ويكونوا
ماركات تجارية. هذا العالم الذي نبذته ديان وقشطت بموس الحلاقة
عالمه الوحشي ليبدو
نقيا وصافيا، وعندما يموت البطل/ النقاء تذهب كما قالت في الحوار بعيدا
للبحث عن
الجمال في عالم عار من الملابس/الفراء/ الشعر، عالم مثالي الكل فيه بلا
ملابس سوى
ذواتهم الحقيقية يعيشون ويحبون ويولدون ويموتون ثم يعيشون
ويحبون ويولدون ويموتون
وهكذا عالم ربما يشبه الجنة حيث الحدائق الغناء والأنهار ونقاء البشر،
ألجنه بعريها
البشري والطبيعي.
المدى العراقية في
04/11/2009 |