بعد أن نجحت في الحصول على شهرة واسعة جداً في العراق ودول المنطقة من خلال تجسيدها شخصية “فاطمة” في المسلسل العراقي الشهير “الذئب وعيون المدينة” الذي عرض في ثمانينات القرن المنصرم قررت الممثلة بتول عزيز الابتعاد عن الوسط الفني لمدة قاربت العشرين عاماً وبعد هذا الابتعاد الطويل عادت ثانية إلى عالمها الخاص والجميل وشاركت خلال السنوات الأخيرة في العديد من الأعمال التلفزيونية والمسرحية وهي أكثر قوة وحيوية. لكن المرحلة الصعبة التي مر بها العراق بعد الاحتلال جعلت الأعمال العراقية التي تعرض تمر مرور الكرام على المتلقي العراقي.

بتول عزيز ترى أن الدراما العراقية تفتقد التخطيط الصحيح. كما ترى أن عودة المسرح الشعبي من جديد لمواصلة أعماله ضرورة من الضرورات التي تحتاجها المرحلة. هنا لقاء معها:

·         ما جديدك؟

بالنسبة للمسرح شاركت مؤخراً في مسرحية “أضغاث أحلام” تأليف وإخراج سامي عبد الحميد. وفي التلفزيون انتهيت مؤخراً من تصوير دوري في مسلسل كتبه علي صبري يحمل عنوان “الفرار إلى النهر” وهو من إخراج التفات عزيز وحالياً أقوم بالاستعداد للمشاركة في مسلسل “أسد بابل” وهو من تأليف علي صبري وإخراج حسن المالكي. ويدور مسلسل “أسد بابل” حول ظاهرة استهداف حياة الكفاءات العراقية بعد الاحتلال والتي أدت إلى هجرة الكثير من العقول العراقية النيرة إلى أصقاع العالم. وهذا المسلسل يهدف إلى إيجاد معالجة وحلول في كيفية إرجاعهم إلى الوطن من جديد، لأن البلد بحاجة ماسة لخدماتهم بعد الذي تعرض له من دمار وتخريب.

·         كيف وجدتِ المسرح العراقي بعد التوقف الطويل الذي أصابه بعد الاحتلال؟

أستطيع القول إن المسرح العراقي بدأ ينهض من جديد وبقوة، لأن الطواقم الخلاقة فيه ماتزال ملتزمة وبحرص كبير بنهجها السابق وهذا دليل عافية. علما أن الشوائب التي حاولت الإساءة إلى المسرح العراقي في زمن ما لم تستطع أن تؤثر على المسرح العراقي الجاد والملتزم. وهذا ما لمسته فعلا من خلال مشاركتي في مسرحية “أضغاث أحلام”.

·         وماذا عن الجمهور هل ما زال يقتصر على جمهور النخبة فقط أم أن هناك جمهوراً جديداً نفذ من خلال شباك التذاكر؟

ما زال المسرح العراقي الجاد يعتمد في عروضه على جمهور النخبة الذي يضم الشخصيات الأكاديمية والكتاب والممثلين والمخرجين والإعلاميين. وقد كان حضوره جيداً رغم أن العرض كان في جو حار جداً ولم تكن قاعة المسرح الوطني فيها تكييف للجو، لكن الحضور مع كل هذه المصاعب وصل إلى درجة مقبولة.

·         وماذا عن المسرح الشعبي الذي بدأ يعيد نفسه؟

أنا أرى عودة المسرح الشعبي من جديد لعرض عروضه المسرحية خطوة جميلة وجريئة في آن واحد وأيضا لابد منها. لأن المسرح الشعبي مطلوب جماهيريا، لكن المطلوب الآن هو أن يبتعد المسرح الشعبي عن الإسفاف والتهريج والتفاهات. كما عليه أن يقدم فكرة جميلة تحمل مضمونا إنسانيا واجتماعياً راقياً وكذلك كوميديا راقية وجميلة. والمعروف أن المسرح الشعبي يستقطب اكبر عدد من الجمهور وكذلك يعد حركة فنية في البلد خصوصا بعد الظروف الصعبة التي مرت على العراق.

·         كيف وجدتِ الدراما العراقية التي عرضت في دورة شهر رمضان الماضي؟

وجدت الدراما العراقية التي عرضت في دورة شهر رمضان الأخيرة أنها مثلت طفرة مقبولة. وهذه الطفرة جعلت الجمهور العراقي وقسماً من الجمهور العربي في دول الجوار العراقي يتابع المسلسلات العراقية وهذا الأمر يعود إلى الجهات المنتجة التي شخصت الأخطاء التي وقعت فيها المسلسلات العراقية التي عرضت في السنوات الأخيرة ولم تكررها وهذا يعد خطوة في الاتجاه الصحيح لنقل الدراما العراقية من واقعها المرير والصعب جدا إلى واقع جديد كله إبداع وحيوية وتفاؤل.

·         ما الأخطاء السابقة التي تلافاها المنتجون في أعمالهم الجديدة؟

على كتاب الدراما العراقية وكذلك الجهات المنتجة أن يبتعدوا عن تناول ما مر على العراق من ويلات خطيرة بعد الاحتلال، لأن تناول العنف والقتل والتهجير يزيد من هم المتلقي العراقي الذي أصيب بالتخمة من جراء مشاهداته اليومية لواقع هذه الأحداث. لذلك لم يعد بحاجة إلى رؤيتها من خلال الدراما. وعلينا الانتقال إلى مرحلة جديدة في الدراما العراقية من خلال تناول المواضيع الاجتماعية الجميلة لأن فيها استقطاباً للجمهور وفيها متعة أيضاً. وأرى أن الأعمال العراقية الأخيرة ابتعدت عن العنف واقتربت من الحياة الاجتماعية والرومانسية فنجحت.

·         ما أكثر عمل عراقي عرض في دورة شهر رمضان ولفت انتباهك؟

هناك أكثر من عمل لفت انتباهي ومن أبرز هذه الأعمال مسلسل “الثانية بعد منتصف الظهر” للمخرج حسن حسني حيث كان عملاً جميلاً وشد انتباهي من الحلقة الأولى وحتى الأخيرة. وأيضاً هناك مسلسل “الدهانة” الذي تابعته بشكل متقطع وقد أعجبني كثيراً وأحب أن أبارك للعاملين فيه وأيضاً مسلسل “النخلة ولجيران” وقد شعرت من خلال مشاهدتي لهذه الأعمال بوجود نقلة كبيرة في الدراما العراقية.

·         هل يمكن للدراما العراقية وبعد التحسن الذي طرأ عليها أن تتنافس مع الدراما السورية والمصرية والخليجية؟

هنا يجب علينا أن لا ننسى الظروف التي مرت على العراق سواء من خلال الحروب العديدة التي خاضها ومن ثم سنوات الحصار الاقتصادي الطويل وبعد ذلك مرحلة الاحتلال وتداعياتها الخطيرة. لذلك أرى أن مرحلة المنافسة ما بين الدراما العراقية وشقيقاتها في سوريا ومصر وحتى بعض دول الخليج لم تحن بعد. لان الفنان العراقي كان يفترض أن يعمل طوال السنة من خلال التخطيط المسبق حتى يكون مهيأة للمشاركة في هذا العمل أو ذاك وهذا سينعكس ايجابيا على العمل الذي يعمل فيه. لكن ما يؤسف له أن الدراما العراقية تفتقد للتخطيط المسبق.

·         من يتحمل حالة عدم التخطيط هذه؟

هناك جهات عديدة تتحمل هذه الحالة منها شركات الإنتاج وكذلك الفضائيات، لأن هذه الجهات لا تضع الخطط الصحيحة والمدروسة بشكل علمي، بل إن هذه الجهات بمجرد أن يقترب شهر رمضان تشحذ الهمم من أجل أن نقوم بالإنتاج وهذا يؤثر على العمل الفني، لأنه ينتج على عجالة ولا تكون هناك انتقائية عند الاختيار، فضلاً عن ذلك أن مسألة توزيع الأدوار بين الممثلين تكون غير صحيحة. لذلك أناشد هذه الجهات ضرورة وضع الخطط والدراسات اللازمة بعد انتهاء دورة شهر رمضان حتى تظهر الأعمال العراقية متكاملة بكل شيء، وإن لم تكن متكاملة فإنها ستكون قريبة من التكامل.

·         هل توجد عدالة في توزيع الشخصيات الفنية على الأعمال العراقية؟

إطلاقاً لا يوجد مثل هذا الأمر والسبب يعود إلى عدم التخطيط والعجالة في التصوير. لذلك فإن الممثل الذي يقوم بتصوير عملين أو أكثر في آن واحد تختلط عليه الشخصيات وهذا الاختلاط يؤدي بكل تأكيد إلى خروج جميع الشخصيات التي يمثلها إلى المتلقي بغير الصورة التي كانت تصل لو لم يكن هناك تداخل فيما بينها.

·         هل منحت الجهات الإنتاجية الممثل العراقي حقه؟

أبداً لم يحصل هذا، لأن الممثل العراقي مايزال مظلوماً من ناحية الأجور. في حين أن المنتج المنفذ هو الرابح الأكبر، لأنه في بعض الأحيان يأتي بطواقم ليست بالمستوى المطلوب حتى يوفر الأموال لنفسه على حساب القيمة الفنية للعمل.

·         كيف تنظرين إلى استعانة بعض الأعمال العراقية بممثلين عرب؟

عندما يكون العمل الفني العراقي مرتفعاً، فلا بأس من محاولة دمج الممثلين العرب مع زملائهم العراقيين. لكن ما لفت نظري في هذه المسألة أن هناك أفضلية تمنح للممثل العربي على حساب الممثل العراقي بحيث يكون الممثل العربي مفضلاً مادياً، معنوياً وحتى في الأمور الأخرى، هذا الأمر أراه خطأ كبيراً يقع فيه المنتج المنفذ وأتمنى أن لا يفهم كلامي هذا أنه من باب الحسد أو الغيرة، بل أنا أتمنى أن يكون الاهتمام بالممثل العراقي كبيراً من خلال منحه الأجر الذي يستحق.

·         وما رؤيتك بخصوص استعانة الدراما العراقية بالمخرجين السوريين؟

أنا أرى أن لدينا طاقات جيدة في الإخراج تولت إخراج الكثير من الأعمال العراقية البارزة في السنوات الماضية، وكان علينا أن نقوم بدعم هؤلاء المخرجين حتى يواصلوا إبداعهم. أما مسألة الاستعانة بالمخرجين السوريين لإخراج الأعمال العراقية فهذه قضية تحتاج إلى وقفة معينة، لأن المخرج السوري لا يستطيع إدراك الواقع العراقي بكل مفاصله على اعتبار أن العراق بلد متعدد الديانات والطوائف والقوميات. وهذا التعدد سيجعل المخرج السوري غير قادر على تحليل النص بالشكل الذي كتبه المؤلف، ومثل هذا الأمر سيجعل العمل مرتبكاً وربما غير مفهوم في بعض الأحيان.

·         ما أمنياتكِ للدراما العراقية؟

أتمنى أن تكون هناك انتقالة نوعية تحصل في الدراما العراقية خلال العام الجديد. كما أتمنى أن يقوم المؤلفون العراقيون بكتابة الشخصيات الرئيسية في مؤلفاتهم إلى ممثل معين أو ممثلة معينة مثلما يحدث في بعض المسلسلات العربية. وأتمنى ايضا أن يكون الاهتمام قويا بالأحداث التاريخية العراقية المعاصرة رغم معرفتي أن هذه الأعمال تحتاج إلى تكاليف مادية كبيرة، لكنها ستكون مؤثرة وتبقى في الذاكرة وتجعل المتلقي العراقي يقرأ تاريخ بلاده من خلالها.

الخليج الإماراتية في

06/11/2009