استمتعنا بأفلام المهرجان هذه الدورة..
ومعظمها أفلام اجتماعية
وسياسية متميزة..
أفلام تثير الحزن والشجن.. وتعكس حال الشعوب في
العالم.
ومن بين الأفلام التي اعجبتني وتأثرت بها الفيلم الهندي
»مادولال«..
اخراج »جاي تانك« والفيلم المصري »عصافير النيل«
اخراج مجدي
احمد علي..
قد حصل الاثنان علي جائزة أحسن ممثل مناصفة
بين »سوبرات دونا«
و»فتحي عبدالوهاب«.
كما تأثرت ايضا واستمتعت بالفيلم الفرنسي »القنفذ«
الذي حصلت مخرجته »مني
اشاش« علي جائزة أحسن اخراج..
وايضا جائزة الابداع من
اتحاد النقاد العالمي وهو فيلم يغوص إلي أعماق النفس
البشرية ليشرح ما بها من
أمراض نفسية.»مادولال« الهندي فيلم عن الارهاب
الفيلم يتناول موضوع
الارهاب الذي يجسد الرعب والخوف في نفس الانسان لدرجة يصاب معها بالهلع
ويعتزل
العالم ليقبع في عالمه أو سجنه الذي سجن فيه برغبته.
وفيلم »مادولال«
شعاره »استمر في طريقك«
خاصة بعد ان انتشر الارهاب في كل مكان في العالم..
وأصبح البسطاء من فقراء الشعوب هم المذعورون وهذا ما يبدو في الفيلم حينما
ألقي
القبض علي »أنور«
الشاب البريء المسلم بتهمة تفجير قنبلة في القطار الذي يقل
العمال الغلابة الي أعمالهم..
ويظل وراء القضبان حتي آخر الفيلم لحين اكتشاف
الارهابي الحقيقي!
يتناول الفيلم حياة أسرة فقيرة تعيش في العشوائيات المنتشرة
في ضواحي بومباي..
فالهند كما زرتها من قبل ليس فيها سوي طبقتين..
طبقة
الأثرياء ثراء فاحشا.. وطبقة الفقراء الذين يعيشو فقرا موقعا..
وقد رأيت ذلك
بالنسبة لأطفال الشوارع الذين يموتون من الجوع والعري لتجيء
عربة البلدية في الصباح
الباكر تحملهم كالكلاب الضالة.
الأب يعمل حارس أمن في احدي المؤسسات وله
ابنتان »سودها« طالبة الجامعة..
و»سومي«
تلميذة في المرحلة الابتدائية..
أما الزوجة »كاملة« فهي تعمل خياطة في منزلها لتساعد اسرتها علي
الاستمرار..
وهو يحب عائلته..
فعلي الرغم من مصاعب الحياة يستمرون في احلامهم البسيطة
وانتزاع أي لحظة من اللحظات للسعادة والمرح مع الأصدقاء والجيران..
تجسد
الكاميرا حالة العشوائيات في الهند والغلابة الذين يعيشون بلا ماء ولا حمام
خاص..
بل أن الرجال في هذه العشوائيات يقفون صباح كل يوم وقبل النزول الي اعمالهم
في
طابور امام الحمام المشترك..
ولك ان تتخيل الحديث والعصبية بينهم فكل منهم مستعجل
لقضاء حاجته والذهاب الي عمله.
اما الذهاب الي العمل فهو مأساة اخري حيث يركب
»مادولال«
التوك توك الذي يقله الي القطار..
وفي القطار يصبح الكل كأنهم عائلة
واحدة.. فمعاناتهم واحدة وهي الحصول علي لقمة العيش..
فهم يضحكون..
ويغنون
أغاني جماعية يسخرون فيها من حياتهم..
وعائلة »مادولال« تنتمي للديانة
الهندوسية.. أما »انور« الشاب الذي يسكن أسفل المكان فهو مسلم..
ونري ان
هذا لايفرق بينهم بل انهم يحترمون عقائد بعضهم ولا مكان للتعصب.
تقع »سودوها«
طالبة الجامعة في حب »انور«..
تنتظره حتي يؤدي الصلاة وتذهب اليه
في مكان عمله في احدي الورش التي يعمل بها..
فهي انسانة متحضرة ومتعلمة أكثر
منه.
وفي عيد ميلاد البنت الصغري »سومي«
يستدين الأب من صديق له ما يساعده
علي شراء تورتة للابنة لكي يعوضها عن كل ما حرمت منه.
وبينما يغني أصدقاء القطار
اغنية جماعية تتفجر قنبلة موضوعة في حقيبة حيث يفقد الأب ذراعه لتنقلب
الأوضاع فكل
يلقي نصيبه من الارهاب الذي يهزم ارادة الحياة في نفوس الأبرياء والغلابة..
ويختفي المرح من عيني
»مادولال« بعد ان فقد ذراعه ووظيفته ويتحول الي انسان
منكسر.. وتنكب الزوجة علي ماكينة الخياطة لتساعد الأسرة..
وعندما يقدم له
الطعام يرجع ما بداخله حين يتذكر ان المرأة هي التي تصرف عليهم..
ويرتاب في كل
شيء.. ليصبح كالطفل المذعور يقوده الناس كما يريدون..
والفيلم يجسد وسائل
الإعلام والتليفزيونالتي تلعب دورا غير انساني..
فيقتحمون منزله بلا استئذان
ويجرونه من سريره لعمل حوار معه علي الهواء مباشرة دون أي احساس بمشاعر
الناس..
مما يثير الأبنة »سودوها«
التي تطردهم من بيتهم.
أما »انور« خطيب
سودوها الذي القي القبض عليه لاشتباهم في تورطه في هذا الحادث فنري اللهفة
في عيون
عائلة »مادولال«
ولكن البريء لايخرج من السجن ولم تبرئه السلطات من تهمة
الارهاب حتي تصل الي الارهابي الحقيقي..
ومع ذلك يجب ان تستمر الحياة فلا
مكان في الهند للجبناء..
فماسح الأحذية الذي كان يجلس في المحطة فقد رجله في هذا
الحادث ولايزال يبتسم ويفلسف حياته.
وحين يركب »مادولال«
القطار ويلتقي
بزملائه فهم يحاكمونه ليستمر في طريقه ويخرج من عزلته التي فرضها علي
نفسه.
استطاعت الكاميرا ان تنقل لنا حياة العشوائيات الغير صالحة لسكن
البشر..
ومع ذلك فهم راضون كما استطاعت ان تجعلنا
نعيش حياة هؤلاء البشر من
الغلابة من فقراء الشعوب الراضية بنصيبها في الحياة
ومع ذلك لاتسلم من
الأذي..
واستطاع الممثل البطل »سوبرات دونا« الذي يقوم بدور »مادولال«
ان يؤدي دوره بعفوية دون مبالغة وافتعال لدرجة تحس ان هذه الشخصية من لحم
ودم..
ولم يستطع العودة الي حالته الطبيعية الا بعد ان حاكمه أصدقاء القطار
واتهموه
بالجبن والاستسلام ليصبح مقبلا علي الحياة بحلوها ومرها..
ولذلك فهو يستحق لقب »أحسن
ممثل«.
القنفذ الفرنسي الحائز علي ثلاث جوائز
واذا كان الفقراء
راضين بحياتهم.. فإن الأثرياء ليسوا أيضا سعداء..
بل يصابون أحيانا بالاكتئاب
ولكن لأسباب تختلف عن الفقراء الذين يعيشون حياة تعسة.
وفيلم »القنفذ«
الذي حصلت مخرجته »مني اشاش« علي ثلاث جوائز..
منها جائزة احسن اخراج وجائزة
الابداع ورابطة النقاد العالمية فهو فيلم
غير تقليدي.. من الأفلام السيكلوجية
التي تغوص الي أعماق النفس البشرية وكأنها طبيب نفسي يحاول ان يشخص المرض
وان
يشفيه.
واسم الفيلم »القنفذ« يبدو من عنوانه..
فهو يشير الي طبيعة
الأشواك التي يضعها الإنسان حول نفسه لحمايته من الأذي..
وهو مابدا واضحا بالنسبة
لشخصيات الفيلم طبعا مع اختلاف طبيعة الأشواك.
الفيلم بطلته طفلة عمرها ١١
عاما اسمها »بالوما« تقرر الانتحار حينما يبلغ
عمرها
٢١
عاما فبالرغم من
عائلتها الثرية فهي تعيش حياة مغلقة..
تحس انها مسجونة كالسمكة الذهبية في الحوض
المغلق لاتخرج ابدا الا عندما يقوم بذلك العامل المختص بتنظيف الحوض.
ان »بالوما«
تفكر في الموت كنوع من الخلاص من هذا العالم والحصول علي الحرية عكس
هؤلاء الكبار الذين يخافون الموت.
ولكنها قبل ان تنفذ فكرتهاالرهيبة هذه تقوم
بتصوير الحياة في منزلها..
في فيلم تتركه للعالم ليتعرف عليها البشر الذين
كانت
تعيش معهم في باريس وفي هذه العمارة الضخمة التي لايسكنها الا الأثرياء.
فأمها
اصيبت بالاكتئاب منذ عشر سنوات حينما مات ابيها..
ومنذ ذلك الوقت وهي تتعاطي دواء
الاكتئاب وتعالج عند الطبيب النفسي..
أما الأب فهو رجل أعمال ناجح لكنه مشغول
دائما عن بيته بأعماله وتليفوناته..
لكن ليس له أي دور في حياة أسرته.
أما
اختها فقد تركت البيت لتلتحق بالجامعة وتنفصل عنهم.
ولا تفارق الكاميرا »بالوما«
التي فضلت الصمت حتي عندما يزورهم الجيران..
فهي تختفي وراء الصمت من
أجل المعرفة.
والفيلم يركز علي بوابة العمارة »رينيه«
التي تسكن في مدخل
العمارة..
فهي امرأة فقيرة جادة تعيش مع قطتها وتحترم
نفسها..
لا يحبها سكان
العمارة لكنهم يحترمونها.
تتعرف عليها
»بالوما« وتجدها مختلفة تماما عمن
تعرفهم وتنجذب اليها وتصادقها وتستطيع ان تحصل علي تفاصيل حياتها كما
تصورها
بالكاميرا التي تحملها دائما معها..
وتكتشف انها انسانة مثقفة اكثر من الذين
تعرفهم.
تتغير »رينيه« بوصول السيد »اوزو« الياباني الساكن الجديد
الثري الذي يكتشف في هذه المرأة مالم يره من السكان من وراء عملها البسيط.
وعندما
تقول له عبارة من قصة ليوتولستوي الكاتب الروسي: »ان العائلات الثرية متشابهة..
فيضيف اليها الرجل باقي الجملة.. »ولكن حياة التعساء منفردة«.
وبالرغم من
عملها البسيط الا انها اكثر ثقافة من كل سكان العمارة الأثرياء وأكثر
معرفة..
نهمه للقراءة ولها مكتبة كبيرة في سكنها المتواضع..
ويبدأ انجذاب كل منها
للآخر رغم الفوارق الاجتماعية والمادية.
ونعرف ان كلا من هذه الشخصيات تختفي وراء
شيء كالقنفذ وراء أشواكه.. الأم وراء الاكتئاب والأب وراء عمله و»بالوما«
وراء
الكاميرا لكن احدا لايعرف بنيتها الخطيرة..
اما السيد »اوزو« فهو ايضا مختئبا
في باريس من ذكرياته..
وزوجته التي ماتت متأثرة بالسرطان..
وابنته التي تزوجت
وهجرته.
يحاول »اوزو« ان يخرج »رينيه« من عزلتها فيدعوها علي العشاء
ليلة عيد ميلاده في أحد المطاعم الفخمة بعد ان يهدي اليها فستانا لكن
المرأة تندهش
حينما تقول لها والده »بالوما« مساء الخير يامدام..
فتقول لاوزو انها لم
تتعرف علي فيرد ببساطة وهو يفتح لها باب العربة
»لانها لم تكن قد رأته من قبل«.
هذا ما استنتجته »بالوما«
ان الناس تهتم بالمظهر ولا تري حقيقة البشر.
ان
المخرجة الشابة »مني
اشاش« وهي كاتبة السيناريو والتي حصلت بفيلمها هذا علي
ثلاث جوائز منها جائزة احسن اخراج فان السيناريو لايحمل الكثير
من الحوار فهو يصدر
الإنسان من الداخل.
وبالوما بارعة في الرسم فهي ترسم حجرة مكتبة رينيه كما
ترسم طبيعة سلوكها..
واستطاعت المخرجة ان تحرك..
الرسومات الي حركة ببراعة عكست
مشاعرنا. لكننا لم نتوقع هذه النهاية وذلك حينما تحاول رينيه انقاذ احد
الشبان في
الشارع من اصطدامه بعربة قادمة بسرعة فلقيت مصرعها بعد ليلة جميلة قضتها مع
»اوزو«
علي العشاء ونجا الرجل لكنها استطاعت ان تغير تفكير الفتاة الصغيرة التي
عدلت عن الانتحار وان تكسب معرفة الحياة من
»رينيه« هذه البوابة المثقفة التي
لعبت دورها »جوزيان بالسكو«..
الفيلم ليس تقليديا ولكن فيلم مميز علي
المستوي الإنساني والابداع الفني..
وهو أول عمل روائي تقدمه المخرجة الشابة »مني اشاش«
التي استطاعت ان تحصد جوائز المهرجان.
أخبار النجوم المصرية في
26/11/2009 |