شخصية الصحافي إما أن يكون شريفاً يسعى إلى كشف الحقائق للجمهور
وتوعيته والمطالبة بحقوقه، وتوجيه الرأي العام تجاه قضية معينة، وإما أن
يبيع قلمه ومبادئه ويصبح انتهازياً يسعى بكامل جهده وقوته إلى تحقيق مصالح
شخصية ربما تتعارض مع مصالح الوطن. من خلال هذين المحورين عرضت الأعمال
الدرامية والسينمائية المصرية شخصية الصحافي.
(الحواس الخمس) يعرض في السطور التالية رأي النقاد
في شخصية الصحافي في الدراما الرمضانية هذا الموسم، إضافة إلى أهم الشخصيات
الصحافية في الأعمال الفنية. فإلى التفاصيل.تقول الناقدة الفنية ماجدة خير
الله إن ما تشهده دراما رمضان هذا العام هو نوع من الاستخفاف بعقول
المشاهدين من حيث سيطرة الجانب الدرامي والبكائي على جميع المسلسلات
باستثناء عدد محدود من المسلسلات، إلى جانب تكرار الأفكار والقضايا نفسها
في معظم المسلسلات إن لم تكن كلها، ومن أبرز تلك الموضوعات والقضايا هي
شخصية الصحافي وقضايا الصحافيين، وفساد رجال الأعمال، وعلاقة ذلك
بالصحافيين، وكأن الدنيا خلت من القضايا والمشكلات، ولم يعد بها غير فساد
رجال الأعمال والحرب على غزة، ودور الصحافيين فيها.
وأضافت خير الله: «لا أنكر أن مهنة الصحافة مادة ثرية دراميا، إلا أن
ذلك لا يعني أن توجد شخصية الصحافي في عشرة مسلسلات أو أكثر من حصيلة
المسلسلات التي تقدم هذا العام».
أما الناقد محمود قاسم فأكد أن الفن بصفة عامة والأعمال الدرامية بصفة
خاصة أساءت إلى مهنة الصحافي على الرغم من أهميتها، فقد رسمت السينما
قديماً شكلاً للصحافي يتمثل في نظارة سميكة وجسد مترهل وملابس غير متناسقة،
وقد ثبتت هذه الصورة في أذهان المشاهدين، وعندما تغيرت هذه الصورة تغيرت
للأسوأ لتبرز مساوئ الصحافي على المستوى الأخلاقي، وتتعمد إبرازه في صورة
انتهازي مادي.
وأرجع قاسم سر تزايد الصحافيين في الأعمال الدرامية إلى زيادة أعداد
الصحف، وتعاظم دور صحف المعارضة بشكل خاص في تناول قضايا الناس، حيث تشهد
مصر على سبيل المثال حالياً أكبر عدد للمطبوعات في تاريخها، كما أن
الصحافيين شكلوا قضايا شغلت الناس، وأصبح الحديث عن أي قضية لا يكتمل إلا
بذكر دور الصحافة فيها، وهو ما يدركه الفنانون، ولذلك كان طبيعياً مع تصاعد
وتيرة الكشف عن قضايا انحرافات وفساد على أيدي صحافيين.
شخصيات مختلفة
لم يكن ظهور الصحافي في الأعمال الفنية حكراً على الدراما
التلفزيونية؛ إذ شهدت الأعمال السينمائية من قبل مجموعة كبيرة من الأفلام
التي رصدت واقع الصحافي، وعبرت عنه بصورة مختلفة عن بعضها البعض، أما عن
الصور المختلفة التي ظهر بها الصحافيون في السينما؛ فأشهرها الصحافي الدون
جوان متعدد العلاقات النسائية بجانب نجاحه الصحافي وقدمها بنجاح أحمد زكي
في فيلم «امرأة واحدة لا تكفي» مع سماح أنور وفيفي عبده ويسرا، وأخرجته
إيناس الدغيدي، عن قصه الكاتب الصحافي عماد الدين أديب إنتاج العام 1990.
وقدم الفنان كمال الشناوي في رائعة نجيب محفوظ «اللص والكلاب» للمخرج
كمال الشيخ العام 1962 شخصية رؤوف علوان الصحافي الذي كان على علاقة صداقة
قوية مع سعيد مهران قبل أن يدخل السجن.
وفي أثناء دخول سعيد السجن تحدث تطورات لشخصية رؤوف الذي يصبح كاتباً
صحافياً مرموقاً بعد أن بدل جميع شعاراته، فالصحافي الذي كان اشتراكياً
حينما كان فقيراً يحض الفقير الساذج شكري سرحان على سرقة الأغنياء ويحللها
له، وحين يتحالف الصحافي مع السلطة، ويصبح مشهوراً وثرياً يتخلى عن اللص،
ويتحول اللص إلى سفاح، ويكون الصحافي أول من يقدمه إلى مصيره المحتوم الموت
برصاص الشرطة.
شارك الفنان الراحل عبد الحليم حافظ في تبييض صورة الصحافيين من خلال
أدائه لدور الصحافي الناشئ المكافح ذي الإمكانات المادية المحدودة جداً
وصاحب المبدأ يعمل في جريدة كبرى يشاركه كفاحه زميله المصور يونس، حيث يرفض
الصحافي استغلال ظروف ابنة المليونير ونشر صورها على الرغم من حاجته إلى
تحقيق نجاح صحافي كبير، والحصول على مكافأة مالية تنتشله من حياة الفقر
التي يعيشها، وجسده عبد الحليم حافظ في فيلم «يوم من عمري» العام 1961
للمخرج عاطف سالم، أمام زبيدة ثروت، والنابلسي، وهو نموذج واقعي جداً،
ويطابق ظروف آلاف الصحافيين.
وفي الفيلم نفسه أيضا قدم الفنان محمود المليجي شخصية رئيس التحرير
العصبي والمتحفز الذي يجري وراء الانفرادات، ويبدو كأنه مقيم بالصحيفة لا
يغادرها إلى البيت، ولا يبالي بالكيفية التي يصل بها إلى الانفراد، المهم
أن يحققه، وإن كان يحمل قيماً مهنية شريفة وقلباً طيباً للغاية.
ويعتبر سؤال «أين ترعرعت سيدتي؟» من أشهر الأسئلة الصحافية التي
تبنتها الأفلام العربية لتعريف الصحافي الفني، وظهر هذا جلياً من خلال
شخصية المخبر الصحافي الذي يفرض نفسه على الجميع، وهي صورة انتشرت كثيراً
في النصف الأول من القرن العشرين سينمائياً، وقدمها حسن البارودي في فيلم
«لعبة الست» عندما سأل السؤال الشهير للفنانة الصاعدة بسرعة الصاروخ تحية
كاريوكا «أين ترعرعت سيدتي؟»
وعرض الفيلم صورة للصحافي وهيئته حيث صوره بأنه لا ينام، ولا يكل ولا
يمل، يجده الناس أمامهم في أي وقت ومكان يتدخل ويسأل عن أدق تفاصيل حياتهم
الشخصية، وهم لا يملكون إزاءه سوى الانصياع والإجابة، وهو نموذج كوميدي حيث
تتوافر للصحافي ضعيف الشخصية طاقية الإخفاء فيحقق أعظم الانتصارات الصحافية
بحوار شهير مع ملك الشيكولاته، ويحقق النفوذ والثروة وينتقم من غريمه
عبدالمنعم إبراهيم في دور عصفور قمر الدين الذي تخفى تخفياً بارعاً في فيلم
«سر طاقية الإخفاء» مع زهرة العلا، وتوفيق الدقن.
البيان الإماراتية في
29/08/2009 |