السينما التسجيلية، من حيث المبدأ، هي وثيقة عن الحياة والواقع تتجسد
مادتها عن طريق العكس، أو التصوير المباشر لهما. واحد من التعريفات الخاصة
بالسينما التسجيلية التي تلتصق التصاقاً مباشراً بالحياة المادية وبالواقع،
أنها إعادة تنظيم وتركيب ومن ثم تحليل للواقع اعتماداً على وقائع حياتية
وعلى شخصيات حقيقية. هذا من حيث المبدأ، يلاحظ المخرج أمامه مجموعة من
الأحداث والبشر المتفاعلين في ما بينهم ويجب عليه أن يختار من بين كل تلك
المواد الموجودة أمامه ما يسمح له بأن يعبر عن الفكرة التي يريد، وبعد ذلك
عليه أن يختار أسلوب العمل. إن اختيار المواد والموضوع ومن ثم اختيار أسلوب
العمل هما العاملان اللذان يحددان خاصية كل مخرج ويفسران وجهة نظره.
الإجابة عن السؤال المتعلق بما هي طبيعة السينما التسجيلية وما هي وظيفتها
تصطدم بواقع وجود اتجاهين رئيسيين في فهم السينما التسجيلية حكما تطورها
منذ بداياتها وحتى الآن، وأنعكس تأثيرهما بشكل كبير حتى على تطور السينما
الروائية. وسنحاول هنا التطرق لهما بشكل موجز. يرى الاتجاه الأول أن
السينما التسجيلية مرآة تعكس الواقع كما هو من دون تدخل من المخرج أو
الممثل. عبر هذا الفهم أوضح تعبير منظرون كبار مثل الألماني زيغفريد
كراكاور والفرنسي أندريه بازان، انطلاقاً من تحليل تجربة السينما التسجيلية
في بداية القرن العشرين عبر مجموعة أفلام المخرج التسجيلي الأمريكي روبرت
فلاهرتي مثل فيلم “نانوك من الشمال” و”رجل من آران”)، والتي اعتبر المنظران
أن تميزها يقوم على تصوير الواقع المباشر كما هو من خلال أسلوب الملاحظة
الطويلة، وليس المونتاج. لكن هذا المفهوم الذي يعطي للواقع الأولوية، كان
يتجاهل حقيقة أن غياب شخصية المؤلف، وغياب وجهة نظر المخرج الخاصة تفقد
الفيلم قيمته الفنية، لأنه من غير الممكن النظر إلى الواقع نظرة مجردة عن
كل ما يحيط به، نظرة تستوعب العلاقات الموضوعية المتبادلة فيه. عندما يجد
المخرج / المؤلف أمامه واقعاً معيناً يريد التعبير عنه فإنه يحدد الموضوع
ويختار الحقائق والوقائع المتعلقة به، وهذا الاختيار لا يمكن أن يكون
سلبياً معزولاً عن ثقافة ووعي وحساسية الفنان.
ينظر الاتجاه الثاني إلى الواقع لا كهدف بل كطريق للوصول إلى الهدف وهو
التعبير الفني عن الواقع من قبل الفنان ولكن من خلال مادة الواقع نفسه التي
تستخدم كوسيلة وليس كغاية بحد ذاتها. وهذا الاتجاه هو ما عبرت عنه تجربة
السينما التسجيلية التي كانت تعتمد بشكل أساس على إعادة تنظيم الواقع، بهدف
بناء الموضوع وتوضيح الفكرة، بواسطة المونتاج، حيث يتراجع الواقع المباشر
إلى المرتبة الثانية ويحتل المونتاج ووجهة نظر المخرج المرتبة الأولى.
كانت السينما التسجيلية في زمن السينما الصامتة، تختلف كثيراً عنها في عهد
السينما الناطقة، ولم يلعب الإنسان آنذاك في السينما التسجيلية أي دور مهم،
وإذا ما صدف وظهر إنسان داخل اللقطة فان وجوده سيكون ثانوياً.
فقط، عندما ظهر الصوت ازدادت إمكانات الأفلام التسجيلية وبدأ الإنسان يحتل
مكانه على الشاشة وهذا ما أدى إلى إغناء السينما التسجيلية بمواضيع جديدة.
ومنذ احتلال الإنسان موقعه الرئيس داخل الفيلم بدأ مفهوم السينما التسجيلية
يتطور ويقترب أكثر من الفيلم الروائي. في ذلك الزمن كتب المخرج التسجيلي
الهولندي يوريس ايفنس يقول: “أنا واثق من انه قد حان الوقت لتثبيت أهمية
الأفلام التسجيلية من خلال إخضاع كل شيء فيها من أجل كشف عالم الإنسان”.
يلجأ بعض مخرجي الأفلام التسجيلية إلى استخدام الممثل في السينما التسجيلية
من خلال مجموعة اشتراطات، كأن يكون “غير محترف” وينتمي إلى البيئة نفسها
التي يتم تصويرها، حيث إنه في هذه الحالة سيعبر بإقناع أكثر عن حقيقة
الشخصية التي يقدمها لأنه يمارس هذا الدور في الحياة، أو أن يعيد شخص ما
تمثيل واقعة حصلت معه في الحياة وأعاد المخرج إخراجها طبقا لمواصفات
حدوثها، بحيث يكون الإخراج الجديد بمثابة إعادة تشكيل لواقعة حصلت معه
فيكون الفيلم في هذه الحالة بمثابة “وثيقة معاد تمثيلها”، وهذه الاشتراطات
نشأت عن جهود فكرية وعملية استمرت ردحا طويلا من الزمن وكانت تهدف إلى
تأكيد مصداقية الفيلم التسجيلي، كما مصداقية الإنسان موضوع الفيلم وعنصره
الأهم، أي بطله أو شخصيته الرئيسية.
على كل حال، هذا التطور وضع أسس اللبنة الأولى في التقارب بين السينما
التسجيلية والروائية، وهو الاتجاه الذي بات سائداً في السينما العالمية
المعاصرة.
الخليج الإماراتية في
21/11/2009
السيجارة لا تزال بطلة
من أجل سينما متصالحة مع البيئة
القاهرة ـ
دار الإعلام العربية
«أصبحت قضية البيئة حديث العالم أجمع، ومن القضايا المؤثرة في حياتنا بشكل
مباشر على المجتمع بجميع طبقاته، لذلك فإن تناول السينما العربية لهذه
القضية بات ضرورة ملحة لإيجاد حلول لقضايا البيئة، التي تشكل خطرا يهدد
الحياة بأكملها»..
هذه التحذيرات جاءت على لسان فنان الكاريكاتير المصري العالمي مصطفى حسين
في سياق تقديمه لندوة تناولت الوضع البيئي الخطير وكيفية إسهام السينما في
التوعية بهذا الوضع، ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته
الـ33... حسين أكد أن التلوث يهدد الحياة، وبسببه تزايدت أمراض عدة مثل
السرطان وأمراض الجهاز التنفسي وغيرها، وأصبح أيضاً هناك الجديد كمشكلات
تلوث المياه، والهواء، والصرف الصحي، والمخلفات الزراعية، مما أسفر عن كل
ذلك التحذير الدائم من قبل العلماء بأن الأرض مهددة بالفناء. وطالب فنان
الكاريكاتير بتشجيع المنتجين السينمائيين على تسليط الضوء على قضايا البيئة
في أفلامهم، مع إيجاد قناة تصل بين العاملين في مجال حماية البيئة وبين
السينمائيين، وصولاً إلى خلق سينما هادفة لخدمة قضايا البيئة وحمايتها،
ونشر الوعي البيئي وحفز الجماهير على التعامل مع البيئة بشكل إيجابي.
مسألة التمويل... يلتقط المخرج محمد عماد طرف الحوار متحدثاً عن علاقة
البيئة بالسينما؛ قائلاً: «إن السينما تخلفت عن طرح قضايا التعليم والوعي
البيئي لنقص التمويل، والدولة تتعامل مع الأفلام التسجيلية المنوطة بهذا
الدور بشكل دعائي فقط» مؤكدا أن مسألة التمويل يمكن التغلب عليها من خلال
منظمات المجتمع المدني والأحزاب. ومن جانبه قال الناقد السينمائي د. ناجي
فوزي: «إن النيل تحول إلى مصرف كبير، وللأسف الإنسان هو المدمر الرئيسي
للبيئة، بداية من السيجارة، مروراً بأشياء كثيرة تخرب البيئة». كما أوضحت
المخرجة هالة جلال أن معظم الأفلام الموجودة تتصدى لمشاكل الناس أكثر من
اهتمامها بالبيئة، والمخرج يكون مكلفا بها من الشركة المنتجة التي دائما ما
تنظر إلى متطلبات السوق، ولذلك التلفزيون هو الوحيد الذي يمكنه أن يلعب هذا
الدور أكثر من السينما.
وقال المخرج هاشم النحاس إن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما موقف السينما
أساساً من البيئة؟.. مشيرا إلى أن معظم الأفلام التي قدمت نجد فيها
السيجارة عاملاً أساسيا، بل إنها تكون السبب في التقارب بين الأشخاص، بمعنى
أن السيجارة ربما تكون وسيلة للتعارف بين الأبطال في الفيلم، وأكد أنه
للأسف حتى الآن لم تنجح محاولات التوقف عن هذه العادة في الأعمال الفنية
سواء كانت تلفزيونية أم سينمائية.
تدريب الكوادر
إلى هنا قال خبير البيئة د. علي أبو سديرة: «على الرغم من أن مصطلح البيئة
هو أحد المصطلحات شائعة الاستخدام بين الأوساط العلمية، وبين عامة الناس،
إلا أن مفهوم هذا المصطلح يعكس مدى العلاقة الوثيقة بين الإنسان والبيئة في
حياته، وأنشطته، ومستويات معيشته؛ لذا ينبغي على الإنسان أن يكون عاملاً
إيجابياً يؤثر في البيئة حتى يحافظ على ذاته، ومحيطه».
أضاف أبو سديرة: «ولأهمية الموضوع عملت الكثير من الدول على تدريب الكوادر
اللازمة التي تقوم على نشر وتنمية الوعي البيئي».. وأشار إلى أن نتائج
الدراسات والأبحاث يجب أن تترجم إلى سياسات واضحة، وألا تقتصر المسؤولية
على الدول فقط، بل القطاع الخاص أيضاً، وقيادات المجتمع المدني وأفراد
المجتمع بوجه عام.
وتابع أبو سديرة: «إن تحقيق الوعي البيئي ليس بالأمر السهل، ولكنه ليس
مستحيلاً، حيث يمكن تحقيق الوعي عند الإنسان إذا تمت مراعاة نقاط حيوية
ومهمة عدة، ومنها أولاً: التركيز على تنمية الجانب الإيماني عند الإنسان،
ثانيا: غرس الشعور بالانتماء الصادق للبيئة في النفوس، ثالثا: العناية
بتوفير المعلومات البيئية الصحيحة والعمل على نشرها وإيصالها بمختلف الطرق
والوسائل التربوية والتعليمية والإعلامية».
البيان الإماراتية في
21/11/2009 |