يُختتم غداً الاسبوع السينمائي "فلسطين والقضية الفلسطينية في السينما
اللبنانية" الذي تنظمه وزارة الثقافة بالتعاون مع نادي "لكل الناس". النشاط
الذي انطلق مطلع الاسبوع في صالة اريسكو بالاس، يتضمن عرض أفلام لبنانية
تناولت موضوعات فلسطينية منذ الستينيات. في جعبة العروض اليوم وغداً ثمانية
افلام هي: "سفر" للميا جريج، "كل واحد وفلسطينو" لنادين نعوس، "يا سلام"
لفؤاد عليوان، "ما هتفت لغيرها" لمحمد سويد (تعرض مساء اليوم ابتداءً من
الساعة السابعة والنصف مساءً)، "براميل صبرا" لشيرين أبو شقرا، "أرض
النساء" لجان شمعون، "رسالة الى صديق فلسطيني" لرنا عيد و"احلام المنفى"
لمي المصري (تعرض غداً السبت ابتداءً من الساعة السابعة والنصف).
على الرغم من ان مناسبة إقامة اسبوع سينمائي للأفلام اللبنانية التي تناولت
موضوعاً فلسطينياً مرتبطة اليوم بحدث القدس عاصمة للثقافة العربية للعام
2009، الا ان التظاهرة كانت هي المناسبة، متيحة الإحاطة بجزء من الانتاج
السينمائي اللبناني الذي قارب الموضوع الفلسطيني على مدى أكثر من أربعين
عاماً. ولعل هذه المناسبة ـ اي الاسبوع السينمائي ـ تستدعي التفكير في
تظاهرات سينمائية أخرى عربية، تستعيد ما أنتجته السينما عن فلسطين
وقضاياها، ليس من باب الحصر والاحاطة ولا بنية اثبات "عروبة" هذه السينما
او تلك وحتماً ليس انطلاقاً من التدقيق في مسألة الواجب والضرورة، وانما
للتأمل في كيفية مواكبة السينما العربية لهذا التاريخ المفصلي وتشعباته
مستمرة المفاعيل، ومقارنته مع النتاج السينمائي الحالي عن فلسطين الذي أصبح
أكثر التصاقاً بالمخرجين الفلسطينيين أنفسهم، خلا تجارب وثائقية عربية
قليلة من هنا وهناك مازالت مشغولة بالموضوع الفلسطيني. واستطراداً، هي دعوة
يمكن أن تُعمم لتشمل علاقة السينما العربية بتاريخ المنطقة وحروبها
وتحولاتها التي من شأنها- بقصورها وتقاعسها او بحماستها وارتجالها البعيدين
غالباً من الاستشفاف والتحليل العميقين ـ أن تكشف عن استنتاجات مثيرة
للاهتمام، تعكس او تفسّر جزءاً غير يسير من مشكلاتنا المزمنة.
في إطار المناسبة المذكورة، جمع المنظمون تسعة عشر فيلماً بين روائي
ووثائقي وقصير، أُنتجت بين الستينات والعام الحالي. بعيداً من تلك الافلام
وغيرها، لبيروت علاقة خاصة وتاريخية بالسينما الفلسطينية. منها أطلق
السينمائي الفلسطيني الراحل مصطفى أبو علي "مؤسسة السينما الفلسطينية" عام
1971 . وفيها اسس "جماعة السينما الفلسطينية" سنة 1972. وفي بيروت ايضاً،
كان مصير الافلام الفلسطينية التي صورت بين 1969 و1982 الضياع والتلف على
أثر الغزو الاسرائيلي للبنان. خلال الفترة التي أعقبت نهاية الحرب الأهلية
اللبنانية، حظيت السينما الفلسطينية بتظاهرات عدة منتظمة ومتفرقة، ولاتزال
تشكل جزءاً لا يتجزأ من المهرجانات السينمائية المحلية المعنية بالانتاج
العربي. على الرغم من ان مبادرة وزارة الثقافة تخصيص اسبوع بالأفلام
اللبنانية التي تناولت موضوعاً فلسطينياً لا تكشف عن أفلام مجهولة، الا
انها قد تأتي في سياق ما كتبه الناقد السينمائي الفرنسي سيرج لوبيرون عن
انطلاق سينما الثورة الفلسطينية أواخر الستينات: "إن السينما جزء لا يتجزأ
من الذاكرة الفلسطينية، ذاكرة انفجرت في الزمان والمكان، شظايا صغيرة،
قطعاً من أفلام ومن صور وأصوات محفوظة في علب يصعب التعرف عليها، وضع
عناوينها أناس آخرون. نتف من حكايات التقتطتها أشرطة، يجب إعادة تجميعها
وتصنيفها وحفظها، لأنها برهان على وجود له ماضٍ وعلامة هوية وتاريخ بحد
ذاته."
بعد أكثر من ثلاثين عاماً من ظهور تلك العبارة، تلقفها الناقد والمؤرخ
السينمائي العراقي قيس الزبيدي، آخذاً بنصيحة لوبيرون، وان نظرياً، جامعاً
في كتابه "فلسطين في السينما" (الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية عام
2006 ) بطاقات تعريف لقرابة ثمانمئة فيلم، هي خلاصة ما أثمرته السينما
العربية والاجنبية من صور عن فلسطين خلال تسعة عقود من الزمن. الكتاب بما
هو فيلموغرافيا توثيقية عن السينما التي تناولت فلسطين، يكتنز احتمالات
لامتناهية لكيفية التعاطي مع هذا الارث السينمائي، لعل أكثرها بديهية
العثور عليه وحفظه! كذلك يتيح جهد الزبيدي مقاربة نقدية لهذه السينما او
لما هو متوفر منها.
ولكن ذكر الكتاب هنا هدفه الوقوف على ما أورده من أفلام لبنانية تناولت
الموضوع الفلسطيني. يحصي الكتاب قرابة ثلاثين فيلماً (نستنثني منها افلام
مي المصري التي أنجزتها في لبنان ولكنها تبقى فلسطينية)، تُُضاف اليها
أفلام الاسبوع وبعضها مذكور في كتاب الزبيدي وبعضها الآخر غير مذكور
لانجازه في تاريخ لاحق لصدور الكتاب. اما الافلام الثلاثين فمن بينها:
"كلنا للوطن" لمارون بغدادي، "الطريق" و"البنادق متحدة" و"أيار
الفلسطينيين" و"الانتفاضة" و"مولود في فلسطين" و"لبنان في القلب" لرفيق
حجار، "فداك يا فلسطين" لأنطوان ريمي، "الشريط بخير" لأكرم الزعتري، "ليلى
والذئاب" لهيني سرور، "طالعين عالجنوب" لجايس سلوم، "أنشودة الأحرار" و"تحت
الأنقاض" و"زهرة القندول" و"تل الزعتر" (بمشاركة مصطفى أبو علي) لجان
شمعون، "بيروت مدينتي" لجوسلين صعب، "بوابة الفوقا" و"مرآة جميلة و"زيارة
قصيرة" لعرب لطفي، "أجراس العودة" لتيسير عبود، "معركة" لروجيه عساف،
"الفدائيون" و"لماذا المقاومة" و"الموت في لبنان" لكريستيان غازي، "بعل
والموت" لرانيا اسطفان، "أربعة وعشرون" لبهيج حجيج، فضلاً عن فيلمين أحدهما
للسوري رضا ميسر "الفلسطيني الثائر" والثاني للمصري سمير نصري "الجنوب بين
براثن الأعداء"، أُنتجا في لبنان.
ربما كان حرياً بالشريط التسجيلي الذي افتتح الاسبوع واتخذ عنوانه (من
انتاج وزارة الثقافة وتنفيذ نادي لكل الناس) أن يشمل تلك الافلام او معظمها
ولو بذكرها للتعويض عن استحالة عرضها مجتمعة. فعلى الرغم من ان الشريط تطرق
الى أفلام غير مدرجة في البرنامج، الا ان معلوماته المفيدة تشتتت بتحوله
مجموعة لقاءات متفاوتة القيمة والأهمية. فمن شريط يوجز تاريخ الافلام
اللبنانية التي تناولت فلسطين، يخرج الفيلم عن سيطرة صناعه عندما يترك زمام
الحديث للمخرج كريستيان غازي من دون إدارة أثناء التصوير أو قص خلال
المونتاج لينال بسخرية من مخرج آخر هو غاري غارابيديان، المتوفي وفوق ذلك
المدرج فيلمه "كلنا فدائيون" في برنامج العروض! كان يمكن الشريط ان يتجاوز
كل ذلك الى تكوين رؤية نقدية لما قدمته السينما اللبنانية عن فلسطين في ما
لو اشتُغل عليه، لاسيما انه يستمزج آراء شخصيات بارزة مثل الروائي الياس
خوري الذي وسع دائرة النقاش بكلامه عن العمل الثقافي في ظل الحرب وتمايز
الرؤى بين المخرجين المخضرمين والشباب ولكن من دون أن يحرك ذلك صناع الفيلم
ليبنوا عليه.
في مطلق الاحوال لا بد من القول ان انشطة من هذا النوع تخضع دوماً للمتوفر
والمتاح، الأمر الذي يعيدنا الى المسألة التي يطرحها لوبيرون، وكذلك كتاب
الزبيدي بشكل غير مباشر، حول كيفية التعاطي مع هذا الارث السينمائي. وهنا
يتحتم على وزارة الثقافة دور يتعدى التحضير لاسبوع سينمائي يواكب مناسبة او
حدثاً الى خطة لجمع الافلام وحفظها من خلال مكتبة سينمائية، استُحدثت
هيكليتها منذ سنوات من دون أن يُفعَّل دورها. والخطة هذه تشمل كل الافلام
بالطبع وليس فقط تلك التي تقارب فلسطين. انطلاقاً من معيار المتاح والصالح
للعرض، لا يقدم اسبوع الافلام اللبنانية عن فلسطين رؤية شاملة للانتاج الذي
تراوح بين افلام دعائية عن القضية (غائبة عن البرمجة) وأخرى قامت على اسس
أكثر سينمائية او موضوعية غلبت على البرمجة. ومن الملاحظات التي يمكن سوقها
في هذا الإطار اختيار فيلم "ما هتفت لغيرها" لسويد- بسبب عنوانه اللصيق
بالموضوع ربما- في الوقت الذي عالج المخرج فيه الموضوع الفلسطيني بخصوصية
كبرى ورؤية اكثر انسجاماً مع روحية التظاهرة في فيلم آخر هو "عندما يأتي
المساء". او تقديم فيلمين للمخرج هادي زكاك بينما كان يمكن فيلم آخر أن
يضيف الى البرنامج تنوعاً (فيلم دعائي مثلاً او حتى فيلم ثانٍ لجان شمعون
الى جانب "ارض النساء" حديث الانتاج يبين كيف اختلفت مقاربة المخرج للقضية
الفلسطينية بين السبعينات واليوم) ويتيح للمشاهد اكتشاف زاوية أخرى لكيفية
تعاطي السينما اللبنانية ومخرجيها مع الموضوع. الملاحظة الثالثة في هذا
السياق افتقار النشاط الى الترويج والدعاية الذي- الى خيار "صالة أريسكو"
المنسية- أقصى الجمهور عن امسيات العروض.
الأفلام
لا غنى لأي نشاط سينمائي حول فلسطين عن فيلم برهان علوية "كفر قاسم"
(1974). وهذا ما أدركه المنظمون فجعلوه الافتتاح. للفيلم أكثر من قيمة ليس
أقلها ابصاره النور في مرحلة قريبة من انطلاق موجة افلام المقاومة
الفلسطينية. وهو بهذا اكتسب تميزاً عن الموجة التي قامت على أفلام وثائقية
بالدرجة الأولى وعلى شكل فني غير مكتمل ونفس دعائي بما كان أمراً مشروعاً
في البدايات. على النقيض، جاء "كفر قاسم" روائياً وان حمل الكثير من سمات
العمل الوثائقي، محكماً غير ارتجالي، رصين النبرة وهادئها وعلى مسافة
ابداعية من موضوعه. مع مرور الزمن، اكتسب الفيلم ميزة اضافية هي توثيقه
لمجزرة كفر قاسم "الصغيرة والعابرة" مقارنة بسجل الاسرائيليين الاجرامي.
وللفيلم ايضاً قيمة على صعيد ما اكتنزه من اشكاليات تتصل بالعمل السينمائي
النضالي. فالفيلم في جوهره تعبير عن مرحلة سياسية وفكرية عاشها المخرج منذ
وصوله الى باريس في العام 1968 بعد ترحال طويل ليحط في قلب ثورة الطلاب
ومفاعيلها. مرحلة اتسمت بالالتزام وأوصلت الى قناعة بأن السينما وسيلة
للدفاع عن القضية والصورة سلاح ايديولوجي. كان "كفر قاسم" تجسيداً لذلك
المفهوم السينمائي. تناول الفيلم المجزرة التي ارتكبها الاسرائيليون ضد
مدنيين فلسطينيين في قرية كفر قاسم عام 1956 على الرغم من انها لم تكن
حدثاً كبيراً قياساً على أحداث ومجازر أخرى. ولكن السينمائي الشاب وقتذاك
وجد فيها استشفافاً لمستقبل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي عبر حكاية الغدر
والدولة الديمقراطية الزائفة. على الرغم من انشغال المخرج بسينما القضية،
الا ان فيلمه لم يخلُ من السينما كفن وجمالية. فقد اشتغل على تكسير الحدث
وقدم في ادوار البطولة أشخاصاً ليسوا ممثلين محترفين. يبقى عالقاً من ذلك
الفيلم ظهور لشخصية الشاعر محمود درويش في بداياته وخطاب جمال عبد الناصر
في أعقاب هزيمة 1956. على الرغم من سوداوية الأحداث التي يرويها، جاء "كفر
قاسم" من ايمان مخرجه وأقرانه حينذاك بأن الثورة موجودة والنصر ممكن الفكرة
التي تراجعت وتضاءلت حتى اندثرت خلال العقود التالية. وإذا كان لسينما
القضية الفلسطينية، اللبنانية تحديداً، أن ترشدنا الى ذلك التحول في الرؤية
والمفهوم فليس أدل من أفلام الجيل الثاني والثالث على ذلك. محمد سويد في
"ما هتفت لغيرها"- وقبله في "عندما يأتي المساء" في شكل أوضح- ينعى جيل
المقاومة بل ينعى فكرة المقاومة التي استحالت اليوم موديلاً بائداً لاسباب
بعضها كامن في تركيبتها وأخرى من خارجها. هكذا يمضي في فيلمه المركب
والمتنقل بين بيروت ودبي وهانوي التي يمتلك كل منها علاقة خاصة بالمقاومة
اما من خلال تفلتها من كل فكر او فعل سياسي (دبي) أو بتمسكها بصورة بائدة
عن المقاومة (لبنان) وإما بتحولها من نموذج مقاوم (فييتنام) الى مشروع عصري
اقتصادي وسياسي.
بعيداً من البحث في العناوين الكبرى، اتخذ ماهر ابي سمرا من اليومي والمعيش
في واحد من المخيمات الفلسطينية التي شهدت تاريخاً دموياً عنيفاً (صبرا
وشاتيلا) مادة لفيلمه "دوار شاتيلا" (2004). حكايات لأفراد بهموم يومية.
أحدهم يتحدث عن مشكلة رجله المستعصية وآخر عن محاولته وضع خطة لتأمين
مستقبله.. هناك شاب منشغل بكمال الأجسام وبتسريحة الشعر وبالجاذبية
القاتلة، يتبختر امام الكاميرا كأنها مرآة.. هناك من يتندرون على حكايات
الموت وان كانت شخصية...ثمة من يفكر بالهجرة الى السويد..وهناك من يعاني
الوحدة ليس لأنه لاجئ أو لأنه ينتظر "العودة" (كلمات لا نسمعها للمناسبة في
الشريط) ولكن لأنه لا يجد رفيقاً سبعينياً مثله لتمضية بعض الوقت معه. انها
هموم يومية لأشخاص يحاولون التأقلم مع الحاضر بعيداً من الماضي والمستقبل.
ولكن ذلك لا يعني انفصال الفيلم عنهما. يغيب الكلام "الكبير" عن القضية
الفلسطينية وعن العودة ولكنه يحضر في المكان. ذلك المكان الذي يكتنز ذاكرة،
تعبّر عن نفسها مع كل التفاتة للكاميرا. وذلك المستقبل المجهول المرتسم على
وجوه شباب عاطلين من العمل وحياة تتكرر بدون كلل. يقول احدهم "أشعر ان
الزمن يمر بسرعة". مقولة تبدو غريبة للوهلة الاولى في ذلك المكان الذي يحفظ
تفاصيل اليوم عن ظهر قلب. ولكن الزمن يمر سريعاً بالفعل عندما تتشابه
الايام وتتكرر الأخطاء وتتجمد المصائر. الثورة الوحيدة الممكنة التي يختم
بها ابي سمرا فيلمه في مشهد ساخر هي ضد انقطاع التيار الكهربائي!
الى سويد وأبي سمرا، تنضمم اليان راهب بفيلمها "قريب بعيد" في رحلة تنطلق
من الاحساس بـ"الواجب" بداية لتتفتح على الخاص. البداية من صورة الطفل
الشهيد محمد الدرة التي حركت الملايين حول العالم ومنهم المخرجة التي
دفعتها الصورة الى التأمل في حياتها ومعتقداتها التي تربت عليها، هي
اللبنانية المارونية. بدأ هذا الفيلم كمحاولة لتتبع حياة عدد من الأطفال
العرب الذين عبروا عن غضبهم بطرق كثيرة: بعضهم شارك في مظاهرات ومسيرات،
والبعض ترك بيته ليحاول الوصول إلى الحدود مع فلسطين للمشاركة في الانتفاضة
وانتهى ليكون رحلة ايضا في داخل المخرجة، تاريخها، تربيتها، وعلاقتها مع
أهلها وجيرانها. "حين كنت طفلة" تقول المخرجة في الفيلم، "كنت أعتقد أن
اللبناني هو المسيحي، السوري هو المسلم، والفلسطيني هو ... الوحش."
تداخل الشخصي والسياسي هو ايضاً عنوان شريط لميا جريج "سفر" (2004) المنجز
بما يشبه الفيديو المنزلي متابعاً مقتطفات من سيرة عائلتها التي تتلاقى مع
التحولات الكبرى في الشرق الاوسط بدءاً بانتقالها من "يافا" في 1948. فيلم
جريج غير بعيد من أسئلة المكان ومعنى الانتماء اليه التي نقع عليها في معظم
الافلام الوثائقية الاخرى.
الى المخيم تدخل ايضاً شيرين ابو شقرا بفيلمها الأول "براميل صبرا" (2008).
محمد، بطل الفيلم شاب، عاش وتربى في مخيم صبرا للاجئين الفلسطينيين. ولكن
قبل ذلك، كان قد تربى في ميتم وضعته فيه جدته مع اخته واخيه. كان في
الثانية من عمره تركته امه مع أخويه في برميل داخل المخيم خلال مجزرة صبرا
وشاتيلا كي لا يتعرضوا للقتل كما حصل لاقرانهم. قبل سنوات، لعب "محمد" دور
الفتى الشقي في فيلم "ويست بيروت" للمخرج اللبناني زياد الدويري. حينها زار
الدويري دار الايتام لينتقي ممثلاً لفيلمه فوقع اختياره على محمد. بعد
سنوات علم الشاب ان والدته انتقلت الى فلسطين، وانها متزوجة وقد انجبت
اولادا آخرين. فتمكن بمعاونة اولادها الجدد ان يكلمها عبر الهاتف من خط
هاتف مسروق وموصول الى المخيم، وتمكن من رؤية صورها عبر شاشة الانترنت،
ولكنه لم يتمكن من اللقاء بها واحتضانها وملامستها. يقول ان له حياته ولها
حياتها الجديدة ولا يطلب ان تعود حياتهما الى ما قبل ست وعشرين سنة. هذا
قدره وسيقبل به كما هو.
اما شريط جان شمعون "أرض النساء" (2004) فيدور حول ثلاث نساء: الأسيرة
المحررة كفاح عفيفي، الشاعرة والكاتبة فدوى طوقان والرائدة سميحة خليل. من
خلال هذه الرحلة مع النساء الثلاث، يحاول الفيلم ان يروي تجربة المرأة التي
نجحت في تحطيم الحواجز التي اقامها التاريخ الاجتماعي والسياسي امامها.
وعلى الرغم من اشتراك مي المصري في هذا الفيلم شأنها في ذلك شأن أفلام
شريكها الاخرى، الا ان لها في ختام اسبوع "فلسطين والقضية الفلسطينية في
السينما اللبنانية" فيلماً خاصاً بها هو "أحلام المنفى" (2001). ولعل لهذا
الفيلم خصوصية في فيلموغرافيا المصري لتجسيده ثنائية الطفولة والحلم التي
شغلت عدداً من افلامها (أبرزها "اطفال جبل النار" 1991 و "أطفال شاتيلا"
1998). هنا حكاية تربط بين الطفلتين "منار" و"منى" من مخيمي الدهيشة في
فلسطين وشاتيلا في بيروت.
على خط آخر من التجريد والترميز والفانتازيا، صاغ المخرجان فؤاد عليوان
وادي زكاك فيلميهما "يا سلام" و"ألف ليلة وبا ليالي" تباعاً. أنجز الاول
عام 2001 كجزء من مشروع ضم مجموعة افلام قصيرة موضوعها فلسطين، انتجها
"مهرجان الشاشة المستقلة" مفتتحاً بها دورته اليتيمة في الدوحة. في أربع
دقائق، يقدم عليوان فيلماً يحمل من السخرية بقدر ما يحمل من الألم والغصة:
مفاوضات سلام (صامتة) بين ثلاثة رجال مقنّعين, مشهد دمى يتكرّر كلّ يوم على
كلّ شاشات التلفزيون في العالم بينما المجازر مستمرّة في فلسطين. اما زكاك،
فشاء لفيلمه الروائي القصير الوحيد نبرة فانتازيا، استلها من فولكلور "الف
ليلة وليلة" جاعلاً من فلسطين حكاية شهرزاد التي لا تنتهي فصولها. لزكاك
فيلم آخر عرض خلال الاسبوع هو الوثائقي "لاجئون مدى الحياة" (2006) عن ثلاث
عائلات فلسطينية لاجئة في لبنان، يتابعهم الفيلم في حيواتهم اليومية
ومشكلاتها راصداً أحلامهم ومحاولاتهم التواصل مع أقربائهم في ألمانيا من
خلال شخصية ناشط في مجال حقوق الانسان.
المستقبل اللبنانية في
13/11/2009 |