بينما كانت تجلس في أحد أجنحة فندق إيست سايد مطلع شهر أكتوبر (تشرين
الأول) ومعها الكاتب والمخرج بيدرو ألمودوفار، ألقت الممثلة بينيلوبي كروز
نظرة على مجلة جميلة الشكل كبيرة الحجم وحدقت بإعجاب في الصورة الموجودة
على الغلاف لأوما ثورمان. وقالت كروز، وهي ترى ألمودوفار الصورة: «شيء
جيد»، وكانت عيناها تستحثه على الموافقة على ما تقول. ومال ألمودوفار ناحية
المجلة، وبحماس قام بتقييم وضع ثورمان وطريقة تسريح شعرها الأشقر. وقال
ألمودوفار لكروز: «نعم، نعم» بنبرة تجمع بين الإنجليزية والإسبانية فيما
كان عقله يسرع باسترجاع شريط سينمائي. «الممثلات، عندما يقتربن من الأربعين
من أعمارهن يقمن بقص شعورهن حيث يجعلهن ذلك وكأنهن أصغر سنا. تذكري شارون
ستون، وكيف قصت شعرها عندما كانت في الأربعين أو الثانية والأربعين من
عمرها. كان ذلك جيدا».
وللحظة، بدا أن الغلاف جذبه في الوقت الذي دخلت صورة ثورمان إلى عقله،
لتمتزج مع الآلاف من الصور الأخرى الموجودة داخله لممثلات. وقال ضاحكا:
«إنه شيء حقيقي». «أنا مهووس بالممثلات وبكل شيء يقمن به وحتى بغرف الملابس
التي تمثل قدس أقداس أية ممثلة، وأنا مهووس بصورة خاصة بالممثلات اللائي
يقمن بدور ممثلات».
وهذا تحديدا ما تقوم به كروز في فيلم «بروكن إمبري سيس»، وهو الفيلم
الرابع لها مع ألمودوفار، وتقول عنه إنه الفيلم الأكثر صعوبة. وفي الفيلم،
الذي أنهى مهرجان الأفلام في نيويورك الخريف الحالي ويفتتح عرضه داخل
المسارح في 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، تلعب الممثلة كروز دور لينا، وهي
معشوقة رجل ثري لديها فرصة كي تحقق الحلم التي أجِّل كثيرا وأن تكون نجمة
سينمائية عندما أصبحت مرتبطة عاطفيا بالمخرج لويس هومار. ويقول ألمودوفار
إن لينا، وهي شخصية حزينة وهويتها غير ناضجة وهي متحمسة كي تكون شخصا آخر
(في بداية الفيلم ترتدي ملابس أودري هيبورن وتتصرف مثلها)، « ربما تكون
الشخصية الأكثر حزنا التي أكتب عنها في حياتي». وأضاف: «لديها ماضٍ لا تحبه
مطلقا ولذا عندما تكتشف أنه يمكنها تجسيد شخص آخر، فإن هذه بمثابة حياة
جديدة بالنسبة لها. إنها تعمل بجد، وهذا هو التحدي الأكبر الذي أعطيه
لبينيلوبي حتى الآن».
وغالبا ما تجد أفلام ألمودوفار مع كروز الجو المناسب الذي تسقط فيه في
النهاية زخارف الدراما العاطفية لتكشف عن مشاعر ودوافع أعمق وأكثر تعقيدا.
وهي تمنح أيضا لكروز بعضا من أكثر فرصها ثراء. وفي فيلم «لايف فلاش» عام
1997، تسيطر هي على الدقائق العشر الأولى وتلعب دور فتاة فقيرة في مدريد
عام 1970 تضع مولودها داخل حافلة. وبعد ذلك بعامين، عندما كان يجهز «كل شيء
عن والدتي» الذي فاز بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، دعاها ألمودوفار
مرة أخرى لتلعب هذه المرة دور كاهنة. وعلى الرغم من أنها كانت لها علاقة مع
رجل يحب ارتداء ملابس النساء وأصيبت بفيروس «إتش آي في»، فإنها تبقى أحلى
وأنقى ظهور للفيلم. وتقول: «فوجئت عندما علمت بطبيعة الدور، ولكني قلت لا
يمكن لأحد أن يجعل هذا واقعا سوى بيدرو لأنه ليس له حكم على أي من هذه
الشخصيات».
وفي الفيلم الدرامي «فولفور» عام 2006، رُشحت كروز لأول مرة للحصول
على جائزة الأوسكار لقيامها بدور أرملة كانت مزيجا من نساء من طفولة
ألمودوفار في لا مانشتا، ولكن مع القليل من صوفيا لورين في إطار بنية تاريخ
سينمائي نسجت عبر الفيلم بالكامل. ويقول ألمودوفار: «سألني أحدهم: هل هي
مصدر إلهام لك؟ فأجبت: حسنا، نعم. إنها مصدر إلهام لي بمعنى أن مصدر
الإلهام هو الشخص الذي يجعلني أفضل مما أنا عليه. وأعتقد أنني مخرج أفضل
معها، لأنها ترى أنني أفضل مما أنا عليه وهذا الإيمان الأعمى يمنحني المزيد
من القوة». ولكن، تقول كروز: «لا لا، أعرف جيدا إلى أي مدى أنت جيد»، قالت
ذلك وهي تهز رأسها وتبتسم بهدوء. ويشار إلى أن ألمودوفار له أعمال مع
ممثلات مؤخرا بدءا من كارمن مورا خلال الثمانينات من القرن الماضي.
والعلاقة بين ألمودوفار (60 عاما)، وكروز (35 عاما)، تبدو علاقة رومانسية
لو لم يكن هو من أشهر المخرجين الشاذين في العالم ولو لم تكن هي مرتبطة في
السابق بالممثل جافيير باردم. (وعندما سُئلت عما إذا كان هناك حفل زفاف
وشيك، ارتسمت ابتسامة رقيقة على وجهها ونظرت بعينين باردتين وقالت: «أنت
كاتب لنيويورك تايمز، أليس كذلك؟ أعتقد أنه لا يفترض ألا توجه مثل هذا
السؤال»). ونمت العلاقة العاطفية والبسيطة بينهما خلال نصف حياة كروز، فقد
كانت تبلغ من العمر 17 عاما عندما قابلت المخرج لأول مرة، الذي رفض أن تقوم
بدور امرأة تبلغ من العمر 35 عاما في فيلمه الكوميدي عام 1993 «كيكا» ولكنه
قال لها إنه سوف يتصل بها في غضون أعوام قليلة.
وخلال الأفلام الثلاثة الأولى، ركبت كروز الأمواج العاطفية الخاصة بكل
دور جديد، ونمت العلاقة بينهما. وتقول كروز: «في أفلام بدرو إما أن أموت أو
أضع أطفالا». وعندما فازت بجائزة الأوسكار للممثلة المساعدة العام الماضي
لفيلم وودي آلن «فيكي كريستينا برشلونة»، وجهت الشكر إلى ألمودوفار كثيرا.
ومع أنها تريد أن تجرب الإخراج، قالت إنها ستقوم بذلك بعد مباركته. فقال
على الفور إنه يمنحها هذه البركة. وقالت إنها ربما تقوم بذلك «خلال عشرة
أعوام» ولكنه رد بأنه «يعتقد أن ذلك سيكون في وقت أقرب». وإذا لم يجهد فيلم
«بروكن إمبراسيس» من العلاقات بينهما، فإنه كان شاقا. وتقول كروز: «هذا هو
الفيلم الذي كنت أصرخ فيه كأشد ما يكون بين المشاهد».. «قدرات هذه الشخصية
وطريقتها في التعبير عن نفسها مختلفة كثيرا عني، أنا أشبه الشخصية التي
جسدتها في فيلم فولفر. كانت جادة وقوية مثل النساء التي نشأت معهن. ولكن
فيما يتعلق بهذه الشخصية، فقد كان بيدرو دائما يريد ما كنت أشعر به قبل أو
بعد تساقط الدموع وهذه هي اللحظات التي كنت أجدها فيها».
وكان السيد ألمودوفار يجد متعة حتى في أصعب أيام التصوير. ويقول:
«جميع الصعوبات التي تجدها الممثلات في اللحظة التي يلعبون فيها الأدوار
تكون محل اهتمام بالنسبة لي». «في تلك الأوقات، يكون المخرج مثل الزوج
والمحب والصديق والأم والأب والأخصائي النفساني. وهناك أوقات يجب أن يكون
فيها المخرج فظا على نحو مريع، لأن الممثلات في بعض الأحيان يجب أن يواجهن
بالشدة، وحينئذ يجب أن يكون المخرج هو الجلاد. الجلاد – هل هذه هي الكلمة
المناسبة؟» ونظر إلى كروز طلبا للتأكيد بينما كانت هي ترسم على وجهها
ابتسامة عريضة. «لا أدرى ما هو السبب الذي يجعلني أقول ذلك أمام بينيلوبي
فليس هذا هو حالنا معا». قالت: «هذا صحيح، فقد كانت دموعي بسبب مشاعر
الإحباط التي كانت لتلك المرأة التي أجسد دورها وليس بسببه».
ولو كانت جميع أعمال السيد ألمودوفار، على مستوى المضمون، عبارة عن
أفلام، فإن فيلم «بروكن إمبراسيس» يزيد من المخاطر لأنه يأخذ صراحة صناعة
الفيلم كموضوع. وتقدم شخصية كروز القلب والمشاعر، ولكن تكمن رحلة السرد في
قصة مخرج يقاتل الحزن والإحباط والضعف المادي لإنهاء فيلم بقي غير مكتمل
لمدة 15 عاما – كوميديا تكافح من أجل الظهور من مأساة». ويقول ألمودوفار:
«لم أكن واعيا بها في البداية، ولكن في النهاية أدركت أن هذا هو خطاب حب
مني إلى السينما». ويهدف الفيلم الداخلي (الفتيات والحقائب) إلى أن يشير
إلى العمل الدولي للمخرج في عام 1988 «نساء على حافة انهيار عصبي»، وهو
يعمل كتذكرة مروعة بالمدى الذي وصلت إليه أعماله السينمائية من الحزن.
ويقول: «بالتأكيد هذا هو الفيلم الأكثر شدة الذي أقوم بتصويره. وربما يحبط
الناس الذين يتوقعون مني أفلاما أكثر بهجة. وأعتقد أن أفلامي أصبحت أكثر
حزنا في الوقت الحالي ولكنّ هناك شيئا ينقله هذا الفيلم وهو أن الحياة ليست
جيدة».
وعندما أجرت مجلة «نيويورك تايمز» مقابلة مع ألمودوفار قبل عشرة
أعوام، أشار محرر «نيويورك تايمز» إلى أنه «من الواضح أنه يعمل على أن يبدو
أصغر من سنه الحقيقي، ففي بعض الأحيان يرتدي ثياب مراهقين» ويصبغ شعره
باللون البني. واليوم، نجد أن شعر ألمودوفار انتشر فيه الشيب (ولكن لا يوجد
صلع)، كما أن هناك قيودا على طبيعة الملابس التي يرتديها. نعم، لديه بعض
التجعدات، ولكن لا يبدو على وجهه الملل أو التعب أو الرغبة في ترك العمل.
ولم تنعكس سمة الحزن لعمله الأخير على طريقته المفعمة بالحيوية، وهو يصر
على أن هناك تفاؤلا في «بروكن إمبراسيس» وعندما كان يصور الفيلم كان يستمتع
باستعادة «نساء على حافة» لدرجة أنه صور بعض المشاهد حول «الفتيات
والحقائب» («شيء قذر جدا وفظيع مثل الأفلام التي صورتها في الثمانينات من
القرن الماضي»، حسب ما قال، كي تكون متاحة على «دي في دي» إضافية. وهو يجري
مشاورات بخصوص إصداره على مسرح الموسيقى لـ«نساء على حافة» يقوم بإخراجه
بارتليت شر (الفائز بجائزة توني عام 2008 عن جنوب الباسيفيك) ويكتبه ديفيد
يغزبك وجيفيري لين. وربما يصل إلى نيويورك أيضا إصدار مسرحي غير موسيقي عام
2007 من «كل شي حول والدتي» شاركت فيه النجمة ديانا ريغ في لندن.
وفي النهاية، سوف يبدأ ألمودوفار العمل في سيناريو آخر، وهو يكتب في
المعتاد 8 أو 10 مسودات قبل أن يستقر على الممثلات. وهو يخرج أفلاما بمعدل
فيلم كل عامين أو ثلاثة أعوام. ويلاحظ في أعماله أن العمل الجديد لا يعتمد
على عمل سابق وأنه لا يهتم بعمل أفلام تتعلق بسير الناس. ويقول ألمودوفار
«لا لأفلام السير الذاتية، ولا للأفلام التي تعتمد على أعمال سابقة ولا
لتلك التي تلخص ما حدث في فيلم سابق ولا لأفلام الأبطال ولا لأفلام البطل
المضاد ولا لأفلام الأبطال الخارقين. ويمكنني القيام بما سوى ذلك».
* خدمة «نيويورك تايمز»
الشرق الأوسط في
06/11/2009 |