الكتب التي أصدرها صندوق التنمية الثقافية بمصر بمناسبة انعقاد دورات
المهرجان القومي للسينما المصرية في كل عام، كتب كثيرة، ويمكن أن يتضح ذلك
إذا تمّ نشر قائمة بهذه الكتب وسنوات إصدارها، وجميعها كتب للتكريم، ونقصد
بذلك تكريم الشخصيات، فهي إذن كتب يغلب عليها طابع المناسبات المؤقتة، التي
تعطي فكرة عامة عن الشخصيات المكرّمة، عن طريق إجراء حوار طويل معها مثلا،
أو تجميع مقالات منشورة، بالإضافة إلى نشر قائمة تضم كل الأفلام التي عملت
كل شخصية فيها، بصرف النظر عن كون الشخصية ممثلا أو مخرجا أو مصورا أو
ناقدا ودارسا في الحقل السينمائي.
* كتاب وتكريم
هناك بعض الكتب من الإصدارات المذكورة تتجاوز مستوى التكريم الشكلي، بمعنى
الحاجة الى وجود كتاب يصاحب التكريم فى افتتاح المهرجان، تتجاوز ذلك لتصبح
كتبا مستقلة، يمكن إخراجها من جانبها الاحتفالي وإدراجها في نطاق الكتب
النقدية التي تتعامل مع الشخصيات الفنية بشكل عام وخاص في نفس الوقت.
الكتاب الصادر ضمن مطبوعات المهرجان القومي الخامس عشر للسينما المصرية
2009 والذي جاء بعنوان "سمير سيف.. سحر الاحتراف" هو من هذه النوعية، إنه
كتاب احتفالي صدر بمناسبة تكريم المخرج في المهرجان، وفي نفس الوقت يمكن
اعتباره كتابا نقديا مستقلا، وما أقل الكتب التي تنتمي إلى هذه النوعية!
مؤلف الكتاب هو الناقد المعروف كمال رمزي والذي سبق له أن اصدر عديد الكتب
السينمائية النقدية، ومنها ما يختص بدارسة الشخصيات الفنية، مثل الكتاب
الذي صدر من نفس السلسلة عن الفنان محمود مرسي، وقبل ذلك كتابه عن المخرج
سعد نديم وغير ذلك من الكتاب.
مثل هذه النوعية من الكتب تتطلب فى الغالب الجمع بين السيرة الذاتية
والأعمال الفنية، ونحاول أن نجيب عن بعض الأسئلة المتعلقة بالشخصية
المختارة، بالإضافة إلى الطابع الإعلامي الخاص بالتعريف بالشخصية وتقريبها
إلى القارئ، ولا يمنع من أن تتجاوز بعض الكتب ذلك، فتحاول الربط بين
الأفلام لتجعلها قدر الإمكان تدور في دوائر متداخلة أو تعمل على الكشف عن
الخلفية الاجتماعية والنفسية في إطار صناعة السينما نفسها ومتطلباتها
التجارية والإبداعية.
* بداية أولى
في هذا الكتاب تكون البداية مع مولد المخرج سمير سيف وفي فصل بعنوان
الصعيد، حيث يمكن تفسير اهتمام المخرج بأفلام الحركة، كأن تكون مدينة
"أنبوب" التي ولد بها تضج بالمجرمين والعصابات، وبشكل عامّ يفسّر الكاتب
كمال رمزي اهتمام سمير سيف بالسينما، فيقول: "عرف مخرج أفلام الحركة
المستقبلي أن المعارك من الممكن أن تندلع برا ونيلا، ذلك أنه سمع الكثير من
قصص مطاردات المراكب لبعضها البعض، بالقرب من الجزر التي تظهر في النيل،
بالإضافة إلى حكايات العصابات الهاربة في الجبل، والتي ما أن يتمّ القضاء
عليها حتى تظهر عصابات جديدة. فى الصعيد كانت الفرصة لتعليم الرياضة ذات
الطابع الذكوري: ركوب الخيل، إطلاق النار، تسلق النخيل، التحطيب.
أما بالنسبة إلى عالم السينما فثمة داران للعرض في أسيوط، إحداها كان اسمها
سينما مصر الصيفي، ويطلق عليها سينما مقار والآن صار اسمها سينما رينيسانس،
والثانية اسمها سينما أسيوط الصيف ويطلق عليها سينما خشبة... في أسيوط تمت
مشاهدة عشرات الأفلام المبهرة، معظمها من نوعية الكاوبوي، حيث الحركة
السريعة ومطاردات الخيول ومعارك البارات، ببطولة رور كالهون، راندلسون
سكوت، جاري كوبر، بالإضافة لأفلام المخرجين، بيقظتهم وقلوبهم التي جبلت من
حديد ببطولة جيمس كاجني، ميكي روني، عمفرت بوجارت. أيام أنبوب كانت ولازالت
أياما جميلة"."ص04"
* مشاهدة وقراءة
في القاهرة ازداد اهتمام سمير سيف بالسينما، وخصوصا الأفلام المصرية
المعروضة في سينما شبرا وكذلك سينما الجندول الصيفي.
وكما يقول المؤلف في الفصل الثاني "القاهرة" فإن الاهتمام بالثقافة قد
تنامى عند سمير سيف من خلال الكتب التي جمعت بين التحليل والتذوّق، مثل كيف
تصنع فيلما سينمائيا ورجال السينما وفن الفيلم وغير ذلك من الكتب.
يذكر المؤلف أيضا بأن سمير سيف كان متفوقا،وشاركته هذا التفوق بعض الأسماء
اللامعة بعد ذلك، منهم أسامة الغزالي وممدوح حمزة وعثمان محمد عثمان
وغيرها، يوضّح الكاتب بأن سمير سيف له اهتمام بما يعرض من أفلام في المراكز
الثقافية، كما أن بعض الأسماء قد لعبت دورا في حياته ومنهم المخرجان حلمي
حليم و شادي عبد السلام، ثم الأهم المخرج حسن الإمام الذي عمل معه مساعدا
في عدد من الأفلام وبالطبع هناك دور مهمّ للممثلة سعاد حسني التي دفعت به
نحو استلام فيلم من بطولتها وهو "المتوحشة.""
* لقاء مع ممثل
يشير الكاتب الى نقاط مفصلية محددة، كان لها التأثير الواضح، ومن ذلك لقاء
سمير سيف مع نور الشريف وظهور أول فيلم روائي للمخرج وكان بعنوان "دائرة
الانتقام 1976" رغم أن المخرج نفسه قد سبق أن اخرج فيلما قصيرا ناجحا وهو
"مشوار" .
لقد حاول الكاتب بنجاح أن يربط بين المقدمات والنتائج، فالتأثر بأفلام
الحركة جعل من سمير سيف مخرجا لأفلام الحركة، لكن لابد من القول بأن نجاح
فيلم مثل دائرة الانتقام قد دفع بالمخرج نحو مزيد العمل في مثل هذه
النوعية، ولاسيما وأنها تحقق النجاح التجاري المطلوب الذي يسعى إليه كل
منتج.
وسوف نجد أن الجمع بين الكوميديا والحركة هى السبيل الأوفق لتحقيق النجاح
التجاري في مرحلة سكون تام لأفلام الغناء والميلودراما.
من جانب آخر يعمل الكاتب أيضا على ربط الفصول ببعضها فالفيلم السابق يؤدي
الى الفيلم اللاحق، وفوق ذلك يبدو المخرج مجرد أداة لتقديم فيلم معين،
ولذلك نجد سمير سيف قد أخرج فيلم "قطة على نار" عن مسرحية يتسني وليامز،
رغم أنه من نوعية أخرى تتماشى مع اختيارات المخرج، وهو أمر ينطبق أيضا على
فيلم "إبليس في المدينة"المقتبس عن رواية "الأب الخالد" لبلزاك، ثم فيلم
المتوحشة الذي قامت ببطولته سعاد حسني عن مسرحية بنفس الاسم للكاتب جان
أنوي.
من الواضح أن المخرج لم يكن ناضجا بما فيه الكفاية في هذه الأفلام ويسوق
المؤلف كمال رمزي بعض الآراء التي تنتقد المخرج بشدة وآراء أخرى تقف معه
بدرجة معينة، والخلاصة أن سمير سيف يجد نفسه مجبرا على العودة إلى أفلام
الحركة، لأنه لم يوفق في إخراج الأنواع الأخرى وهذا أمر طبيعي، إذ ليس في
إمكان المخرج أن يتعامل مع كل الأنواع بنجاح وإن كان الأمر يبقى محتملا.
* فيلم جديد
في فيلم "المشبوه"، وهو يشكل بداية التعامل مع الممثل عادل إمام، نجد تفوق
للمخرج يراه الكاتب واضحا، فيقول: "في المشبوه إذا أرجأنا مسألة الأفكار
التي يطرحها مؤقتا، سنجد أننا بإزاء عمل على قدر كبير من التمكن الحرفي،
فإيقاع الفيلم سريع، متدفق، وسلس.. وزوايا التصوير القريبة من الوجوه
البشرية تحقق نجاحا في إبراز أدق الانفعالات في اللقطات العامة، تختار
الأماكن الخلفية بمهارة ملحوظة، فالمخرج يتحرر في معظم فيلمه من أسر
الأستوديو لينطلق إلى العديد من الشوارع وتبدو الديكورات والإكسسوارات على
درجة من الصدق والواقعية والإيحاء" ،وقياسا على فكرة ربط الأفلام ببعضها
نجد أن "المشبوه" قد قاد الممثل عادل إمام نحو مناطق جديدة سوف يسير عليها
لاحقا، ولاسيما أن التعاون الثنائي سوف يتوسع بوجود سيناريست مثل وحيد حامد
وقبل ذلك إبراهيم الموجي.
فى فصل بعنوان "غريب في بيتي وأفلام أخرى" يتحدّث الكاتب عن مجموعة من
الأفلام منها فيلم "غريب فى بيتي"، المقتبس عن الفيلم الأمريكي "فتاة
الوداع" وهو فيلم كوميدي وناجح، ولا يفسر لنا الكاتب سر نجاح هذا الفيلم
رغم أنه من نوع مختلف عن أفلام الحركة، كما يمر أيضا على أفلام أخرى سريعا
مثل "احترس من الخط" و"الشيطانة التي احبتني" و"آخر الرجال المحترمين"
و"الراقصة والسياسي"، ويمكن أن تكون هذه أفلام متواضعة في مستواها، ولكن
فيلم" المولد" ربما يستحق تركيزا أكثر بل فصلا خاصا، حيث تحوّل عادل إمام
إلى بطل شعبي، وربما وصل فيه المخرج إلى مستوى لم يحققه من قبل.
ويهتم الكاتب بالممثل، فهو يشير إلى الأهمية التي يوليها المخرج للممثل
الثانوي والرئيسي، ونحن نعلم أن أهمّ أفلام سمير سيف قد قام ببطولتها نور
الشريف "10 أفلام" وعادل إمام"08 أفلام".
* فيلم متميز
لا شك أن فيلم "الغول" من أهم الأفلام التي أخرجها سمير سيف، فهو فيلم
اجتماعي وسياسي، ورغم الملاحظات السلبية التي يسوقها المؤلف مثل الاعتماد
الحل الفردي في تشابه مع الأفلام الأمريكية، وكذلك استخدام المعارك لشد
انتباه المتفرج، إلا أن الخلاصة العامة ايجابية، وهذه النتيجة تتحقق أيضا
أفلام أخرى مثل "الهلفوت" و"المطارد" في محاولة لتفسير العنف والنزعة
الإجرامية.
تتعدد أفلام المخرج ويخصّص المؤلف فصلا لكل فيلم يتناوله بالنقد، مثل "شمس
الزناتي" و"لهيب الانتقام " و"الزمن والكلاب" و" عش الغراب"،و هي كلها أقرب
الى أفلام الحركة المعتاد تقديمها من المخرج، مع القليل من الطموح
والتجديد.
غير أن سمير سيف يتجه مرة أخرى نحو عالم مختلف عندما يقدّم فيلم "سوق
المتعة" للسيناريست وحيد حامد ويصفه الكاتب في خلاصة قائلا: "سوق المتعة
فيلم جيد، مهمّ و طموح، وإن كان لا يعرف كيف يبدأ و متى ينتهي؟"
* معالي الوزير
لم يسر المخرج وراء اختياراته السابقة ونقصد بذلك أفلام الحركة، ولكنه
اختار أفلاما لها طبيعة مختلفة، ولعل أهمها" معالي الوزير" الذي قام
ببطولته أحمد زكي في أوّل تجربة معه، والفيلم الثاني كان بعنوان "ذيل
السمكة"، وهو فيلم يعتمد على الشرائح الاجتماعية المتعددة والقصة المتداخلة
بشخصياتها المختلفة.
لقد قدّم الناقد كمال رمزي كتابا ممتعا في صياغته وأسلوبه وقارب بعض
التفسيرات، ولم نفتقد إلا تلك اللوحة البانورامية التي تضع المخرج في مكانة
الملاكم من أبناء جيله ومن نوعية السينما التي أنتجت خلال تقديمه لأهمّ
أعماله.
فى آخر الكتاب هناك فهرس لأفلام ومسلسلات المخرج سمير سيف، وهناك أيضا عدد
لا بأس به من الصور التي تخصّ المخرج شخصيا أو هي مختارات من أفلامه، ولست
أدري ما الذي يمنع أن يكون الكتاب مصحوبا بـ"سي دي" يحتوي على هذه الصور،
وعموما يبقى الكتاب مدخلا لقراءة أفلام المخرج سمير سيف بتوسع أكثر، خارج
نطاق "التكويمات" ومتطلباتها السريعة.
العرب أنلاين في
25/11/2009 |