مسلٍّ وفظيع السذاجة، ورعبه قليل، ومع ذلك يكسب الأموال بسبب إخبارنا أن
العالم سينتهي مع نهاية التقويم القديم في 21 ديسمبر من التاريخ الذي يحمل
عنوان الشريط.
ولعله الأغرب فيما سنقوله، ان الأجزاء السيئة في الفيلم، هي الأكثر متعة،
لأن من غير الجائز أن تقدم «كولومبيا» سينما بدون ترفيه، لأن منتجيها
الكبار يهوون اندلاع الضحك والريبة والخوف في صالات عرضهم، بغض النظر عن
المحتوى الذي يملأ دقائق شريطهم الحالي البالغة 158 والمكدسة فيها الأحداث
لتعطينا انطباعا أننا أمام عمل ملحمي، تبدو فيه الكثير من اللقطات من
الطول، بحيث تزودنا بعذر الهروب من الصالة، إلا أن ما يجري سيعطيك
الإمكانية لأن تبقى صاحيا، فالأصوات الكثيفة لا تمنحك سحر الإغفاء.
فكرة بالية
نستعد لاستقبال ديسمبر 2012 وهو التاريخ المقرر لدمار الكوكب حسب تقويم
أسطورة الـ
Mayan، كما لو أن أي سيناريو يريد إقناعنا بنهاية العالم، لابد أن يستند
إلى «تقويم» وأسطورة ما، ليكبـّل شكوكنا ولا يفسح لها المجال لنناضل من أجل
البحث عن دليل علمي موثوق، لاسيما والجمهور خاضع للتأجج الديني الذي يخيفه
باقتراب نهاية العالم كلما يستيقظ، ويا لها من دراما لو نختار عائلة طيبة
تشرع التسوق لاستقبال عيد الميلاد ورأس السنة، وندسّ «رجل الساعة» الذي
يستبدل أماني العيد البسيطة للإقدام من أجل إنقاذ الكوكب.
تقليد وتكرار
إن «2012» فيلم كوارث تقليدي بامتياز، ممثلوه يقومون بأدوار بطولية للحفاظ
على الجنس البشري وهناك قائمة طويلة من الأسماء التي تذرع الشاشة طولا
وعرضا دون أن نعرف (وربما هي لا تعرف أيضا) ما المطلوب منها. لا ترقب ولا
أحد يريد أن يموت ولا حتى يعيش، مجرد حماس لأي شيء لا نعلم!
ستطالعنا الشخصية المهمة الأولى الدكتور أدريان هيلمسلي (تشاويتل ايجيفور)
المستشار العلمي للرئيس الأميركي داني غلوفير الذي أوكلوا إليه حمل الأخبار
السيئة التي اكتشفها خلال سفرته الأخيرة إلى الهند وهي أن العالم مسافر على
الخط السريع للزوال، بعد أن تنبأ بشيء مماثل عام 2009 ليصل بعد ثلاث سنوات
إلى ثماره.
أما رئيسه المباشر كارل أنهيوزر (أوليفير بلات) فيحيل المعادلة إلى العواطف
محاولا تقسيم الضحايا.
في هذه الأثناء (الأسبوعين الأخيرين من عام 2012) يكون كاتب قصصي جاكسن
كيرتس (جون كوساك) يتمتع بإجازة مع أطفاله في يوسمايت عندما تصل إليه أنباء
حدوث زلزال هائل في المدينة، ويمكن إضافة التعليق الإذاعي لتشارلي فروست
(وودي هارلسون) الذي يخبر المشاهدين بموضوع الفيلم الرئيسي: أن العالم على
وشك النهاية، مدعيا أن لديه خرائط السفن الفضائية التي صممتها الحكومة
لـ«إنقاذ الإنسانية».
سيصل جاكسون وأطفاله (المراهق وليام جيمس والبنت الصغيرة ميركيري مورغان)
إلى البيت المشترك مع زوجته السابقة كايت (آماندا بييت)، الثنائي الذي
استطاع المخرج إميريتش الإمساك به من بين فريق الممثلين ليمنح أحقية شريطه
امتلاك حبكة إنسانية لا تحتاج هنا إلى موهبة كبيرة لإنجازها.
الإنتاج والإخراج
في هذا الطراز من الأفلام، ينصهر الإخراج بالإنتاج لتتكلم الميزانية الكبرى
وليس فن السينما، فهل استند المخرج وكاتب السيناريو رولاند إميريتش
والمشارك في كتابة المخطوطة هارالد كلوسير لعلم الفلك، الفيزياء، ما تيسر
من قوانين الطبيعيات، أم أن الأمر لا يتعدى الاتكاء على كوارث إروين ألين
حينما يصرخ أحدهم في فيلم بحلول زلزال، إعصار، غزو فضائي غريب، كائنات
شاذة، روبوتات خارجة عن السيطرة (سلسلة «المتحولون» وما يشبهها)، وبتأمين
كاف من الإنتاج (المؤثرات الخاصة تولاها فولكير اينغل ومارك جوردن، فيما
صمم الإنتاج باري شيسد) لصناعة النيران والسحب الغريبة والبراكين وأمطار
الرماد والطائرات المحطمة لينقلب عقل المشاهد لتتبع مصيره الشخصي، وإقحامه
قسرا في الأعمال البطولية التي سيقوم بها في حالتنا الأبطال الرئيسيين جون
كوساك وآماندا بييت!
ان منتجي «كولومبيا» اعتمدوا على شهرة فيلم رولاند إميريتش «10 آلاف قبل
الميلاد» وأحداثه ودمائه وحطامه التي تكفل بها الكمبيوتر. ومع ذلك،
فالمسافة ينبغي أن تكون حذرة بين شريطين متتاليين للكوارث، لأنك لا تستطيع
أن تومض مرارا وتكرارا، وعلى إميريتش أن يشعر بخيبة أمل لأنه استعان
بالرعشة نفسها وهاجم بالتأثيرات الخاصة ذاتها، لذلك لم تنمُ كارثته الأخيرة
بأناقة واعتمد على الكليشهات السارية: عائلة مفككة ومجروحة تبحث عن تضميد
نفسها في اللحظة التي ينهار فيها العالم، فيما اقتصر دور إيميريتش الرئيسي
على تقريب المشاهد من الكارثة بين الحين والآخر مدركا أنه لا وقت للدموع في
هذه الأفلام. بينما في الحقيقة، ان مشكلة زوجين منفصلين غير مفيدة كصورة
لـ«يوم الحساب» الخاص بمليارات من البشر، كما الاستناد المذلّ لأسطورة
المايان وتنبؤاتها.
السينما وجمهورها
ثمة نوع من المشاهدين، لا يذهب إلى الصالة لكي يكون البطل ولا يهتم
بالأشخاص، بل يركز على القصة ومحورها، وهذا الطراز الأفضل من الجمهور، لكن
ما هو بفاعل لو يواجه بمستوى من المؤثرات تفوق توقعاته؟
ومن المؤسف إضافة نوع من المشاهدين، يستمتعون برؤية أكبر قدر ممكن من
الخراب، وهؤلاء لديهم قدرة مدهشة للتوقع في أفلام الكوارث التي تضع البشرية
دائما في ميزانها. وفي النتيجة سيمر الوقت وتتحطم أمامنا المدن العزيزة،
بدون فكرة واحدة، رمزية كانت أو واقعية.
المشكلة الأخرى في سينما الكوارث، أن أفلامها طويلة جدا وكذلك مكررة
ومختلطة أحداثها بعضها مع بعض بلا سيطرة، واللامعقول فيها معتمد على
البصريات والمؤثرات الخاصة وألعاب الكمبيوتر حيث يجتاز المرء الكرات
النارية ويطير أسرع من الصواريخ ويتدفق أشد من البراكين، انها بكل ما تعنيه
الكلمة: حماقة أكثر من اللازم.
minjamalhs@yahoo.com
http://cinemaworldreviews.blogspot.com
القبس الكويتية في
18/11/2009
السيارة لا تعمل بالمفتاح بل بـالكلام
نهاية الكون في فيلم "2012" .. وكالعادة أميركا هي المنقذ
س س ن / دبي
لطالما كانت الكوارث الطبيعية، ونهاية العالم أفكارا تتداولها هوليوود في
أفلامها السينمائية، لعل أكثرها شهرة مؤخرا كان فيلم المخرج رولاند اميريك،
"2012".
الفيلم يحكي قصة نهاية العالم المتوقعة في 2012، حيث يعم الدمار أنحاء
الكرة الأرضية، وتُغرق مياه المحيطات كافة مدن الأرض، وآثارها، وتحفها
المعمارية، إلا أن مجموعة منتقاة من سكان الأرض تجد طريقها نحو الخلاص،
والاختباء من هذه النهاية الفظيعة للعالم في مجموعة من الفيالك المبنية
خصيصا لهذه الكارثة.
جاكسون، الذي يلعب دوره النجم جون كوزاك، هو كاتب مغمور يتعرف إلى شخص
مجنون يتحدث حول نهاية الساعة، فيحصل منه على خريطة تدل على موقع وجود هذه
الفيالك، فيهرب هو وعائلته برفقة ملياردير روسي، يحمل تذاكر الركوب في هذه
الفيالك.
من دون الخوض في تفاصيل الفيلم، المشابه في أحداثه لأفلام اميريك السابقة
إن لم يكن مطابقا لها، تبدو أميركا في هذا الفيلم المنقذة للعالم، والمدمرة
له في الوقت نفسه.
فالرئيس الأميركي مثلا، يضحي بفرصته للنجاة من هذه الكارثة، وهو ما يطرح
تساؤلا عن مدى مصداقية ذلك في الواقع، وهناك أيضا كارل أنهايزر، المسؤول في
البيت الأبيض، الذي يفضل القضاء على ملايين الناس من أجل إنقاذ حياته وحده.
ما يبهر في هذا الفيلم، ومعظم أفلام اميريك، هي المؤثرات الخاصة المستخدمة،
والتي تضفي على الفيلم واقعية كبيرة، وتجعل من السينما الأميركية متخصصة في
سرد الواقع "الخيالي" على الشاشة الذهبية.
إلا أن ما يدعو إلى احترام هذا الفيلم بالذات هو تلك النزعة الأبوية لمعظم
أبطال الفيلم، إذ يفضل جاكسون وزوجته على سبيل المثال، إرسال أولادهما
للنجاة بدلا من أنفسهما، حتى الملياردير الروسي، الذي يبدو عليه الجشع
والتكبر، بفضل إنقاذ ابنيه بدلا من نفسه.
الفيلم بدا طويلا، وعانت بعض مشاهده من الإسهاب غير المبرر، لربما اعتقد
المخرج من خلالها قدرته على إمتاع المشاهدين حتى ولو كان ذلك على حساب
الفكرة الأساسية للفيلم.
وعادة ما تقوم الأفلام الأميركية، وهذا الفيلم مشمول أيضا بهذه الخاصية،
بالتخلص من "الشخصيات غير المرغوب فيها"، كشخصية زوج كايت كورتيس، طليقة
جاكسون، إذ يموت الدكتور خلال محاولة الدخول إلى الفيلك الأميركي، وهو ما
يطرح تساؤلا: "لماذا هو بالذات؟"
ولا يخلو الفيلم من الطرافة من حين لآخر، رغم الكم الهائل من الكوارث
الحاصلة، فمثلا، عند استعداد جاكسون وعائلته والملياردير الروسي للهبوط من
الطائرة العملاقة باستخدام سيارة البنتلي، يحاول جاكسون تشغيل السيارة، إلا
أنه لا يستطيع ذلك، إذ إن المفتاح لا يعمل، فيوقف الملياردير الروسي الصراخ
والعويل، ويقول بكل برود: "شغل المحرك"، إذ إن هذه السيارة لا تعمل
بالمفتاح بل بـ"الكلام".
ورغم كل ذلك، يبعث الفيلم برسالة مفادها أن العالم الذي نعيشه اليوم يرتكز
على الرأسمالية المريعة، التي انتقت عددا من أغنياء العالم لينجوا من
الكارثة، بينما يذهب الفقراء والمعدمون ضحية لهذا الفقر.
من جانب آخر، لطالما عانت السينما الأميركية من عجزها عن تغيير الصورة
النمطية للعرب، وهذا غالبا ما يظهر جليا في أفلام اميريك، فقد ظهر العرب
كأشخاص أغبياء لا يفقهون شيئا، ولا يملكون سوى المال، الذي رزقوا به فجأة.
كما أن النساء العربيات يظهرن في الفيلم وكأنهن من عصر ألف ليلة وليلة،
ويتبعن الرجل فحسب، من دون أي مراعاة للصورة المختلفة للواقع العربي، خصوصا
ذلك الذي تعيشه المرأة اليوم.
يذكر أن أفلام رولاند اميريك دارت حول ذات الموضوع تقريبا، وهو نهاية
العالم بسبب كارثة فضائية أو جوية، مثل
Independence Day و
The Day After Tomorrow، وبالطبع ظهرت الولايات المتحدة الأميركية منقذة العالم.
إيلاف في
18/11/2009 |