خلال مُتابعتي للدورات الماضية لـ "مهرجان دمشق السينمائي الدولي"،
لاحظتُ بابتهاجٍ بالغٍ الإقبال الجماهيريّ الواضح على مشاهدة الأفلام
الطويلة، والقصيرة على السواء، جمهورٌ من الشباب ـ خاصةً ـ لا ينقصه
الفضول، الشغف، والمُتابعة.
هذا النجاح الجماهيري الواضح، بالإضافة للانطباعات الإيجابية التي
تعمّقت في أذهان الضيوف، وخاصةً فيما يتعلق بالحفاوة المُدهشة التي يحظون
بها، والأجواء الحميمة التي يعيشونها طيلة أيام المهرجان، يُشجعني ـ وأتمنى
بأن يُشجع السلطات الثقافية ـ على عدم الاكتفاء بمهرجانِ سينمائيٍّ واحدٍ
في سورية.
وبمُناسبة مُراجعة الدورة الـ 17 لـ"مهرجان دمشق السينمائي الدولي"،
أنتهزها فرصةً للتعبير عن فكرةٍ تُراودني منذ سنواتٍ، تتجسّد بمشروع
مهرجانٍ سينمائيّ آخر ينعقدُ في مدينة حلب، ويهتمّ حصراً بالأفلام
التسجيلية، والقصيرة التي بدأت تجذب، سنةً بعد أخرى، أعداداً كبيرةً من
المتفرجين عند عرضها في مهرجان دمشق(أو غيره).
فلتكن قراءتي هذه فكرةً لمشروع، نقطة انطلاقٍ، خطة عملٍ، مُبادرة
آنيّة، أو مُستقبلية، واقعية، حقيقية، وقابلة للتنفيذ.
ومن أجل هذا الغرض، أُلخصُ بعض الأفكار القابلة للنقاش، البحث،
والدراسة.
الجوانب الإدارية والتنظيميّة
ـ مهرجان حلب الدولي للأفلام التسجيلية، والقصيرة، أو المهرجان الدولي
للأفلام التسجيلية، والقصيرة في حلب.
ـ ينعقدُ المهرجان سنوياً .
ـ مدة المهرجان سبعة أيام.
ـ يتحدد تاريخ المهرجان ـ تقريبيّاً ـ في الشهر السادس من كلّ عام
(بعد 7 شهورٍ من ختام مهرجان دمشق السينمائي الدولي).
ـ تستغلّ إدارة المهرجان رحلات الطيران المُباشرة من بعض العواصم
العربية، والأجنبية إلى حلب.
ـ يُخصص اليوم السابق للمهرجان لاستقبال الضيوف القادمين إلى دمشق،
ونقلهم في نفس اليوم، أو اليوم التالي إلى حلب في طائرةٍ خاصة (كما عشتُ
هذه التجربة في مهرجانات وهران/الجزائر،
قازان/جمهورية تتارستان، وغروزني/جمهورية الشيشان)، أو عن طريق
سياراتٍ، وحافلاتٍ، والتوقف ـ احتمالياً ـ في مدينتيّ حماة، وحمص بهدف
زيارة أهم معالمهما السياحية .
ـ تجهيز فندق الشام في حلب ليُصبح مكاناً لإقامة الضيوف، بالإضافة
لفنادق أخرى منتشرة في وسط المدينة (فندق بارون، الفندق السياحي، فندق
أمية،..).
ـ تُعرض أفلام المُسابقات الرسمية في صالة الشام (وربما هناك
صالتيّن)، وتُوزع التظاهرات المُصاحبة في بعض صالات وسط المدينة (الكندي،
حلب، أوغاريت، الحمراء، الزهراء،...).
ـ يُنظم المهرجان عروضاً مفتوحة في قلعة حلب، أو ساحة "سعد الله
الجابري"، أو الحديقة العامة .
ـ تُنظم وزارة السياحة، بالتنسيق مع إدارة المهرجان، ومحافظة حلب،
جولاتٍ للوفود العرب، والأجانب لزيارة أهمّ المعالم السياحية في المدينة،
والمناطق المُحيطة بها.
ـ يُنظم المهرجان، بدعمٍ من المُؤسّسات، والنقابات، والمعاهد الفنية
سهراتٍ موسيقية، وغنائية في مسرح قلعة حلب، أو أماكن أخرى...
ـ يُبرم المهرجان صيغ تعاونٍ سينمائية مع المراكز الثقافية الأجنبية
في سورية.
ـ يُجري المهرجان اتفاقات شراكة مع بعض المهرجانات العربية، والدولية
المُتخصصة بالأفلام التسجيلية، والقصيرة (القائمة طويلة جداً).
ـ تتكوّن لجنةٌ تنظيميةٌ عُليا من إدارة "المُؤسّسة العامة للسينما"،
وتضمّ في عضويتها شخصياتٍ تُمثل الوزارات المعنية مباشرةً بالمهرجان،
ومندوبين عن الهيئات، والنقابات الفنية، والسينمائية (مع الحرص الشديد بأن
لا تتضمّن أيّ شخصٍ يُشارك عملياً بفيلمٍ ما في المُسابقات الرسمية) .
ـ تتكوّن لجنةٌ فنيةٌ تختارها إدارة "المُؤسّسة العامة للسينما"،
وتضمّ في عضويتها سينمائيين، نقاد، وصحفيين،...(مع الحرص الشديد بأن لا
تتضمّن أيّ شخصٍ يُشارك عملياً بفيلمٍ ما في المُسابقات الرسمية).
ـ تتكوّن لجان اختيارٍ مُنفصلة لكلّ واحدةٍ من المُسابقات الرسمية
المُعلنة (العربية، والدولية) من سينمائيين، نقاد، وصحفيين،..(مع الحرص
الشديد بأن لا تتضمّن أيّ شخصٍ يُشارك عملياً بفيلمٍ ما في المُسابقات
الرسمية)، ويُعتبر إتقان إحدى اللغات الأجنبية المُتداولة، وخاصةً
الإنكليزية، شرطاً ضرورياً للانضمام إلى لجنة اختيار أفلام المُسابقة
الدولية، وإلاّ كيف يفهم هؤلاء أفلاماً ناطقةً بلغاتها الأصلية، ومُترجمةً
غالباً إلى اللغة الإنكليزية (ويتجسّد هذا القصور بوضوح في اختيارات
الأفلام القصيرة لـ"مهرجان دمشق السينمائي الدولي").
الجوانب الفنية
ـ يهتمّ المهرجان بكلّ أنواع الأفلام القصيرة: روائية، تسجيلية،
تحريكية، تجريبية، فيديو آرت، فيديو كليب(هناك أعمالٌ عظيمةٌ في هذا
النوع)، بالإضافة للإنشاءات السمعية/البصرية.
ـ تُعرض الأفلام المُشاركة في المُسابقات الرسمية بمقاسات عرضها
الأصلية.
ـ تُترجم الأفلام المُشاركة في مسابقتيّ الأفلام السورية، والعربية
إلى اللغة الإنكليزية.
ـ تُترجم الأفلام المُشاركة في المُسابقة الدولية إلى اللغة العربية،
والانكليزية.
ـ تتكوّن لجان التحكيم من شخصياتٍ عربية، ودولية تمتلك خبراتٍ
سينمائية مُتراكمة في مجاليّ الأفلام التسجيلية، والقصيرة (جمع الخبرات
الأولى مع أصحاب التجارب الطويلة فكرةً خاطئة، فلجنة التحكيم ليست ورشة
عمل، دورة تدريبية، جمعية خيرية،..إنها مسؤوليةٌ مهنيةٌ، وأخلاقيةٌ في
المقام الأول، ومن يُنجز فيلماً قصيراً، أو طويلاً مُتميزاً، لا يعني بأنه
قادرٌ على تحكيم أفلام غيره، أكانوا مبتدئين، أو ناضجين)، ومن جهةٍ أخرى،
من المفيد الابتعاد ما أُمكن عن إشراك الممثلين، والممثلات، وخاصةً النجوم
منهم (الذين لا يشاهدون أفلاما تسجيلية، وقصيرة، وغير قادرين على تحكيمها،
ورُبما لا يشاهدون أفلاماً من أيّ نوع).
ـ يهتمّ المهرجان بإشراك أكبر عددٍ من الجمهور الهاويّ، والمُحترف
بمُختلف أعماره، أذواقه، واهتماماته الاحترافية، وتوريطهم عملياً في لعبة
المُشاهدة، وذلك من خلال الإشراف على تكوين عددٍ الجوائز، ولجان التحكيم
الفرعية التي تعمل باستقلالية :
* جائزة الجمهور.
* جائزة محافظة حلب.
* جائزة تمنحها لجنة تحكيم مكوّنة من الشباب، ويتمّ اختيار أعضائها
بناءً على طلباتٍ مُسبقة من الراغبين في المُشاركة، وأثبتوا بأنهم يتمتعون
بقدرٍ من الثقافة السينمائية .
* جائزة تمنحها لجنة تحكيم مكوّنة من الأطفال، ويتمّ اختيار أعضائها
بناءً على طلباتٍ مُسبقة من أولياء أمورهم، وتهتمّ هذه اللجنة بمُشاهدة
مجموعة مختارة من أفلام المُسابقات الرسمية المُناسبة لأعمارهم.
* جائزة لجنة تحكيم "نقابة الفنانين".
* جائزة لجنة تحكيم "الهيئة العامة للإذاعة، والتلفزيون".
* جائزة لجنة تحكيم الصحافة المحلية، العربية، والدولية (مُجتمعةً، أو
منفصلة).
* جائزة لجنة تحكيم "غرفة صناعة السينما".
* جائزة لجنة تحكيم طلبة المعاهد الفنية (الفنون المسرحية، الموسيقى،
الباليه).
أقسام المهرجان
ـ مسابقةُ وطنيةُ تضمّ عموم الأفلام السورية التسجيلية، والقصيرة
المُنتجة خلال الـ 12 شهراً السابقة على تاريخ انعقاد المهرجان، بغضّ النظر
عن مصادر إنتاجها العامّة، أو الخاصّة.
ـ مسابقةٌ عربيةٌ للأفلام التسجيلية، والقصيرة (تتضمّن أفلاماً سورية
مُنتقاة بعناية).
ـ مسابقةٌ دوليةٌ للأفلام التسجيلية، والقصيرة (تتضمّن أفلاماً سورية،
وعربية مُنتقاة بعناية).
ـ تهتمّ الدورة الأولى للمهرجان بتنظيم برنامجاً استعاديّاً، وندوةً
تحت عنوان "حلب في السينما السورية، والعالمية".
ـ خلال دوراته المُتعاقبة، يُسلط المهرجان الأضواء على الأفلام
التسجيلية، والقصيرة المُنجزة في دول الجوار: التركية، الأرمينية،
الإيرانية،...
ـ يستوحي المهرجان برامجه من التاريخ، والحاضر، وينظمّ تظاهراتٍ
مختلفة تحمل عناوين مؤقتة: سينمات طريق الحرير، قلاع الدنيا، الأسواق
القديمة، موائد الطعام، الصوفية في السينما(يُمكن لمهرجان دمشق استيحاء هذه
التيمات، أو بعضها لدوراته المُقبلة).
ـ تنظيم برنامجٌ إستعاديّ للأفلام السورية التسجيلية، والقصيرة منذ
بدايات السينما في سورية، وحتى تاريخ انعقاد المهرجان.
ـ تنظيم برنامج إستعاديّ للأفلام العربية التسجيلية، والقصيرة.
ـ تسليط الأضواء على الأفلام التسجيلية، والقصيرة لبلدٍ عربيّ، وآخر
أجنبي.
ـ تنظيم برنامج تكريميّ لأحد السينمائيين العرب : عبد الله المخيال،
هاشم النحاس، شادي عبد السلام، عمر أميرلاي، ...
ـ تنظيم برنامج تكريميّ لأحد السينمائيين الأجانب : جان روش، جوريس
إيفانز، دزيغا فيرتوف، كريس ماركر، نورمان ماكلارين، بيل بلايمتون، الأخوين
لوميير، جورج ميلييس،..
ـ إعادة اكتشاف الأفلام التسجيلية، والقصيرة لبعض السينمائيين العرب :
رضوان الكاشف، مجدي أحمد علي، يوسف شاهين، خيري بشارة، محمد خان، داوود عبد
السيد، مدكور ثابت، عبد الله المحيسن، بسام الذوادي،....
ـ تنظيم برنامجٍ خاصّ لأفلام مدارس، ومعاهد السينما العربية،
والأجنبية، والتركيز على بلدٍ معين في كلّ دورة.
ـ تنظيم برامج خاصة "كارت بلانش" يتمّ اختيار أفلامها بحريةٍ كاملة من
طرف ناقدٍ سينمائيّ، مخرج، مدير تصوير، شركة إنتاج، مهرجان عربي، أو
دولي،....
أفكار وتساؤلات
في الحقيقة، لن تنتهي الاقتراحات، والتصورات، وبدون خصوصية، ومنهجية
لن يحصل أيّ مهرجانٍ على تميّزه، وتفرّده في المشهد السينمائي العربي،
والدولي، حيث يتطلب تنظيم مهرجانٍ سينمائيّ شحذاً للخيال، وبحثاً متواصلاً
في تاريخ السينما، وحاضرها، واستحضار آفاق مستقبلها.
وفي الوقت الذي يكتسب المهرجان أهميته من نوعية الأفلام المُشاركة في
مسابقاته المُختلفة، تُفاجئنا بعض المهرجانات الأوروبية بثراءٍ استثنائيّ
لتظاهراتها المُصاحبة.
عندما نظمّ المهرجان الدولي للأفلام القصيرة في كليرمون فيران/فرنسا
برنامجاً إستعادياً حول "الكلاب"، لم يكن ذاك الاختيار عبثاً، مدعاةً
للسخرية، أو ترفاً سينمائياً، وهو الذي سوف يقدم في دورته المُقبلة
برنامجاً أكثر غرابةً تدور تيمته حول "الأحياء/الموتى".
بينما تنحصر مهمة المهرجانات العربية بجمع الأفلام، وعرضها تحت عناوين
مخرجيها، أو بلدان إنتاجها، مصحوبةً بعلاماتٍ، وتوجيهاتٍ، وإرشاداتٍ نرجسية
(تتفق مع هوس الرجل الشرقي بالعذرية):
الفيلم الحائز على الجائزة الكبرى في مهرجان كان.
الفيلم الحائز على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان برلين.
العرض الكونيّ الأول.
العرض العالميّ الأول.
العرض الأول في الشرق الأوسط.
العرض الأول في جزر هاواي.
العرض الأول في بلاد الواق الواق.....
بينما تعلكُ التظاهرات المُصاحبة أفكاراً، وتيماتٍ عتيقة، مُستهلكة،
وفاقدة الصلاحية أحياناً:
المرأة في السينما العربية.
الطفل في السينما المغربية.
البيئة، والإنسان.
التراث، والمُعاصرة في السينما.
وسوف أستبعد من هذه القائمة كلّ ما يتعلق بـ"القضية الفلسطينية" كي لا
يتهمني خبيثٌ بالخيانة العظمى، والتطبيع مع العدو الصهيونيّ.
بينما نقرأ مُبالغاتٍ ساذجة، مُضحكة، ومُثيرة للسخرية يُصرح بها بعض
مدراء المهرجانات العربية، وهذه عينةٌ منها :
"أكد الناقد السينمائي علي أبو شادي رئيس مهرجان الإسماعيلية الدولي
للسينما التسجيلية، أن المهرجان أصبح فعلياً الأكبر، والأشهر من نوعه في
العالم بعد زيادة عدد الأفلام المشاركة به إلي 97 فيلماً من 41 دولة، وقال
في تصريحات خاصة في أعقاب ختام المهرجان بقصر ثقافة الإسماعيلية، وإعلان
نتائجه، أن استقبال إدارة المهرجان 1300 فيلم من مختلف أنحاء العالم هو
استفتاء عالمي على نجاح المهرجان ورغبة فناني، وسينمائيي العالم للمشاركة
به"( الإسماعيلية - لبني وحيد ـ الجمهورية أون لاين).
بعد هذا التصريح الناريّ، يتوّجب على إدارة المهرجان الدولي للأفلام
القصيرة في كليرمون فيران/فرنسا الانكفاء خجلاً، لأنه يستقبل حوالي 4500
فيلماً (فقط) مرشحة للمُسابقات الرسمية المختلفة، يتمّ اختيار حوالي 75
فيلماً للمُسابقة الدولية، 40 فيلماً لمُسابقة المختبر الدولية، و60 فيلماً
للمُسابقة الفرنسية، ويصل إجمالي الأفلام المعروضة في كافة الأقسام إلى
حوالي 500 فيلماً(فقط).
وفي حوارٍ مع الفنان "عزت أبو عوف" رئيس مهرجان القاهرة السينمائي
الدولي، يقول بالحرف الواحد: "جعلتُ للمهرجان قيمةً لا تقلّ عن المهرجانات
الكبرى الثلاثة" (المصري اليوم ـ إسلام حامد – أحمد الجزار ٢٢/ ١١/ ٢٠٠٩).
وبعد هذا التصريح الزاعق، أتوقع من المهرجانات الثلاث (كان، برلين،
وفينيسيا)، وغيرها من مهرجانات الدنيا الكُبرى، والصُغرى (وُفق التصنيفات
البليدة التي نقرأها في الثقافة السينمائية العربية الجاهلة تماماً لما
يحدث في المشهد السينمائي العالمي) بأن ترسل مندوبين لها إلى مهرجان
القاهرة السينمائي لإجراء دوراتٍ تدريبية، والتعلم منه (عندما يقرأ "أبو
عوف" في الدليل الرسمي لتلك المهرجانات الثلاثة جملةً تُشير بأنّ هذا
الفيلم، أو ذاك حصل على الجائزة الكبرى في مهرجان القاهرة الدولي، وقتذاك
من حقه التصريح بما يشاء).
أوهامٌ سوف تؤدي، عاجلاً، أو آجلاً، إلى طرقٍ مسدودة، عندما يتوّجه
المُتفرج العربي إلى أقرب حانوتٍ لبيع الأفلام المُقرصنة، ويجد فيها ما
يشاء من الأفلام الجديدة التي حصلت على جوائز في مهرجانات الدنيا، فيشتريها
بأسعارٍ زهيدة، ويستمتع بمُشاهدتها عروضاً أولى....في بيته.
إيلاف في
29/11/2009 |