في أحد الأيام في أواخر الستينات اتصل بي المنتج
الكبير رمسيس نجيب ليقول لي »أريد أن أعرفك ببطلتي الجديدة«
قلت له
لامانع..
قال..
بعد دقائق سأمر عليك عند »أخبار اليوم«..
وفي العربة رأيت
فتاة صغيرة لم يبلغ
عمرها السابعة عشرة.. شقراء رائعة الجمال..
قدمها لي
رمسيس نجيب قائلا: »زهرة« بطلتي الجديدة التي أسندت إليها بطولة فيلم
»أفراح«..
وكانت هذه عادة رمسيس نجيب حينما يقدم اكتشافا جديدا أن يتصل
بأصدقائه من النقاد والصحفيين ليسألهم رأيهم في نجمته الجديدة ليشاركوه
إبداء
الرأي.. ويضعوها تحت الأضواء إذا كانوا مقتنعين..
وهي جزء من عملية
»صانع
النجوم« التي كان يجيدها رمسيس نجيب
الذي اكتشف أغلب نجوم السينما في زمن
الستينات.
اسمها فاطمة الزهراء حسين فتحي..
كانت لاتزال في سن
المراهقة..
وفضلا عما تتمتع به من جمال فهي
خفيفة الظل.. شقية.. معجبة
بنفسها.. هذا أول انطباع لي عنها..
لكني حينما جلست
إليها أحسست أنها بنت
بلد.. ذكية تتكلم بسرعة وتتحرك بسرعة..
انها تحمل كل مواصفات النجمة ويبقي
إيجاد الدور المناسب لها.
وتابعت »نجلاء فتحي« وهو الاسم الفني الذي
أطلقه عليها عبدالحليم حافظ..
لكن نجلاء لم تكن تحبه فقد كان اسما صعبا في
النطق.. وحين سألته عن معني هذا الاسم قال لها يعني ذات العيون الذكية وهو
اسم
عربي..
تابعتها كصحفية وناقدة وهي تمثل
داخل الاستوديو..
وأنا أحب جدا أن
أساهم في إلقاء الضوء علي الجديد..
وكنت أكتب بابا علي هذه الصفحات بعنوان »ناس
تحت الأضواء« لإلقاء الضوء علي من أري منهم من الموهوبين في
بداياتهم.. ويسعدني فعلا أنني ساهمت في اكتشاف والقاء الضوء علي كثير من
نجوم الستينات طبعا قبل
أن يصبحوا نجوما..
وأطلقت عليها اسم
»لوليتا«..
ولوليتا وهي فتاة جميلة مراهقة أحبها رجل
عجوز..
وهي مأخوذة عن عمل أدبي
وقدمته السينما الأمريكية في الستينات.
عاصرت رحلة »نجلاء« الفنية من
فيلم »أفراح« وحتي فيلم »الجراچ«.. الذي حقق نجاحا كبيرا في عام
1995..
واستمر عرضه عام
1996.. وهي رحلة عمرها 80 فيلما.. تطورت
نجلاء تطورا كبيرا لتعيش أهم مراحل حياتها وهي مرحلة النضج الفني والفكري..
وهو
تطور طبيعي فهي أم لابنة مراهقة..
وهي في الفيلم أم لسبعة أطفال..
هذا
الفيلم الذي يبرز فنها وليس جمالها تعمل في أدني الأعمال
سايس جراچ بعد رحيل
زوجها إلي إحدي دول الخليج متخليا عن مسئوليته كأب..
تغسل عربات السكان.. وتعيش
هي وأولادها في الجراچ في العربات القديمة التي جعلوا منها أسرة كما تخدم
سكان
العمارة.. لتدفع صحتها وحياتها ثمنا لذلك..
وقبل رحيلها
تتنازل عن أبنائها
السبعة للعائلات الثرية التي حرمت من نعمة الإنجاب.. فيلم ميلودراما فاقعة..
وبالرغم من ذلك فهو يحمل الكثير من المرح والغناء والاستعراض الذي أجاده
الصغار.
إن من يري هذا الفيلم يحس أن نجلاء لا تمثل ولكنها تقدم واقعا.
< < <
لم تكن رحلة نجلاء فتحي في السينما رحلة صعبة.. وهذا أولا
يرجع لجمالها الصارخ وللأسباب التي ذكرتها..
فهي فنانة سعيدة الحظ حين تلقفها
في البداية أهم المنتجين.. وأهم المخرجين..
ومثلت مع كبار النجوم..
قدمها المنتج رمسيس نجيب في
»أفراح« مع حسن يوسف وكان وقتها الفتي الأول
ومن إخراج أحمد بدرخان وعمت مع
عمالقة
السينما الذين كانوا مساعدين له..
مثل المصور عبدالعزيز فهمي وأحمد خورشيد وأحمد ضياء الدين.. كانت تعتمد في
البداية في أدائها علي تحريك عينيها كثيرا..
لكنها استطاعت أن تتعلم وتطور
نفسها.. فقد عاشت زمن الرومانسية واشتهرت بتقديمها لهذه النوعية من الأفلام..
كما عاشت زمن الأسرة السينمائية وكانت أجمل مراحل حياتها
الفنية..
لكن كل زمان
وله أذان..تغير الزمن وأصبح مليئا بالصراعات داخليا وخارجيا..
وتغيرت الأحوال
السياسية والاجتماعية وأصبح العالم يئن من الحروب والكوارث
والارهاب.
< < <
فكر رمسيس نجيب في إعادة أهم وأنجح أدوار
فاتن حمامة الذي رشح لها المخرج بركات وهو نفس المخرج الذي أخرج لفاتن
منذ
سنوات عديدة..
واختار لدور بطولة »بين الاطلال« الذي أخرجه المخرج
الراحل عزالدين ذوالفقار..
والجديد أن يقدم الفيلم برؤية عصرية وفي رأيي الذي
كتبته من قبل أن إعادة إنتاج أفلام فاتن حمامة هو مغامرة كبري..
فالمقارنة
لم تكن في صف نجلاء..
قدمت نجلاء كل الألوان في السينما..
الرومانسية
والاجتماعية والكوميدية وأيضا السياسية..وفي رأيي أن أهم أدوارها
هي »أختي«
وأيضا »دمي ودموعي وابتسامتي«
لاحسان عبدالقدوس،
و»الشريدة« و»سونيا
والمجنون« و »عفوا أيها القانون«
و»حب لايري الشمس«
و»أحلام هند وكاميليا«
إخراج محمد خان.. وأخيرا »الجراچ«.. واقتربت نجلاء في أفلامها
في الرحلة
الأخيرة من طبقة البسطاء فأحبها الناس.
< < <
قالت لي نجلاء
حينما سألتها عن ابتعادها عن السينما ولا أقول اعتزالها..
قالت لي تعاملت مع فني
تدريجيا بالنسبة لعمري وشكلي..
وتخطئ الفنانة التي تصر علي
إخفاء عمرها الحقيقي
ومن غير المعقول أن تمثل نفس الدور الذي مثلته من 20
عاما دون أن يتقدم
بها العمر..
فالممثلة
إذا اهتمت بشكلها وأصرت ألا تكبر سيحصل
لها إما
انفصام في الشخصية أو أن تعتزل الفن..
أو تدمن المخدرات لتنتهي في أحد المستشفيات
كما يحدث في الخارج أو تفكر في الانتحار..
فنحن نكبر وعجلة الزمن تدور
وسيأتي جيل من بعدنا والسينما تستمر.
< < <
ونجلاء تعيش
مرحلة النضج الفني والإنساني..
لقد أصبحت أكثر عملية وأقل رومانسية..
وزادتها
السنون تجارب وخبرة..
وتزوجت ثلاث مرات. المرة الأولي تزوجت من أحمد
عبدالقدوس أبن الكاتب الصحفي إحسان عبدالقدوس..
وكانت لاتزال مراهقة وهو طالب في
الجامعة.. ولأن الأهل لم يرضوا عنه فلم يستمر الزواج، أما الزوج الثاني فهو
»سيف
أبو النجا«
الإبن الأكبر لفاتن حمامة
في »امبراطورية ميم«
وكان خريج
كلية الفنون الجميلة وأنجبت منه ابنتها ياسمين.
أما زواجها من الاعلامي حمدي
قنديل فهو يمثل زواج العقل والنضج والوضع الاجتماعي..
وذلك بعد أن حققت جزءا من
طموحاتها كفنانة.. وأحست بالاستقرار النفسي..
لكن
لماذا اعتزلت نجلاء
التمثيل منذ تزوجت حمدي قنديل؟.
هل هو الذي دفعها لذلك؟.
ان زميلاتها اللاتي
التقيت بهن في الستينات لا يزلن يمثلن مثل ميرفت أمين..
أم أنها لم تجد
الدور المناسب لها بعد »الجراچ«؟ أم لأنها لم تجد المنتج الذي يدفعها مثل
رمسيس
نجيب وآسيا وحلمي رفلة؟.
أعتقد أنها اعتزلت مؤقتا لكل هذه
الأسباب.
آخر ساعة المصرية في
11/11/2009 |